الدليل الأول:
قوله تعالى: (وَسَيُجَنَّبُهَا اْلأَتْقَى * الَّذي يُؤْتي مالَهُ يَتَزَكّى * وَما ِلأَحَد عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَة تُجْزى).
هذه آية قرآنية، وكما ذكرنا في مباحثنا حول الآيات المستدلّ بها على إمامة أمير المؤمنين عليه السّلام: إنّ دلالة الآية على إمامة علي تتوقّف على ثبوت نزولها في علي وبدليل معتبر، وإلاّ فالآية من القرآن، وليس فيها اسم علي ولا اسم غير علي.
وقوله تعالى: (وَسَيُجَنَّبُهَا اْلأَتْقَى) يتوقّف الاستدلال به على مقدّمات، حتّى تتمّ دلالة الآية على إمامة أبي بكر… .
أوّلاً: الاستدلال بهذه الآية على إمامة أبي بكر يتوقّف على سقوط جميع الأدلّة التي أقامها الإمامية على عصمة علي عليه السّلام، وإلاّ فالمعصوم أكرم عند اللّه سبحانه وتعالى ممّن يؤتي ماله يتزكّى، فإذن، يتوقّف الاستدلال بهذه الآية على إمامة أبي بكر ـ لو كانت نازلةً فيه ـ على عدم تماميّة تلك الأدلّة التي أقامها الإمامية على عصمة علي عليه السّلام، وإلاّ فلو تمّ شيء من تلك الأدلّة، لكان علي أكرم عند اللّه سبحانه وتعالى، وحينئذ، يبطل هذا الاستدلال.
وثانياً: يتوقف الاستدلال بهذه الآية المباركة لأكرميّة أبي بكر، على أنْ لا يتمّ ما استُدلّ به لأفضليّة علي عليه السّلام، وإلاّ لتعارضا بناء على صحة هذا الاستدلال وحجيّة الحديث الوارد في ذيل هذه الآية المباركة، ويكون الدليلان حجّتين متعارضين، ويتساقطان، فلا تبقى في الآية هذه دلالة على إمامته.
ولكنّ ممّا لا يحتاج إلى أدلّة إثبات هو: أنّ عليّاً عليه السّلام لم يسجد لصنم قط، وأبو بكر سجد، ولذا يقولون ـ إذا ذكروا عليّاً ـ : كرّم اللّه وجهه، وهذا يقتضي أن يكون علي أكرم عند اللّه سبحانه وتعالى.
ثالثاً: يتوقف الاستدلال بهذه الآية المباركة على نزول الآية في أبي بكر، والحال أنّهم مختلفون في تفسيرها على ثلاثة أقوال:
القول الأول: إنّ الآية عامّة للمؤمنين ولا اختصاص لها بأحد منهم.
القول الثاني: إنّ الآية نازلة في قصّة أبي الدحداح وصاحب النخلة، راجعوا ]الدر المنثور في التفسير بالمأثور[(1)، يذكر لكم القصة في ذيل هذه الآية، وإنّ الآية بناء على هذا القول نازلة بتلك القصة ولا علاقة لها بأبي بكر.
القول الثالث: إنّ الآية نازلة في أبي بكر.
فالقول بنزول الآية المباركة هو أحد ثلاثة أقوال عندهم.
لكن هذا القول ـ أي القول بنزول الآية في أبي بكر ـ يتوقف على صحة سند الخبر به، وإذا لم يتمّ الخبر الدال على نزول الآية في أبي بكر يبطل هذا القول.
وإليكم المصدر الذي ذُكر فيه خبر نزول الآية في أبي بكر، وتصريحه بضعف سند هذه الرواية:
الرواية يرويها الطبراني، ويرويها عنه الحافظ الهيثمي في ]مجمع الزوائد[، ثمّ يقول: فيه مصعب بن ثابت، وفيه ضعف(2).
فالقول الثالث الذي هو أحد الأقوال في المسألة، يستند إلى هذه الرواية، والرواية ضعيفة.
ومصعب بن ثابت حفيد عبداللّه بن الزبير، فهو مصعب بن ثابت بن عبداللّه بن الزبير، وآل الزبير منحرفون عن أهل البيت كما هو مذكور في الكتب المفصّلة المطوّلة، ومصعب بن ثابت: ضعّفه يحيى بن معين وأحمد بن حنبل، وقال أبو حاتم: لا يحتجّ به، وقال النسائي: ليس بالقوي، وهكذا قال غير هؤلاء(3).
فكيف يستدلّ بالآية المباركة على أكرميّة أبي بكر وأفضليّته، وفي المسألة ثلاثة أقوال، والقول بنزولها في أبي بكر يستند إلى رواية واحدة، وتلك الرواية ضعيفة؟
مضافاً: إلى أنّ هذا الاستدلال موقوف على عدم تماميّة أدلّة الإماميّة على أفضليّة أمير المؤمنين وإمامته… كما ذكرنا.
(1) الدرّ المنثور 8 / 532.
(2) مجمع الزوائد 9 / 50.
(3) تهذيب التهذيب 10 / 144.