كرم الإمام الصادق
قال ابن بسطام «كان جعفر بن محمّد يطعم حتى لا يبقى لعياله شيء»(1).
«وقد كان إذا صلى العشاء وذهب من الليل شطره أخذ جراباً فيه خبز ولحم ودراهم فحمله على عنقه، ثم ذهب به الى أهل الحاجة من أهل المدينة فقسمه فيهم ولا يعرفونه فلما مات وفقدوا ذلك عرفوه»(2).
قال معلّى بن خنيس «خرج أبو عبد الله عليه السّلام في ليلة قد رشت السماء وهو يريد ظلة بني ساعدة فاتبعته فإذا هو قد سقط منه شيء فقال: بسم الله اللهم ردّه علينا، قال: فأتيته فسلمت عليه فقال: أنت معلّى؟ قلت: نعم جعلت فداك، فقال لي: التمس بيدك فما وجدت من شيء فادفعه الي قال: فإذا أنا بخبز منتثر، فجعلت أدفع اليه ما وجدت، فإذا أنا بجراب من خبز فقلت: جعلت فداك أحمله عنك؟ فقال: لا، أنا أولى به منك ولكن امض معي، قال: فأتينا ظلة بني ساعدة فإذا نحن بقوم نيام فجعل يدسّ الرغيف والرغيفين تحت ثوب كل واحد منهم حتى أتى على آخرهم ثم انصرفنا فقلت: جعلت فداك يعرف هؤلاء الحق؟ فقال لو عرفوا لواسيناهم بالدقّة ـ والدقّة هي الملح ـ ان الله لم يخلق شيئاً الاّ وله خازن يخزنه إلاّ الصدقة فان الرب تبارك وتعالى يليها بنفسه، وكان أبي إذا تصدق بشيء وضعه في يد السائل ثم ارتدّه منه فقبله وشمه ثم رده في يد السائل، وذلك أنها تقع في يد الله قبل أن تقع في يد السائل، فأحببت أن أناول ما وليها الله تعالى، انّ صدقة الليل تطفى غضب الرب وتمحو الذنب العظيم وتهون الحساب، وصدقة النهار تثمر المال، وتزيد في العمر، ان عيسى بن مريم عليه السّلام لما أن مر على شاطىء البحر ألقى بقرص من قوته في الماء، فقال له بعض الحواريين: يا روح الله وكلمته لم فعلت هذا؟ فانما هو من قوتك، قال: فعلت هذا لتأكله دابة من دواب الماء وثوابه عند الله عزّوجل لعظيم»(3).
قال هشام بن سالم: «كان أبو عبد الله عليه السّلام إذا اعتم وذهب من الليل شطره، أخذ جراباً فيه خبز ولحم ودراهم فحمله على عنقه ثم ذهب به الى أهل الحاجة من أهل المدينه فقسمه فيهم ولا يعرفونه، فلما مضى أبو عبد الله عليه السّلام فقدوا ذلك فعلموا أنه كان أبا عبدالله»(4).
قال مفضل بن قيس بن رمّانة: «دخلت على أبي عبد الله عليه السّلام فشكوت اليه بعض حالي وسألته الدعاء، فقال: يا جارية، هاتي الكيس الذي وصلنا به، أبو جعفر فجاء بكيس، فقال: هذا كيس فيه اربعمائة دينار فاستعن به، قال: قلت: لا والله جعلت فداك ما أردت هذا ولكن اردت الدعاء لي، فقال لي: ولا ادع الدعاء ولكن لا تخبر الناس بكل ما أنت فيه فتهون عليهم»(5).
قال محمّد بن زيد الشحام: «رآني أبو عبد الله عليه السّلام وأنا اصلي فأرسل الي ودعاني فقال لي: من أين أنت؟ قلت: من مواليك، قال: فأي موالي؟ قلت: من الكوفة، فقال: من تعرف من الكوفة؟ قلت: بشير النبال وشجرة، قال: وكيف صنيعتهما اليك؟ فقلت: ما أحسن صنيعتهما الي، قال: خير المسلمين من وصل وأعان ونفع، ما بتّ ليلة قط ولله في مالي حق يسألنيه، ثم قال: أيّ شيء معكم من النفقة؟ قلت: عندي مائتا درهم، قال: أرنيها! فأتيته بها فزادني فيها ثلاثين درهماً ودينارين، ثم قال: تعشّ عندي! فجئت فتعشيت عنده، قال: فلما كان من القابلة لم أذهب اليه، فأرسل إليّ فدعاني من غده فقال: مالك لم تأتني البارحة قد شفقت عليّ؟ فقلت: لم يجئني رسولك، قال: فأنا رسول نفسي اليك ما دمت مقيماً في هذه البلدة، أي شيء تشتهي من الطعام؟ قلت: اللبن، قال: فاشترى من أجلي شاة لبونا، قال: فقلت له علمني دعاءً!! قال: اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، يا من أرجوه لكل خير وآمن سخطه عند كلّ عثرة، يا من يعطي الكثير بالقليل، ويا من اعطى من سأله تحنناً منه ورحمة، يا من اعطى من لم يسأله ولم يعرفه، صل على محمّد وأهل بيته، واعطني بمسألتي اياك جميع خير الدنيا وجميع خير الآخرة، فانّه غير منقوص ما أعطيت وزدني من سعة فضلك يا كريم، ثم رفع يديه، فقال يا ذا المنّ والطول يا ذا الجلال والاكرام يا ذا النعماء والجود حرّم شيبتي على النار، ثم وضع يده على لحيته ولم يرفعها الاّ وقد امتلأ ظهر كفه دموعاً»(6).
قال أبو عبد الله عليه السّلام لمحمّد ابنه: «يا بني كم فضل معك من تلك النفقة؟ قال: أربعون ديناراً، قال: اخرج فتصدق بها، قال: انه لم يبق معي غيرها، قال: تصدق بها فان الله عزّوجل يخلفها، أما علمت أن لكل شيء مفتاحاً ومفتاح الرزق الصدقة، فتصدق بها، ففعل، فما لبث أبو عبد الله عليه السّلام عشرة أيام حتى جاءه من موضع أربعة آلاف دينار فقال: يا بني أعطينا لله أربعين ديناراً فأعطانا الله أربعة آلاف دينار»(7).
روى يونس عمن ذكره عن أبي عبد الله عليه السّلام «أنه كان يتصدق بالسكر، فقيل له: أتتصدق بالسكر؟ فقال: نعم، انه ليس شيء أحب الي منه، فأنا أحب أن أتصدّق بأحب الأشياء اليّ»(8).
قال الفضل بن أبي قرّة: «كان أبو عبد الله عليه السّلام يبسط رداءه وفيه صرر الدنانير فيقول للرسول: اذهب بها الى فلان وفلان، من أهل بيته، وقل لهم: هذه بعث بها اليكم من العراق. قال: فيذهب بها الرسول اليهم فيقول ما قال فيقولون أما أنت فجزاك الله خيراً بصلتك قرابة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وأما جعفر فحكم الله بيننا وبينه، قال: فخر أبو عبد الله عليه السّلام ساجداً ويقول: اللهم أذلّ رقبتي لولد أبي»(9).
«وإن فقيراً سأله فقال لعبده: ما عندك؟ قال: اربعمائة درهم، فقال: أعطه اياها فأعطاه، فأخذها وولى شاكراً، فقال لعبده: أرجعه، فقال يا سيّدي سئلت فأعطيت فماذا بعد العطاء؟ فقال له: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: خير الصدقة ما أبقت غنىً وانا لم نغنك، فخذ هذا الخاتم فقد أعطيت فيه عشرة آلاف درهم فإذا احتجت فبعه بهذه القيمة»(10).
قال اسحاق بن إبراهيم بن يعقوب: «كنت عند أبي عبد الله عليه السّلام وعنده المعلّى بن خنيس إذ دخل عليه رجل من أهل خراسان، فقال: يا ابن رسول الله أنا من مواليكم أهل البيت، وبيني وبينكم شقّة بعيدة وقد قل ذات يدي، ولا أقدر أن أتوجه إلى أهلي الاّ أن تعينني قال: فنظر أبو عبد الله عليه السّلام يمينا وشمالا، وقال: ألا تسمعون ما يقول أخوكم؟ انما المعروف ابتداء، فأما ما أعطيت بعد ما سأل فانما هو مكافأة لما بذل لك من ماء وجهه، ثم قال: فيبيت ليلته متأرّقاً متململا بين اليأس والرجاء لا يدري أين يتوجه بحاجته، فيعزم على القصد اليك، فأتاك وقلبه يجب وفرائصه ترتعد، وقد نزل دمه في وجهه، وبعد هذا فلا يدري أينصرف من عندك بكآبة الرّد أم بسرور النجح، فان أعطيته رأيت أنك قد وصلته وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة وبعثني بالحق نبياً لما يتجشم من مسألة اياك أعظم مما ناله من معروفك. قال: فجمعوا للخراساني خمسة آلاف درهم، ودفعوها إليه»(11).
(1) حلية الأولياء ج3 ص194.
(2) اعيان الشيعة ج4 ق2 ص31.
(3) ثواب الأعمال للشيخ الصدوق ص173 رقم 2.
(4) الفروع من الكافي ج4 ص8 رقم 1.
(5) اختيار معرفة الرجال ص184 رقم 322.
(6) اختيار معرفة الرجال ص369 رقم 689.
(7) الفروع من الكافي ج4 ص9 رقم 3.
(8) فروع الكافي ج4 ص61 رقم 3.
(9) بحار الأنوار ج47 ص60 رقم 114.
(10) مشارق أنوار اليقين للحافظ البرسي ص93.
(11) بحار الأنوار ج47 ص61 رقم 118.