وفاة علي بن الحسين
قال ابن الصباغ: «توفي علي بن الحسين زين العابدين في الثاني عشر من المحرم سنة أربع وتسعين من الهجرة وله من العمر سبع وخمسون سنة، أقام منها مع جده أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب سنتين، ومع عمه أبي محمّد الحسن بعد وفاة جده علي أحد عشر سنة وكان بقاؤه بعد مصرع أبيه ثلاثاً وثلاثين سنة، يقال: انه مات مسموماً، وان الذي سمه الوليد بن عبد الملك، ودفن بالبقيع في القبر الذي دفن فيه عمه الحسن في القبة التي فيها العباس بن عبد المطلب»(1).
وقال ابن سعد «كان علي بن الحسين مع أبيه بطف كربلا، وعمره إذ ذاك ثلاث وعشرون سنة، لكنه كان مريضاً ملقى على فراشه وقد أنهكته العلة والمرض، ولما قتل والده قال الشمر بن ذي الجوشن: اقتلوا هذا الغلام، فقال بعض أصحابه تقتل مريضاً لم يقاتل فتركوه، قال ابن عمر: هذا هو الصحيح وليس قول من قال بأنّه كان صغيراً حينئذ لم يقاتل وأنه ترك بسبب ذلك بشيء»(2).
وقال الإمام الكاظم عليه السلام: «لما حضر علي بن الحسين الوفاة أغمى عليه ثلاث مرات فقال في المرة الأخيرة: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الاَْرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ)(3) ثم مات صلوات الله عليه»(4).
روى الباقر عن أبيه علي بن الحسين « أنه أتى في الليلة التي قبض فيها بشراب فقيل له: اشرب، فقال: هذه الليلة وعدت أن أقبض فيها»(5).
روى الحسن بن علي ابن بنت الياس عن أبي الحسن عليه السّلام قال: «سمعته يقول: ان علي بن الحسين لما حضرته الوفاة أغمي عليه، ثم فتح عينيه وقرأ إذا وقعت الواقعة، وانا فتحنا لك، وقال: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الاَْرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) ثم قبض من ساعته ولم يقل شيئاً»(6).
قال سهل بن زياد: «لما حضر علي بن الحسين عليهما السلام الوفاة أغمي عليه فبقي ساعة، ثم رفع عنه الثوب ثم قال: «الحمد لله الذي أورثنا الجنة نتبوّء منها حيث نشاء فنعم أجر العاملين». ثم قال: احفروا لي وابلغوا الى الرسخ، قال: ثم مد الثوب عليه فمات»(7).
قال أبو جعفر عليه السّلام: «لما حضر علي بن الحسين عليهما السلام الوفاة ضمني الى صدره وقال: يا بني أوصيك بما أوصاني به أبي حين حضرته الوفاة، ومما ذكر أن أباه أوصاه به قال: يا بني اياك وظلم من لا يجد عليك ناصراً الاّ الله»(8).
قال أبو عبد الله عليه السّلام: «لما كان في الليلة التي وعد فيها علي بن الحسين عليهما السلام قال لمحمّد عليه السّلام: يا بني ابغني وضوءً قال: فقمت فجئته بوضوء قال: لا ابغي هذا فان فيه شيئاً ميتاً، قال: فخرجت فجئت بالمصباح فإذا فيه فارة ميتة فجئته بوضوء غيره فقال: يا بني هذه الليلة التي وعدتها، فأوصى بناقته أن يحضر لها حظار وأن يقام لها علفٌ فجعلت فيه. قال: فلم تلبث أن خرجت حتى أتت القبر فضربت بجرانها ورغت وهملت عيناها، فاُتي محمّد بن علي فقيل له: ان الناقة قد خرجت فأتاها فقال: صه الآن قومي بارك الله فيك، فلم تفعل، فقال: وان كان ليخرج عليها الى مكة فيعلّق السوط على الرحل فما يقرعُها حتى يدخل المدينة، قال: وكان علي بن الحسين يخرج في الليلة الظلماء فيحمل الجراب فيه الصرر من الدنانير والدراهم، حتى يأتي باباً باباً فيقرعُهُ ثم ينيل من يخرج اليه، فلما مات علي بن الحسين فقدوا ذاك فعلموا أن علياً كان يفعله»(9).
قال سبط ابن الجوزي: «اختلفوا في وفاته على أقوال: أحدها: أنه توفي سنة أربع وتسعين، والثاني، سنة اثنين وتسعين، والثالث: سنة خمس وتسعين، والأول أصح، لأنها تسمى سنة الفقهاء لكثرة من مات بها من العلماء، وكان سيد الفقهاء مات في أولها وتتابع الناس بعده سعيد بن المسيّب، وعروة بن الزبير، وسعيد بن جبير، وعامة فقهاء المدينة. أسند على الحديث عن أبيه، وعمه الحسن، وابن عباس، وجابر بن عبد الله، وأنس بن مالك، وأبي سعيد الخدري، وأم سلمة، وصفية، وعائشة في آخرين، وعاش سبعاً وخمسين سنة، وقيل: ثمان وخمسين وهو الأصح»(10).
روى علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب «أنه سبح في سجوده فلم يبق حوله شجرة ولا مدرة الاّ سبحت بتسبيحه، ففزعت من ذلك واصحابي ثم قال: يا سعيد ان الله جل جلاله لما خلق جبريل ألهمه هذا التسبيح فسبحت السماوات ومن فيهن لتسبيحه الأعظم، وهو اسم الله عزّوجل الأكبر، يا سعيد أخبرني أبي الحسين عن أبيه عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عن جبريل عن الله جل جلاله أنه قال: ما من عبد من عبادي آمن بي وصدق بك، وصلى في مسجد ركعتين على خلأ من الناس، الاّ غفرت له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فلم أر شاهداً أفضل من علي ابن الحسين عليه السّلام حيث حدثني بهذا الحديث، فلما أن مات شهد جنازته البر والفاجر وأثنى عليه الصالح والطالح، وانهال الناس يتبعونه حتى وضعت الجنازة فقلت: ان ادركت الركعتين يوماً من الدهر فاليوم، ولم يبق ثم لا رجل ولا امرأة إلاّ خرج الى الجنازة، ووثبت لأصلي فجاء تكبير من السماء فأجابه تكبير من الأرض، فأجابه تكبير من السماء فأجابه تكبير من الأرض، ففزعت وسقطت على وجهي، فكبر من في السماء سبعاً وكبر من في الأرض سبعاً، وصُلّي على علي ابن الحسين، ودخل الناس المسجد فلم أدرك الركعتين ولا الصلاة على علي بن الحسين فقلت: يا سعيد لو كنت أنا لم أختر الاّ الصلاة على علي بن الحسين ان هذا لهو الخسران المبين، قال: فبكى سعيد، ثم قال: ما أردت الاّ الخير، ليتني كنت صليت عليه فانه ما رأى مثله. والتسبيح هو هذا: سبحانك اللهم وحنانيك، سبحانك اللهم وتعاليت، سبحانك اللهم والعز إزارك، سبحانك اللهم والعظمة رداؤك، ويقال سربالك، سبحانك اللهم والكبرياء سلطانك، سبحانك من عظيم ما اعظمك، سبحانك سبحت في الأعلى، سبحانك تسمع وترى ما تحت الثرى، سبحانك أنت شاهد كل نجوى، سبحانك موضع كل نجوى، سبحانك حاضر كل ملأ، سبحانك عظيم الرجاء، سبحانك ترى ما في قعر الماء، سبحانك تسمع أنفاس الحيتان في قعور البحار، سبحانك تعلم وزن السماوات، سبحانك تعلم وزن الأرضين، سبحانك تعلم وزن الشمس والقمر، سبحانك تعلم وزن الظلمة والنور، سبحانك تعلم وزن الفيء والهواء، سبحانك تعلم وزن الريح كم هي من مثقال ذرة، سبحانك قدوس قدوس قدوس، سبحانك عجباً من عرفك كيف لا يخافك، سبحانك اللهم وبحمدك، سبحان العلي العظيم»(11).
أقول: اختلف في تاريخ وفاة مولانا علي بن الحسين عليهما السلام.
قال الأربلي: «فانه مات من سنة أربع وتسعين وقيل خمس وتسعين»(12).
وقال الطبرسي: «توفي في يوم السبت لاثنتي عشرة ليلة خلت من المحرم سنة خمس وتسعين من الهجرة»(13).
وقال المفيد: «توفي بالمدينة سنة خمس وتسعين من الهجرة وله يومئذ سبع وخمسون سنة»(14).
وقال الشيخ الطوسي: «وفي اليوم الخامس والعشرين من المحرم سنة أربع وتسعين كانت وفاة زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام»(15).
وقال ابن الفتال النيسابوري: «توفي بالمدينة يوم السبت لاثنتي عشرة ليلة بقيت من المحرم سنة خمس وتسعين من الهجرة، وله يومئذ سبع وخمسون سنة، كانت إمامته أربعاً وثلاثين سنة»(16).
قال الاستاذ الأكبر اية الله الشيخ محمّد حسين الأصفهاني:
ولا تسل عما رأى من الأذى *** يا حبذا الموت المريح حبذا
وما انقضى بكاؤه حتى قضى *** حياته وهو حليف للرضا وكيف لا يبكي وقد شاهد ما *** بكت له عين السماء بالدما
وكيف لا تبكي دماً عين السما *** وقد بكت سحائب القدس دما
وفي ذرى العوالم العلوية *** أقيمت المآتم الشجية
ناهيك في ذلك لطم الحور *** في جنة الحبور والسرور
فكيف تنسى هذه الرزيّة *** والوتر وتر سيّد البرية
ان يكن الموتور سيد الورى *** فهل ترى أعظم منه هل ترى(17)
(1) الفصول المهمة ص802.
(2) الطبقات الكبرى ج3 ص242.
(3) سورة الزمر: 74.
(4) بحار الأنوار الطبعة الجديدة ج46، ص147.
(5) المصدر ص149 رقم 7.
(6) اصول الكافي ج1 باب مولد علي بن الحسين ص389 رقم 5.
(7) بحار الأنوار الطبعة الجديدة ج46 ص153 رقم 15.
(8) المصدر ج46 ص153 رقم 16.
(9) اصول الكافي ج1 ص389 رقم 4.
(10) تذكرة الخواص ص332.
(11) اختيار معرفة الرجال للشيخ الطوسي ص117 رقم 188.
(12) كشف الغمة ج2 ص82.
(13) اعلام الورى ص256.
(14) الارشاد ص237.
(15) مصباح المتهجد.
(16) روضة الواعظين ج1 ص242.
(17) الأنوار القدسية ص36.