المطلب الثالث: مسألة الدعوة إلى الوحدة الإسلامية على ضوء حديث الثقلين
كان جدّنا السيّد الميلاني رحمة اللّه عليه يحدّثنا عن مبادرة بعض أعلام النجف الأشرف(1) إلى التفاهم والتقارب مع بعض علماء السنّة في ذلك الزمان، كان يقول رحمة اللّه عليه: كنّا نقترح عليه وعلى غيره: أنّ السبيل الصحيح السليم للتقارب بين المذاهب الإسلامية، هو الأخذ بحديث الثقلين، لأنّ المفروض أنّه حديث صحيح عند الطرفين ـ إنْ لم يكن متواتراً وهو متواتر قطعاً ـ حديث مقبول عند الطرفين، ودلالته واضحة.
فحينئذ، إذا كان هناك شيء عن رسول اللّه نفسه وهو صحيح سنداً ودلالته تامّة، ويصلح لأن يكون جامعاً بيننا، لماذا نتركه ونتوجّه إلى نظريّات واقتراحات ومشاريع أُخرى، قد لا تفيدنا ولا نصل عن طريقها إلى الهدف.
كان رحمة اللّه عليه يقول: كنّا نصرّ على هذا المعنى، وكان بعض أعلام النجف الأشرف الذي كان يقود فكرة التقريب له اقتراح آخر.
حتّى أنّه عاد واعترف بأنّ الطريقة الصحيحة ليست إلاّ هذه الطريقة، ولا علاج لهذه المشكلة إلاّ الرجوع إلى هذا الحديث وأمثاله.
وتلخّص: إنّ النبي صلّى اللّه عليه وآله قد أخبر عن دنوّ وفاته وقرب رحيله، وأخبر الأُمّة بأنّه تارك بينهم أعزّ الأشياء وأثمن الأشياء وأغلاها عنده، إنّه تارك بين الأُمّة القرآن والعترة، حتّى لا يضلّوا من بعده، وكلمة «لن» تدلّ على التأبيد، وهذه موجودة في ألفاظ الحديث: «ما إن تمسّكتم بهما»، أو «ما إنْ أخذتم بهما لن تضلّوا».
ثمّ إنّه صلّى اللّه عليه وآله أكّد عليهم أنّه سيسألهم عند الحوض عن معاملتهم مع الثقلين، وأنّهم كيف خلفوه فيهما.
ولعلّه أراد أن يشير بهذا الموعد والملتقى إلى أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام هو الساقي على هذا الحوض، وهو الذي يذود المنافقين عنه.
وأيضاً: لعلّه كان يريد الإشارة إلى حديث الحوض الشهير الذي قال صلّى اللّه عليه وآله كما في الصحاح: «سيرد عَلَيّ أصحابي وأنّهم يذادون عن الحوض وأقول: ياربّ هؤلاء أصحابي، فيقول: إنّك لا تدري ما أحدثوا من بعدك»(2).
وسنذكر هذه الأحاديث في موضعها إنْ شاء اللّه تعالى.
(1) هو الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء.
(2) صحيح البخاري 6 / 96، 8 / 136 و148، 9 / 58، صحيح مسلم 4 / 1793، مسند أحمد 1 / 453، 3 / 28، 5 / 50.