كرامات الإمام الصادق
قال الليث بن سعد: «حججت سنة ثلاث عشرة ومائة فأتيت مكة فلما أن صليت العصر رقيت أبا قبيس(1) فإذا أنا برجل جالس وهو يدعو فقال: يا رب يا رب، حتى انقطع نفسه، ثم قال: يا رباه، حتى انقطع نفسه، ثم قال يا رب، حتى انقطع نفسه، ثم قال: يا الله يا الله حتى انقطع نفسه، ثم قال يا حي يا حي، حتى انقطع نفسه، ثم قال: يا رحيم، حتى انقطع نفسه، ثم قال يا أرحم الراحمين، حتى انقطع نفسه سبع مرات، ثم قال: اللهم اني اشتهي من هذا العنب فاطعمنيه، اللهم ان بردي قد أخلقا. قال الليث: فوالله ما استتم كلامه حتى نظرت الى سلة مملوءة عنباً وليس على الأرض يومئذ عنب وبردين موضوعين، فأراد أن يأكل فقلت: أنا شريكك، فقال لي: تقدم وكل ولا تأخذ منه شيئاً، فتقدمت فأكلت شيئاً لم آكل مثله قط وإذا عنب لا عجم(2) له فأكلت حتى شبعت والسلّة بحالها(3) ثم قال لي: خذ أحب البردين اليك فقلت له: اما البردان فأنا غني عنهما، فقال لي: توار عني حتى البسهما، فتواريت عنه فارتدى أحدهما وائتزر الآخر، ثم أخذ البردين اللذين كانا عليه فجعلهما على عاتقه فنزل، فاتّبعته حتى إذا كان بالمسعى لقيه رجل فقال: اكسني كساك الله يا ابن رسول الله فدفعهما اليه، فلحقت الرجل فقلت له من هذا؟ قال جعفر قال ابن محمّد. قال الليث: فطلبته لأسمع منه فلم أجده»(4).
قال إبراهيم بن مهزم: «خرجت من عند أبي عبد الله عليه السّلام ليلةً ممسياً فأتيت منزلي بالمدينة وكانت أمي معي، فوقع بيني وبينها كلام فأغلظت لها فلما ان كان من الغد صليت الغداة وأتيت أبا عبد الله عليه السّلام فلما دخلت عليه فقال لي مبتدئاً: يا أبا مهزم، مالك وللوالدة أغلظت في كلامها البارحة، أما علمت أن بطنها منزل قد سكنته، وأن حجرها مهد قد غمزته، وثديها وعاء قد شربته؟ قال: قلت بلى، قال: فلا تغلظ لها»(5).
قال عمّار السجستاني: «كان عبد الله النجاشي منقطعاً الى عبد الله بن الحسن يقول بالزيدية، فقضي اني خرجت وهو الى مكة فذهب ذا الى عبد الله بن الحسن وجئت أنا الى أبي عبد الله عليه السّلام قال: فلقيني بعد فقال: استأذن لي على صاحبك فقلت لأبي عبد الله عليه السّلام: انه سألني الاذن له عليك، قال: فقال: ائذن له قال: فدخل عليه فسأله فقال له أبو عبد الله: ما دعاك الى ما صنعت؟ تذكر يوم كذا، يوم مررت على باب قوم فسال عليك ميزاب من الدار فسألتهم فقالوا: انه قذر فطرحت نفسك في النهر مع ثيابك وعليك مصبغة فاجتمعوا عليك الصبيان يضحكونك ويضحكون منك، فقال عمّار: فالتفت الرجل اليّ فقال ما دعاك أن تخبر بخبري أبا عبد الله؟ قال: قلت: لا والله ما أخبرته، هوذا قدّامي يسمع كلامي، قال: فلما خرجنا، قال لي يا عمّار هذا صاحبي دون غيره»(6).
قال زيد الشحام: «دخلت على أبي عبد الله عليه السّلام فقال: يا زيد جدّد عبادة وأحدث توبة قال: نعيت اليّ نفسي جعلت فداك قال فقال لي: يا زيد ما عندنا خير لك وأنت من شيعتنا قال وقلت: وكيف لي أن أكون من شيعتكم؟ قال فقال لي: أنت من شيعتنا، الينا الصراط والميزان وحساب شيعتنا، والله لأنا أرحم بكم منكم بأنفسكم، كأني أنظر اليك ورفيقك في درجتك في الجنة»(7).
قال داود الرقي: «دخلت على أبي عبد الله عليه السّلام فقال لي: يا داود أعمالكم عرضت علي يوم الخميس فرأيت لك فيها شيئاً فرّحني، وذلك صلتك لابن عمك، اما أنه سيمحق أجله ولا ينقص رزقك. قال داود: كان لي ابن عم ناصب كثير العيال محتاج فلما خرجت الى مكة أمرت له بصلة، فلمّا دخلت على أبي عبد الله أخبرني بهذا»(8).
قال عبد الرحمن بن كثير: «ان رجلا دخل يسأل عن الإمام بالمدينة، فاستقبله رجل من ولد الحسين فقال له: يا هذا اني أراك تسأل عن الإمام، قال: نعم، قال: فأصبته؟ قال: لا قال: فان أحببت أن تلقى جعفر بن محمّد فافعل، فاستدلّه فأرشده اليه، فلما دخل عليه قال له: انك دخلت مدينتنا هذه تسأل عن الإمام، فاستقبلك فتى من ولد الحسن فأرشدك الى محمّد بن عبد الله، فسألته وخرجت، فان شئت أخبرتك بما سألته عنه وما رده عليك، ثم استقبلك فتى من ولد الحسين وقال لك: ان أحببت أن تلقى جعفر بن محمّد فافعل قال: صدقت، كان كل ما ذكرت ووصفت»(9).
روى عبد الرحمن بن سالم عن أبيه قال: «لما قدم أبو عبد الله عليه السلام الى أبي جعفر قال أبو حنيفة لنفر من أصحابه: انطلقوا بنا الى امام الرافضة نسأله عن أشياء نحيّره فيها فانطلقوا، فلما دخلوا اليه نظر إليه أبو عبد الله عليه السّلام فقال: أسألك بالله يا نعمان لما صدقتني عن شيء أسألك عنه، هل قلت لأصحابك: مروا بنا الى امام الرافضة فنحيّره؟ فقال: قد كان ذلك، قال: فاسأل ما شئت»(10).
قال مأمون الرقي: «كنت عند سيدي الصادق عليه السّلام إذ دخل سهل بن الحسن الخراساني فسلم عليه ثم جلس فقال له: يا ابن رسول الله لكم الرأفة والرحمة، وأنتم أهل بيت الإمامة، ما الذي يمنعك أن يكون لك حق تقعد عنه؟ وأنت تجد من شيعتك مائة ألف يضربون بين يديك بالسيف؟ فقال له عليه السّلام: اجلس يا خراساني رعى الله حقك، ثم قال: يا حنيفة أسجري التنور فسجرته حتى صار كالجمرة وابيض علوّه، ثم قال: يا خراساني! قم فاجلس في التنور، فقال الخراساني: يا سيدي يا ابن رسول الله لا تعذبني بالنار، أقلني أقالك الله قال: قد أقلتك، فبينما نحن كذلك اذ أقبل هارون المكي ونعله في سبّابته فقال: السلام عليك يا ابن رسول الله، فقال له الصادق: ألق النعل من يديك واجلس في التنور، قال: فألقى النعل من سبابته ثم جلس في التنور، وأقبل الإمام يحدث الخراساني حديث خراسان حتى كأنه شاهد لها، ثم قال: قم يا خراساني وانظر ما في التنور، قال: فقمت اليه فرأيته متربعاً، فخرج الينا وسلم علينا، فقال له الإمام عليه السّلام: كم تجد بخراسان مثل هذا؟ فقال: والله ولا واحداً، فقال عليه السّلام: لا والله ولا واحداً، فقال: أما انّا لا نخرج في زمان لا نجد فيه خمسة معاضدين لنا، نحن أعلم بالوقت»(11).
(1) أبو قبيس: جبل مشرف على مكة شرقاً.
(2) العجم: النوى.
(3) أي لم تنقص شيئاً.
(4) صفة الصفوة ج2 ص173.
(5) بصائر الدرجات ج5 الباب 11 ص243 رقم3.
(6) بصائر الدرجات ص245 رقم 6.
(7) المصدر ص265 رقم 15.
(8) بصائر الدرجات ج9 ص429 الباب 6 رقم 3.
(9) بحار الأنوار ج47 ص120 رقم 167.
(10) المناقب لابن شهر آشوب ج4 ص226.
(11) بحار الأنوار ج47 ص123 رقم 172.