مناقب علي بن الحسين
قال الشبلنجي: «ومناقبه كثيرة، فعن سفيان، قال: جاء رجلٌ إلى علي بن الحسين رضي الله عنهما، فقال له: ان فلاناً وقع فيك بحضوري، فقال له: انطلق بنا إليه، فانطلق معه وهو يرى أنه سينتصر لنفسه منه، فلما أتاه قال له: يا هذا ان كان ما قلته فيَّ حقاً فأسأل الله أن يغفر لي، وان كان ما قلته فيَّ باطلا فالله تعالى يغفره لك، ثم ولى عنه»(1).
وقال: «خرج يوماً من المسجد فلقيه رجل فسبّه وبالغ في سبه وأفرط، فعاد عليه العبيد والموالي فكفّهم عنه وأقبل عليه وقال له: ما ستر عنك من أمرنا أكثر، ألك حاجة نعينك عليها؟ فاستحيى الرجل، فألقى عليه حميصه(2) وألقى اليه خمسة آلاف درهم فقال: أشهد أنك من أولاد المصطفى»(3).
وقال: «ولقيه رجلٌ فسبّه، فقال له: يا هذا بيني وبين جهنم عقبةٌ، ان أنا جزتها فما أبالي بما قلت، وان لم أجزها فأنا أكثر مما تقول»(4).
قال سالم مولى أبي جعفر: «كان هشام بن إسماعيل يؤذي علي بن الحسين وأهل بيته يخطب بذلك على المنبر، وينال من علي رحمه الله، فلما وليّ الوليد بن عبد الملك عزله وأمر به أن يوقف للناس، قال: فكان يقول: لا والله ما كان أحد من الناس أهم الي من علي بن الحسين، كنت أقول رجلٌ صالح يسمع قوله، فوقف للناس، قال: فجمع علي بن الحسين ولده وحامته ونهاهم عن التعرض، قال: وغدا علي بن الحسين ماراً لحاجة فما عرض له، قال: فناداه هشام بن إسماعيل: الله أعلم حيث يجعل رسالته…. قال عبد الله بن علي بن الحسين: قلت: يا ابت ولم؟ والله ان أثره عندنا لسيىء وما كنا نطلب الاّ مثل هذا اليوم، قال عليه السّلام: يا بني نكله الى الله فوالله ما عرض له أحد من آل حسين بحرف حتى تصرّم أمره»(5).
قال الدميري: «ان رجلا من أهل الشام قال: دخلت المدينة فرأيت رجلا راكباً على بغلة لم أر أحسن وجهاً ولا سمتاً ولا ثوباً ولا دابة منه، فمال قلبي إليه فسألت عنه، فقيل: هذا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم، فأتيته وقد امتلأ قلبي له بغضاً، فقلت له: أنت ابن أبي طالب؟ فقال لي: بل أنا ابن ابنه، فقلت: بك وبأبيك، أسبّ علياً، فلما انقضى كلامي قال: أحسبك غريباً! قلت: أجل، قال: فمل بنا إلى الدار، فان احتجت الى منزل أنزلناك أو إلى مال واسيناك أو الى حاجة عاوناك على قضائها. فانصرفت من عنده وما على وجه الأرض أحب الي منه»(6).
قال ابن الأثير: «كلم مروان بن الحكم ابن عمر لما أخرج أهل المدينة عامل يزيد وبني أمية في أن يغيّب أهله عنده فلم يفعل، فكلم علي بن الحسين فقال: ان لي حرماً وحرمي تكون مع حرمك فقال: افعل، فبعث بامرأته وهي عائشة ابنة عثمان ابن عفان وحرمه إلى علي بن الحسين. فخرج علي بحرمه وحرم مروان إلى ينبع، وقيل: بل أرسل حرم مروان وأرسل معهم ابنه عبد الله بن علي الى الطائف»(7).
وكان بينه وبين ابن عمه شيء من المنافرة، فجاء إلى علي وهو في المسجد مع أصحابه فما ترك شيئاً الاّ قال له من الأذى وهو ساكت، ثم انصرف، فلما كان الليل أتاه في منزله فقرع عليه الباب فخرج اليه، فقال له علي بن الحسين: يا أخي ان كنت صادقاً في ما قلت لي فغفر الله لي، وان كنت كاذباً فيه فغفر الله لك، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته، ثم ولى فاتبعه من خلفه وبكى حتى رق له، ثم قال له: والله لا عدت لأمر تكرهه. فقال له علي: وأنت في حل مما قلته(8).
قال اليعقوبي: «كتب ملك الروم الى عبد الملك يتوعده فضاق عليه الجواب وكتب الى الحجّاج ـ وهو إذ ذاك على الحجاز ـ أن ابعث الى علي بن الحسين فتوعده وتهدّده واغلظ له ثم انظر ماذا يجيبك فاكتب به اليّ، ففعل الحجّاج ذلك فقال له علي ابن الحسين: ان لله في كل يوم ثلاثمائة وستين لحظةً وأرجو أن يكفينيك في أول لحظة من لحظاته. وكتب بذلك الى عبد الملك فكتب به إلى صاحب الروم كتاباً فلما قرأه قال: ليس هذا من كلامه، هذا من كلام عترة نبي»(9).
(1) نور الأبصار ص162، ورواه ابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة ص202.
(2) الحميصة: هي ثوب خز أو صوف مربع معلم (مجمع البحرين).
(3 و4) نور الأبصار ص164.
(5) الطبقات الكبرى لابن سعد كاتب الواقدي ج5 ص163.
(6) حياة الحيوان ج1 ص138 كلمة بغل.
(7) الكامل ج4 ص113.
(8) توضيح الدلائل في تصحيح الفضائل للسيد شهاب الدين أحمد الشافعي ص774.
(9) تاريخ اليعقوبي ج3 ص48، والبحار الطبعة القديمة ص38 ج11.