كرامات الإمام الهادي
روى ابن شهر آشوب بإسناده عن أبي محمّد الفحّام بالإسناد عن سلمة الكاتب قال: «قال خطيب ـ يلقّب بالهريسة ـ للمتوكل: ما يعمل أحد بك ما تعمله بنفسك في علي بن محمّد، فلا في الدار الاّ من يخدمه، ولا يتعبونه يشيل الستر لنفسه، فأمر المتوكل بذلك، فرفع صاحب الخبر أن علي بن محمّد دخل الدار فلم يخدم ولم يشل أحد بين يديه الستر، فهبّ هواء فرفع الستر حتى دخل وخرج، فقال: شيلوا له الستر بعد ذلك، فلا نريد أن يشيل له الهواء»(1).
وروى بإسناده عن محمّد بن الحسن الأشتر العلوي: «كنت مع أبي على باب المتوكل في جمع من الناس ما بين طالبيّ الى عباسي وجعفري، فتحالفوا: لا نترجّل لهذا الغلام، فما هو بأشرفنا ولا بأكبرنا، يعنون أبا الحسن عليه السّلام، فما هو الاّ أن أقبل وبصروا حتى ترجّل له الناس كلهم، فقال لهم أبو هاشم: أليس زعمتم أنكم لا تترجّلون له؟ فقالوا: والله ما ملكنا أنفسنا حتى ترجلنا»(2).
وروى بإسناده عن صالح بن سعيد قال: «دخلت على أبي الحسن عليه السّلام يوم وروده بسر من رأى، فقلت له: جعلت فداك، في كل الأمور ارادوا إطفاء نورك حتى أنزلوك هذا الخان الأشنع، خان الصعاليك. فقال: هاهنا أنت يا ابن سعيد، ثم أومى بيده فإذا أنا بروضات آنقات، وأنهار جاريات، وجنّات بينها خيرات عطرات، وولدان كأنهم اللؤلؤ المكنون، فحار بصري وكثر عجبي فقال لي: حيث كنّا فهذا لنا يا ابن سعيد لسنا في خان الصعاليك»(3).
وروى باسناده عن أبي محمّد الفحّام بالاسناد عن أبي الحسن محمّد بن أحمد قال: حدثني عن أبي قال: «قصدت الامام يوماً فقلت: ان المتوكل قطع رزقي وما أتّهم في ذلك الاّ علمه بملازمتي لك، فينبغي ان تتفضل عليَّ بمسألته فقال: تكفى ان شاء الله، فلما كان في الليل طرقني رسل المتوكل، رسول يتلو رسولا، فجئت اليه فوجدته في فراشه فقال: يا أبا موسى يشغلنا شغل عنك وتنسينا نفسك، أي شيء لك عندي؟ فقلت الصلة الفلانية وذكرت أشياء فأمر لي بها وبضعفها، فقلت للفتح: وافى علي بن محمّد الى هاهنا أو كتب رقعة؟ قال: لا قال: فدخلت على الإمام فقال لي: يا أبا موسى هذا وجه الرضا، فقلت: ببركتك يا سيدي ولكن قالوا: إنك ما مضيت اليه ولا سألت، قال: ان الله تعالى علم منّا أنا لا نلجأ في المهمات الا اليه ولا نتوكل في الملمات الاّ عليه، وعوّدنا إذا سألناه الإجابة ونخاف ان نعدل فيعدل بنا»(4).
روى الاربلي عن جماعة من أهل اصفهان منهم أبو العبّاس أحمد ابن النضر وأبو جعفر محمّد بن علويّة قالوا: «كان باصفهان رجل يقال له عبد الرحمن وكان شيعياً، فقيل له: ما السبب الذي أوجب عليك القول بإمامة علي النقي دون غيره من أهل الزمان؟ فقال: شاهدت ما يوجب عليّ ذلك، اني كنت رجلا فقيراً وكان لي لسان وجرأة، فأخرجني أهل اصفهان سنة من السنين مع قوم آخرين، فجئنا الى باب المتوكل متظلّمين، وكنا بباب المتوكل يوماً إذ خرج الأمر بإحضار علي بن محمّد بن الرضا فقلت لبعض من حضره: من هذا الرجل الذي قد أمر بإحضاره؟ فقيل: هذا رجل علوي تقول الرافضة بإمامته، ثم قيل: ونقدر أن المتوكل يحضره للقتل فقلت: لا أبرح من هاهنا حتى أنظر إلى هذا الرجل ايّ رجل هو؟
قال: فأقبل راكباً على فرس، وقد قام الناس يمنة الطريق ويسرتها صفّين ينظرون اليه، فلما رأيته وقفت فأبصرته فوقع حبّه في قلبي، فجعلت أدعو له في نفسي بأن يدفع الله عنه شر المتوكل، فأقبل يسير بين الناس وهو ينظر الى عرف دابته لا يلتفت وأنا دائم الدعاء له فلمّا صار اليّ أقبل عليّ بوجهه وقال: استجاب الله دعاءك وطوّل عمرك وكثّر مالك وولدك قال: فارتعدت ووقعت بين أصحابي، فسألوني ما شأنك؟ فقلت: خير، ولم أخبرهم.
فانصرفنا بعد ذلك الى اصفهان، ففتح الله علي وجوهاً من المال حتى اني اغلق بابي على ما قيمته ألف ألف درهم سوى مالي خارج داري، ورزقت عشرة من الأولاد وقد بلغت من عمري نيّفاً وسبعين سنة، وأنا أقول بإمامة هذا الذي علم ما في قلبي واستجاب الله دعاءه لي»(5).
روى المجلسي بإسناده عن كافور الخادم قال: «كان في الموضع مجاور الإمام من أهل الصنايع صنوف من الناس، وكان الموضع كالقرية، وكان يونس النقاش يغشى سيدنا الإمام عليه السلام ويخدمه. فجاء يوماً يرعد، فقال: يا سيدي أوصيك بأهلي خيراً. قال: وما الخبر؟ قال: عزمت على الرحيل قال: ولم يا يونس وهو متبسم؟ قال: موسى بن بغا، وجّه اليّ بفصّ ليس له قيمة قبلت أن أنقشه فكسرته باثنين وموعده غداً، وهو موسى بن بغا، إما ألف سوط أو القتل، قال: امض الى منزلك الى غد فما يكون الاّ خيراً.
فلما كان من الغد وافى بكرة يرعد فقال: قد جاء الرسول يلتمس الفصّ قال:امض اليه فما ترى الاّ خيراً، قال: وما أقول له يا سيدي؟ قال: فتبسم وقال: امض اليه واسمع ما يخبرك به، فلن يكون الاّ خيراً.
قال: فمضى وعاد يضحك، قال: قال لي: يا سيدي، الجواري اختصمن فيمكنك أن تجعله فصّين حتى نغنيك؟ فقال سيدنا الإمام عليه السلام: اللهم لك الحمد إذ جعلتنا ممن نحمدك حقّاً، فأيش قلت له؟ قال: قلت له: أمهلني حتى أتأمّل أمره كيف أعمله؟ فقال: أصبت»(6).
روى السيد ابن طاووس عن زرافة حاجب المتوكل ـ وكان شيعيّاً ـ انه قال: «كان المتوكّل يحضره والفتح بن خاقان عنده ويقربه دون الناس جميعاً ودون ولده وأهله. أراد ان يبيّن موضعه عندهم، فأمر جميع أهل مملكته من الأشراف من أهله وغيرهم ومن الوزراء والأمراء والقوّاد وسائر العساكر ووجوه الناس أن يزيّنوا باحسن التزيين ويظهروا في أفخر عددهم وذخائرهم ويخرجوا مشاة بين يديه، وأن لا يركب أحد الاّ هو والفتح بن خاقان خاصة بسر من رأى، ومشى الناس بين أيديهما على مراتبهم رجالة وكان يوماً قائظاً شديد الحرّ، وخرج في جملة الأشراف أبو الحسن علي بن محمّد عليهما السلام وشقّ عليه ما لقيه من الحر والزحمة.
قال زرافة: فأقبلت اليه وقلت له: يا سيدي يعزّ والله عليّ ما تلقى من هذه الطغاة وما قد تكلّفته من المشقة، واخذت بيده فتوكّأ علي وقال: يا زرافة، ما ناقة صالح عند الله بأكرم مني أو قال: باعظم قدراً مني، ولم أزل أسائله وأستفيد منه وأحادثه الى ان نزل المتوكل من الركوب، وأمر الناس بالانصراف، فقدمت اليهم دوابهم فركبوا الى منازلهم وقدمت بغلة له فركبها فركبت معه الى داره، فنزل وودعته وانصرفت الى داري، ولولدي مؤدب يتشيع من أهل العلم والفضل وكانت لي عادة بإحضاره عند الطعام، فحضر عند ذلك وتجارينا في الحديث وما جرى من ركوب المتوكل والفتح ومشى الأشراف وذوي الاقتدار بين أيديهما، وذكرت له ما شاهدته من أبي الحسن علي بن محمّد عليهما السلام وما سمعته من قوله: ما ناقة صالح عند الله بأعظم قدراً مني، وكان المؤدّب يأكل معي فرفع يده، فقال: بالله انك سمعت هذا اللفظ منه؟ فقلت له: والله اني سمعته يقوله، فقال لي: اعلم ان المتوكل لا يبقى في مملكته أكثر من ثلاثة أيام ويهلك، فانظر في أمرك واحرز ما تريد احرازه، وتأهّب لأمرك كي لا يفجؤكم هلاك هذا الرجل فتهلك أموالكم بحادثة تحدث أو سبب يجري.
فقلت له: من أين لك ذلك؟ فقال: أما قرأت القرآن في قصة صالح والناقة وقوله تعالى: (تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّام ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوب)(7) ولا يجوز أن يبطل قول الإمام.
قال زرافة: فوالله ما جاء اليوم الثالث حتى هجم المنتصر ومعه بغا ووصيف والأتراك على المتوكل فقتلوه وقطّعوه والفتح بن خاقان جميعاً قطعاً حتى لم يعرف أحدهما من الآخر وأزال الله نعمته ومملكته. فلقيت الامام أبا الحسن عليه السّلام بعد ذلك وعرفته ما جرى مع المؤدب وما قاله، فقال: صدق انه لما بلغ مني الجهد رجعت الى كنوز نتوارثها من آبائنا هي أعزّ من الحصون والسلاح والجن وهو دعاء المظلوم على الظالم، فدعوت به عليه فأهلكه الله، فقلت له: يا سيدي ان رأيت أن تعلّمنيه فعلّمني الدعاء»(8).
روى الشيخ حسين بن عبد الوهاب بإسناده عن هاشم بن زيد قال: «رأيت علي بن محمّد صاحب العسكر، وقد أتي بأكمه فأبرأه، ورأيته يهيّىء من الطين كهيئة الطير وينفخ فيه فيطير، فقلت له: لا فرق بينك وبين عيسى، فقال: أنا منه وهو مني»(9).
روى المجلسي بإسناده عن أبي سعيد سهل بن زياد قال: «حدثنا أبو العباس فضل بن أحمد بن إسرائيل الكاتب، ونحن في داره بسامرّة، فجرى ذكر أبي الحسن فقال: يا أبا سعيد اني احدّثك بشيء حدّثني به أبي، قال: كنا مع المعتز وكان أبي كاتبه فدخلنا الدار، وإذا المتوكل على سريره قاعد، فسلّم المعتز ووقف ووقفت خلفه، وكان عهدي به إذا دخل رحّب به ويأمره بالقعود فأطال القيام، وجعل يرفع رجلا ويضع اُخرى وهو لا يأذن له بالقعود، ونظرت الى وجهه يتغير ساعة بعد ساعة، ويقبل على الفتح بن خاقان ويقول: هذا الذي تقول فيه ما تقول؟ ويردّد القول، والفتح مقبل عليه يسكّنه، ويقول: مكذوب عليه يا أمير المؤمنين وهو يتلظّى ويقول: والله لأقتلن هذا المرائي الزنديق وهو يدّعي الكذب، ويطعن في دولتي، ثم قال: جئني بأربعة من الخزر، فجيء بهم، ودفع اليهم أربعة أسياف، وأمرهم أن يرطنوا بألسنتهم إذا دخل أبو الحسن، ويقبلوا عليه بأسيافهم فيخبطوه، وهو يقول: والله لأحرقنه بعد القتل، وأنا منتصب قائم خلف المعتز من وراء الستر. فما علمت الاّ بأبي الحسن قد دخل، وقد بادر الناس قدّامه، وقالوا: قد جاء والتفتُّ فإذا أنا به وشفتاه تتحركان وهو غير مكروب ولا جازع.
فلما بصر به المتوكل رمى بنفسه عن السرير اليه وهو سبقه، وانكبّ عليه فقبّل بين عينيه ويده، وسيفه بيده، وهو يقول: يا سيدي يا ابن رسول الله يا خير خلق الله يا ابن عمي يا مولاي يا أبا الحسن، وأبو الحسن يقول: أعيذك يا أميرالمؤمنين بالله ]اعفني[ من هذا، فقال: ما جاء بك يا سيّدي في هذا الوقت؟ قال: جاءني رسولك فقال: المتوكل يدعوك، فقال: كذب ابن الفاعلة، إرجع يا سيدي من حيث شئت. يا فتح! يا عبيد الله! يا معتز شيّعوا سيدكم وسيدي. فلمّا بصر به الخزر خرّوا سجّداً مذعنين، فلما خرج دعاهم المتوكل، ثم أمر الترجمان أن يخبره بما يقولون، ثم قال لهم: لم لم تفعلوا ما اُمرتم؟ قالوا: شدّة هيبته، رأينا حوله أكثر من مائة سيف لم نقدر أن نتأمّلهم، فمنعنا ذلك عما أمرت به، وامتلأ قلوبنا من ذلك. فقال المتوكل: يا فتح هذا صاحبك، وضحك في وجه الفتح وضحك الفتح في وجهه، فقال: الحمد لله الذي بيّض وجهه وأنار حجّته»(10).
(1 و 2) المناقب لابن شهر آشوب ج4 ص406 و407.
(3) المصدر ج4 ص411.
(4) المناقب ج4 ص410.
(5) كشف الغمة ج2 ص389.
(6) بحار الأنوار ج50 ص125.
(7) سورة هود: 65.
(8) مهج الدعوات ص330.
(9) عيون المعجزات ص120.
(10) بحار الأنوار ج50 ص196.