هجرة الإمام الجواد من المدينة الى بغداد
للإمام الجواد عليه السّلام هجرتان: الأولى: بعدما استشهد الإمام الرضا بسمّ المأمون في طوس، ودفن في قبّة هارون، ذهب المأمون الى بغداد ودخلها سنة 204 وكان الناس يلومونه ويقولون: احتال المأمون بطلبه الرّضا الى مرو وهو الذي دسّ اليه سمّاً وقتله مظلوماً.
استشار المأمون حاشيته لتمويه ما قالوه فأشاروا عليه بطلب ابن الرضا محمّد بن عليّ من المدينة الى بغداد، فكتب المأمون اليه وأشخصه الى بغداد.
قال المسعودي: «فحمله وأنزله بالقرب من داره(1) ودخل عليه حسين المكاري فلما رأى طيب حاله قال في نفسه: لا يرجع أبداً الى موطنه، فقال: خبز شعير، وملح جريش وحرم الرسول أحبّ اليَّ مما ترى»(2).
قال الشيخ المفيد: «وكان المأمون قد شغف بأبي جعفر عليه السّلام لما رأى من فضله مع صغر سنّه وبلوغه في العلم والحكمة والأدب وكمال العقل ما لم يساوه فيه أحد من مشايخ أهل الزمان، فزوّجه ابنته أم الفضل وحملها معه الى المدينة، وكان متوفراً على إكرامه وتعظيمه وإجلال قدره»(3).
قال المسعودي: «في السنة التي خرج فيها المأمون الى (البديدون) من بلاد الروم، خرج عليه السّلام بأم الفضل حاجاً الى مكة»(4).
قال الراوندي: «لما خرج بزوجته أمّ الفضل من عند المأمون ووصل شارع الكوفة وانتهى الى دار المسيب عند غروب الشمس، دخل المسجد وكان في صحنه نبقة…» فذكر القصة المتقدمة سابقاً(5).
هجرته الثانية الى بغداد:
لما بويع المعتصم بعد أخيه المأمون بالبديدون وانصرف الى بغداد كان لا يزال يتتبع أحوال الامام محمّد بن علي الجواد، حتى كتب الى محمّد بن عبد الملك الزيّات أن ينفذه اليه مع زوجته أم الفضل بنت، المأمون أرسل ابن الزيّات علي بن يقطين اليه فتجهّز من المدينة الى بغداد ووردها ليلة الثامن والعشرين من المحرم، سنة عشرين ومائتين، وأقام بها عشرة أشهر، وسمّه المعتصم في آخر ذي القعدة سنة عشرين ومائتين، وفي هذه المدة قاسى من المعتصم ما قاسى.
روى الراوندي: «ان المعتصم دعا جماعة من وزرائه فقال: اشهدوا لي على محمّد بن علي بن موسى زوراً، وكتبوا كتاباً انه أراد أن يخرج ثم دعاه فقال له: انك أردت أن تخرج عليّ فقال: والله ما فعلت شيئاً من ذلك، قال: فان فلاناً وفلاناً شهدوا عليك بذلك فاحضروا فقالوا: نعم هذه الكتب أخذناها من بعض غلمانك، قال: وكان جالساً في بهو(6) فرفع أبو جعفر الثاني يده وقال: اللهم ان كانوا كذبوا عليّ فخدهم قال: فنظرنا الى ذلك البهو كيف يرجف ويذهب ويجيء، وكلما قام منا واحد وقع فقال المعتصم: يا ابن رسول الله اني تائب مما قلت فادع ربك أن يسكنه، فقال: اللهم سكّنه انك تعلم أنهم أعداؤك وأعدائي. فسكن»(7).
روى الشيخ المفيد باسناده عن اسماعيل بن مهران، قال: «لما خرج أبو جعفر من المدينة الى بغداد في الدفعة الأولى من خرجتيه، قلت له عند خروجه: جعلت فداك، اني أخاف عليك في هذا الوجه فالى من الأمر بعدك؟ قال: فكرّ اليَّ بوجهه ضاحكاً وقال لي: ليس حيث كما ظننت في هذه السنة، فلما استدعي به الى المعتصم صرت اليه فقلت له: جعلت فداك أنت خارج فالى من هذا الأمر من بعدك؟ فبكى حتى اخضلّت لحيته ثم التفت اليّ فقال: عند هذه يخاف عليّ، الأمر من بعدي الى ابني علي»(8).
(1) اثبات الوصية ص216.
(2) الصراط المستقيم الى مستحقي التقديم ج2 ص200 الرقم7.
(3) الارشاد ص299.
(4) إثبات الوصية ص219.
(5) الخرائج ص337.
(6) البهو: البيت الذي كانوا يقيمونه أمام البيوت أو الخيام منزلا للغرباء والضيوف.
(7) الخرائج الطبعة القديمة ص106.
(8) الارشاد ص308.