كيف ينتفع بالإمام الغائب؟
روى الحمويني بسنده عن سليمان بن مهران الأعمش عن الصادق جعفر بن محمّد عن أبيه محمّد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عليهم السلام، قال: «نحن أئمة المسلمين وحجج الله على العالمين وسادة المؤمنين، وقادة الغرّ المحجلين وموالي المؤمنين ، ونحن أمان أهل الأرض، كما ان النجوم أمان لأهل السماء، ونحن الذين بنا يمسك الله السماء أن تقع على الأرض الاّ بإذنه، وبنا يمسك الأرض أن تميد بأهلها وبنا ينزل الغيث وينشر الرحمة، ويخرج بركات الأرض، ولو لا ما في الأرض منّا لساخت بأهلها. ثم قال: ولم تخل الأرض منذ خلق الله آدم من حجة لله فيها، ظاهر مشهور أو غائب مستور، ولا تخلو الى أن تقوم الساعة من حجة لله فيها، ولو لا ذلك لم يعبد الله.
فقال سليمان: فقلت للصادق عليه السّلام فكيف ينتفع الناس بالحجة الغائب المستور؟ قال: كما ينتفعون بالشمس إذا سترها سحاب»(1).
وروى القندوزي عن جابر بن يزيد الجعفي ، قال: «سمعت جابر ابن عبدالله الأنصاري يقول قال لي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، يا جابر ان أوصيائيوأئمة المسلمين من بعدي أولهم علي ثم الحسن ثم الحسين ثم علي بن الحسين ثم محمّد بن علي المعروف بالباقر ستدركه يا جابر، فإذا لقيته فاقرأه مني السلام ثم جعفر بن محمّد ثم موسى بن جعفر ثم علي بن موسى ثم محمّد بن علي ثم علي بن محمّد ثم الحسن بن علي ثم القائم اسمه اسمي وكنيته كنيتي، ابن الحسن بن علي، ذاك الذي يفتح الله تبارك وتعالى على يديه مشارق الأرض ومغاربها، ذاك الذي يغيب عن أوليائه غيبة، لا يثبت على القول بإمامته الاّ من امتحن الله قلبه للإيمان، قال جابر، فقلت يا رسول الله: فهل للناس الانتفاع به في غيبته؟ فقال: اي والذي بعثني بالنبوة انهم يستضيؤون بنور ولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وان سترها سحاب. هذا من مكنون سرّ الله ومخزون علم الله، فاكتمه عن أهله»(2).
(1) فرائد السمطين ج1 ص46، وقد ورد بهذا المضمون وبعبارات مشابهة في ينابيع المودة للقندوزي ص478، وغاية المرام للسيد هاشم البحراني، و(البحار) للعلامة المجلسي ج52 ص93، وكمال الدين والامالي للصدوق.
وقد ذكر العلاّمة المجلسي في وجه التشبيه بالشمس المجلّلة بالسحاب أموراً لا بأس بذكرها هنا:
الأول: ان نور الوجود والعلم والهداية، يصل الى الخلق بتوسطه عليه السّلام إذ ثبت بالاخبار المستفيضة، انهم العلل الغائبة لانيجاد الخلق، فلو لاهم لم يصل نور الوجود الى غيرهم، وببركتهم والاستشفاع بهم، والتوسل اليهم يظهر العلوم والمعارف على الخلق ويكشف البلايا عنهم، فلو لاهم لا ستحق الخلق بقبائح أعمالهم أنواع العذاب. كما قال تعالى (وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ) ولقد جربنا مراراً لا نحصيها أن عند انغلاق الأمور واعضال المسائل، والبعد عن جناب الحق تعالى، وانسداد أبواب الفيض، لما استشفعنا بهم وتوسلنا بأنوارهم، فبقدر ما يحصل الارتباط المعنوي بهم في ذلك الوقت تنكشف تلك الأمور الصعبة وهذا معاين لمن أكحل الله عين قلبه بنور الايمان، وقد مضى توضيح ذلك في كتاب الامامة.
الثاني: كما ان الشمس المحجوبة بالسحاب مع انتفاع الناس بها ـ ينتظرون في كل آن انكشاف السحاب عنها وظهورها، ليكون انتفاعهم بها أكثر، فكذلك في أيام غيبته عليه السّلام، ينتظر المخلصون من شيعته خروجه وظهوره في كل وقت وزمان، ولا ييأسون منه.
الثالث: ان منكر وجوده مع وفور ظهور آثاره كمنكر وجود الشمس إذا غيّبها السحاب عن الأبصار.
الرابع: ان الشمس قد تكون غيبتها في السحاب أصلح للعباد من ظهورها لهم بغير حجاب فكذلك غيبته عليه السّلام أصلح لهم في تلك الأزمان فلذا غاب عنهم.
الخامس: أن الناظر الى الشمس لا يمكنه النظر اليها بارزة عن السحاب، وربما عمي بالنظر اليها لضعف الباصرة عن الإحاطة بها فكذلك شمس ذاته المقدسة ربما يكون ظهوره أضرّ لبصائرهم ويكون سبباً لعماهم عن الحق وتحتمل بصائرهم الايمان به في غيبته كما ينظر الانسان الى الشمس من تحت السحاب ولا يتضرر بذلك.
السادس: ان الشمس قد تخرج من السحاب وينظر اليه واحد دون واحد فكذلك يمكن أن يظهر عليه السّلام في أيام غيبته لبعض الخلق دون بعض.
السابع: انهم عليهم السلام كالشمس في عموم النفع وانما لا ينتفع بهم من كان أعمى كما فسّر به في الاخبار قوله تعالى: (وَمَن كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلا).
الثامن: ان الشمس كما أن شعاعها تدحل البيوت بقدر ما فيها من الروازن والشبابيك، وبقدر ما يرتفع عنها من الموانع فكذلك الخلق، انما ينتفعون بأنوار هدايتهم بقدر ما يرفعون الموانع عن حواسّهم ومشاعرهم التي هي روازن قلوبهم من الشهوات النفسانية والعلائق الجسمانية وبقدر ما يدفعون عن قلوبهم من الغواشي الكثيفة الهيولانيه الى أن ينتهي الأمر الى حيث يكون بمنزلة من هو تحت السماء يحيط به شعاع الشمس من جميع جوانبه بغير حجاب.
فقد فتحت لك من هذه الجنة الوحانية ثمانية أبواب ولقد فتح الله عليَّ بفضله ثمانية أخرى تضيق العبارة عن ذكرها، عسى الله أن يفتح علينا وعليك في معرفتهم ألف باب يفتح من كل باب ألف باب. (البحار ج52 ص93).
(2) ينابيع المودّة ص494.