ما قاله الاعلام في فضائل الإمام الرضا
المأمون العباسي يطلب مدحه:
قال علي بن محمّد بن سليمان النوفلي: «ان المأمون لما جعل علي بن موسى الرضا عليه السّلام ولي عهده، وان الشعراء قصدوا المأمون ووصلهم بأموال جمة حين مدحوا الرضا عليه السّلام وصوبوا رأي المأمون في الأشعار، دون أبي نواس، فانه لم يقصده ولم يمدحه ودخل على المأمون، فقال له: يا أبا نواس، قد علمت مكان علي بن موسى الرضا مني وما أكرمته به، فلماذا أخّرت مدحه وأنت شاعر زمانك وقريع دهرك؟ فأنشد يقول:
قيل لي: أنت أوحد الناس طراً *** في فنون من الكلام النبيه
لك من جوهر الكلام بديع *** يثمر الدر في يدي مجتنيه
فعلى ما تركت مدح ابن موسى *** والخصال التي تجمّعن فيه
قلت: لا أهتدي لمدح إمام *** كان جبريل خادماً لأبيه
فقال المأمون: أحسنت، ووصله عن المال بمثل الذي وصل به كافة الشعراء وفضله عليهم»(1).
أبو نواس شاعر البلاط العباسي:
قال أبو العباس محمّد بن يزيد المبرّد: «خرج أبو نواس ذات يوم من داره فبصر براكب قد حاذاه فسأل عنه ولم ير وجهه، فقيل: انه علي بن موسى الرضا، فأنشأ يقول:
إذا أبصرتك العين من بعد غاية *** وعارض فيك الشك أثبتك القلب
ولو أن قوماً أمّموك لقادهم *** نسيمك حتى يستدل به الركب»(2)
قال محمّد بن يحيى الفارسي: «نظر أبو نواس الى أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليه السّلام ذات يوم، وقد خرج من عند الخليفة على بغلة له، فدنا منه أبو نواس وسلم عليه وقال: يا ابن رسول الله قد قلت فيك أبياتاً فأحبّ أن تسمعها مني، قال: هات فأنشأ يقول:
مطهرون نقيّاتٌ ثيابهم *** تجري الصلاة عليهم أينما ذكروا
من لم يكن علوياً حين تنسبه *** فما له في قديم الدهر مفتخر
والله لما بدا خلقاً فأتقنه *** صفّاكم واصطفاكم أيها البشر
وأنتم الملأ الأعلى وعندكم *** علم الكتاب وما جاءت به السور
فقال الرضا عليه السّلام: قد جئت بأبيات ما سبقك اليها أحد، ثم قال: يا غلام، هل معك من نفقتنا شيء؟ فقال: ثلاث مائة دينار، فقال: أعطها إياه، ثم قال عليه السّلام: لعله استقلّها؟ يا غلام سق اليه البغلة»(3).
قال الحمويني: «الإمام الثامن مظهر خفيات الأسرار، ومبرز خبيّات الأمور الكوامن، منبع المكارم والميامن، ومتبع الأعالي الحضارم والأيامن، منيع الجناب، رفيع القباب، وسيع الرحاب، هموم السحاب عزيز الالطاف، غزير الأكناف أمير الأشراف، قرة عين آل ياسين وآل عبد مناف، السيد الطاهر المعصوم، والعارف بحقائق العلوم، والواقف على غوامض السر المكتوم، والمخبر بما هو آت، وعما غبر ومضى، المرضي عند الله الله سبحانه برضاه عنه في جميع الأحوال ولذا لقب بالرضا، علي بن موسى صلوات الله على محمّد وآله خصوصاً عليه ما سحّ سحاب وهما، وطلع نبات ونما»(4).
وقال ابن حجر الهيتمي: «وكان أولاد موسى بن جعفر حين وفاته سبعة وثلاثين ذكراً وأنثى، منهم (علي الرضا) وهو أنبههم ذكراً وأجلّهم قدراً، ومن ثم أحلّه المأمون محل مهجته وأنكحه ابنته وأشركه في مملكته، وفوّض اليه أمر خلافته، فانه كتب بيده كتاباً سنة احدى ومائتين بأن علياً الرضا ولي عهده واشهد عليه جمعاً كثيرين، لكنه توفي قبله فأسف عليه كثيراً، وأخبر قبل موته بأنه يأكل عنباً ورمّاناً مبثوثاً ويموت وأن المأمون يريد دفنه خلف الرشيد فلم يستطع، فكان ذلك كله كما أخبر به»(5).
وقال النسابة الشهير ابن عنبة: «علي بن موسى الكاظم ويكنى أبا الحسن ولم يكن في الطالبيين في عصره مثله، بايع له المأمون بولاية العهد، وضرب اسمه على الدنانير والدراهم، وخطب له على المنابر، ثم توفي بطوس ودفن بها»(6).
وقال المؤرخ ابن خلكان: «أبو الحسن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمّد الباقر بن علي زين العابدين، وهو أحد الأئمة الاثني عشر على اعتقاد الإمامية، وكان المأمون قد زوّجه ابنته أم حبيب ]في سنة اثنتين ومأتين [وجعله ولي عهده، وضرب اسمه على الدينار والدراهم، وكان السبب في ذلك أنه استحضر اولاد العباس الرجال منهم والنساء وهو بمدينة مرو، وكان عددهم ثلاثة وثلاثين ألفاًما بين الكبار والصغار واستدعى عليّاً المذكور، فأنزله أحسن منزلة، وجمع خواص الأولياء، وأخبرهم انه نظر في أولاد العبّاس، وأولاد علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، فلم يجد في وقته احداً أفضل ولا أحق بالأمر من علي الرضا فبايعه، وأمر بإزالة السواد من اللباس والاعلام، ونمى الخبر الى من بالعراق من أولاد العباس، فعلموا أن في ذلك خروج الأمر عنهم فخلعوا المأمون، وبايعوا إبراهيم بن المهدي، وهو عم المأمون، وذلك يوم الخميس لخمس خلون من المحرم سنة اثنتين وقيل: سنة ثلاث ومأتين»(7).
وقال الحافظ السمهودي: «علي الرضا بن موسى الكاظم كان أوحد زمانه جليل القدر، أسلم على يده أبو محفوظ معروف الكرخي… وقال له المأمون: بأي وجه جدك علي بن أبي طالب قسيم الجنة والنار؟ فقال: يا أميرالمؤمنين ألم ترو عن أبيك عن آبائه عن عبد الله بن عباس، قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول: حب علي ايمان وبغضه كفر؟ قال: بلى، قال الرضا عليه السّلام: فقسم الجنة والنار إذاً كان على حبه وبغضه، فقال المأمون: لا أبقاني الله بعدك يا أبا الحسن. أشهد أنك وارث علم رسول الله صلّى الله عليه»(8).
وقال ابن الشهر زوري في مناقب الأبرار: «ان معروف الكرخي كان من موالي علي بن موسى الرضا، وكان أبواه نصرانيين فسلّما معروفاً الى المعلم وهو صبي، فكان المعلم يقول له: قل ثالث ثلاثة، وهو يقول: بل هو الواحد فضربه المعلم ضرباً مبرحاً فهرب ومضى الى الرضا عليه السّلام وأسلم على يده، ثم انه أتى داره فدق الباب فقال أبوه: من بالباب؟ فقال: معروف، فقال: على أي دين قال: علي ديني الحنيفي، فأسلم أبوه ببركات الرضا عليه السّلام. قال معروف فعشت زماناً ثم تركت كل ما كنت فيه الاّ خدمة مولاي علي بن موسى الرضا عليه السلام»(9).
وقال أحمد باكثير الحضرمي الشافعي: «قال أبو حبيب: رأيت النبي صلّى الله عليه وسلّم في المنام، وكأنه في المسجد الذي ينزله الحجاج من بلدنا في كل سنة وكأني مضيت اليه وسلمت عليه، ووقفت بين يديه، فوجدته جالساً على حصير وعنده طبق من خوص المدينة فيه تمر صيحاني، وكأنه قبض قبضة من ذلك التمر فناولنيها فعددتها فوجدتها ثماني عشرة تمرة فقلت: اني أعيش بعدد كلّ تمرة سنة فلما كان بعد عشرين يوماً وأنا في أرض تعمر للزراعة، إذ جاءني من أخبرني بقدوم أبي الحسن علي الرضا بن موسى الكاظم من المدينة ونزوله ذلك المسجد، ورأيت الناس يسعون اليه للسلام من كل جانب، فمضيت نحوه فإذا هو جالس في الموضع الذي رأيت النبي صلّى الله عليه وسلّم جالساً فيه وتحته حصير مثل الحصير التي رأيتها تحته صلّى الله عليه وآله وسلّم وبين يديه طبق من خوص وفيه تمر صيحاني فسلمت عليه فرد علي السلام واستدناني وناولني قبضةً من ذلك التمر فعددتها فإذا هي بعددما ناولنيها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في النوم ثماني عشرة حبة، فقلت: زدني يا ابن رسول الله فقال: لو زادك رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لزدناك»(10).
وقال كمال الدين محمّد بن طلحة الشافعي: «أبو الحسن علي بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق عليهم السلام، قد تقدم القول في أمير المؤمنين علي وفي زين العابدين علي وجاء هذا علي الرضا ثالثهما، ومن أمعن نظره وفكره وجده في الحقيقة وارثهما فيحكم كونه ثلاث العليين، نمى ايمانه وعلا شأنه، وارتفع مكانه واتسع امكانه وكثر أعوانه، وظهر برهانه حتى أحلّه الخليفة المأمون محلّ مهجته، وأشركه في مملكته، وفوّض اليه أمر خلافته وعقد له على رؤوس الاشهاد عقد نكاح ابنته، وكانت مناقبه علية وصفاته الشريفة سنية ومكارمه حاتميّة وشنشنة اخزميّة وأخلاقه عربية، ونفسه الشريفة هاشمية، وارومته الكريمة نبوية، فمهما عدّ من مزاياه كان أعظم منه، ومهما فصّل من مناقبه كان أعلى رتبة عنه»(11).
وقال العلامة سبط ابن الجوزي الحنفي: «أبو الحسن علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ويلقب بالولي والوفي، وأمه أم ولد تسمى الخيزران.
قال الواقدي سمع علي الحديث من أبيه وعمومته وغيرهم وكان ثقةً، يفتي بمسجد رسول الله صلّى الله عليه وآله وهو ابن نيف وعشرين سنة، وهو من الطبقة الثامنة من التابعين من أهل المدينة»(12).
وقال الشبلنجي الشافعي: «قال إبراهيم بن العبّاس: ما رأيت الرضا سئل عن شيء الاّ علمه ولا رأيت أعلم منه بما كان في الزمان الى وقت عصره، وكان المأمون يمتحنه بالسؤال من كل شيء فيجيبه الجواب الشافي، وكان قليل النوم كثير الصوم لا يفوته صوم ثلاثة أيام من كل شهر ويقول: ذلك صيام الدهر، وكان كثير المعروف والصدقة، وأكثر ما يكون ذلك منه في الليالي المظلمة، وكان جلوسه في الصيف على حصير وفي الشتاء على مسح(13).
وقال أبو عباد: كان جلوس الرضا في الصيف على حصير وفي الشتاء على مسح، ولبسه الغليظ من الثياب حتى إذا برز للناس تزين لهم»(14).
وقال الحافظ ابن كثير: «علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي العلوي الملقّب بالرضا، كان المأمون قد همّ أن ينزل له عن الخلافة فأبى عليه ذلك، فجعله ولي العهد من بعده كما قدمنا ذلك.
توفي في صفر من هذه السنة ـ 203 ـ بطوس، وقد روى الحديث عن أبيه وغيره. وعنه جماعة منهم المأمون وأبو الصلت الهروي وأبو عثمان المازني النحوي، وقال سمعته يقول: الله أعدل من أن يكلف العباد ما لا يطيقون، وهم أعجز من أن يفعلوا ما يريدون. ومن شعره:
كلنا يأمل مداً في الأجل *** والمنايا هن آفات الأمل
لا تغرنك أباطيل المنى *** والزم القصد ودع عنك العلل
انما الدنيا كظل زائل *** حل فيه راكب ثم ارتحل(15)
وقال الحاكم أبو عبد الله محمّد بن عبد الله البيّع: «علي بن موسى أبو الحسن ورد نيسابور سنة مأتين، وكان يفتي في مسجد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وهو ابن نيّف وعشرين سنة. روى عنه من أئمة الحديث: المعلى بن منصور الرازي وآدم بن أبي اياس العسقلاني ومحمّد بن أبي رافع القصري القشيري، ونصر بن علي الجهضمي وغيرهم، واستشهد «بسناباد» من طوس في ]شهر[ رمضان سنة ثلاث ومأتين، وهو ابن تسع وأربعين سنة وستة اشهر»(16).
وقال محمّد فريد وجدي: «الرضا هو أبو الحسن علي الرضا ابن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمّد الباقر بن زين العابدين، هو في اعتقاد الإمامية أحد الأئمة الاثنا عشر، زوجه المأمون ابنته وجعله ولي عهده وضرب اسمه على الدينار والدرهم، يقال: ان السبب في ذلك انه استحضر أولاد العباس رجالا ونساءً وهو بمدينة مرو فأحصاهم فبلغوا ثلاثة وثلاثين ألفاً واستدعى علياً المذكور فأكرمه، ثم جمع خواص الدولة وأخبرهم بأنه نظر في أولاد العباس وأولاد علي بن أبي طالب فلم يجد في وقته أحداً أفضل ولا أحق بالأمر من علي الرضا، فبايعه وأمر بإزالة السواد من اللباس والاعلام»(17).
(1) عيون أخبار الرضا ج2 ص142 رقم 9.
(2) فرائد السمطين ج2 ص202 رقم 481 ورواه الصدوق في العيون ص144 رقم 11.
(3) فرائد السمطين ج2 ص201 رقم 480، ورواه الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السّلام ج2 ص143 الباب 40 الرقم 10، والشبلنجي في نور الأبصار ص178.
(4) فرائد السمطين ج2 ص187.
(5) الصواعق المحرقة ص122.
(6) عمدة الطالب ص198.
(7) وفيات الأعيان ج2 ص432.
(8) جواهر العقدين ص353 مخطوط.
(9) المناقب لابن شهر آشوب ج4 ص361.
(10) وسيلة المآل ص425 مخطوط.
(11) مطالب السؤول ص230 مخطوط.
(12) تذكرة الخواص ص351.
(13) نور الأبصار ص180 والمسح بالكسر والسكون، ويعبر عنه بالبلاس: الكساء من الشعر (لسان العرب) ج2 ص596، مجمع البحرين ج2 ص414.
(14) عيون أخبار الرضا ج2 ص178.
(15) البداية والنهاية ج10 ص250.
(16) فرائد السمطين ج2 ص199 رقم 487.
(17) دائرة المعارف لمحمّد فريد وجدي ج4 ص250.