وفاة الإمام الصادق
قال السيد أبو القاسم علي بن طاووس: «ان من العجب أن يبلغ طلب الدنيا بالعبد المخلوق من التراب والنطفة الماء المهين الى المعاندة لرب العالمين في الاقدام على قتل مولانا الصادق جعفر بن محمّد صلوات الله عليه بعد تكرار الآيات الباهرات حتى يكرر احضاره للقتل سبع دفعات ]تسع مرات[… بلغ إليه حب الدنيا حتى عميت لأجله القلوب والعيون (أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءهُم مَّا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ)(1).
تارةً يأمر رزّام بن مسلم مولى أبي خالد أن يقتل الإمام وهو سلام الله عليه في الحيرة، وتارة يأمر باغتياله مع ابنه موسى بن جعفر، قال قيس بن ربيع: حدثني أبي الربيع، قال: دعاني المنصور يوماً قال: أما ترى الذي يبلغني عن هذا الحسيني؟ قلت : ومن هو يا سيدي؟ قال جعفر بن محمّد: والله لأستأصلن شأفته، ثم دعا بقائد من قوّاده فقال: انطلق الى المدينة في ألف رجل فاهجم على جعفر بن محمّد وخذ رأسه ورأس ابنه موسى بن جعفر في مسيرك…»(2).
وتارةً يأمر بإحراق بيته(3).
ولم يقنع بهذه الأفعال الشنيعة من التعذيب والتشريد حتى شرك في دمه وقتله مسموماً بالعنب.
قال أبو بصير: دخلت على أم حميدة أعزّيها بأبي عبد الله عليه السّلام فبكت وبكيت لبكائها، ثم قالت: يا أبا محمّد لو رأيت أبا عبد الله عند الموت لرأيت عجباً، فتح عينيه ثم قال: اجمعوا لي كل من بيني وبينه قرابة قالت: فلم نترك أحداًجمعناه، قالت: فنظر اليهم، ثم قال: ان شفاعتنا لا تنال مستخفاً بالصلاة(4).
وقالت سالمة مولاة أبي عبد الله عليه السّلام: «كنت عند أبي عبد الله جعفر ابن محمّد حين حضرته الوفاة وأغمي عليه فلما أفاق قال: أعطوا الحسن بن علي ابن علي بن الحسين وهو الأفطس سبعين ديناراً وأعطوا فلاناً كذا وفلاناً كذا فقلت: أتعطي رجلا حمل عليك بالشفرة يريد أن يقتلك؟ قال: تريدين أن لا أكون من الذين قال الله عزّوجل (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ)(5) نعم يا سالمة ان الله تعالى خلق الجنة فطيّبها وطيب ريحها وان ريحها ليوجد من مسيرة ألفي عام ولا يجد ريحها عاق ولا قاطع رحم»(6).
وروى أبو أيوب الخوزي قال: «بعث إلي أبو جعفر المنصور في جوف الليل فدخلت عليه وهو جالس على كرسي وبين يديه شمعة وفي يده كتاب، فلما سلمت عليه رمى الكتاب الي وهو يبكي، وقال: هذا كتاب محمّد بن سليمان يخبرنا أن جعفر بن محمّد قد مات، فانا لله وأنا إليه راجعون ثلاثاً، وأين مثل جعفر؟! ثم قال لي: اكتب، فكتبت صدر الكتاب، ثم قال: اكتب: ان كان قد أوصى إلى رجل بعينه فقدمه واضرب عنقه، قال: فرجع الجواب اليه أنه قد أوصى الى خمسة، أحدهم أبو جعفر المنصور، ومحمّد بن سليمان، وعبد الله وموسى ابني جعفر، وحميدة فقال المنصور: ليس إلى قتل هؤلاء سبيل»(7).
(1) سورة الشعراء: 205ـ207.
(2) مهج الدعوات ص260.
(3) المناقب لابن شهر آشوب ج4 ص280 وبحار الأنوار ج27 ص2 رقم 4.
(4) ثواب الأعمال ص272.
(5) سورة الرعد: 21.
(6) كتاب الغيبة للشيخ الطوسي ص128.
(7) كتاب الغيبة للشيخ الطوسي ص129.