الجهة الأُولى
الجهود التي بذلت في سبيل إثبات هذا الحديث
وهذه الجهة تشتمل على نقاط:
النقطة الأُولى:
لقد نزلت في قضية الغدير، وفي يوم الغدير، آيات من القرآن الكريم، فنزلت آية قبل خطبة الغدير هي قوله تعالى: (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ…)(1) إلى آخر الآية، ونزلت آية بعد خطبة الغدير هي قوله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتي وَرَضيتُ لَكُمُ اْلإِسْلامَ دينًا)(2). ونزل قوله تعالى: (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذاب واقِع)(3) عندما اعترض ذلك الأعرابي على ما قاله رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، سائلاً النبي بأنّك أمرتنا بالصلاة فصلّينا، أمرتنا بالزكاة فأدّينا، وإلى آخره، واليوم جئت وأخذت بعضد ابن عمّك ونصبته علينا وليّاً، أهذا أمر من اللّه أو شيء من عندك؟(4) تقريباً بهذا اللفظ، فنزل قوله تعالى: (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذاب واقِع) إلى آخره.
فهذه آيات متعلّقة بقضية الغدير، ولكلّ آية بحث مستقل، أي: لو أردنا أنْ نذكر الروايات في شأن نزول هذه الآيات لاحتجنا إلى مجال أكثر، وكما أشرت من قبل، فاللّيلة الواحدة لا تكفي للإحاطة بجميع جوانب قضيّة الغدير.
إذن، نكتفي بهذا المقدار، وعليكم أن تراجعوا المصادر.
النقطة الثانية:
الرواة لحديث الغدير من الصحابة، يبلغ عددهم أكثر من مائة وعشرين رجل وامرأة، وطرق أهل السنّة إلى هؤلاء الصحابة موجودة في الكتب، والروايات الواردة عن هؤلاء أو الرواية الواردة عن كلّ واحد من هؤلاء موجودة في الكتب المعنيّة بحديث الغدير.
واختلف القوم في عدد الحاضرين في يوم الغدير لمّا خطب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله خطبته، وهناك قول بأنّهم كانوا مائة وعشرين ألف شخص، فإذا كان كذلك فقد وصلنا حديث الغدير من 10001 من الحاضرين.
النقطة الثالثة:
الرواة لحديث الغدير من التابعين عددهم أضعاف عدد الصحابة، وهذا واضح، لأنّ كلّ واحد من الصحابة قد سمع الحديث منه أكثر من تابعي، والتابعون أيضاً نقلوا الحديث إلى أصحابهم وهكذا.
فكان العلماء الرواة لحديث الغدير من أعلام السنّة في القرون المختلفة يبلغ عددهم المئات.
النقطة الرابعة:
الأسانيد التي نروي بها حديث الغدير لا تحصى كثرة، وهي فوق حد التواتر بكثير، ويشهد بذلك:
أوّلاً: كثرة الكتب المؤلّفة في جمع طرق حديث الغدير وأسانيده، وهذا لو أردنا أن نشرحه لاحتاج إلى وقت إضافي، أي التعريف بالمؤلّفين في حديث الغدير من كبار العلماء السابقين وأسماء كتبهم في خصوص أسانيده.
ثانياً: ذكر حديث الغدير في الكتب المختصة بجمع الأحاديث المتواترة:
فللسيوطي أكثر من كتاب ألّفه في الأحاديث المتواترة، وقد أدرج فيها حديث الغدير(5).
والزبيدي صاحب تاج العروس له كتاب خاص بالأحاديث المتواترة وفيه حديث الغدير(6).
والكتّاني له كتاب في الأحاديث المتواترة وحديث الغدير موجود فيه(7).
والشيخ علي المتقي الهندي صاحب كنز العمّال له كتاب خاص بالأحاديث المتواترة وفيه حديث الغدير.
والشيخ علي القاري الهروي له أيضاً كتاب في الأحاديث المتواترة وحديث الغدير موجود فيه.
فالكتب المختصة بالأحاديث المتواترة مشتملة على حديث الغدير.
ثالثاً: وجدنا تنصيص عدّة كبيرة من أعلام الحفّاظ والمحدّثين على تواتر هذا الحديث: فإنّ الذهبي مثلاً يقول: هذا الحديث متواتر أتيقّن أنّ رسول اللّه قاله(8)، والقائل من؟ الذهبي، والذهبي متشدّد ومتعصّب.
وممّن يعترف بتواتر حديث الغدير: ابن كثير الدمشقي(9).
وممّن يعترف بتواتر حديث الغدير: ابن الجزري شمس الدين(10)، وهذا حافظ كبير من حفّاظهم.
فهذه نقاط، وكلّ نقطة، وكلّ واحدة من هذه الأُمور تحتاج إلى بحث مستقل، ونحن ليس عندنا ذلك المجال الكافي للتفصيل في هذه الأمور.
(1) سورة المائدة (5): 67.
(2) سورة المائدة (5): 3.
(3) سورة المعارج (70): 1.
(4) تفسير الثعلبي 10 / 35، شواهد التنزيل 2 / 381
(5) أنظر: نظم المتناثر من الحديث المتواتر: 195، والنصائح الكافية لمن يتولّى معاوية: 92، ونفحات الأزهار 8 / 319.
(6) أنظر: ملحقات الاحقاق الحق للمرعشي النجفي 23 / 10.
(7) نظم المتناثر: 194،حديث 232.
(8) سير أعلام النبلاء 8 / 335.
(9) البداية والنهاية 5 / 213.
(10) أسنى المطالب في مناقب سيّدنا علي بن أبي طالب لابن الجزري: 48.