ما قاله الأعلام في فضائل الإمام العسكري
قال محمّد بن طلحة الشافعي: «فاعلم أن المنقبة العليا والمزية الكبرى التي خصه الله جل وعلا بها فقلّده فريدها، ومنحه تقليدها، وجعلها صفة دائمة لا يبلي الدهر جديدها، ولا تنسى الألسن تلاوتها وترديدها: أن المهدي محمّداً عليه السّلام نسله المخلوق منه، وولده المنتسب اليه والبضعة المنفصلة عنه… وكفى أبا محمّد الحسن تشريفه من ربه أن جعل محمّداً المهدي ممن أخرجه من صلبه وجعله معدوداً من حزبه، ولم يكن لأبي محمّد ولد ذكر سواه وحسبه ذلك منقبةً كفاه»(1).
قال ابن خلكان: «وهو والد المنتظر صاحب السرداب ويعرف بالعسكري وأبوه علي يعرف أيضاً بهذه النسبة»(2).
قال سبط ابن الجوزي: «وكان عالماً ثقة روى الحديث عن أبيه عن جده، ومن جملة مسانيده حديث في الخمر عزيز ذكره جدي أبو الفرج في كتابه المسمى بتحريم الخمر ونقلته من خطه وسمعته يقول:
أشهد بالله لقد سمعت أبا عبد الله الحسين بن علي يقول: أشهد بالله لقد سمعت عبد الله بن عطا الهروي يقول: أشهد بالله لقد سمعت عبد الرحمان بن أبي عبيد البيهقي يقول: أشهد بالله لقد سمعت أبا عبد الله الحسين بن محمّد الدينوري يقول: أشهد بالله لقد سمعت محمّد بن علي بن الحسين العلوي يقول: أشهد بالله لقد سمعت أحمد بن عبد الله السبيعي يقول: أشهد بالله لقد سمعت الحسن بن علي العسكري يقول: أشهد بالله لقد سمعت أبي علي بن محمّد يقول: أشهد بالله لقد سمعت أبي محمّد ابن علي بن موسى الرضا يقول: أشهد بالله لقد سمعت أبي علي بن موسى يقول: أشهد بالله لقد سمعت أبي موسى يقول: أشهد بالله لقد سمعت أبي جعفر بن محمّد يقول: أشهد بالله لقد سمعت أبي محمّد بن علي يقول: أشهد بالله لقد سمعت أبي علي ابن الحسين يقول: أشهد بالله لقد سمعت أبي الحسين بن علي يقول: أشهد بالله لقد سمعت أبي علي بن أبي طالب يقول: أشهد بالله لقد سمعت محمّداً رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول: أشهد بالله لقد سمعت جبرئيل يقول: أشهد بالله لقد سمعت ميكائيل يقول: أشهد بالله لقد سمعت اسرافيل يقول: اشهد بالله على اللوح المحفوظ انه قال: سمعت الله يقول: شارب الخمر كعابد الوثن»(3).
وقال الحضرمي الشافعي: «أبو محمّد الحسن الخالص ابن علي العسكري، كان عظيم الشأن جليل المقدار، وقد زعمت الشيعة الرافضة انه والد المهدي المنتظر، ووقع له مع المعتمد لما حبسه كرامة ظاهرة مشهورة. ونقل في روض الرياحين للإمام عبد الله بن أسعد اليافعي عن بهلول قال: بينما أنا ذات يوم في بعض شوارع المدينة وإذا بالصبيان يلعبون بالجوز واللوز وإذا بصبي ينظر اليهم ويبكي فقلت: هذا صبي يتحسر على ما في أيدي الصبيان ولا شيء معه، فقلت: أي بني ما يبكيك؟ اشترلك ما تلعب به؟ فرفع بصره إليّ وقال: يا قليل العقل، ما للّعب خلقنا، فقلت: فلم إذاً خلقنا؟ قال: قال للعلم والعبادة، قلته: من اين لك ذاك بارك الله فيك؟ قال من قول الله تعالى: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ)(4) فقلت: يا بنيّ أراك حكيماً فعظني وأوجز فأنشأ يقول:
ارى الدنيا تجهّز بانطلاق *** مشمّرة على قدم وساق
فلا الدنيا بباقية لحيٍّ *** ولا حيّ على الدنيا بباق
كأن الموت والحدثان فيها *** الى نفس الفتى فرسا سباق
فيا مغرور بالدنيا رويداً *** ومنها خذ لنفسك بالوثاق
ثم رمق الى السماء بعينيه وأشار بكفّيه ودموعه تتحدّر على خدّيه وأشار بقوله:
يا من اليه المبتهل، يا من عليه المتكل، يا من إذا ما آملٌ يرجوه لم يخط الأمل…
قال: فلما أتم كلامه خرّ مغشياً عليه فرفعت رأسه الى حجري ونفضت التراب عن وجهه، فلما أفاق، قلت: أيً بني ما أنزل بك وأنت صبي صغير لم يكتب عليك ذنب؟ قال: اليك عني يا بهلول، اني رأيت والدتي توقد النار بالحطب الكبار فلا تتّقد الاّ بالصغار وأنا اخشى أن أكون من صغار حطب جهنم فقلت له: اي بني أراك حكيماً فعظني فأنشأ يقول:
غفلت وحادي الموت في أثري يحدو *** وان لم أرح يوماً فلا بدّ أن أغدو
أنعّم جسمي باللباس ولينه *** وليس لجسمي من لباس البلى بدٌّ
كأني به قد مرّ في برزخ البلا *** ومن فوقه ردم ومن تحته لحد
وقد ذهبت عني المحاسن وانمحت *** ولم يبق فوق العظم لحم ولا جلد
أرى العمر قد ولّى ولم أدرك المنى *** وليس معي زاد وفي سفري بعد
وقد كنت جاهرت المهيمن عاصياً *** وأحدثت أحداثاً وليس لها ردّ
وأرخيت دون الناس ستراً من الحيا *** وما خفت من سريّ غداً عنده يبدو
بلى خفته لكن وثقت بحلمه *** وأن ليس يعفو غيره فله الحمد
فلو لم يكن شيء سوى الموت والبلى *** ولم يك من ربيّ وعيد ولا وعد
لكان لنا في الموت شغل وفي البلى *** ولم يك من ربي وعيد ولا وعد
لكان لنا في الموت شغل وفي البلى *** عن اللهو لكن زال عن رأينا الرشد
عسى غافر الزلاّت يغفر زلّتي *** فقد يغفر المولى إذا أذنب العبد
أنا عبد سوء خنت مولاي عهده *** كذلك عبد السوء ليس له عهد
فكيف إذا أحرقت بالنّار جثّتي *** ونارك لا يقوى لها الحجر الصّلد
أنا الفرد عند الموت والفرد في البلى *** وأبعث فرداً فارحم الفرد يا فرد
قال بهلول: فلما فرغ من كلامه وقعت مغشياً عليّ، وانصرف الصبي فلما أفقت ونظرت الى الصبيان فلم أره معهم فقلت لهم: من يكون ذلك الغلام؟ قالوا: وما عرفته؟ قلت: لا، قالوا: ذاك من أولاد الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، قال: فقلت: قد عجبت من أمره وما تكون هذه الثمرة الاّ من تلك الشجرة»(5).
قال الحسين بن محمّد الأشعري ومحمّد بن يحيى وغيرهما قالوا: «كان أحمد ابن عبيدالله بن خاقان على الضياع والخراج بقم، فجرى في مجلسه يوماً ذكر العلوية ومذاهبهم وكان شديد النصب فقال: ما رأيت ولا عرفت بسرّ من رأى رجلا من العلوية مثل الحسن بن علي بن محمّد ابن الرضا في هديه وسكونه وعفافه ونبله وكرمه عند أهل بيته وبني هاشم وتقديمهم ايّاه على ذوي السنّ منهم والخطر وكذلك القواد والوزراء وعامة الناس.
فاني كنت يوماً قائماً على رأس أبي وهو يوم مجلسه للنّاس، إذ دخل عليه حجّابه فقالوا: أبو محمّد ابن الرضا بالباب فقال بصوت عال: ائذنوا له فتعجبت مما سمعت منهم انهم جسروا يكنّون رجلا على أبي بحضرته ولم يكنّ عنده الاّ خليفة أو وليّ عهد أو من أمر السلطان أن يكنّى، فدخل رجل أسمر حسن القامة جميل الوجه جيّد البدن حدث السنّ له جلالة وهيبة، فلما نظر اليه أبي قام يمشي اليه خطىً ولا أعلمه فعل هذا بأحد من بني هاشم والقوّاد، فلما دنا منه عانقه وقبل وجهه وصدره وأخذه بيده وأجلسه على مصلاّه الذي كان عليه وجلس الى جنبه مقبلا عليه بوجهه وجعل يكلمه ويفديه بنفسه وأنا متعجب مما أرى منه، إذ دخل عليه الحاجب فقال: الموفق قد جاء وكان الموفق إذا دخل على أبي تقدم حجّابه وخاصة قوّاده بين مجلس أبي وبين باب الدار سماطين الى أن يدخل ويخرج، فلم يزل أبي مقبلا على أبي محمّد يحدّثه حتى نظر الى غلمان الخاصة فقال حينئذ إذا شئت جعلني الله فداك ثم قال لحجّابه: خذوا به خلف السماطين حتى لا يراه هذا ـ يعني الموفق ـ فقام وقام أبي وعانقه ومضى.
فقلت لحجّاب أبي وغلمانه: ويلكم من هذا الذي كنيتموه على أبي وفعل به أبي هذا الفعل فقالوا: هذا علوي يقال له الحسن بن علي يعرف بابن الرضا فازددت تعجباً، ولم أزل يومي ذلك قلقاً متفكراً في أمره وأمر أبي وما رأيت فيه حتى كان الليل، وكانت عادته أن يصلي العتمة ثم يجلس فينظر فيما يحتاج إليه من المؤامرات وما يرفعه الى السلطان، فلما صلى وجلس جئت فجلست بين يديه وليس عنده أحد فقال لي: يا أحمد لك حاجة؟ قلت: نعم يا أبة فان أذنت لي سألتك عنها؟ فقال: قد أذنت لك يا بني فقل ما أحببت.
قلت: يا أبة من الرجل الذي رأيتك بالغداة فعلت به ما فعلت من الإجلال والكرامة والتبجيل وفديته بنفسك وأبويك؟ فقال: يا بني ذاك إمام الرافضة ذاك الحسن بن علي المعروف بابن الرضا. فسكت ساعة ثم قال: يا بني لو زالت الإمامة عن خلفاء بني العباس ما استحقها أحدٌ من بني هاشم غير هذا، وان هذا ليستحقها في فضله وعفافه وهديه وصيانته وزهده وعبادته وجميل أخلاقه وصلاحه، ولو رأيت أباه رأيت رجلا جزلا نبيلا فاضلا، فازددت قلقاً وتفكّراً وغيظاً على أبي وما سمعت منه واستزدته في فعله وقوله فيه ما قال، فلم يكن لي همّةٌ بعد ذلك السؤال عن خبره والبحث عن أمره، فما سألت أحداً من بني هاشم والقوّاد والكتاب والقضاة والفقهاء وسائر الناس الاّ وجدته عنده في غاية الاجلال والإعظام والمحل الرفيع والقول الجميل والتقديم له على جميع أهل بيته ومشايخه، فعظم قدره عندي إذ لم أر له وليّاً ولا عدوّاً الاّ وهو يحسن القول فيه والثناء عليه.
فقال له بعض من حضر مجلسه من الاشعريين : يا أبا بكر، فما خبر أخيه جعفر؟ فقال: ومن جعفر فتسأل عن خبره أو يقرن بالحسن؟ جعفر معلن الفسق فاجر ماجن شرّيب الخمور، أقلّ من رأيته من الرجال وأهتكهم لنفسه، خفيفٌ قليل في نفسه. ولقد ورد على السلطان وأصحابه في وقت وفاة الحسن بن علي ما تعجبت منه وما ظنت أنه يكون، وذلك أنه لما اعتلّ بعث الى أبي أن ابن الرضا قد اعتل، فركب من ساعته فبادر الى دار الخلافة، ثم رجع مستعجلا ومعه خمسة من خدم أميرالمؤمنين كلهم من ثقاته وخاصته فيهم نحرير، فأمرهم بلزوم دار الحسن وتعرّف خبره وحاله، وبعث الى نفر من المتطبّبين فأمرهم بالاختلاف إليه وتعاهده صباحاً ومساءً، فلما كان بعد ذلك بيومين أو ثلاثة أخبر أنه قد ضعف، فأمر المتطبببين بلزوم داره، وبعث الى قاضي القضاة فأحضره مجلسه وأمره أن يختار من أصحابه عشرة ممن يوثق به في دينه وأمانته وورعه فأحضرهم، فبعث بهم الى دار الحسن وأمرهم بلزومه ليلا ونهاراً، فلم يزالوا هناك حتى توفي عليه السّلام، فصارت سر من رأى ضجة واحدة، وبعث السلطان الى داره من فتّشها وفتّش حجرها وختم على جميع ما فيها وطلبوا أثر ولده، وجاءوا بنساء يعرفن الحمل فدخلن الى جواريه ينظرن اليهن فذكر بعضهن أن هناك جارية بها حبل، فجعلت في حجرة ووكل بها نحرير الخادم وأصحابه ونسوة معهم.
ثم أخذوا بعد ذلك في تهيئته وعطّلت الأسواق وركبت بنو هاشم والقوّاد وأبي وسائر الناس الى جنازته، فكانت سرّ من رأى يومئذ شبيهاً بالقيامة، فلما فرغوا من تهيئته بعث السلطان إلى أبي عيسى ابن المتوكل فأمره بالصلاة عليه، فلما وضعت الجنازة للصلاة عليه دنا أبو عيسى منه فكشف عن وجهه، فعرضه على بني هاشم من العلوية والعباسية والقواد والكتّاب والقضاة والمعدّلين وقال: هذا الحسن بن علي بن محمّد بن الرضا مات حتف أنفه على فراشه ، حضره من حضره من خدم أميرالمؤمنين وثقاته فلان وفلان، ومن القضاة فلان وفلان، ومن المتطبّبين فلان وفلان. ثم غطّى وجهه وأمر بحمله فحمل من وسط داره ودفن في البيت الذي دفن فيه أبوه.
فلما دفن أخذ السلطان والناس في طلب ولده وكثر التفتيش في المنازل والدور، وتوقفوا عن قسمة ميراثه، ولم يزل الذين وكّلوا بحفظ الجارية التي توهّم عليها الحمل لازمين حتى تبين بطلان الحمل، فلما بطل الحمل عنهنّ قسم ميراثه بين أمه وأخيه جعفر، وادّعت أمه وصيته وثبت ذلك عند القاضي، والسلطان على ذلك يطلب أثر ولده.
فجاء جعفر بعد ذلك إلى أبي فقال: اجعل لي مرتبة أخي وأوصل اليك في كل سنة عشرين ألف دينار، فزبره أبي وأسمعه وقال له: يا أحمق، السلطان جرّد سيفه في الذين زعموا أن أباك وأخاك ائمة ليردّهم عن ذلك فلم يتهيأ له ذلك فان كنت عند شيعة أبيك وأخيك اماماً فلا حاجة بك الى السلطان أن يرتّبك مراتبهما ولا غير السلطان، وان لم تكن عندهم بهذه المنزلة لم تنلها بنا واستقلّه أبي عند ذلك واستضعفه وأمر أن يحجب عنه فلم يأذن له في الدخول عليه حتّى مات أبي وخرجنا وهو على تلك الحال، والسلطان يطلب أثر ولد الحسن بن علي»(6).
قال أبو الحسن الاربلي: «مناقب سيدنا أبي محمّد الحسن بن علي العسكري عليه السّلام دالّة على انّه السرّي ابن السري فلا يشك في إمامته أحدٌ ولا يمتري، واعلم انه متى بيعت مكرمة أو اشتريت فسواه بايعها وهو المشتري، يضرب في السؤدد والفخار بالقداح الفايزة، وإذا أجيز كريم للشرف والمجد فاز بالجايزة، واحد زمانه غير مدافع، ونسيج وحده غير منازع، وسيد أهل عصره وإمام أهل دهره، فالسعيد من وقف عند نهيه وأمره، فله العلاء الذي علا على النجوم الزاهرة والمحتد الذي قرع العظماء عند المنافرة والمفاخرة، والمنصب الذي ملك به معادتي الدنيا والآخرة. فمن الذي يرجو اللحاق بهذه الخلال الفاخرة والمزايا الظاهرة والأخلاق الشريفة الطاهرة، أقواله سديدة، وأفعاله رشيدة، وسيرته حميدة، وعهوده في ذات الله وكيدة، فالخيرات منه قريبة والشرور عنه بعيدة، إذا كان أفاضل زمنه قصيدة كان عليه السّلام بيت القصيدة، وان انتظموا عقداً كان مكان الواسطة والفريدة، وهذه عاده قد سلكها الأوائل وجرى على منهاجها الأفاضل، والا كيف تقاس النجوم بالجنادل؟ وأين فصاحة قسّ من فهاهة باقل؟ فارس العلوم الذي لا يجارى، ومبين غامضها فلا يجادل ولا يمارى، كاشف الحقائق بنظره الصائب، مظهر الدقائق بفكره الثاقب، المطّلع بتوقيف الله على أسرار الكائنات، المخبر بتوفيق الله عن الغائبات، المحدث في سرّه بما مضى وبما هو آت، الملهم في خاطره بالأمور الخفيات، الكريم الأصل والنفس والذات، صاحب الدلائل والآيات والمعجزات، مالك أزمة الكشف والنظر، مفسر الآيات مقرّر الخبر، وارث السادة الخير، ابن الأئمة، أبو المنتظر، فانظر الى الفرع والأصل، وجدّد النظر واقطع بأنهما عليهما السلام أضوأ من الشمس وأبهى من القمر، وإذا تبين ذكاء الأغصان تبين طيب الثمر، فأخبارهم ونعوتهم عليهم السلام عيون التواريخ وعنوان السير.
شرف تتابع كابر عن كابر *** كالرمح أنبوباً على أنبوب
ووالله أقسم قسماً برّاً أن من عدّ محمّداً جدّاً وعلياً أباً، وفاطمة أماً، والأئمة آباء، والمهدي ولداً، لجدير أن يطول السماء علاء وشرفاً، والأملاك سلفاً وذاتاً، وخلفاً، والذي ذكرته من صفاته دون مقداره ، فكيف لي باستقصاء نعوته وأخباره، ولساني قصير وطرف بلاغتي حسير، فلهذا يرجع عن شأو صفاته كليلا، ويتضاءل لعجزه وقصوره، وما كان عاجزاً ولا ضئيلا، وذنبه انه وجد مكان القول ذاسعة فما كان قؤولا، ورأى سبيل الشرف واضحاً وما وجد الى حقيقة مدحه سبيلا، فقهقر وكان من شأنه الإقدام، وأحجم مقرّاً بالقصور وما عرف منه الاحجام، ولكن قوى الإنسان لا مقاديرٌ تنتهي اليها وحدود تقف عندها وغايات لا تتعدّاها.
يفنى الزمان ولا يحيط بوصفهم *** أيحيط ما يفنى بما لا ينفد(7)
(1) مطالب السؤول ص244.
(2) وفيات الأعيان ج1 ص372.
(3) تذكرة الخواص ص362.
(4) سورة المؤمنون: 115.
(5) وسيلة المآل ص426 وذكرها بتلخيص ابن حجر في الصواعق المحرقة ص124، والسمهودي في جواهر العقدين ص355، والشبلنجي في نور الأبصار ص194.
(6) الكافي ج1 ص421 رقم 1، ورواه المفيد في الارشاد ص318.
(7) كشف الغمة ج2 ص433.
Menu