كرامات الإمام الجواد
قال الشبلنجي: «نقل غير واحد ان والده علياً الرضا لما توفي وقدم بغداد المأمون بعد وفاته بسنة اتفق أن المأمون خرج يوماً يتصيّد فاجتاز بطريق البلد وثم صبيان يلعبون ومحمّد الجواد واقف عندهم، فلما أقبل المأمون فرّ الصبيان ووقف محمّد، وعمره إذ ذاك تسع سنين، فلمّا قرب منه الخليفة نظر اليه فالقى الله في قلبه حبه فقال له: يا غلام ما منعك من الانصراف كاصحابك؟ فقال له محمّد مسرعاً: يا أميرالمؤمنين، لم يكن بالطريق ضيق فاوسعه لك، وليس لي جرم فأخشاك، والظن بك حسن انك لا تضرّ من لا ذنب له، فاعجبه كلامه وحسن صورته، فقال له: ما اسمك واسم ابيك؟ فقال: محمّد بن علي الرضا. فترحّم على ابيه وساق جواده الى مقصده وكان معه بزاة الصيد، فلما بعد عن العمران أرسل بازاً على دراجة فغاب عنه ثم عاد من الجوّ وفي منقاره سمكة صغيرة فيها بقايا الحياة فتعجب من ذلك غاية العجب ورجع، فرأى الصبيان على حالهم ومحمّد عندهم ففرّوا الاّ محمّداً فدنا منه وقال له يا محمّد ما في يدي؟ فقال: يا أميرالمؤمنين ان الله تعالى خلق في بحر قدرته سمكاً صغاراً تصيده بازات الملوك والخلفاء كي يختبر بها سلالة بني المصطفى صلّى الله عليه وسلّم كرامة فقال له: أنت ابن الرضا حقاً واخذه معه واحسن اليه وقرّبه وبالغ في اكرامه ولم يزل مشغوفاً به لما ظهر له بعد ذلك من فضله وعلمه وكمال عقله وظهور برهانه مع صغر سنّه»(1).
روى ابن الصباغ عن علي بن خالد قال: «كنت بالعسكر فبلغني أن هناك رجلا محبوساً أتي به من الشام مكبّلا بالحديد، وقالوا انه تنبّأ، فأتيت باب السجن ودفعت شيئاً للسجان، حتى دخلت عليه فإذا برجل ذي فهم وعقل ولب، فقلت: يا هذا ما قصتك؟ قال: اني كنت رجلا بالشام أعبد الله تعالى في الموضع الذي يقال انه نصب فيه رأس الحسين عليه السّلام.
فبينما أنا ذات يوم في موضعي مقبل على المحراب أذكر الله إذ رأيت شخصاً بين يدي فنظرت اليه فقال: قم، فقمت معه فمشى قليلا فإذا أنا في مسجد الكوفة فقال لي: عرف هذا المسجد؟ قلت: نعم هذا مسجد الكوفة، قال فصلى، فصليت معه، ثم خرج، فخرجت معه، فمشى قليلا فإذا نحن بمكة المشرفة فطاف بالبيت فطفت معه، ثم خرج فخرجت معه فمشى قليلا فإذا أنا بموضعي الذي كنت فيه بالشام، ثم غاب عني.
فبقيت متعجباً مما رأيت، فلما كان في العام المقبل وإذا بذلك الشخص قد أقبل عليَّ فاستبشرت به فدعاني فاجبته، ففعل بي كما فعل بي بالعام الماضي، فلما أراد مفارقتي قلت له: سألتك بحق الذي اقدرك على ما رأيت منك الاّ ما أخبرتني من أنت؟ فقال: أن محمّد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب.
فحدثت بعض من كان يجتمع لي بذلك فرفع ذلك إلى محمّد بن عبد الملك الزيات فبعث اليَّ من أخذني من موضعي وكبّلني في الحديد وحملني الى العراق وحبسني كما ترى وادّعى علي بالمحال. قلت له: فارفع عنك قصّة الى محمّد بن عبد الملك الزيات، قال: افعل. فكتبت عنه قصة وشرحت فيها أمره ورفعتها الى محمد ابن عبد الملك، فوقع على ظهرها: قل للذي اخرجك من الشام الى هذه المواضع التي ذكرتها يخرجك من السجن الذي أنت فيه. فقال ابن خالد: فاغتممت لذلك وسقط في يدي، وقلت: إني غداً آتيه وآمره بالصبر وأعده من الله بالفرج وأخبره بمقالة هذا الرجل المتجبر.
قال: فلما كان من الغد، باكرت السجن فإذا أنا بالحرس والجند وأصحاب السجن وناس كثير في همرجة فسألت: ما الخبر: فقيل لي: ان الرجل المتنبي المحمول من الشام فقد البارحة من السجن وحده بمفرده واصبحت قيوده والاغلال التي كانت في عقنه مرمى بها في السجن، لا ندري كيف خلص منها، وطلب فلم يوجد له أثر ولا خبر، ولا يدرون أغمس في الماء أم عرج به الى السماء، فتعجبت من ذلك، وقلت: استخفاف ابن الزيات بأمره واستهزاؤه بما وقع به على قصته، خلّصه من السجن»(2).
قال ابن الصباغ: «وحكي انّه لما توجّه أبو جعفر منصرفاً من بغداد الى المدينة الشريفة خرج معه الناس يشيعونه للوداع فسار الى أن وصل الى باب الكوفة عند دار المسيّب، فنزل هناك مع غروب الشمس ودخل الى مسجد قديم مؤسس بذلك الموضع ليصلي فيه المغرب، وكان في صحن المسجد شجرة نبق لم تحمل قط، فدعا بكوز فيه ماء فتوضأ في أصل الشجرة وقام يصلي فصلى معه الناس المغرب فقرأ في الأولى الحمد وإذا جاء نصر الله والفتح، وقرأ في الثانية بالحمد وقل هو الله أحد، ثم بعد فراغه جلس هنيئة يذكر الله تعالى، وقام فتنفّل بأربع ركعات وسجد بعدهنّ سجدتي الشكر، ثم قام فودع الناس وانصرف، فأصبحت النبقة وقد حملت من ليلتها حملا حسناً، فرآها الناس وقد تعجبوا من ذلك غاية العجب. ثم ما كان هو أغرب وأعجب من ذلك أن نبقة هذه الشجرة لم يكن لها عجم، فزاد تعجبهم من ذلك أكثر وأكثر. وهذا من بعض كراماته الجليلة ومناقبه الجميلة»(3).
قال الشيخ محمود الشيخاني القادري الشافعي: «ومن كراماته أنه كان يطوى له الأرض فيصلي في يوم واحد بمكة والمدينة والشام والعراق»(4).
روى المفيد باسناده عن محمّد بن علي الهاشمي قال: «دخلت على أبي جعفر محمّد بن علي صبيحة عرسه ببنت المأمون وكنت تناولت من الليل دواء فأول من دخل عليه في صبيحته أنا وقد أصابني العطش وكرهت أن أدعو بالماء، فنظر أبو جعفر عليه السّلام في وجهي وقال: أراك عطشان، قلت: أجل قال: يا غلام اسقنا ماءً، فقلت في نفسي: الساعة يأتونه بماء مسموم واغتممت لذلك، فأقبل الغلام ومعه الماء فتبسم في وجهي ثم قال: يا غلام ناولني الماء فتناول الماء فشرب، ثم ناولني فشربت، وأطلت عنده فعطشت فدعى بالماء ففعل كما فعل في المرة الأولى فشرب ثم ناولني وتبسم، قال محمّد بن حمزة: فقال لي محمّد بن علي الهاشمي: والله اني أظن أن أبا جعفر يعلم ما في النفوس كما يقول الرفضة»(5).
وروى باسناده عن المطرفي قال: «مضى أبو الحسن الرضا عليه السّلام ولي عليه أربعة آلاف درهم لم يكن يعرفها غيري وغيره فأرسل اليَّ أبو جعفر عليه السّلام: إذا كان في غد فائتني، فأتيته من الغد فقال لي: مضى أبو الحسن ولك عليه أربعة آلاف درهم؟ قلت: نعم فرفع المصلى الذي كان تحته فإذا تحته دنانير فدفعها الي فكان قيمتها في الوقت أربعة آلاف درهم»(6).
وروى باسناده عن معلّى بن محمّد، قال: «خرج عليَّ أبو جعفر عليه السّلام حدثان موت أبيه فنظرت الى قدّه لأصف قامته لأصحابنا فقعد ثم قال: يا معلى، ان الله احتج في الإمامة بمثل ما احتجّ به في النبوة فقال(7): (وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً)(8).
وروى بإسناده عن أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري، قال: «دخلت على أبي جعفر عليه السّلام ومعي ثلاث رقاع غير معنونة واشتبهت عليّ فاغتممت فتناول احداها، وقال: هذه رقعة ريّان بن شبيب، ثم تناول الثانية، فقال: هذه رقعة فلان، فقلت: نعم فبهتّ أنظر اليه فتبسم وأخذ الثالثة فقال: هذه رقعة فلان. فقلت: نعم جعلت فداك فأعطاني ثلاثمائة دينار، وأمرني ان أحملها الى بعض بني عمه وقال: أما أنه سيقول لك: دلّني على حريف يشتري لي بها متاعاً فدلّه عليه، قال: فأتيته بالدنانير، فقال لي: يا أبا هاشم دلني على حريف يشتري لي متاعاً؟ فقلت: نعم(9).
وقال: قال أبو هاشم: «ودخلت معه ذات يوم بستاناً فقلت له: جعلت فداك اني مولع بأكل الطين فادع الله لي فسكت، ثم قال لي بعد أيام ابتداءً منه: يا أبا هاشم قد أذهب الله عنك أكل الطين قال أبو هاشم: فما شيء أبغض إليَّ منه اليوم»(10).
روى ابن شهر آشوب عن الحسن بن علي: «ان رجلا جاء الى التقي عليه السّلام وقال: ادركني يا ابن رسول الله فان أبي قد مات فجأة وكان له ألفا دينار، ولست أصل اليه ولي عيال كثير فقال: إذا صليت العتمة فصل على محمّد وآله مائة مرة ليخبرك به، فلما فرغ الرجل من ذلك رأى أباه يشير اليه بالمال، فلما أخذه قال: يا بني اذهب به الى الإمام وأخبره بقصتي فانه أمرني بذلك فلما انتبه الرجل أخذ المال وأتى أبا جعفر وقال: الحمد لله الذي اكرمك واصطفاك.
وفي رواية ابن اسباط: وهو اذ ذاك خماسي، الاّ انه لم يذكر موت والده»(11).
(1) نور الأبصار ص188.
(2) الفصول المهمة ص271.
(3) الفصول المهمة ص270.
(4) الصراط السوي في مناقب آل النبي ص404 مخطوط.
(5) الارشاد ص305.
(6) المصدر ص306.
(7) الارشاد ص306 .
(8) سورة مريم: 12.
(9) المصدر .
(10) المصدر ص307.
(11) المناقب ج4 ص391.