عبادة الإمام الصادق
وما عسى أن نتحدث عمن عبادته موفورة وأوراده متواصلة، يقسم ساعاته في الليل والنهار على أنواع الطاعات حتى أقرّ من لم يعتقد امامته بأنه سلام الله عليه من أكابر الزهاد الذين يخشون الله عزّوجل، ولا بدع إذا كان أبو عبد الله الصادق أفضل الناس عبادةً وزهادةً وورعاً، فان عبادة عبد مولاه على قدر علمه ومعرفته به سبحانه (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء)(1).
قال محمّد بن طلحة الشافعي: «أبو عبد الله جعفر الصادق ابن محمّد بن علي ابن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، وهو من عظماء أهل البيت وساداتهم، ذو علوم جمّة، وعبادة موفورة، وأوراد متواصلة، وزهادة بيّنة، وتلاوة كثيرة، يتتبع معاني القرآن الكريم ويستخرج من بحره جواهره ويستفتح عجائبه، ويقسم أوقاته على أنواع الطاعات بحيث يحاسب عليها نفسه، رويته تذكر الآخرة، واستماع كلامه يزهد في الدنيا والاقتداء بهدايته يورث الجنة، نور قسماته شاهد أنه من سلالة النبوة، وطهارة أفعاله تصدع بأنه من ذرية الرسالة»(2).
وقد روي أن مولانا الصادق عليه السّلام كان يتلو القرآن في صلاته، فغشي عليه فلما افاق سئل: ما الذي أوجب ما انتهت حاله اليه؟ فقال ما معناه: ما زلت أكرر آيات القرآن حتى بلغت الى حال كأنني سمعتها مشافهة ممن أنزلها»(3).
قال منصور الصيقل: «حججت فمررت بالمدينة فأتيت قبر رسول الله صلّى الله عليه وآله فسلمت عليه، ثم التفت، فإذا أنا بأبي عبد الله عليه السّلام ساجداً فجلست حتى مللت، ثم قلت: لأسبحنّ ما دام ساجداً فقلت: سبحان ربي وبحمده، أستغفر ربي وأتوب اليه، ثلاثمائة مرة ونيفاً وستين مرة، فرفع رأسه ثم نهض فاتبعته وأنا أقول في نفسي: ان أذن لي فدخلت عليه، ثم قلت له: جعلت فداك أنتم تصنعون هكذا!! فكيف ينبغي لنا أن نصنع فلما أن وقفت على الباب خرج الي مصادف فقال: ادخل يا منصور، فدخلت فقال لي مبتدئاً: يا منصور ان كثرتم أو قلّلتم فوالله ما يقبل الاّ منكم»(4).
قال أبان بن تغلب: «كنت مع أبي عبد الله عليه السّلام مزاملة فيما بين مكة والمدينة، فلما انتهى الى الحرم نزل واغتسل وأخذ نعليه بيديه، ثم دخل الحرم حافياً فصنعت مثل ما صنع، فقال: يا أبان من صنع مثل ما رأيتني صنعت تواضعاً لله محى الله عنه مائة ألف سيئة وكتب له مائة ألف حسنة وبنى الله عزّوجل له مائة ألف درجة وقضى له مائة ألف حاجة»(5).
(1) سورة فاطر: 28.
(2) مطالب السؤول ص218 مخطوط.
(3) بحار الأنوار ج47 ص58 رقم 108.
(4) بحار الأنوار ج47 ص120 رقم 165.
(5) فروع الكافي ج4 ص398 رقم 1.