مناقب الإمام الجواد
قال محمّد بن طلحة الشافعي: «وأما مناقبه فما اتّسعت حلبات مجالها، ولا امتدت أوقات آجالها، بل قضت الأقدار الإلهية بقلّة بقائه في الدنيا بحكمها وأسجالها، فقلّ في الدنيا مقامه، وعجّل القدوم عليه لزيارة حمامه، فلم تطل بها مدته ولا امتدت فيها أيّامه، غير أنّ الله تعالى خصّه بمنقبة متألّقة في مطالع التعظيم، بارقة أنوارها، مرتفعة في معارج التفضيل قيمة أقدارها، بادية لأبصار ذوي البصائر، بينة منارها، هادية لعقول أهل المعرفة آية آثارها وهي وان كانت صورتها واحدة فمعانيها كثيرة، وصيغتها وان كانت صغيرة فدلالتها كبيرة(1).
روى الكليني باسناده عن أحمد بن زكريا الصيدلاني عن رجل من بني حنيفة من أهل بست(2) وسجستان(3)، قال: «رافقت أبا جعفر عليه السّلام في السنة التي حجّ فيها في أول خلافة المعتصم فقلت له، وأنا معه على المائدة وهناك جماعة من أولياء السلطان: ان والينا جعلت فداك رجلٌ يتولاكم أهل البيت ويحبكم وعليّ في ديوانه خراج، فان رأيت جعلني الله فداك ان تكتب اليه كتاباً بالاحسان اليّ فقال لي: لا أعرفه، فقلت: جعلت فداك: انه على ما قلت من محبيكم أهل البيت وكتابك ينفعني عنده فأخذ القرطاس وكتب: «بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد: فان موصل كتابي هذا ذكر عنك مذهباً جميلا، وان مالك من عملك ما احسنت فيه فأحسن الى اخوانك، واعلم انّ الله عزّوجل سائلك عن مثاقيل الذرّ والخردل» قال: فلمّا وردت سجستان سبق الخبر الى الحسين بن عبد الله النيسابوري وهو الوالي فاستقبلني على فرسخين من المدينة، فدفعت اليه الكتاب فقبّله ووضعه على عينيه ثم قال لي: ما حاجتك؟ فقلت: خراج عليَّ في ديوانك قال: فأمر بطرحه عني وقال لي: لا تؤدّ خراجاً ما دام لي عمل، ثم سألني عن عيالي فأخبرته بمبلغهم فأمر لي ولهم بما يقوتنا وفضلا. فما أدّيت في عمله خراجاً ما دام حيّاً ولا قطع عني صلته حتى مات»(4).
(1) مطالب السؤول ص240. مخطوط.
(2) بست، بالضمّ: مدينة بين سجستان وغزنين وهرات. (معجم البلدان ج1 ص414).
(3) سجستان بكسر أوّله وثانيه، وسين أخرى مهملة، وتاء مثناة من فوق وآخره نون: وهي ناحية كبيرة وولاية واسعة، وبينها وبين هرات عشرة أيام ثمانون فرسخاً، وهي جنوبي هرات وأرضها كلها رملة سبخة والرياح فيها لا تسكن أبداً… قال الرهني: وأجل من هذا كله انه لعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه على منابر الشرق والغرب، ولم يلعن على منبرها الاّ مرة وامتنعوا على بني أمية حتى زادوا في عهدهم أن لا يلعن على منبرهم أحد، وأي شرف أعظم من امتناعهم من لعن أخي رسول الله على منبرهم وهو يلعن على منابر الحرمين مكة والمدينة؟ وبين سجستان وكرمان مائة وثلاثون فرسخاً». (معجم البلدان ج3 ص190).
(4) الفروع من الكافي ج5 ص111 الرقم 6.