ابطال ما استدل به لأمامة أبي بكر
بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمد للّه رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمّد وآله الطيبين الطاهرين، ولعنة اللّه على أعدائهم أجمعين من الأولين والآخرين.
بعد أنْ انتهينا من الأدلة المنتخبة على إمامة أمير المؤمنين من نصوص الكتاب والسنّة، وانتهينا أيضاً من الدليل العقلي على إمامة أمير المؤمنين عليه السّلام، على ضوء ما أسّسه وقرّره علماء الكلام من أهل السنّة، في الشروط المعتبرة في الإمام عندهم، وأنّه لولا تلك الشروط لما جاز انتخاب ذلك الشخص واختياره إماماً بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، حيث أنّهم يقولون بأنّ الإمامة تكون بالاختيار والانتخاب، وعلى هذا الأساس يعيّنون له الأوصاف والشروط التي لابدّ من توفّرها فيه حتى يُنتخب، ونحن تكلّمنا معهم على أساس تلك الشروط المعتبرة فيما بينهم بالإجماع وعلى ضوء كلمات كبار علمائهم.
البحث الآن في الأدلّة التي يقيمونها على إمامة أبي بكر، ولولا التعرّض لهذه الأدلّة لبقي البحث ناقصاً، لأنّا قد أقمنا الأدلّة على إمامة أمير المؤمنين، لكنّهم أيضاً يقيمون الأدلّة على إمامة أبي بكر، فلابدّ من النظر في تلك الأدلّة أيضاً، لنرى مدى تمامية تلك الأدلّة بحسب الموازين العلميّة.
وفي هذا الفصل من بحثنا أيضاً، سنكون ملتزمين بآداب البحث وبقواعد المناظرة، وسنرى أنّهم يستدلّون بأحاديث أو بأدلّة تختص بهم أو يختصّون هم وينفردون هم بالاستدلال بتلك الأدلّة، وبرواية تلك الأحاديث، وقد قلنا وقرّرنا وأسّسنا منذ الليلة الأُولى أنّ الأدلّة يجب أن تكون مورد قبول عند الطرفين، أو تكون الأدلّة التي يستدلّ بها كلّ طرف مقبولة عند الطرف المقابل، ليتمّ لهذا الطرف الإلزام والإحتجاج بالأدلّة التي يرتضيها الطرف المقابل ويقول باعتبارها.
لكن الأدلّة التي يستدلّون بها على إمامة أبي بكر أدلّة ينفردون هم بها، وإذا كانت روايات، فإنّها ليست إلاّ في كتبهم وعن طرقهم، ومع ذلك ننظر في تلك الروايات ونباحثهم فيها على أساس كتبهم ورواياتهم وأقوال علمائهم.
وكما أشرتُ من قبل، نكون في هذا الفصل أيضاً ملتزمين بآداب البحث، ملتزمين بالمتانة في الكلام، ملتزمين بعدم التعصب، وكلّ استدلالاتنا ستكون على ضوء رواياتهم وكتبهم، ليتّضح لهم عدم تماميّة أدلّتهم بحسب كلمات علمائهم، فكيف يلزمونا بمثل هذه الأدلّة التي هم لا يقبلون بها، وعلماؤهم لا يرتضون بصحّتها وجواز الاستدلال بها؟
وعندما نريد أنْ ننقل تلك الأدلّة، نعتمد على أهم كتبهم وأشهرها في علم العقائد.
وأهم كتبهم: كتاب المواقف في علم الكلام وشرح المواقف وأيضاً شرح المقاصد، هذه أهم كتبهم الكلامية التي ألّفت في القرن الثامن والتاسع من الهجرة، وكانت هذه الكتب تدرس في حوزاتهم العلمية، ولأساتذتهم شروح وحواشي كثيرة على هذه الكتب، فلو رجعتم إلى ]كشف الظنون[ وقرأتم ما جاء فيه عن شرح المواقف وعن شرح المقاصد وعن المواقف(1) نفسها، لرأيتم كثرة الكتب والشروح والحواشي المؤلفة عليها، وإنّ هذه الكتب قد أصبحت المحور لتلك الكثرة من الكتب الكلاميّة عندهم، ولا خلاف بينهم في اعتباره هذه الكتب وأهميتها، وكونها المعتمد والمستند عندهم في مباحث العقائد.
أهمّ أدلّة القوم على إمامة أبي بكر
إذن، لننظر في أهمّ أدلّتهم على إمامة أبي بكر، ولننظر ماذا يقولون هم في هذه الأدلّة.
نصّ عبارة ]شرح المواقف[(2):
المقصد الرابع: في الإمام الحق بعد رسول اللّه، هو عندنا أبو بكر، وعند الشيعة علي… لنا وجهان ـ أي دليلان ـ الأول: إنّ طريقه ـ طريق الإمام ـ وتعيين الإمام، إمّا النص أو الإجماع… أمّا النصّ فلم يوجد(3)، وأمّا الإجماع، فلم يوجد على غير أبي بكر إتفاقاً من الأُمّة… الإجماع منعقد على حقيّة إمامة أحد الثلاثة: أبي بكر وعلي والعباس ]أي: الشبهة محصورة بين هؤلاء الثلاثة[ ثمّ إنّهما ]إي علي والعباس[ لم ينازعا أبا بكر، ولو لم يكن على الحق ]أبو بكر[ لنازعاه.
إذن، فإنّ الدليل على إمامة أبي بكر هو عن طريق الإجماع، وقد اعترف بعدم وجود النص.
فالدليل الأول على إمامة أبي بكر هو الإجماع.
ويقول صاحب ]شرح المقاصد[(4) في المبحث الثالث في طريق ثبوت الإمامة:
إنّ الطريق إمّا النص وإمّا الاختيار(5)، والنص منتف في حقّ أبي بكر، مع كونه إماماً بالإجماع.
فظهر إلى الآن أنْ لا نصّ على أبي بكر، وأنّ الدليل هو الإجماع.
يبقى طريق ثالث، هم أيضاً يتعرضون لذلك الطريق، وهو طريق الأفضلية، فكما بحثنا نحن يبحثون هم أيضاً عن الأفضلية، كما أشرنا بالأمس، ولكنّهم عندما يبحثون عن الأفضلية يختلفون في اشتراطها في الإمام، فمن أنكر اعتبار الأفضليّة فلا داعي له للإصرار على أفضلية أبي بكر، كالفضل ابن روزبهان، وقد أشرنا أمس، وأمّا الذي يعتبر الأفضليّة في الإمام، فلابدّ وأن يصرّ على أفضليّة أبي بكر، لأنّه قائل بإمامة أبي بكر، ومن هؤلاء القائلين بالأفضليّة ابن تيميّة، ولذا يصرّ على أفضليّته، ويكذّب كلّما يستدلّ به الإماميّة على أفضليّة علي عليه السّلام.
(1) كشف الظنون 2 / 1780، 1891.
(2) شرح المواقف 8 / 354.
(3) فيعترف وينصّ على عدم وجود نص من اللّه ورسوله على أبي بكر، وإنْ كان يدّعي عدم وجود نص على علي، لكن كلامنا الآن في أبي بكر.
(4) شرح المقاصد 5 / 255.
(5) لاحظوا: شارح المواقف يقول: الإجماع، شارح المقاصد يقول: الإختيار، وفرقٌ بين الإجماع والإختيار، وكلّ هذا سيتّضح في محلّه بالتفصيل.