بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمد للّه رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين، ولعنة اللّه على أعدائهم أجمعين من الأولين والآخرين.
بحثنا في هذه الليلة عن الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه.
الإمام المهدي في عقيدتنا ـ نحن الشيعة الإمامية الإثني عشرية ـ هو الإمام الثاني عشر من أئمّة أهل البيت عليهم السّلام.
نعتقد بأنّه ابن الحسن العسكري سلام اللّه عليه، ومن أولاد الإمام الحسين من أهل البيت سلام اللّه عليهم.
ونعتقد بأنّه مولود حي موجود، إلاّ أنّه غائب عن الأبصار.
عقيدتنا هذه من ضروريّات مذهبنا، والتشكيك في هذه العقيدة من أبناء هذا المذهب خروج عن المذهب.
ولو أردنا أن نتكلّم مع أبناء غير هذا المذهب وندعو الآخرين إلى هذه العقيدة، لا بدّ وأنْ نستدلّ بأدلّة عندهم، إمّا عندهم فقط، وإمّا عند الطرفين.
بحثنا حول المهدي سلام اللّه عليه يكون في ثلاثة فصول:
الفصل الأوّل: فيما يتعلّق بأصل الاعتقاد، وما عليه الشيعة الإماميّة الإثنا عشريّة.
الفصل الثاني: في بحوث تتعلّق بمسألة المهدي على ضوء روايات أو أقوال موجودة في كتب السنّة تخالف ما عليه الشيعة الإماميّة.
الفصل الثالث: في سؤالات قد تختلج في أذهان أبناء الطائفة أيضاً، وقد تطرح في الكتب، ولربّما يشنّع بها من قبل الكتّاب من أهل السنّة على عقيدة هذه الطائفة وما تذهب إليه الإماميّة في هذا الموضوع.
الفصل الأوّل
وفي هذا الفصل نحاول أنْ نستدلّ بأدلّة مشتركة بين عموم المسلمين، وأقصد من عموم المسلمين الشيعة الإماميّة الإثني عشريّة وأهل السنّة بجميع مذاهبهم.
في هذا الفصل نقاط وهي نقاط الاشتراك بين الجميع:
النقطة الأولى: لا خلاف بين المسلمين في أنّ لهذه الأُمّة مهديّاً، وأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قد أخبر به وبشّر به وذكر له أسماء وصفات وألقاباً وغير ذلك، والروايات الواردة في كتب الفريقين حول هذا الموضوع أكثر وأكثر من حدّ التواتر، ولذا لا يبقى خلاف بين المسلمين في هذا الاعتقاد، ومن اطّلع على هذه الأحاديث وحقّقها وعرفها، ثمّ كذّب أصل هذا الموضوع مع الالتفات إلى هذه الناحية، فقد كذّب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم فيما أخبر به.
الروايات الواردة من طرق الفريقين وبأسانيد الفريقين موجودة في الكتب وفي الصحاح والسنن والمسانيد، وقد أُلّفت لهذه الروايات كتب خاصة دوّن فيها العلماء من الفريقين تلك الروايات في تلك الكتب، وهناك آيات كثيرة من القرآن الكريم مأوّلة بالمهدي سلام اللّه عليه.
وحينئذ، لا يُعبأ ولا يعتنى بقول شاذ من مثل ابن خلدون المؤرّخ(1)، حتّى أنّ بعض علماء السنّة كتبوا ردوداً على رأيه في هذه المسألة.
ومن أشهر المؤلّفين والمدوّنين لأحاديث المهدي سلام اللّه عليه من أهل السنّة في مختلف القرون:
أبو بكر ابن أبي خيثمة، المتوفى سنة 279.
نعيم بن حمّاد المروزي، المتوفى سنة 288.
الحسين ابن منادي، المتوفى سنة 336.
أبو نعيم الإصفهاني، المتوفى سنة 430.
أبو العلاء العطّار الهمداني، المتوفى سنة 569.
عبدالغني المقدسي، المتوفى سنة 600.
ابن عربي الأندلسي، المتوفى سنة 638.
سعد الدين الحموي، المتوفى سنة 650.
أبو عبداللّه الكنجي الشافعي، المتوفى سنة 658.
يوسف بن يحيى المقدسي، المتوفى سنة 658.
ابن قيّم الجوزية، المتوفى سنة 685.
ابن كثير الدمشقي، المتوفى سنة 774.
جلال الدين السيوطي، المتوفى سنة 911.
شهاب الدين ابن حجر المكّي، المتوفى سنة 974.
علي بن حسام الدين المتقي الهندي، المتوفى سنة 975.
نور الدين علي القاري الهروي، المتوفى سنة 1014.
محمّد بن علي الشوكاني القاضي، المتوفى سنة 1250.
أحمد بن صدّيق الغماري، المتوفى سنة 1380.
وهؤلاء أشهر المؤلّفين في أخبار المهدي منذ قديم الأيام، وفي عصرنا أيضاً كتب مؤلِّفة من قبل كتّاب هذا الزمان، لا حاجة إلى ذكر أسماء تلك الكتب.
وهناك جماعة كبيرة من علماء أهل السنّة يصرّحون بتواتر حديث المهدي والأخبار الواردة حوله، أو بصحة تلك الأحاديث على الأقل، ومنهم:
الترمذي، صاحب الصحيح.
محمّد بن حسين الآبري، المتوفى سنة 363.
الحاكم النيسابوري، صاحب المستدرك.
أبو بكر البيهقي، صاحب السنن الكبرى.
الفرّاء البغوي محيي السنة.
ابن الأثير الجزري.
جمال الدين المزّي.
شمس الدين الذهبي.
نور الدين الهيثمي.
ابن حجر العسقلاني.
وجلال الدين السيوطي.
إذن، لا يبقى مجال للمناقشة في أصل مسألة المهدي في هذه الأُمّة.
النقطة الثانية: إنّه لا بدّ في كلّ زمان من إمام يعتقد به الناس أي المسلمون، ويقتدون به، ويجعلونه حجة بينهم وبين ربهم، وذلك (لِئَلاّ يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ)(2)و(لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَة وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَة)(3) و(قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ)(4).
ويقول أمير المؤمنين عليه السّلام كما في ]نهج البلاغة[: «اللهمّ بلى لا تخلو الأرض من قائم للّه بحجّة إمّا ظاهراً مشهوراً وإمّا خائفاً مغمورا، لئلاّ تبطل حجج اللّه وبيّناته»(5).
والروايات الواردة في هذا الباب أيضاً كثيرة، ولا أظنّ أحداً يجرأ على المناقشة في أسانيد هذه الروايات ومداليلها، إنّها روايات واردة في الصحيحين، وفي المسانيد، وفي السنن، وفي المعاجم، وفي جميع كتب الحديث، والروايات هذه مقبولة عند الفريقين.
فقد اتفق المسلمون على رواية: «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهليّة».
هذا الحديث بهذا اللفظ موجود في بعض المصادر، وقد أرسله سعد الدين التفتازاني إرسال المسلّم، وبنى عليه بحوثه في كتابه ]شرح المقاصد[(6).
ولهذا الحديث ألفاظ أُخرى قد تختلف بعض الشيء مع معنى هذا الحديث، إلاّ أنّي أعتقد بأنّ جميع تلك الألفاظ لابدّ وأن ترجع إلى معنى واحد، ولابدّ أن تنتهي إلى مقصد واحد يقصده رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم.
فمثلاً في ]مسند أحمد[: «من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية»(7)، وكذا في عدّة من المصادر: كمسند أبي داود الطيالسي(8)، وصحيح ابن حبّان(9)، والمعجم الكبير للطبراني(10)، وغيرها.
وعن بعض الكتب إضافة بلفظ: «من مات ولم يعرف إمام زمانه فليمتْ إن شاء يهودياً وإن شاء نصرانياً»، وقد نقله بهذا اللفظ بعض العلماء عن كتاب ]المسائل الخمسون[ للفخر الرازي.
وله أيضاً ألفاظ أُخرى موجودة في السنن، وفي الصحاح، وفي المسانيد أيضاً، نكتفي بهذا القدر، ونشير إلى بعض الخصوصيات الموجودة في لفظ الحديث:
«من مات ولم يعرف»، لابدّ وأنْ تكون المعرفة هذه بمعنى الاعتقاد أو مقدمة للاعتقاد، «من مات ولم يعرف» أي: من مات ولم يعتقد بإمام زمانه، لا مطلق إمام الزمان، بإمام زمانه الحق، بإمام زمانه الشرعي، بإمام زمانه المنصوب من قبل اللّه سبحانه وتعالى.
«من مات ولم يعرف إمام زمانه» بهذه القيود «مات ميتة جاهلية»، وإلاّ لو كان المراد من إمام الزمان أيّ حاكم سيطر على شؤون المسلمين وتغلَّب على أُمور المؤمنين، لا تكون معرفة هكذا شخص واجبة، ولا يكون عدم معرفته موجباً للدخول في النار، ولا يكون موته موت جاهلية، هذا واضح.
إذن، لابدّ من أن يكون الإمام الذي تجب معرفته إمام حق، وإماماً شرعياً، فحينئذ، على الإنسان أن يعتقد بإمامة هذا الشخص، ويجعله حجةً بينه وبين ربّه، وهذا واجب، بحيث لو أنّه لم يعتقد بإمامته ومات، يكون موته موت جاهلية، وبعبارة أُخرى: «فليمت إنْ شاء يهودياً وإنْ شاء نصرانياً».
وذكر المورخون: أنّ عبداللّه بن عمر، الذي امتنع من بيعة أمير المؤمنين سلام اللّه عليه، طرق على الحجّاج بابه ليلاً ليبايعه لعبدالملك، كي لا يبيت تلك الليلة بلا إمام، وكان قصده من ذلك هو العمل بهذا الحديث كما قال، فقد طرق باب الحجّاج ودخل عليه في تلك الليلة وطلب منه أن يبايعه قائلاً: سمعت رسول اللّه يقول: «من مات ولا إمام له مات ميتة جاهلية»، لكن الحجّاج احتقر عبداللّه بن عمر، ومدّ رجله وقال: بايع رجلي، فبايع عبداللّه بن عمر الحجّاج بهذه الطريقة.
وطبيعي أنّ من يأبى عن البيعة لمثل أمير المؤمنين عليه السّلام يبتلي في يوم من الأيّام بالبيعة لمثل الحجّاج وبهذا الشكل.
وكتبوا بترجمة عبداللّه بن عمر، وفي قضايا الحَرّة بالذات، تلك الواقعة التي أباح فيها يزيد بن معاوية المدينة المنورة ثلاثة أيام، أباحها لجيوشه يفعلون ما يشاؤون، وأنتم تعلمون بما كان وما حدث في تلك الواقعة، حيث قتل عشرات الآلاف من الناس، والمئات من الصحابة والتابعين، وافتضت الأبكار، وولدت النساء بالمئات من غير زوج.
في هذه الواقعة أتى عبداللّه بن عمر إلى عبداللّه بن مطيع، فقال عبداللّه ابن مطيع: إطرحوا لأبي عبدالرحمن وسادة، فقال: إنّي لم آتك لكي أجلس، أتيتك لأُحدّثك حديثاً، سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم يقول: «من خلع يداً من طاعة لقى اللّه يوم القيامة لا حجّة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية»، ]أخرجه مسلم[(11).
فقضية وجوب معرفة الإمام في كلّ زمان والاعتقاد بإمامته والالتزام ببيعته، أمر مفروغ منه ومسلّم، وتدلّ عليه الأحاديث، وسيرة الصحابة، وسائر الناس، ومنها ما ذكرت لكم من أحوال عبداللّه بن عمر الذي يجعلونه قدوة لهم.
إلاّ أنّ عبداللّه بن عمر ذكروا أنّه كان يتأسّف على عدم بيعته لأمير المؤمنين عليه السّلام، وعدم مشاركته معه في قتال الفئة الباغية، وهذا موجود في المصادر، فراجعوا ]الطبقات[ لابن سعد(12) و]المستدرك[ للحاكم(13) وغيرها من الكتب.
وعلى كلّ حال لسنا بصدد الكلام عن عبداللّه بن عمر أو غيره، وإنّما أردت أن أذكر لكم نماذج من الكتاب والسنة وسيرة الصحابة على أنّ هذه المسألة ـ مسألة أنّ في كلّ زمان ولكلّ زمان إمام لابدّ وأنْ يعتقد المسلمون بإمامته ويجعلونه حجةً بينهم وبين ربهم ـ من ضروريات عقائد الإسلام.
النقطة الثالثة: إنّ المهدي من الأئمّة الإثني عشر المشار اليهم في حديث الأئمّة بعدي إثنا عشر، ولا ريب ولا خلاف في هذه الناحية، فإنّ القيود التي ذُكرت في رواية الأئمّة إثنا عشر، تلك القيود كلّها منطبقة على المهدي سلام اللّه عليه، لأنّ هذا الإمام عندما يظهر، يجتمع الناس على القول بإمامته، وأنّ اللّه سبحانه وتعالى سيعزّ الإسلام بدولته، وأنّه سيظهر دينه على الدين كلّه، وجميع تلك القيود والمواصفات التي وردت في أحاديث الأئمّة اثنا عشر كلّها منطبقة على المهدي سلام اللّه عليه.
وببالي أنّي رأيت في بعض الكتب التي حاولوا فيها ذكر الخلفاء بعد رسول اللّه من بني أُميّة وغيرهم، يعدّون المهدي أيضاً من أُولئك الخلفاء الإثني عشر، الذين أخبر عنهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم في الأحاديث التي درسناها في الليلة الماضية.
وإلى الآن عرفنا الاتفاق على ثلاثة نقاط:
النقطة الأُولى: أنّ في هذه الأُمّة مهدياً.
النقطة الثانية: أنّ لكلّ زمان إماماً يجب على كلّ مسلم معرفته والإيمان به والالتزام بطاعته والانقياد له.
النقطة الثالثة: أنّ المهدي عليه السّلام الذي أخبر عنه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم في تلك الأحاديث الكثيرة، نفس المهدي الذي يكون الإمام الثاني عشر من الأئمّة، الذين أخبر عن إمامتهم من بعده في أحاديث الأئمّة إثنا عشر.
وإلى الآن عرفنا المشتركات بين المسلمين، فإنّه إلى هنا لا خلاف بين طوائف المسلمين، ويكون المهدي حينئذ أمراً مفروغاً منه ومسلّماً في هذه الأُمّة، والمهدي هو الثاني عشر من الأئمّة الإثني عشر، فهو الإمام الحق الذي يجب معرفته والاعتقاد به، وأنّ من مات ولم يعرف المهدي مات ميتة جاهلية.
وهنا قالت الشيعة الإمامية الإثنا عشرية: إنّ الذي عرفناه مصداقاً لهذه النقاط هو ابن الحسن العسكري، ابن الإمام الهادي، ابن الإمام الجواد، ابن الإمام الرضا، ابن الإمام الكاظم، ابن الإمام الصادق، ابن الإمام الباقر، ابن الإمام السجاد، ابن الحسين الشهيد، ابن علي بن أبي طالب، سلام اللّه عليهم أجمعين.
فهذه عقيدة الشيعة، فهم يطبّقون تلك النقاط الثلاثة المتفق عليها على هذا المصداق.
فهل هناك حديث عند الجمهور يوافق الشيعة الإماميّة، ويدلّ على ما تذهب إليه الشيعة الإماميّة في هذا التطبيق؟
هل هناك حديث أو أحاديث من طرق أهل السنّة توافق هذا التطبيق وتؤيّده؟
من هنا يشرع البحث بين الشيعة وغيرهم، فهذه عقيدة الشيعة ولهم عليها أدلّتهم من الكتاب والسنّة وغير ذلك، وما بلغهم وما وصلهم عن أئمّة أهل البيت الصادقين سلام اللّه عليهم.
لكن هل هناك ما يدلّ على هذا الاعتقاد في كتب أهل السنّة أيضاً، لتكون هذه العقيدة مؤيَّدة ومدعمة من قبل روايات السنّة، ويمكن للشيعة الإماميّة أنْ تلزم أولئك بما رووا في كتبهم أو لا؟
نعم، وردت روايات في كتب القوم مطابقة لهذا الاعتقاد، إذن، يكون هذا الاعتقاد متفقاً عليه حسب الروايات، وإن لم يكن القوم يعتقدون بهذا الاعتقاد بحسب الأقوال، إلاّ أنّا نبحث أوّلاً عن العقيدة على ضوء الأدلّة، ثمّ على ضوء الأقوال والآراء، فلنقرأ بعض تلك الروايات:
الرواية الأُولى: قوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل اللّه عزّوجلّ ذلك اليوم حتّى يبعث فيه رجلاً من ولدي، اسمه اسمي، فقام سلمان الفارسي فقال: يا رسول اللّه، من أيّ ولدك؟ قال: من وَلَدي هذا. وضرب بيده على الحسين».
هذه الرواية في المصادر عن أبي القاسم الطبراني(14)، ومحب الدين الطبري(15)، وأبي نعيم الإصفهاني(16)، وابن قيّم الجوزية(17)، ويوسف بن يحيى المقدسي(18)، وشيخ الإسلام الجويني(19)، وابن حجر المكي صاحب ]الصواعق[(20).
الحديث الثاني: قوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم لبضعته الزهراء سلام اللّه عليها وهو في مرض وفاته: «ما يبكيك يا فاطمة، أما علمت أنّ اللّه اطّلع إلى الأرض إطّلاعة أو اطْلاعة فاختار منها أباك فبعثه نبيّاً، ثمّ اطّلع ثانية فاختار بعلك، فأوحى إليّ فأنكحته إيّاك واتّخذته وصيّاً، أما علمت أنّكِ بكرامة اللّه إيّاك زوّجك أعلمهم علماً، وأكثرهم حلماً، وأقدمهم سلماً، فضحكت واستبشرت، فأراد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أن يزيدها مزيد الخير، فقال لها: ومنّا مهدي الأُمّة الذي يصلّي عيسى خلفه، ثمّ ضرب على منكب الحسين فقال: من هذا مهدي الأُمّة».
وهذا الحديث رواه كما في المصادر: أبو الحسن الدارقطني، أبو المظفر السمعاني، أبو عبداللّه الكنجي، وابن الصبّاغ المالكي(21).
الحديث الثالث: قوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «يخرج المهدي من ولد الحسين من قبل المشرق، لو استقبلته الجبال لهدمها واتّخذ فيها طرقاً».
وهذا الحديث كما في المصادر عن نعيم بن حمّاد، والطبراني، وأبي نعيم، والمقدسي صاحب كتاب ]عقد الدرر في أخبار المنتظر[(22).
هذا بحسب الروايات.
وأمّا بحسب أقوال العلماء المحدّثين والمؤرّخين والمتصوفين، هؤلاء أيضاً يصرّحون بأنّ المهدي ابن الحسين، أي من ذريّة الحسين، ويضيفون على ذلك أنّه ابن الحسن العسكري، وأيضاً هو مولود وموجود، هؤلاء عدة كبيرة من العلماء من أهل السنّة في مختلف العلوم، أذكر أشهرهم:
أحمد بن محمّد بن هاشم البلاذري، المتوفى سنة 279.
أبو بكر البيهقي، المتوفى سنة 458.
ابن الخشّاب، المتوفى سنة 567.
ابن الأزرق المؤرخ، المتوفى سنة 590.
ابن عربي الأندلسي صاحب الفتوحات المكية، المتوفى سنة 638.
ابن طلحة الشافعي المتوفى سنة 653.
سبط ابن الجوزي الحنفي، المتوفى سنة 654.
الكنجي الشافعي، المتوفى سنة 658.
صدر الدين القونوي، المتوفى سنة 672.
صدر الدين الحموي، المتوفى سنة 723.
عمر بن الوردي المؤرخ الصوفي الواعظ، المتوفى سنة 749.
صلاح الدين الصفدي صاحب الوافي بالوفيات، المتوفى سنة 764.
شمس الدين ابن الجزري، المتوفى سنة 833 .
ابن الصبّاغ المالكي، المتوفى سنة 855 .
جلال الدين السيوطي، المتوفى سنة 911.
عبدالوهاب الشعراني الفقيه الصوفي، المتوفى سنة 973.
ابن حجر المكي، المتوفى سنة 973.
على القاري الهروي، المتوفى سنة 1013.
عبدالحق الدهلوي، المتوفى سنة 1052.
شاه ولي اللّه الدهلوي، المتوفى سنة 1176.
القندوزي الحنفي، المتوفى سنة 1294.
فظهر إلى الآن:
أوّلاً: أنّ المهدي عليه السّلام من هذه الأُمّة.
ثانياً: المهدي عليه السّلام من بني هاشم.
ثالثاً: المهدي عليه السّلام من عترة النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم.
رابعاً: المهدي عليه السّلام من ولد فاطمة عليها السّلام.
خامساً: المهدي عليه السّلام من ولد الحسين عليه السّلام.
ولكلّ واحد من هذه النقاط: كونه من هذه الأُمّة، كونه من بني هاشم، كونه من عترة النبي، كونه من ولد فاطمة، كونه من ولد الحسين، لكلّ بند من هذه البنود، روايات خاصة، ولم نتعرّض لها لغرض الاختصار.
فانتهينا إذن من الفصل الأول.
(1) تاريخ ابن خلدون 1 / 311، الفصل الثاني والخمسون.
(2) سورة النساء (4): 165.
(3) سورة الأنفال (8): 42.
(4) سورة الأنعام (6): 149.
(5) نهج البلاغة: 497 رقم 147.
(6) شرح المقاصد 5 / 239 وما بعدها.
(7) مسند أحمد 4 / 96، حديث معاوية بن أبي سفيان.
(8) مسند أبي داود الطيالسي: 259.
(9) صحيح ابن حبّان 10 / 434 رقم 4573، وفيه: «من مات وليس له إمام».
(10) المعجم الكبير للطبراني 19 / 388 رقم 910.
(11) صحيح مسلم 3 / 1478 رقم 1851.
(12) طبقات ابن سعد 4 / 185 و187، وفيه: «ما أجدني آسى على شيء من أمر الدنيا إلاّ أنّي لم أُقاتل الفئة الباغية، ما آسى عن الدنيا إلاّ على ثلاث: ظمأ الهواجر ومكابدة الليل وألاّ أكون قاتلت الفئة هذه الفئة التي حلّت بنا».
(13) المستدرك على الصحيحين 3 / 115، لكن في الصفحة 558 سطر 8 العبارة في المتن هكذا: «ما آسى على شيء» فلم يذكر بقية الخبر، وفي الهامش: بياض في الأصل!!
(14) المعجم الكبير 10 / 166 رقم 10222 باختلاف.
(15) ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى: 136 باب ما جاء ان المهدي من ولد الحسين.
(16) الأربعون حديثاً في المهدي، وقد رواه عنه العلماء بالأسانيد.
(17) المنار المنيف في الصحيح والضعيف: 148.
(18) عقد الدرر في أخبار المنتظر: 56.
(19) فرائد السمطين 2 / 325 رقم 575 عن حذيفة بن اليمان.
(20) الصواعق المحرقة: 249 وما بعدها.
(21) البيان في أخبار صاحب الزمان للكنجي الشافعي: 502 (ضمن كفاية الطالب)، الفصول المهمّة في معرفة الأئمة: 296.
(22) الفتن لنعيم بن حمّاد 1 / 271 رقم 1095، عقد الدرر في أخبار المنتظر: 223 عن الطبراني وأبي نعيم، وأنظر: الحاوي للفتاوي 2 / 66 عن ابن عساكر.