كرامات الإمام الرضا
قال محمّد بن طلحة الشافعي: «مما خصّه الله تعالى به ويشهد له بعلوّ قدره وسموّ شأنه هو أنه لما جعله الخليفة المأمون ولي عهده وأقامه خليفة من بعده، كان في حاشية المأمون اناس كرهُوا ذلك وخافوا خروج الخلافة عن بني العبّاس وعودها الى بني فاطمة عليهم السلام، فحصل عندهم من الرضا عليه السّلام نفور وكان عادة الرضا عليه السّلام إذا جاء الى دار الخليفة المأمون ليدخل عليه يبادر من في الدهليز من الحاشية الى السلام عليه ورفع الستر بين يديه ليدخل، فلما حصلت لهم النفرة عنه تواصوا فيما بينهم وقالوا إذا جاء ليدخل على الخليفة أعرضوا عنه ولا يرفعون الستر له فاتّفقوا على ذلك، فبينما هم قعود إذ جاء الرضا عليه السّلام على عادته فلم يملكوا أنفسهم إذ سلّموا عليه ورفعوا الستر على عادتهم، فلما دخل أقبل بعضهم على بعض يتلاومون كونهم ما وقفوا على ما اتفقوا عليه وقالوا النوبة الآتية إذا جاء لا نرفعه له، فلما كان في ذلك اليوم جاء فقاموا وسلموا عليه ووقفوا ولم يبتدروا الى رفع الستر، فأرسل الله ريحاً شديدة دخلت في الستر رفعته أكثر ما كانوا يرفعونه فدخل فسكنت الريح فعاد الستر الى ما كان عليه، فلما خرج عادت الريح دخلت في الستر ورفعته حتى خرج ثم سكنت فعاد الستر، فلما ذهب أقبل بعضهم على بعض وقالوا هل رأيتم؟ قالوا نعم فقال بعضهم لبعض: يا قوم هذا رجل له عند الله منزلة ولله به عناية، ألم تروا أنكم لما لم ترفعوا له الستر أرسل الله الريح وسخّرها له لرفع الستر كما سخرها لسليمان، فارجعوا الى خدمته فهو خيرٌ لكم. فعادوا الى ما كانوا عليه وزادت عقيدتهم فيه»(1).
وقال: «ومنها أنه كان بخراسان امرأة تسمى زينب فادّعت أنها علوية من سلالة فاطمة عليها السلام وصارت تصول على أهل خراسان بنسبها، فسمع بها علي الرضا عليه السّلام فلم يعرف نسبها فاحضرت اليه فردّ نسبها، وقال: هذه كذابة فسفهت عليه، وقالت: كما قدحت في نسبي أنا أقدح في نسبك، فأخذته الغيرة العلوية، فقال لسلطان خراسان، وكان لذلك السلطان بخراسان موضع واسع فيه سباع مسلسلة للانتقام من المفسدين يسمى ذلك الموضع بركة السباع، فأخذ الرضا عليه السّلام بيد تلك المرأة وأحضرها عند ذلك السلطان وقال: هذه كذابة على علي وفاطمة، وليست من نسلهما، فانّ من كان حقاً بضعة من فاطمة وعلي فان لحمه حرام على السباع، فألقوها في بركة السباع فان كانت صادقة فان السباع لا تقربها، وان كانت كاذبة فتفرسها السباع، فلما سمعت ذلك منه قالت: فأنزل أنت الى السباع فان كنت صادقاً فانها لا تقربك ولا تفترسك، فلم يكلمها وقام، فقال له ذلك السلطان: الى أين؟ قال إلى بركة السباع لأنزلنّ اليها، فقام السلطان والناس والحاشية وجاؤوا وفتحوا بركة السباع ـ باب تلك البركة ـ فنزل الرضا عليه السّلام والناس ينظرون من أعلى البركة، فلما حصل بين السباع اقعت جميعها إلى الأرض على أذنابها، وصار يأتي واحداً واحداً يمسح وجهه ورأسه وظهره والسبع يبصبص له هكذا إلى أن أتى على الجميع، ثم طلع والناس ينظرونه فقال لذلك السلطان: أنزل هذه الكذّابة على علي وفاطمة ليبين لك، فامتنعت، فألزمها ذلك السلطان وأعوانه، فمذ رأوها السباع وثبوا عليها وافترسوها، فاشتهر اسمها بخراسان زينب الكذابة، وحديثها هناك مشهور»(2).
روى ابن الصباغ المالكي عن مسافر قال: «كنت مع أبي الحسن الرضا بمنى فمرّ يحيى بن خالد البرمكي وهو مغطّي وجهه بمنديل من الغبار، فقال الرضا عليه السّلام مساكين هؤلاء لا يدرون ما يحلّ بهم في هذه السنة، فكان من أمرهم ما كان. قال: وأعجب من هذا أنا وهارون كهاتين وضم اصبعيه السبابة والوسطى. قال مسافر فوالله ما عرفت حديثه في هارون الاّ بعد موت الرضا ودفنه الى جانبه.
وعن موسى بن عمران قال: رأيت علي بن موسى الرضا في المدينة وهارون الرشيد يخطب قال: اتروني وايّاه ندفن في بيت واحد.
وعن حمزة بن جعفر الأرجاني قال: خرج هارون الرشيد من المسجد الحرام من باب وخرج علي بن موسى الرضا من باب، فقال الرضا عليه السّلام وهو يعني هارون يا بعد الدار وقرب الملتقى، يا طوس يا طوس ستجمعينني وايّاه»(3).
قال الحمويني: «رأيت في كتب أهل البيت عليهم السلام، أن المأمون لما جعل علي بن موسى الرضا عليه السّلام ولي عهده احتبس المطر فجعل بعض حاشية المأمون والمتعصبين على الرضا يقولون: انظروا ما جائنا علي بن موسى الرضا ولي عهدنا فحبس عنا المطر، واتصل ذلك بالمأمون واشتدّ عليه، فقال للرضا: قد احتبس عنا المطر، فلو دعوت الله تعالى أن يمطر الناس، قال الرضا: نعم، قال: فمتى تفعل ذلك ـ وكان ذلك يوم الجمعة ـ فقال: يوم الإثنين، فان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أتاني البارحة في منامي ومعه أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب، فقال: يا بني انتظر يوم الإثنين فابرز فيه إلى الصحراء واستسق فان الله عزّوجل يسقيهم وأخبرهم بما يريك الله مما لا يعلمون ليزداد علمهم بفضلك ومكانك من ربك عزّوجل، فلما كان يوم الاثنين غدا علي بن موسى الرضا إلى الصحراء وخرج الخلائق ينظرون، فصعد المنبر فحمد الله واثنى عليه، ثم قال: اللهم يا رب أنت عظّمت حقنا أهل البيت فتوسّلوا بنا كما أمرت، وامّلوا فضلك ورحمتك وتوقّعوا احسانك ونعمتك، فاسقهم سقياً نافعاً عاماً غير ضارّ، وليكن ابتداء مطرهم بعد انصرافهم من مشهدهم هذا الى منازلهم ومقارهم.
قال: فو الذي بعث محمّداً نبياً لقد نسجت الرياح الغيوم وأرعدت وأبرقت وتحرّك الناس كأنهم يريدون التنحي عن المطر.
فقال الرضا: على رسلكم أيها الناس فليس هذا الغيم لكم انما هو لأهل بلد كذا فمضت السحابة وعبرت ثم جاءت سحابة أخرى تشتمل على رعد وبرق فتحركوا، فقال الرضا عليه السّلام: على رسلكم فما هذه لكم انما هي لبلد كذا، فما زالت حتى جاءت عشرة سحائب وعبرت، ويقول علي بن موسى الرضا عليهما السلام: على رسلكم ليست هذه لكم انما هي لبلد كذا، ثم اقبلت سحابة حادية عشر، فقال: يا أيها الناس هذه بعثها الله لكم فاشكروا الله على تفضّله عليكم، وقوموا الى مقاركم ومنازلكم فانها مسامتة لرؤوسكم ممسكة عنكم إلى أن تدخلوا مقاركم، ثم يأتيكم من الخير ما يليق بكرم الله عزّوجل. ونزل الرضا عن المنبر وانصرف الناس، فما زالت السحابة ممسكة الى أن قربوا من منازلهم، ثم جاءت بوابل المطر فملأت الأودية والحياض والغدران والفلوات، فجعل الناس يقولون: هنيئاً لولد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كرامات الله ثم برز اليهم الرضا عليه السّلام وحضرت الجماعة الكثيرة منهم فقال: يا أيها الناس: اتقوا الله في نعم الله عليكم فلا تنفروها عنكم بمعاصيه، بل استديموها بطاعته وشكره على نعمه وأياديه، واعلموا أنكم لا تشكرون الله عزّوجل بشيء بعد الإيمان بالله وبعد الاعتراف بحقوق أولياء الله من آل محمّد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم احبّ اليه من معاونتكم لإخوانكم المؤمنين على دنياهم التي هي معبر لهم تعبر بهم الى جنان ربهم فان من فعل ذلك كان من خاصة الله تعالى، وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في ذلك قولا ينبغي للعاقل أن يزهد في فضل الله عليه فيه ان تأمله وعمل عليه، قيل: يا رسول الله هلك فلان يعمل من الذنوب كيت وكيت فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: بل قد نجا، ولا يختم الله عمله الاّ بالحسنى، وسيمحوا الله عنه السيئات ويبدلها له حسنات ، انه كان مرّة يمر في طريق وعرض له مؤمن قد انكشفت عورته وهو لا يشعر، فسترها عليه ولم يخبره بها مخافة أن يخجل، ثم ان ذلك المؤمن عرفه في مهواة فقال له اجزل الله لك الثواب، واكرم لك المآب، ولا ناقشك الحساب، فذا العبد لا يختم له الاّ بخير بدعاء ذلك المؤمن، فاتصل قول رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بهذا الرجل فتاب وأناب وأقبل على طاعة الله، فلم يأت عليه سبعة أيام حتى أغير على سرح المدينة، فوجّه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في أثرهم جماعة ذلك الرجل آخرهم واستشهد فيهم…. فعظم الله تعالى البركة من البلاد بدعاء الرضا رضوان الله عليه»(4).
روى ابن الصباغ المالكي عن بكر بن صالح، قال: «أتيت الرضا عليه السّلام فقلت امرأتي أخت محمّد بن سنان ـ وكان من خواص شيعتهم ـ بها حمل فادع الله ان يجعله ذكراً، قال: هما اثنان، فولّيت وقلت: أسمّي واحداً محمّداً والآخر علياً، فدعاني وردني فأتيته، فقال: سمّ واحداً علياً، والأخرى أم عمرو، فقدمت الكوفة فولدت لي غلاماً وجارية فسميت الذكر علياً، والأنثى أم عمرو كما أمرني وقلت لأمي: ما معنى أم عمرو؟ قال: جدّتك كانت تسمى أم عمرو»(5).
وروى عن الحسين بن يسار قال: «قال لي الرضا: ان عبد الله يقتل محمّداً فقلت: عبد الله بن هارون يقتل محمّد بن هارون، قال: نعم، عبد الله المأمون يقتل محمّد الأمين فكان كما قال عليه السّلام»(6).
(1) مطالب السوول ص231 مخطوط، ورواه ابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة ص244.
(2) مطالب السؤول ص222.
(3) الفصول المهمة ص245.
(4) فرائد السمطين ج2 ص212.
(5) الفصول المهمة ص246.
(6) المصدر ص247.