فرية واهية حول غيبة المهدي
لقد نسب بعض علماء العامة الى اعتقادهم بأن الإمام المهدي المنتظر عجل الله فرجه غاب في السرداب بمدينة سامراء، فقال الذهبي: «هو منتظر الرافضة الذين يزعمون أنه المهدي وانه صاحب الزمان وانه الخلف الحجة، وهو صاحب السرداب بسامراء…»(1).
وقال ابن خلدون:
«يزعمون أن الثاني عشر من أئمتهم ـ وهو محمّد بن الحسن العسكري يلقبونه بالمهدي ـ دخل في سرداب بدارهم بالحلة، وتغيّب حين اعتقل مع أمّه وغاب هناك، وهو يخرج آخر الزمان فيملأ الأرض عدلا، يشيرون بذلك الى الحديث الواقع في كتاب الترمذي في المهدي، وهم الى الآن ينتظرونه ويسمونه المنتظر لذلك، ويقفون في كلّ ليلة بعد صلاة المغرب بباب هذا السرداب، وقد قدموا مركباً فيهتفون باسمه ويدعونه للخروج حتى تشتبك النجوم ثمّ ينفضّون ويرجئون الأمر الى الليلة الآتية وهم على ذلك لهذا العهد»(2).
قال ابن تيميّة: «ومن حماقاتهم أيضاً انهم يجعلون للمنتظر عدة مشاهد ينتظرونه فيا كالسرداب الذي بسامرء، الذي يزعمون انه غائب فيه ومشاهد أخر. وقد يقيمون هناك دابة اما بغلة واما فرساً واما غير ذلك ليركبها إذا خرج ويقيمون هناك اما في طرفي النهار واما في أوقات أخر من ينادي عليه بالخروج: يا مولانا أخرج، ويشهرون السلاح ولا أحد هناك يقاتلهم…»(3).
وتبعه على ذلك عبد الله بن علي القصيمي فقال: «… وقال مثله غلاة الإمامية، وخصوصاً الاثنا عشرية فهم يزعمون ان الثاني عشر من أئمتهم وهو محمّد بن الحسن العسكري، ويلقبونه بالمهدي، دخل في سرداب بالحلّة وتغيّب حين اعتقل مع أمه، وغاب هنالك، وهو يخرج آخر الزمان فيملأ الأرض عدلا، وهم الى الآن ينتظرونه ويسمّونه المنتظر لذلك ويقفون في كل ليلة بعد صلاة المغرب بباب السرداب وقد قدموا مركباً فيهتفون باسمه ويدعونه للخروج حتى تشتبك النجوم ثم يفضّون ويرجئون الأمر الى الليلة الآتية وهم على ذلك لهذا العهد»(4).
وروى المجلسي عن الراوندي في (الخرائج والجرايح) عن رشيق صاحب المادراي قصة محاصرة جند المعتضد العباسي لدار الإمام العسكري، وكبسهم البيت للقبض على الإمام المهدي، فقال: «… ثم بعثوا عسكراً أكثر فلما دخلوا الدار سمعوا من السرداب قراءة القرآن فاجتمعوا على بابه، وحفظوه حتى لا يصعد، وأميرهم قائم حتى يصل(5) العسكر كلهم، فخرج من السكة التي على باب السرداب ومر عليهم، فلما غاب قال الأمير: انزلوا عليه، فقالوا: أليس هو مرّ عليك؟
فقال: ما رأيت.
قال: ولم تركتموه؟
قالوا: انّا حسبنا انك تراه»(6).
وراح بعض علماء السنة من المعاصرين في بغداد ينظم فرية بقاء الامام عليه السلام في السرداب في قصيدة لم يصرّح باسمه فيها، فألّف الشيخ النوري الطبرسي للردّ عليها كتاب (كشف الأستار عن وجه الغائب عن الأبصار) ثم إن جماعةً من العلماء نظموا مطالبه في قصائد ردّاً على تلك القصيدة… وهي مطبوعة في آخر الكتاب المذكور.
(1) تاريخ الاسلام للذهبي.
(2) المقدمة، لابن خلدون ص253، ولنعم ما أجاب به العلامة الأميني في الرد على هذه الفرية:
«وفرية السرداب أشنع وان سبقه اليها غيره من مؤلفي أهل السنة لكنه زاد في الطنبور نغمات بضمّ الحمير الى الخيول وادّعائه اطراد العادة كل ليلة واتصالها منذ أكثر من ألف عام، والشيعة لا ترى أن غيبة الإمام في السرداب، ولا هم غيبوه فيه ولا انه يظهر منه، وانما اعتقادهم المدعوم بأحاديثهم انه يظهر بمكة المعظمة تجاه البيت ولم يقل أحد في السرداب: انه مغيب ذلك النور وانما هو سرداب دار الأئمة بسامراء وان من المطّرد أيجاد السرداب: في الدور وقاية من قايظ الحر، وانما اكتسب هذا السرداب بخصوص الشرف الباذخ لانتسابه الى أئمة الدين وانه كان مبوءً لثلاثة منهم كبقية مساكن هذه الدار المباركة، وهذا هو الشأن في بيوت الأئمة عليهم السلام ومشرفهم النبي الأعظم في أيّ حاضرة كانت، فقد أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه.
وليت هؤلاء المتقوّلين في أمر السرداب اتفقوا على رأي واحد في الأكذوبة حتى لا تلوح عليها لوائح الافتعال فتفضحهم فلا يقول ابن بطوطة في رحلته; ان هذا السرداب المنوّه به في الحلة ولا يقول القرماني في «أخبار الدول» انه في بغداد ولا يقول الآخرون: انه بسامراء ويأتي القصيمي من بعدهم فلا يدري أين هو فيطلق لفظ السرداب ليستر سوءته». (الغدير ج3 ص308).
(3) منهاج السنة النبوية ج1 ص12 طبعة الرياض وص28 طبعة محمّد رشاد سالم.
(4) الصراع بين الاسلام والوثنية ص42، القاهرة 1356.
(5) في المصدر، حتى يصلي، والصحيح ما أوردناه.
(6) بحار الأنوار ج52 ص52.