الشرط الثالث: الشجاعة
بأن يكون شجاعاً، بحيث يمكنه تجهيز الجيوش، والوقوف أمام هجمات الأعداء، بحيث يمكنه الدفاع عن حوزة الدين وعن بيضة الإسلام والمسلمين.
هذه هي الشروط المتفق عليها عندهم، التي يجب توفرها في الشخص حتى يمكن اختياره للإمامة على مسلكهم من أنّ الإمامة تكون بالإختيار.
ولابدّ وأنّكم تحبّون أنْ أقرأ لكم نصّاً من تلك الكتب التي أشرت إليها، لتكونوا على يقين ممّا أنسبه إليهم، ومن حقّكم أن تطالبوا بقراءة نص من تلك النصوص:
جاء في كتاب ]المواقف في علم الكلام[ وشرح المواقف(1) ما نصّه:
«المقصد الثاني: في شروط الإمامة:
الجمهور على أنّ أهل الإمامة ومستحقّها من هو مجتهد في الأُصول والفروع ليقوم بأُمور الدين، متمكّناً من إقامة الحجج وحلّ الشبه في العقائد الدينية، مستقلاً بالفتوى في النوازل وأحكام الوقائع نصّاً واستنباطاً، لأنّ أهمّ مقاصد الإمامة حفظ العقائد وفصل الحكومات ورفع المخاصمات، ولن يتمّ ذلك بدون هذا الشرط».
إذن، الشرط الأول: أن يكون عالماً مجتهداً بتعبيره هو في الأصول والفروع، ليقوم بأمور الدين، وليكون متمكناً من إقامة الحجج والبراهين، ودفع الشبه المتوجهة إلى العقائد من قبل المخالفين.
الشرط الثاني: «ذو رأي وبصارة، بتدبير الحرب والسلم وترتيب الجيوش وحفظ الثغور، ليقوم بأُمور الملك، شجاع ليقوى على الذب عن الحوزة والحفظ لبيضة الإسلام بالثبات في المعارك».
لاحظوا بدقة ولا تفوتنّكم الكلمات الموجودة في هذا النص، وكتاب المواقف وشرح المواقف من أهم كتب القوم في علم الكلام، فالشرط الثاني هو الشجاعة.
«وقيل في مقابل قول الجمهور: لا يشترط في الإمامة هذه الصفات، لأنّها لا توجد الآن مجتمعة».
وكتاب المواقف إنّما أُلّف في القرن السابع أو الثامن من الهجرة، وهذه الصفات غير مجتمعة في الحكّام في ذلك الوقت، إذن يجب عليهم أن يرفعوا اليد عن اعتبارها في الإمام، ويقولوا بإمامة من لم يكن بعالم أو لم يكن بشجاع وحتّى من يكون فاسقاً فاجراً، كما سنقرأ صفة العدالة أيضاً وهو الشرط الثالث:
يقول: «نعم يجب أن يكون عدلاً، لئلاّ يجور، فإنّ الفاسق ربّما يصرف الأموال في أغراض نفسه فيضيع الحقوق».
«فهذه الصفات شروط معتبرة في الإمامة بالإجماع».
هذا نصّ عبارته.
ثم يقول: «وهاهنا صفات أُخرى في اشتراطها خلاف».
إذن، نتكلّم معهم باعتبارنا عقلاء مثلهم، ونعتبر هذه الصفات الثلاث أيضاً في الإمام، ونفترض أنّ الإمامة تثبت بالإختيار، والإمامة مورد نزاع بيننا وبينهم، فنحن نقول بإمامة علي وهم يقولون بإمامة أبي بكر.
فلنلاحظ إذن، هل هذه الصفات المعتبرة بالإجماع في الإمام، المجوّز توفّرها فيه لانتخابه واختياره إماماً، هل هذه الصفات توفّرت في علي أو في أبي بكر، حتّى نختار عليّاً أو نختار أبا بكر؟ ومع غضّ النظر عن الكتاب والسنّة الدالّين على إمامة علي بالنص أو غير ذلك؟
نحن والعقل الذي يقول بأنّ الرئيس للأُمّة والخليفة عن النبي صلّى اللّه عليه وآله والقائم مقامه لإدارة امور المسلمين، يجب أن يكون واجداً لهذه الصفات المجمع عليها، ونحن تبع لهذا الإجماع الذي هم يدّعونه على هذه الصفات.
وأيضاً: نحن نوافق على هذا الإجماع، وإن كنّا نقول باعتبار العصمة التي هي أعلى من العدالة، لكن مع ذلك نبحث عن هذه المسألة في هذه الليلة مع غضّ النظر عن مسلكنا في ثبوت الإمامة وتعيين الإمام.
إذن، يتلخّص كلام القوم في الصفات اللازم وجودها في الإمام بالإجماع في ثلاثة صفات:
أنْ يكون متمكناً من إقامة الحجج وحلّ الشبه في العقائد الدينية، لأنّ أهم مقاصد الإمامة حفظ العقائد فصل الخصومات، فلابدّ وأن يكون عالماً في الدين بجميع جهاته من أُصوله وفروعه، ليتمكّن من الدفاع عن هذا الدين إذا ما جاءت شبهة أو توجّهت هجمة فكرية.
وأن يكون شجاعاً، ليقوى على الذبّ عن الحوزة والحفظ لبيضة الإسلام بالثبات في المعارك، لأنّ الإمام إذا فرّ من المعركة فالمأمومون يفرون، إذا فرّ القائد فالجنود يفرّون تبعاً له، إذا انكسر الرئيس انكسر الجيش كلّه، وهذا واضح، إذن بنصّ عبارة هؤلاء يجب أن يكون من أهل الثبات في المعارك.
وأن يكون عدلاً غير ظالم ولا فاسق.
فإمّا تكون هذه الصفات مجتمعة في علي دون غيره، فيكون علي هو الإمام، وإمّا تكون مجتمعة في غير علي فيكون ذاك هو الإمام، وإمّا تكون مجتمعة في كليهما، فحينئذ ينظر إلى أنّ أيّهما الواجد لهذه الصفات في أعلى مراتبها، وإلاّ فمن القبيح تقديم المفضول على الفاضل عقلاً، والقرآن الكريم يقول: (أَ فَمَنْ يَهْدي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدّي)، من يكون عادلاً أولى بأن يكون إماماً أو من يكون فاسقاً؟ العالم أولى أن يكون إماماً نقتدي به أو من يكون جاهلاً؟ وعلى فرض أن يكون كلاهما عالمين فالأعلم هو المتعيّن أولا؟ لابدّ من الرجوع إلى حكم العقل والعقلاء في المسألة، ونحن نتكلّم على هذا الصعيد.
قالوا: هذه هي الصفات المعتبرة بالإجماع، أمّا أنْ يكون هاشميّاً ففيه خلاف، أمّا أنْ يكون معصوماً ففيه خلاف، أمّا يكون حرّاً، ربّما يكون فيه خلاف، ربّما ينسبون إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله أنه أمر بطاعة من وليّ على المسلمين وإنْ كان عبداً. ربما ينسبون إليه هكذا حديث، لكن هذه قضايا مختلف فيها، فالعصمة تقول بها الشيعة، وغيرهم لا يقولون بها، وكذا سائر الصفات فهي مورد خلاف، مثل أن يكون هاشمياً، أن يكون قرشياً، أن يكون حرّاً، وغير ذلك من الصفات المطروحة في الكتب.
أمّا الصفات المتفق عليها بين الجميع فهي: العلم والعدالة والشجاعة، ونحن نبحث على ضوء هذه الصفات.
(1) شرح المواقف 8 / 349.