عبادة الإمام الرضا
قال رجاء بن أبي الضحاك «بعثني المأمون في اشخاص علي بن موسى عليه السّلام من المدينة، وقد أمرني أن آخذ به على طريق البصرة والاهواز وفارس، ولا آخذ به على طريق قم، وأمرني أن أحفظه بنفسي بالليل والنهار حتى أقدم به عليه، فكنت معه من المدينة الى مرو، فوالله ما رأيت رجلا كان أتقى لله تعالى منه ولا أكثر ذكراً لله في جميع أوقاته منه ولا أشد خوفاً لله عزّوجل منه، وكان إذا أصبح صلى الغداة، فإذا سلم جلس في مصلاه يسبح الله ويحمده ويكبره ويهلله ويصلي على النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم حتى تطلع الشمس، ثم يسجد سجدة يبقى فيها حتى يتعالى النهار، ثم أقبل على الناس يحدثهم ويعظهم الى قرب الزوال، ثم جدد وضوءه وعاد الى مصلاه، فإذا زالت الشمس قام فصلى ست ركعات يقرأ في الركعة الأولى الحمد وقل يا أيها الكافرون، وفي الثانية الحمد وقل هو الله، ويقرأ في الأربع في كل ركعة الحمد، وقل هو الله أحد، ويسلم في كل ركعتين ويقنت فيهما في الثانية قبل الركوع وبعد القراءة، ثم يؤذن ويصلي ركعتين، ثم يقيم ويصلي الظهر، فإذا سلّم سبح الله وحمده وكبره وهلله ما شاء الله، ثم سجد سجدة الشكر يقول فيها مائة مرة شكراً لله، فإذا رفع رأسه قام فصلى ست ركعات يقرأ في كل ركعة الحمد وقل هو الله أحد، ويسلم في كل ركعتين، ويقنت في ثانية كل ركعتين قبل الركوع وبعد القراءة، ثم يؤذن ثم يصلي ركعتين ويقنت في الثانية فإذا سلّم قام وصلى العصر، فإذا سلم جلس في مصلاه يسبح الله ويحمده ويكبره ويهلله ما شاء الله ثم سجد سجدة يقول فيها مائة مرة حمداً لله.
فإذا غابت الشمس توضأ وصلى المغرب ثلاثاً بأذان وأقامة وقنت في الثانية قبل الركوع وبعد القراءة، فإذا سلم جلس في مصلاه يسبح الله ويحمده ويكبره ويهلله ما شاء الله، ثم يسجد سجدة الشكر ثم يرفع رأسه ولم يتكلم حتى يقوم ويصلي أربع ركعات بتسليمتين ويقنت في كل ركعتين في الثانية قبل الركوع وبعد القراءة، وكان يقرأ في الأولى من هذه الأربع الحمد وقل يا أيها الكافرون، وفي الثانية الحمد وقل هو الله أحد، ويقرأ في الركعتين الباقيتين الحمد وقل هو الله، ثم يجلس بعد التسليم في التعقيب ما شاء الله، ثم يفطر ثم يلبث حتى يمضي من الليل قريب من الثلث.
ثم يقوم فيصلي العشاء الآخرة أربع ركعات ويقنت في الثانية قبل الركوع وبعد القراءة، فإذا سلّم جلس في مصلاه يذكر الله عزّوجل ويسبحه ويحمده يذكر الله عزّوجل ويسبحه ويحمده ويكبره ويهلله ما شاء الله ويسجد بعد التعقيب سجدة الشكر، ثم يأوي الى فراشه.
فإذا كان الثلث الأخير من الليل قام من فراشه بالتسبيح والتحميد والتكبير والتهليل والاستغفار فاستاك، ثم توضأ، ثم قام الى صلاة الليل فيصلي ثمان ركعات ويسلم في كل ركعتين يقرأ في الأوليين منها في كل ركعة الحمد مرة وقل هو الله أحد ثلاثين مرة، ثم يصلي صلاة جعفر بن أبي طالب عليه السّلام أربع ركعات يسلم في كل ركعتين ويقنت في كل ركعتين في الثانية قبل الركوع وبعد التسبيح ويحتسب بها من صلاة الليل، ثم يقوم، فيصلي الركعتين الباقيتين يقرأ في الأولى الحمد وسورة الملك، وفي الثانية الحمد وهل أتى على الانسان، ثم يقوم فيصلي ركعتي الشفع يقرأ في كل ركعة منهما الحمد مرة وقل هو الله أحد ثلاث مرات ويقنت في الثانية قبل الركوع وبعد القراءة، فإذا سلم قام، فصلى ركعة الوتر يتوجه فيها ويقرأ فيها الحمد مرة وقل هو الله أحد ثلاث مرات وقل أعوذ برب الفلق مرة واحدة، وقل أعوذ برب الناس مرة واحدة ويقنت فيها قبل الركوع وبعد القراءة، ويقول في قنوته: اللهم صل على محمّد وآل محمّد، اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا شرما قضيت، فانك تقضي ولا يقضى عليك، انه لا يذل من واليت ولا يعزّ من عاديت تباركت ربنا وتعاليت، ثم يقول: استغفر الله وأسأله التوبة سبعين مرة، فإذا سلم جلس في التعقيب ما شاء الله، فإذا قرب من الفجر قام فصلى ركعتي الفجر يقرأ في الأولى الحمد وقل يا أيها الكافرون، وفي الثانية الحمد وقل هو الله أحد.
فإذا طلع الفجر أذن وأقام وصلى الغداة ركعتين، فإذا سلم جلس في التعقيب حتى تطلع الشمس، ثم يسجد سجدة الشكر حتى يتعالى النهار. وكانت قراءته في جميع المفروضات في الأولى الحمد وإنا انزلناه، وفي الثانية الحمد وقل هو الله أحد إلا في صلاة الغداة والظهر والعصر يوم الجمعة، فانه كان يقرأ فيها بالحمد وسورة الجمعة، والمنافقين، وكان يقرأ في صلاة العشاء الآخرة ليلة الجمعة في الأولى الحمد وسورة الجمعة، وفي الثانية الحمد وسبح اسم ربك الأعلى، وكان يقرأ في صلاة الغداة يوم الاثنين ويوم الخميس في الأولى الحمد وهل أتى على الانسان، وفي الثانية الحمد وهل أتاك حديث الغاشية.
وكان يجهر بالقراءة في المغرب والعشاء وصلاة الليل والشفع والوتر والغداة. ويخفي القراءة في الظهر والعصر، وكان يسبح في الاخيرتين يقول: سبحان الله والحمد لله ولا اله الاّ الله والله أكبر ثلاث مرات، وكان قنوته في جميع صلاته: رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم انك أنت الأعز الأجل الأكرم.
وكان إذا أقام في بلدة عشرة أيام صائماً لا يفطر فإذا جنّ الليل بدأ بالصلاة قبل الافطار. وكان في الطريق يصلي فرائضه ركعتين ركعتين الاّ المغرب فانه كان يصليها ثلاثاً ولا يدع نافلتها ولا يدع صلاة الليل والشفع والوتر وركعتي الفجر في سفر ولا حضر، وكان لا يصلي من نوافل النهار في السفر شيئاً، وكان يقول بعد كل صلاة يقصرها: سبحان الله والحمد لله ولا اله الاّ الله والله أكبر ثلاثين مرة ويقول: هذا تمام الصلاة. وما رأيته صلى الضحى في سفر ولا حضر، وكان لا يصوم في السفر شيئاً، وكان يبدأ في دعائه بالصلاة على محمّد وآله ويكثر من ذلك في الصلاة وغيرها، وكان يكثر بالليل في فراشه من تلاوة القرآن، فإذا مرّ بآية فيها ذكر جنة أو نار بكى وسأل الله الجنة وتعوذ به من النار، وكان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في جميع صلواته بالليل والنهار. وكان إذا قرأ قل هو الله أحد قال سراً: الله أحد. فإذا فرغ منها قال: كذلك الله ربنا ثلاثاً، وكان إذا قرأ سورة الجحد قال في نفسه سراً: يا أيها الكافرون، فإذا فرغ منها قال: ربي الله وديني الاسلام، وكان إذا قرأ: والتين والزيتون قال عند الفراغ منها: بلى وأنا على ذلك من الشاهدين، وكان إذا قرأ لا أقسم بيوم القيامة قال عند الفراغ منها: سبحانك اللهم، وكان يقرأ في سورة الجمعة (قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ) للذين اتقوا (وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)(1)وكان إذا فرغ من الفاتحة قال: الحمد لله رب العالمين، وإذا قرأ سبح اسم ربك الأعلى، قال سراً: سبحان ربي الأعلى، وإذا قرأ يا أيها الذين آمنوا قال: لبيك اللهم لبيك سرّاً.
وكان لا ينزل بلداً إلا قصده الناس يستفتونه في معالم دينهم فيجيبهم ويحدثهم الكثير عن أبيه عن آبائه عن علي عن رسول الله صلّى الله عليه وآله.
فلما وردت به على المأمون سألني عن حاله في طريقه، فاخبرته بما شاهدته منه في ليله ونهاره وظعنه وإقامته.
فقال لي: يا ابن أبي الضحاك، هذا خير أهل الأرض وأعلمهم وأعبدهم، فلا تخبر احداً بما شاهدته منه لئلا يظهر فضله الاّ على لساني، وبالله استعين على ما أقوى من الدفع منه والاساءة اليه»(2).
وروى الصولي عن جدته خادمة الرضا عليه السّلام «كان عليه السّلام إذا صلى الغداة وكان يصليها في أول وقت ثم يسجد، فلا يرفع رأسه إلى أن يرتفع الشمس، ثم يقوم، فيجلس للناس أو يركب»(3).
وفي رواية إبراهيم بن العباس: «وكان عليه السّلام قليل النوم بالليل كثير السهر يحيى أكثر لياليه من أولها إلى الصبح، وكان كثير الصيام فلا يفوته صيام ثلاثة أيام في الشهر ويقول: ذلك صوم الدهر»(4).
قال عبد السلام بن صالح الهروي: «جئت إلى باب الدار التي حبس فيها الرضا عليه السّلام بسرخس وقد قيّد فاستأذنت عليه السجان، فقال: لا سبيل لك اليه، قلت: ولم؟ قال: لأنه ربما صلى في يومه وليلته ألف ركعة، وانما ينفتل من صلاته ساعة في صدر النهار وقبل الزوال وعند اصفرار الشمس، فهو في هذه الأوقات قاعد في مصلاه ويناجي ربه، قال: فقلت له: فاطلب لي منه في هذه الأوقات إذناً عليه، فاستأذن لي، فدخلت عليه وهو قاعدٌ في مصلاه متفكراً، قال أبو الصلت: فقلت له: يا ابن رسول الله ما شيء يحكيه عنكم الناس؟ قال: وما هو؟ قلت: يقولون انكم تدّعون أن الناس لكم عبيد، فقال: اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت شاهد بأني لم أقل ذلك قط ولا سمعت أحداً من آبائي قاله قط، وأنت العالم بما لنا من المظالم عند هذه الأمة وان هذه منها، ثم أقبل عليّ، فقال لي: يا عبد الله إذا كان الناس كلهم عبيدنا على ما حكوه عنا فممن نبيعهم؟ قلت: يا ابن رسول الله صدقت، ثم قال: يا عبد السلام، أمنكر أنت لما اوجب الله تعالى لنا من الولاية كما ينكره غيرك؟ قلت: معاذ الله، بل أنا مقرّ بولايتكم»(5).
روى الحمويني بإسناده عن الحاكم محمّد بن عبد الله البيع قال: «قال بعضهم حججت سنة مع علي بن موسى الرضا عليه السّلام، فسمعته بالموقف يدعو بهذا الدعاء:
اللهم كما سترت عليّ ما أعلم فاغفر لي ما تعلم، وكما وسعني حلمك فليسعني عفوك، وكما ابتدأتني بالإحسان فأتم نعمتك عليّ بالغفران، وكما أكرمتني بمعرفتك فاشفعها بمغفرتك، وكما عرفتني وحدانيتك فالزمني طواعيتك، وكما عصمتني مما لم أكن اعتصم منه الاّ بعصمتك، فاغفر لي ما لو شئت عصمتني منه. يا جواد يا كريم، يا ذا الجلال والاكرام»(6).
(1) سورة الجمعة : 11 .
(2) عيون أخبار الرضا عليه السّلام ج2 ص180 رقم 5.
(3) عيون أخبار الرضا عليه السّلام ج2 ص189 رقم3.
(4) عيون أخبار الرضا ج2 ص184 رقم7.
(5) المصدر ص183 رقم 6.
(6) فرائد السمطين ج2 ص226 رقم 510.