سيرته عجّل الله فرجه حين ظهوره
قال أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام، في وصف المهدي: «يعطف الهوى على الهدى، إذا عطفوا الهُدى على الهوى، ويعطف الرأي على القرآن إذا عطفوا القرآن على الرأي»(1).
روى أبو داود بسنده عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المهدي مني أجلى الجبهة، أقنى الأنف، يملأ الأرض قسطاً وعدلا كما ملئت جوراً وظلماً…»(2).
قال محمّد بن الصبّان: «ان المهدي يقفو أثر رسول الله لا يخطى، له ملك يسدّده… يعزّ الله به الاسلام بعد ذله، ويحييه بعد موته، ويضع الجزية ويدعو الى الله تعالى بالسيف فمن أبى قتل، ومن نازعه خذل، يحكم بالدين الخالص عن الرأي ويخالف في غالب أحكامه مذاهب العلماء فينقبضون منه لذلك، لظنهم ان الله تعالى لا يحدث بعد أئمتهم مجتهداً»(3).
أخرج جمال الدين يوسف بن علي المقدسي الشافعي بسنده عن جابر بن عبد الله قال: «دخل رجلٌ على أبي جعفر محمّد بن علي فقال: اقبض مني هذه الخمسمائة درهم فانها زكاة مالي، فقال له أبو جعفر: خذها أنت وضعها في جيرانك من أهل الاسلام والمساكين من اخوانك المسلمين، ثم قال: إذا قام مهديّنا أهل البيت قسّم بالسويّة وعدل في الرعية، فمن اطاعه فقد أطاع الله، ومن عصاه فقد عصى الله»(4).
قال السيوطي: «وأخرج أحمد والباوردي في المعرفة وأبو نعيم عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أبشركم بالمهدي، رجل من قريش من عترتي، يبعث في امتي على اختلاف من الناس وزلازل، فيملأ الأرض قسطاً كما ملئت جوراً وظلماً، ويرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض ويقسم المال صحاحاً، فقال له رجل: ما صحاحاً؟ قال: بالسويّة بين الناس، ويملأ قلوب أمة محمّد غنىً، ويسعهم عدله، حتى انه ينادي: من له حاجة الي؟ فما يأتيه أحد الا رجل واحد، يأتيه فيسأله ويقول: ائت السادن حتى يعطيك، فيأتيه فيقول: أنا رسول المهدي اليك لتعطيني مالا، فيقول: أحث فيحثى ولا يستطيع أن يحمله فيلقي حتى يكون قدر ما يحمله فيخرج به فيندم فيقول: أنا كنت أجشع أمّة محمّد نفساً، كلهم دعي الى هذا المال فتركه غيري، فيردّه عليه، فيقول: انا لا نقبل شيئاً أعطيناه…»(5).
روى ابن ماجة بسنده عن أبي سعيد الخدري ان النبي صلّى الله عليه وسلّم، قال: «يكون في أمّتي المهدي، ان قصر فسبع، والاّ فتسع، فتنعّم فيه أمّتي نعمة لم ينعموا مثلها قطّ تؤتي اكلها ولا تدّخر منهم شيئاً ، والمال يومئذ كدوس، فيقوم الرجل فيقول: يا مهدي أعطني، فيقول: خذ»(6).
وروى الحاكم النيسابوري بسنده عن أبي سعيد الخدري قال: «قال نبي الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ينزل بأمتي في آخر الزمان بلاء شديد من سلطانهم، لم يسمع بلاء أشدّ منه حتى تضيق عنهم الأرض الرحبة، وحتى يملأ الأرض جوراً وظلماً، لا يجد المؤمن ملجأ يلتجىء اليه من الظلم، فيبعث الله عزّ وجلّ رجلا من عترتي فيملأ الأرض قسطاً وعدلا كما ملئت ظلماً وجوراً، يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض، لا تدّخر الأرض من بذرها شيئاً الاّ أخرجته، ولا السماء من قطرها شيئاً الاّ صبه الله عليهم مدراراً، يعيش فيهم سبع سنين أو ثمان أو تسع، تتمنى الأحياء الأموات مما صنع الله عزّوجل بأهل الأرض من خيره».
ثم قال: هذا حديث صحيح الاسناد لم يخرجاه(7).
روى الحمويني الجويني بسنده عن الحسين بن خالد عن الإمام علي بن موسى الرضا عليهما السلام: «… يطهّر الله به الأرض من كل جور، ويقدّسها من كلّ ظلم.. فإذا خرج أشرقت الأرض بنوره، ووضع ميزان العدل بين الناس فلا يظلم أحد أحداً»(8).
روى الحاكم النيسابوري بسنده عن أبي سعيد الخدري، عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم: «يخرج في آخر أمّتي المهدي، يسقيه الله الغيث، وتخرج الأرض نباتها، ويعطي المال صحاحاً، وتكثر الماشية، وتعظم الأمة، يعيش سبعاً أو ثمانياً يعني حججاً وقال: هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه»(9).
وروى المتّقي الهندي عن ابن مسعود، مثله(10).
روى الاربلي عن محمّد بن عجلان عن أبي عبد الله عليه السّلام قال: «إذا قام القائم دعا الناس الى الاسلام جديداً، وهداهم الى أمر قد دثر، فضلّ عنه الجمهور، وانّما سمّي القائم مهديّاً لأنّه يهدي الى أمر مضلول عنه، وسمّي بالقائم لقيامه بالحقّ»(11).
وروى عن علي بن عقبة عن أبي عبد الله عليه السّلام قال: «إذا قام القائم عليه السّلام قام بالعدل وارتفع في أيامه الجور، وامنت به السبل، وأخرجت الأرض بركاتها وردّ كل حق الى أهله، ولم يبق أهل دين حتى يظهروا الاسلام ويعترفوا بالايمان، اما سمعت الله عزّوجل يقول: (وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ)(12) وحكم في الناس بحكم داود وحكم محمّد صلّى الله عليهما، فحينئذ تظهر الأرض كنوزها وتبدي بركاتها، فلا يجد الرجل منكم يومئذ موضعاً لصدقته ولا لبرّه، لشمول الغنى جميع المؤمنين.
ثم قال: ان دولتنا آخر الدول، ولم يبق أهل بيت لهم دولة الاّ ملكوا قبلنا، لئلاّ يقولوا ـ إذا رأوا سيرتنا ـ: إذا ملكنا سرنا مثل سيرة هؤلاء، وهو قول الله عزّوجل(13): (وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)(14).
روى الطبرسي عن زيد بن وهب الجهني لما طعن الحسن بن علي عليه السّلام انه قال: «… حتى يبعث الله رجلا في آخر الزمان وكلب من الدهر وجهل من الناس، يؤيّده الله بملائكته ويعصم أنصاره وينصره بآياته، ويظهره على أهل الأرض حتى يدينوا طوعاً وكرهاً، يملأ الأرض قسطاً وعدلا ونوراً وبرهاناً، يدين له عرض البلاد وطولها، لا يبقى كافر الاّ آمن به، ولا طالح الاّ صلح وتصطلح في ملكه السباع، وتخرج الأرض نبتها، وتنزل السماء بركتها، وتظهر له الكنوز، يملك ما بين الخافقين أربعين عاماً، فطوبى لمن أدرك أيّامه وسمع كلامه»(15).
(1) نهج البلاغة ـ شرح صبحي الصالح ـ الخطبة رقم 138، قال ابن أبي الحديد المعتزلي: «هذا إشارة الى إمام يخلفه الله تعالى في آخر الزمان، وهو الموعود به في الاخبار والآثار ومعنى (يعطف الهوى) يقهره ويثنيه عن جانب الايثار والارادة، عاملا عمل الهوى فيجعل الهدى قاهراً له، وظاهراً عليه.
وكذلك قوله (ويعطف الرأي على القرآن) أي يقهر حكم الرأي والقياس والعمل يغلبه الظنّ عاملا على القرآن.
وقوله: (إذا عطفوا الهدى) و(إذا عطفوا القرآن) اشارة الى الفرق المخالفين لذا الإمام المشاقين له، الذين لا يعملون بالهدى بل بالهوى، لا يحكمون بالقرآن بل بالرأي»، (شرح نهج البلاغة ج9 ص40).
والظاهر ان كلامه عليه السّلام مقارنة بين الفترة السابقة على ظهوره، والفترة الواقعة بعد ظهوره، فالسابقون عليه يجعلون القرآن مسيّراً لآرائهم، في حين يجعل ـ هو سلام الله عليه الأهواء والآراء مسيّرة ومنقادة للقرآن.
(2) سنن أبي داود ج4 ص152.
(3) اسعاف الراغبين المطبوع بهامش نور الابصار للشبلنجي ص143.
(4) عقد الدرر في أخبار المهدي المنتظر ـ الباب 2، الحديث 322.
(5) العرف الوردي في أخبار المهدي، ضمن مجموعة الحاوي للفتاوى ج2 ص124.
(6) سنن ابن ماجة كتاب الفتن، باب خروج المهدي ج2 ص1367، العرف الوردي في أخبار المهدي ج2 ص 131.
(7) المستدرك على الصحيحين ج4 ص465.
(8) فرائد السمطين ج2 ص337.
(9) المستدرك على الصحيحين ج4 ص558.
(10) كنز العمال ج14 ص273.
(11) كشف الغمة في معرفة الأئمة ج2 ص465.
(12) سورة آل عمران: 83.
(13) المصدر السابق ج2 ص466.
(14) سورة الاعراف: 128.
(15) الاحتجاج ص291 طبعة بيروت.