طول عمره و انه حيٌّ يرزق
قال الحافظ أبو عبد الله الكنجي الشافعي، «الباب الخامس والعشرون: في الدلالة على كون المهدي عليه السّلام حيّاً باقياً مذ غيبته الى الآن، ولا امتناع في بقائه بدليل بقاء عيسى والياس والخضر من أولياء الله تعالى، وبقاء الدجّال وابليس الملعونين أعداء الله تعالى.
وهؤلاء قد ثبت بقاؤهم بالكتاب والسنة وقد اتفقوا عليه ثم أنكروا جواز بقاء المهدي، وها أنا أبينّ بقاء كل واحد منهم فلا يسع بعد هذا لعاقل انكار جواز بقاء المهدي عليه السلام، وانما أنكروا بقائه من وجهين:
أحدهما: طول الزمان.
والثاني: أنه في سرداب من غير أن يقوم أحد بطعامه وشرابه وهذا يمتنع عادة.
قال مؤلف الكتاب محمّد بن يوسف بن محمّد الكنجي : بعون الله نبتدي وايّاه نستكفي وما توفيقي الاّ بالله جل جلاله.
أما عيسى عليه السّلام، فالدليل على بقائه قوله تعالى: (وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ)(1) ولم يؤمن به أحد مذ نزول هذه الآية الى يومنا هذا، ولابدّ ان يكون ذلك في آخر الزمان. وأما السنة، فما رواه مسلم في صحيحه عن زهير بن حرب بإسناده عن النواس بن سمعان في حديث طويل في قصة الدجّال قال: فينزل عيسى بن مريم عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهر ودتين، واضعاً كفّيه على أجنحة ملكين، وأيضاً ما تقدم من قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم كيف انتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم.
وأما الخضر والياس، فقد قال ابن جرير الطبري: الخضر والياس باقيان يسيران في الأرض. وايضاً فما رواه مسلم في صحيحه كما أخبرنا الحافظ محمّد بن أبي جعفر القرطبي والعدل الحسن بن سالم بن علي وغيرهما بدمشق قالوا: أخبرنا أبو عبد الله محمّد بن علي بن صدقة، أخبرني عبد الله بن عتبة أنّ أبا سعيد الخدري قال: حدثنا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يوماً حديثاً طويلا عن الدجّال فكان فيما حدثنا قال: يأتي وهو محرم عليه أن يدخل نقاب المدينة فينتهي الى بعض السباخ التي تلي المدينة، فيخرج اليه يومئذ رجل هو خير الناس أو من خير الناس فيقول له أشهد انك الدجال الذي حدثنا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم حديثه فيقول الدجال: رأيتم ان قتلت هذا ثم احييته أتشكون في الأمر؟ فيقولون لا فيقتله ثم يحييه، فيقول حين يحييه والله ما كنت فيك قطّ أشدّ بصيرة من الآن، قال: فيريد الدجّال أن يقتله ثانياً فلا يسلّط عليه. قال أبو اسحاق ـ وهو إبراهيم ابن محمّد ابن سعد ـ يقال أنّ هذا الرجل هو الخضر، قلت: هذا لفظ مسلم في صحيحه كما سقناه سواء.
وأمّا الدليل على بقاء الدجال: كما اخبر أبو اسحاق إبراهيم بن بركات بن إبراهيم…. حدثني عامر بن شراحيل الشعبي ـ شعب همدان ـ أنه سأل فاطمة بنت قيس أخت الضحاك بن قيس ـ وكانت من المهاجرات الأول ـ فقال: حدثيني حديثاً سمعتيه من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لا يسند الى أحد غيره فقالت: لئن شئت لأفعلنّ فقال لها: اجل حدثيني فقالت: نكحت ابن المغيرة ـ وهو من خيار شباب قريش يومئذ ـ فاصيب في أول الجهاد مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فلما أيمت خطبني عبد الرحمن بن عوف في نفر من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وخطبني رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم على وليه اسامة بن زيد، وكنت حدثت أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: من أحبّني فليحب اسامة، فلما كلمني رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فقلت: أمري بيدك فأنكحني من شئت فقال: انتقلي الى أم شريك ـ وام شريك امرأة غنية من الأنصار عظيمة النفقة في سبيل الله تنزل عليها الضيفان ـ فقلت: سأفعل قال: لا تفعلي ان اُمّ شريك كثيرة الضيفان فاني أكره أن يسقط عنك خمارك وينكشف الثوب عن ساقيك فيرى القوم منك بعض ما تكرهين، ولكن انتقلي الى ابن عمك عبد الله بن عمرو بن ام كلثوم ـ وهو رجل من بني فهر من قريش، وهو من البطن الذي هي منه ـ فانتقلت اليه، فلما انقضت عدّتي سمعت نداء المنادي ـ منادي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ ينادي الصلاة جامعة فخرجت الى المسجد فصليت مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فلما فرغ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم من صلاته جلس على المنبر وهو يضحك فقال: ليلزم كل انسان مصلاّه ثم قال: هل تدرون لم جمعتكم؟ فقالوا: الله ورسوله اعلم قال:
اني والله ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة، ولكن جمعتكم لأن تميماً الداري كان رجلا نصرانياً فجاء فبايع واسلم، وحدثني حديثاً وافق الذي كنت أحدّثكم عن المسيح الدجّال، حدّثني انه ركب في سفينة بحرية مع ثلاثين رجلا من لخم وجذام فلعب بهم الموج شهراً في البحر، ثم أرفؤا الى جزيرة في البحر حين مغرب الشمس فجلسوا في أقرب السفينة فدخلوا الجزيرة، فلقيتهم دابّة أهلب كثير الشعر لا يدرون ما قبله من دبره من كثرة الشعر، فقالوا: ويلك ما أنت؟ قالت: أنا الجساسة، قالوا: وما الجساسة؟ قالت: أيها القوم انطلقوا الى هذا الرجل في الدير، فانه الى خبركم بالاشواق، قال: لما سمت لنا رجلا فرقنا منها أن تكون شيطانة قال: انطلقنا سراعاً حتى دخلنا الدير، فإذا فيه أعظم انسان رأيناه خلقاً وأشدّه وثاقاً، مجموعة يداه الى عنقه ما بين ركبتيه الى كعبيه بالحديد قلنا: ويلك ما أنت؟ قال: قد قدرتم على خبري فأخبروني ما أنتم؟ قلنا: نحن أناس من العرب ركبنا في سفينة بحرية فصادفنا البحر حين اغتلم فلعب بنا الموج شهراً ثم ارفينا الى جزيرتك هذه فجلسنا في أقربها فدخلنا الجزيرة، فلقينا دابة أهلب كثيرة الشعر لا يدرى ما قبله من دبره من كثرة الشعر، فقلنا: ويلك ما أنت؟ فقالت: أنا الجساسة قلنا: ما الجساسة؟ قالت: اعمدوا الى هذا الرجل في الدير فانه الى خبركم بالاشواق، فاقبلنا اليك سراعاً وفزعنا منها ولم نأمن أن تكون شيطانة فقال: أخبروني عن نخل ببستان قلنا: عن أيّ شأنها تستخبر؟ قال: هل فيها ماء؟ قالوا: هي كثيرة الماء قال: اما ان مائها يوشك أن يذهب، قال: أخبروني عن عين زغر، قالوا: عن أيّ شأنها تستخبر؟ قال: هل في العين ماء؟ هل يزرع أهلها بماء العين؟ فقلنا له: نعم هي كثيرة الماء وأهلها يزرعون من مائها قال: أخبروني عن النبي الأمين ما فعل؟ قالوا: هاجر من مكة ونزل يثرب قال : أقاتله العرب؟ قلنا: نعم، قال: كيف صنع بهم؟ فأخبرناه أنه ظهر على من يليه من العرب فاطاعوه قال لهم: قد كان ذاك؟ قلنا: نعم، قال: اما ان ذاك خير لهم أن يطيعوه واني مخبركم عني، أنا المسيح الدجال، واني أوشك أن يؤذن لي في الخروج فأخرج فأسير في الأرض فلا أدع قرية الاهبطتها في أربعين ليلة غير مكة وطيبة، هما محرّمتان علي كلتاهما، كلما أردت أن أدخل واحداً واحداً منهما استقبلني ملك بيده السيف صلتاً يصدّني عنها وان على كل نقب منها ملائكة يحرسونها، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: وطعن بمخصرته في المنبر، هذه طيبة هذه طيّبة يعني المدينة.
ألا هل كنت أحدثكم ذلك؟ فقال الناس: نعم، فانه أعجبني حديث تميم. انه وافق الذي كنت أحدثكم عنه وعن المدينة ومكة، الاّ انه في بحر الشام أو بحر اليمن لا بل من قبل المشرق ما هو من قبل المشرق ما هو من قبل المشرق ما هو، وأومىء بيده الى المشرق قال: فحفظت هذا من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم.
قلت: هذا حديث صحيح متّفق على صحته، وهذا سياق مسلم وهو صريح في بقاء الدجال…
وأما الدليل على بقاء ابليس اللعين فآي الكتاب، نحو قوله تعالى (أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ)(2).
وأما بقاء المهدي عليه السّلام: فقد جاء في الكتاب والسنة.
أما الكتاب، فقد قال سعيد بن جبير في تفسير قوله تعالى (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِوَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)(3) قال هو المهدي من عترة فاطمة وأما من قال انه عيسى عليه السّلام فلا تنافي بين القولين اذ هو مساعد للإمام على ما تقدم وقد قال مقاتل بن سليمان ومن شايعه من المفسرين في تفسير قوله عزّوجل (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ)(4) قال: هو المهدي عليه السّلام يكون في آخر الزمان وبعد خروجه يكون قيام الساعة واماراتها…
وأمّا السنة فما تقدم في كتابنا من الأحاديث الصحيحة الصريحة.
وأما الجواب عن طول الزمان فمن حيث النص والمعنى:
أما النص فما تقدم من الأخبار على انه لابد من وجود الثلاثة في آخر الزمان وانهم ليس فيهم متبوع غير المهدي، بدليل انه امام الأمة في آخر الزمان، وان عيسى عليه السّلام يصلي خلفه كما ورد في الصحاح ويصدقه في دعواه، والثالث هو الدجال اللعين وقد ثبت انه حي موجود.
وأما المعنى في بقائهم لا يخلو من أحد قسمين، اما أن يكون بقاؤهم في مقدور الله أو لا يكون، ومستحيل أن يخرج عن مقدور الله، لأن من بدأ الخلق من غير شيء وأفناه ثم يعيده بعد الفناء لا بد أن يكون البقاء في مقدوره، وإذا ثبت ان البقاء في مقدوره تعالى فلا يخلو ايضاً من قسمين، اما ان يكون راجعاً الى اختيار الله تعالى أو الى اختيار الأمّة، ولا يجوز أن يكون الى اختيار الأمّة لأنه لو صحّ ذلك منهم لصحّ من أحدنا أن يختار البقاء لنفسه ولولده. وذلك غير حاصل لنا غير داخل تحت مقدورنا، فلابد من ان يكون راجعاً الى اختيار الله سبحانه.
ثم لا يخلو بقاء هؤلاء الثلاثة من قسمين أيضاً، اما ان يكون لسبب أو لا يكون لسبب. فان كان لغير سبب كان خارجاً عن وجه الحكمة، وما يخرج عن وجه الحكمة لا يدخل في أفعال الله تعالى، فلابد من أن يكون لسبب تقتضيه حكمة الله تعالى»(5).
قال السيد رضي الدين ابن طاووس الحسني الحسيني المتوفي 664 هـ:
«الفصل التاسع والسبعون: ولقد جمعني وبعض أهل الخلاف مجلس منفرد، فقلت لهم: ما الذي تأخذون على الإمامية، عرّفوني به بغير تقّية لأذكر ما عندي وفيه غلقنا باب الموضع الذي كنّا ساكنيه، فقالوا نأخذ عليهم تعرضهم بالصحابة، ونأخذ عليهم القول بالرجعة، والقول بالمتعة، ونأخذ عليهم حديث المهدي وانه حي مع تطاول زمان غيبته، فقلت لهم… ]وبعد أن أجاب إجابات شافية عن الأسئلة الثلاثة، أجاب عن السؤال الرابع بقوله[:
وأما ما أخذتم عليهم من طول غيبة المهدي عليه السّلام، فأنتم تعلمون أنه لو حضر رجل وقال أنا أمشي على الماء ببغداد فانه يجتمع لمشاهدته لعل من يقدر على ذلك منهم، فإذا مشى على الماء وتعجب الناس منه فجاء آخر قبل أن يتفرقوا وقال أيضاً أنا أمشي على الماء فان التعجب منه يكون أقل من ذلك فمشى على الماء فان بعض الحاضرين ربما يتفرقون ويقل تعجبهم فإذا جاء ثالث وقال أنا أيضاً أمشي على الماء فربّما لا يقف للنظر اليه الاّ قليل فإذا مشى على الماء سقط التعجب من ذلك فان جاء رابع وذكر انّه يمشي أيضاً على الماء فربما لا يبقى أحد ينظر اليه ولا يتعجب منه.
وهذه حالة المهدي عليه السّلام، لأنكم رويتم أن ادريس حي موجود في السماء منذ زمانه الى الآن، ورويتم ان الخضرحيّ موجود منذ زمان موسى عليه السّلام أو قبله الى الآن، ورويتم ان عيسى حيّ موجود في السماء وانه يرجع الى الأرض مع المهدي عليه السّلام. فهذه ثلاثة نفر من البشر قد طالت أعمارهم وسقط التعجب بهم من طول أعمارهم، فهلا كان لمحمّد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه وآله اسوة بواحد منهم أن يكون من عترته آية لله جل جلاله في أمته بطول عمر واحد من ذريته؟ فقد ذكرتم ورويتم في صفته أنه يملأ الأرض قسطاً وعدلا بعدما ملئت جوراً وظلماً، ولو فكرتم فعرفتم ان تصديقكم وشهادتكم انه يملأ الأرض بالعدل شرقاً وغرباً وبعداً وقرباً أعجب من طول بقائه وأقرب الى أن يكون ملحوظاً بكرامات الله جلّ جلاله لأوليائه، وقد شهدتم أيضاً له ان عيسى بن مريم النبي المعظم عليهما السلام يصلي خلفه مقتدياً به في صلاته وتبعاً له ومنصوراً به في حروبه وغزواته وهذا أيضاً أعظم مقاماً مما استبعدتموه من طول حياته فوافقوا على ذلك. وفي حكاية الكلام زيادة فاطلب من الطرائف وغيرها»(6).
قال البدخشي: «… ولم يزل مختفيا حيّاً باقياً حتى يؤمر بالخروج فيخرج ويملأ الأرض عدلا كما ملئت جوراً، ولا استحالة في طول حياته فانه قد عمر كثير من الناس حتى جاوزوا الالف، كنوح ولقمان، والخضر على نبيّنا وعليهم السلام»(7).
(1) سورة النّساء: 159.
(2) سورة الاعراف: 14ـ15.
(3) سورة الصّف: 9.
(4) سورة الزخرف: 61.
(5) البيان في اخبار صاحب الزمان ص102ـ110.
(6) كشف المحجة لثمرة المهجة ص54ـ56.
(7) مفتاح النجا ص280.