ما قاله الأعلام في فضائل علي بن الحسين
قال مالك: «سمي زين العابدين لكثرة عبادته»(1).
قال الزهري «ما رأيت قرشياً افضل منه»(2).
وقال: «ما رأيت أفقه منه»(3).
قال ابن المسيب: «ما رأيت أورع منه»(4).
قال طاووس اليماني: «رأيت في جوف الليل رجلا متعلقاً بأستار الكعبة وهو يقول:
ألا أيها المأمول في كل حاجة *** شكوت اليك الضر فاسمع شكايتي
ألا يا رجائي أنت تكشف كربتي *** فهب لي ذنوبي كلها واقض حاجتي
فزادي قليل لا أراه مبلّغي *** أللزاد أبكي أم لطول مسافتي
أتيت بأعمال قباح ردية *** فما في الورى عبد جنى كجنايتي
أتحرقني بالنار يا غاية المُنى *** فأين رجائي ثم اين مخافتي
قال: فتأملته فإذا هو علي بن الحسين»(5).
وقال: «دخلت الحجر في الليل فإذا علي بن الحسين قد دخل يصلي ما شاء الله تعالى، ثم سجد سجدة فأطال فيها، فقلت: رجل صالحٌ من بيت النبوة لأصغين إليه، فسمعته يقول: عبدك بفنائك، مسكينك بفنائك، سائلك بفنائك، فقيرك بفنائك. قال طاووس: فوالله ما صليت ودعوت فيهن في كرب إلاّ فرج عني»(6).
وقال طاووس: «رأيته يطوف من العشاء الى السحر ويتعبد، فلما لم ير أحداً رمق السماء بطرفه وقال: الهي غارت نجوم سماواتك وهجعت عيون أنامك، وأبوابك مفتحات للسائلين، جئتك لتغفر لي وترحمني وتريني وجه جدي محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم في عرصات القيامة، ثم بكى وقال: وعزتك وجلالك ما أردت بمعصيتي مخالفتك، وما عصيتك إذ عصيتك وأنا بك شاكّ، ولا بنكالك جاهل، ولا لعقوبتك متعرض، ولكن سولت لي نفسي وأعانني على ذلك سترك المرخى علي، فأنا الآن من عذابك من يستنقذني؟ وبحبل من أعتصم ان قطعت حبلك عني؟ فواسوأتاه غداً من الوقوف بين يديك إذا قيل للمخفين: جوزوا وللمثقلين حطوا، أمع المخفين أجوز أم مع المثقلين أحط؟ ويلي كلما طال عمري كثرت خطاياي لم أتب، أما آن لي أن استحي من ربي؟ ثم بكى، ثم أنشأ يقول:
أتحرقني بالنار يا غاية المنى *** فأين رجائي ثم أين محبتي
أتيت بأعمال قباح ردية *** وما في الورى خلق جنى كجنايتي
ثم بكى وقال: سبحانك تعصى كأنك لا ترى، وتحلم كأنك لم تعص، تتودد إلى خلقك بحسن الصنيع كأن بك الحاجة اليهم، وأنت يا سيدي الغني عنهم ثم خرّ الى الأرض ساجداً فدنوت منه وشلت رأسه ووضعته على ركبتي وبكيت حتى جرت دموعي على خده فاستوى جالساً وقال: من ذا الذي اشغلني عن ذكر ربي؟ فقلت: أنا طاووس يا ابن رسول الله ما هذا الجزع والفزع؟ ونحن يلزمنا أن نفعل مثل هذا ونحن عاصون جافون! أبوك الحسين بن علي وامك فاطمة الزهراء وجدك رسول الله قال: فالتفت الي وقال: هيهات هيهات يا طاووس دع عني حديث أبي وامي وجدي، خلق الله الجنة لمن أطاعه وأحسن ولو كان ]عبداً [حبشياً وخلق النار لمن عصاه ولو كان قرشياً، أما سمعت قوله تعالى (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذ وَلاَ يَتَسَاءلُونَ)(7) والله لا ينفعك غداً الاّ تقدمة تقدمها من عمل صالح»(8).
قال الأصمعي: «كنت أطوف حول الكعبة ليلا فإذا شاب ظريف الشمائل وعليه ذؤابتان وهو متعلق بأستار الكعبة وهو يقول: نامت العيون، وعلت النجوم وأنت الحي القيّوم، غلقت الملوك أبوابها وأقامت عليها حراسها وبابك مفتوح للسائلين، جئتك لتنظر اليّ برحمتك يا أرحم الراحمين ثم أنشأ يقول:
يا من يجيب دعا المضطر في الظلم *** يا كاشف الضر والبلوى مع السقم
قد نام وفدك حول البيت قاطبة *** وأنت وحدك يا قيّوم لم تنم
أدعوك رب دعاء قد أمرت به *** فارحم بكائي بحق البيت والحرم
ان كان عفوك لا يرجوه ذو سرف *** فمن يجود على العاصين بالنعم
قال: فاقتفيته فإذا هو زين العابدين»(9).
روى الزهري عنه عليه السّلام: «يا نفس حتى م الى الحياة سكونك؟ وإلى الدنيا ركونك؟ أما اعتبرت بمن مضى في أسلافك؟ ومن وارته الأرض من الاّفك؟ ومن فجعت به من اخوانك.
فهم في بطون الأرض بعد ظهورها *** محاسنها فيها بوالي دواثر
خلت دورهم منهم وأقوت عراصهم *** وساقتهم نحو المنايا المقادر
وخلوا عن الدنيا وما جمعوا لها *** وضمتهم تحت التراب الحفائر(10)
قال ابن حجر: «زين العابدين هذا هو الذي خلف أباه علماً وزهداً وعبادةً وكان إذا توضأ للصلاة اصفر لونه، فقيل له في ذلك، فقال: ألا تدرون بين يدي من أقف؟ وحكي أنه كان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة»(11).
قال محمّد بن طلحة الشافعي: «علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام هذا زين العابدين، وقدوة الزاهدين، وسيد المتقين، وإمام المؤمنين شيمتُهُ تشهد له أنه من سلالة رسول الله، وسمته يثبت مقام قربه من الله زلفاً، وثفناته تسجل بكثرة صلاته وتهجده واعراضه عن متاع الدنيا ينطق بزهده فيها، درت له اخلاف التقوى فتفوقها، وأشرقت لديه أنوار التأييد فاهتدى بها، والفته أبراد العبادة فآنس بصحبتها، وحالفته وظايف الطاعة فتحلى بحليتها، طالما اتخذ الليل مطيّة ركبها لقطع مفازة الساهرة، وظمأ الهواجر دليلا استرشد به في مغارة المسافر، وله من الخوارق والكرامات ما شوهد بالأعين الباصرة وثبت بالآثار المتواترة، وشهد له أنه من ملوك الآخرة»(12).
وقال الكنجي الشافعي: «كان عابداً وفياً وجواداً حفياً»(13).
وقال السمهودي: «كان علي بن الحسين زين العابدين عظيم الهدي والسمت»(14).
وقال أبو نعيم: «علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم زين العابدين ومنار القانتين، كان عابداً وفياً وجواداً حفياً»(15).
وقال القندوزي الحنفي: «كان الإمام زين العابدين رضي الله عنه عظيم التجاوز والعفو والصفح، حتى أنه سبه رجل فتغافل عنه فقال له: اياك أعني، فقال الإمام: وعنك أعرض. أشار إلى آية (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ)(16)(17).
وقال البدخشي: «وروي انه عليه السّلام كان يعول سبعين بيتاً. وفي رواية مائة بيت من أهل المدينة سراً وهم لا يعلمون فلما مات فقدوا أثره»(18).
(1) نور الابصار للشبلنجي ص162.
(2) حياة الحيوان للدميري ج1 ص139.
(3) نور الأبصار ص162.
(4) اسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار ص218.
(5) مستدرك الوسائل ج2 ص143.
(6) الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص201.
(7) سورة المؤمنون: 101.
(8) المناقب لا بن شهر آشوب ج4 ص151.
(9) مستدرك الوسائل ج2 ص143.
(10) المناقب لا بن شهر آشوب ج4 ص152.
(11) الصواعق المحرقة ص119.
(12) مطالب السؤول ص202 مخطوط.
(13) كفاية الطالب ص447.
(14) جواهر العقدين ص351.
(15) حلية الأولياء ج3 ص133.
(16) سورة الاعراف: 199.
(17) ينابيع المودة ص359، حكاها عن الصواعق المحرقة ص120.
(18) مفتاح النجاء ص237.