كرم الإمام موسى بن جعفر
روى الخطيب البغدادي باسناده عن يحيى بن الحسن ـ وذكر لي غير واحد من أصحابنا ـ أن رجلا من ولد عمر بن الخطاب كان بالمدينة يؤذيه ويشتم علياً، قال: وكان قد قال له بعض حاشيته دعنا نقتله، فنهاهم عن ذلك أشدّ النهي، وزجرهم أشد الزجر، وسأل عن العمري فذكر له أنه يزدرع بناحية من نواحي المدينة، فركب اليه في مزرعته فوجده فيها، فدخل المزرعة بحماره فصاح به العمري لا تطأ زرعنا، فوطئه بالحمار حتى وصل اليه، فنزل فجلس عنده وضاحكه وقال له: كم غرمت في زرعك هذا؟ قال له: مائة دينار، قال: فكم ترجو أن يصيب؟ قال: أنا لا أعلم الغيب، قال: انما قلت لك كم ترجو أن يجيئك فيه؟ قال: أرجو أن يجيئني مائتا دينار قال: فأعطاه ثلاثمائة دينار وقال: هذا زرعك على حاله قال: فقام العمري فقبل رأسه وانصرف، قال: فراح الى المسجد فوجد العمري جالساً، فلما نظر اليه قال: الله أعلم حيث يجعل رسالته قال: فوثب اصحابه فقالوا له: ما قصتك؟ قد كنت تقول خلاف هذا. قال: فخاصمهم وجعل يدعو لأبي الحسن موسى كلما دخل وخرج. قال: فقال أبو الحسن موسى لحاشيته الذين أرادوا قتل العمري: أيما كان خير، ما أردتم أو ما أردت أن أصلح أمره بهذا المقدار»(1).
وروى بإسناده عن عيسى بن محمّد بن مغيث القرظي ـ وبلغ تسعين سنة ـ قال: «زرعت بطيخاً وقثّاء وقرعاً في موضع بالجوانية على بئر يقال لها أم عظام، فلما قرب الخير واستوى الزرع بغتني الجراد فأتى على الزرع كله، وكنت غرمت على الزرع وفي ثمن جملين مائة وعشرين ديناراً، فبينما أنا جالس طلع موسى ابن جعفر بن محمّد فسلم، ثم قال: أيش حالك؟ فقلت: أصبحت كالصريم بغتني الجراد فأكل زرعي، قال: وكم غرمت فيه؟ قلت: مائة وعشرين ديناراً مع ثمن الجملين فقال: يا عرفة، زن لأبي المغيث مائة وخمسين ديناراً فربحك ثلاثين ديناراً والجملين.
فقلت: يا مبارك أدخل وادع لي فيها، فدخل ودعا وحدثني عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أنه قال: «تمسّكوا ببقايا المصائب» ثم علقت عليه الجملين وسقيته، فجعل الله فيها البركة، زكت فبعت منها بعشرة آلاف»(2).
وروى باسناده عن محمّد بن موسى، قال: «خرجت مع أبي الى ضياعه بساية(3)، أصبحنا في غداة باردة وقد دنونا منها، وأصبحنا على عين من عيون سايه، فخرج الينا من تلك الضياع عبد زنجي فصيح مستذفر بخرقة على رأسه قدر فخار يفور، فوقف على الغلمان، فقال: أين سيدكم؟ قالوا: هو ذاك، قال: أبو من يكنى، قالوا له: أبو الحسن قال: فوقف عليه، فقال: يا سيدي يا أبا الحسن، هذه عصيدة أهديتها اليك، قال: ضعها عند الغلمان فأكلوا منها، قال: ثم ذهب فلم نقل بلغ حتى خرج على رأسه حزمة حطب حتى وقف فقال له: يا سيدي هذا حطب أهديت اليك، قال: ضعه عند الغلمان وهب لنا ناراً فذهب فجاء بنار قال: وكتب أبو الحسن اسمه واسم مولاه فدفعه الي وقال: يا بني احتفظ بهذه الرقعة حتى أسألك عنها. قال: فوردنا الى ضياعه أقام بها ما طاب له، ثم قال: أمضوا بنا الى زيارة البيت قال: فخرجنا حتى وردنا مكة، فلما قضى أبو الحسن عمرته دعا صاعداً فقال: اذهب فاطلب لي هذا الرجل فإذا علمت بموضعه فأعلمني حتى أمشي اليه، فاني أكره أن أدعوه والحاجة لي، قال لي صاعد: فذهبت حتى وقفت على الرجل، فلما رآني عرفني ـ وكنت أعرفه وكان يتشيع ـ فلما رآني سلم علي وقال: أبو الحسن قدم؟ قلت: لا، قال: فأيش أقدمك؟ قلت: حوائج وقد كان علم بمكانه بساية فتتبعني وجعلت أتقصى منه ويلحقني بنفسه، فلما رأيت أني لا انفلت منه، مضيت الى مولاي ومضى معي حتى اتيته، فقال: ألم أقل لك لا تعلمه؟ فقلت: جعلت فداك لم أعلمه، فسلم عليه فقال له أبو الحسن: غلامك فلان تبيعه؟ قال له: جعلت فداك، الغلام لك والضيعة وجميع ما أملك، قال: أما الضيعة فلا أحب أن أسلبكها، وقد حدثني أبي عن جدي أن بائع الضيعة ممحوق ومشتريها مرزوق، قال: فجعل الرجل يعرضها عليه مدلا بها. فاشترى أبو الحسن الضيعة والرقيق منه بألف دينار واعتق العبد ووهب له الضيعة»(4).
(1) تاريخ بغداد ج13 ص28.
(2) المصدر ص29.
(3) ساية، واد من حدود الحجاز، فيه مزارع.
(4) تاريخ بغداد ج13 ص29.