الدليل العقلي على امامة علي عليه السلام
بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمد للّه رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطيبين الطاهرين، ولعنة اللّه على أعدائهم من الأولين والآخرين.
يقول اللّه سبحانه وتعالى: (أفَمَنْ يَهْدي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدّي إِلاّ أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ).
الحق في اللغة بمعنى الثبوت، (أَ فَمَنْ يَهْدي إِلَى الْحَقِّ) أي: أفمن يهدي إلى الأمور الثابتة القطعيّة اليقينية، هذا الذي يهدي إلى الواقع،(أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ) أم الذي لا يهتدي (إِلاّ أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)(1).
هذا الذي يقوله اللّه سبحانه وتعالى إرشاد إلى قاعدة عقلية قطعية عند جميع العقلاء من مسلمين وغير مسلمين، إنّهم إذا أرادوا الوصول إلى أمر واقع وإلى حقيقة من الحقائق، يهتدون بمن له علم بتلك الحقيقة ويهدي ويوصل الإنسان إلى تلك الحقيقة، يرجعون إلى هكذا شخص، أمّا الذي ليس بمهدي، ليس بعارف بالحقيقة، الذي لا يهتدي إلى الواقع، كيف يمكن أن يكون هادياً للآخرين إلى الواقع؟
ومن هنا قرّر العلماء من الفريقين على أنّ العقائد يجب أن يتوصل إليها الإنسان بالقطع واليقين، ولا يكفي في العقيدة الظن والتقليد، ويقول اللّه سبحانه وتعالى (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْني مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا)(2)، الظن لا يغني من الواقعيّات شيئاً، الواقعيّات والأمور الحقيقيّة، المطلوب فيها القطع واليقين، لا يكفي فيها الظن، ولا يكفي فيها الأخذ بأقوال الآخرين، وهذه قاعدة عقليّة، والقرآن الكريم يشير ويرشد إلى هذه القاعدة العقلية القطعية.
وحينئذ، إذا دار الأمر بين رجلين، أحدهما مهتدي ويمكنه هداية الآخرين إلى العقائد الحقة والأُمور الواقعية، والشخص الآخر يحتاج إلى من يهديه، يحتاج إلى من يرشده ويأخذ بيده، كيف يمكن الحكم بالاهتداء وبأخذ الحقائق والواقعيات ممّن هو بنفسه يحتاج إلى من يهديه؟
أمّا نحن، فنعتقد بأنّ الإمامة أمر لا يكون إلاّ من اللّه سبحانه وتعالى، الإمامة جعل ونصب من اللّه سبحانه وتعالى، ولا فرق بين الإمامة والنبوّة من هذه الحيثيّة، وحينئذ، نحتاج في معرفة الإمام وتعيّنه إلى نصِّ قطعيّ، أو إلى أدلّة تقتضي أن يكون الشخص هو الإمام لكونه مهتدياً وهادياً.
وأيضاً، لو قام الدليل على عصمة شخص أو أشخاص، فإنّ العصمة إنْ وجدت في شخص لا يجوّز العقل الإهتداء بغير هذا الشخص مع وجوده، ومع التمكن منه ولو بالواسطة، لذاجعلنا الإمامة إمّا بالنص وإمّا بالعقل، والنص إمّا من الكتاب وإمّا من السنّة القطعيّة.
وكان حديث المنزلة ـ وهو آخر الأدلّة اللفظية التي بحثنا عنها ـ دليلاً على إمامة أمير المؤمنين عليه السّلام من الجهات الثلاثة جميعاً، فلقد كان هذا الحديث نصّاً في إمامة أمير المؤمنين، ودليلاً على عصمته، ودليلاً على أفضليّته عليه السّلام من سائر الصحابة.
وقد بحثنا عن مدلول هذا الحديث وفقهه، وبيّنا اندفاع الشبهات التي طرحت في كتب الأُصول والكلام عليه وعلى الإستدلال به على إمامة أمير المؤمنين، وكان عمدتها ثلاثة شبهات ذكرتها وبيّنت اندفاعها بوجوه قويّة وبأدلّة عديدة.
وموضوع بحثنا في هذه الليلة هو الاستدلال بما يحكم به العقل على إمامة أمير المؤمنين عليه السّلام، أي الدليل العقلي على الإمامة.
الأوصاف المجمع عليها في الإمام
لو راجعتم كتب العقائد والكلام عند أهل السنّة ككتاب: ]المواقف في علم الكلام[ للقاضي الإيجي، و]شرح المواقف[ للشريف الجرجاني، و]شرح [القوشچي على التجريد، و]شرح المقاصد[ لسعد الدين التفتازاني، و]شرح العقائد النسفية[، وغير هذه الكتب التي هي من أُمّهات كتب العقيدة والكلام عند أهل السنّة. لرأيتم أنّهم يذكرون في المباحث المتعلقة بالإمام فصولاً، منها:
إنّ نصب الإمام إنّما يكون بالإختيار، وليس بيد اللّه سبحانه وتعالى، خلافاً للإماميّة.
وإذا كان نصب الإمام عندهم بالإختيار، فإنّهم يذكرون ـ في فصل آخر ـ الشروط التي يجب توفّرها في الإمام حتّى يُختار للإمامة.
وإذا راجعتم ذلك الفصل الذي يذكرون فيه الشروط، يذكرون هناك أوصافاً ويقسّمونها إلى قسمين:
قسم قالوا بأنّها أوصاف مجمع عليها.
وقسم هي أوصاف وقع الخلاف فيها.
ونحن نتكلّم على ضوء تلك الشروط التي ذكروها على مسلكهم في تعيين الإمام وهو الإختيار، تلك الشروط المجمع عليها بينهم، الشروط التي ذكروها وأوجبوا توفّرها في الإمام كي يختار إماماً على المسلمين بعد رسول اللّه.
نتكلّم معهم بغضّ النظر عن مسلكنا في تعيين الإمام، وهو أنّه بيد اللّه سبحانه وتعالى.
فما هي تلك الشروط والأوصاف التي أجمعوا على ضرورة وجودها في الإمام حتى يختار إماماً؟
تلك الشروط المجمع عليها بينهم:
(1) سورة يونس (10): 35.
(2) سورة النجم (53): 28.