احتجاج الإمام الصادق
قال عبد الله بن شبرمة: «دخلت أنا وأبو حنيفة على جعفر بن محمّد فقال لابن أبي ليلى: من هذا معك؟ قال: هذا رجل له بصر ونفاذ في أمر الدين، قال: لعله يقيس أمر الدين برأيه، قال: نعم، قال: فقال جعفر لأبي حنيفة: ما اسمك قال: نعمان، قال: يا نعمان هل قست رأسك بعد؟ قال: كيف أقيس رأسي قال: ما أراك تحسن شيئاً، هل علمت ما الملوحة في العينين، والمرارة في الأذنين، والحرارة في المنخرين، والعذوبة في الشفتين؟ قال: لا، قال: ما أراك تحسن شيئاً، قال: فهل علمت كلمة أولها كفر وآخرها ايمان، فقال ابن أبي ليلى: يا ابن رسول الله أخبرنا بهذه الأشياء التي سألته عنها. فقال: أخبرني أبي عن جدي أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: ان الله تعالى بمنّه وفضله جعل لابن آدم الملوحة في العينين لانهما شحمتان ولو لا ذلك لذابتا، وان الله تعالى بمنه وفضله ورحمته على ابن آدم جعل المرارة في الأذنين حجاباً من الدواب، ان دخلت الرأس دابة والتمست الى الدماغ فإذا ذاقت المرارة التمست الخروج، وان الله تعالى بمنه وفضله ورحمته على ابن آدم جعل الحرارة في المنخرين يستنشق بهما الريح ولو لا ذلك لأنتن الدماغ، وان الله تعالى بمنه وكرمه ورحمته لابن أدم جعل العذوبة في الشفتين يجد بهما استطعام كل شيء ويسمع الناس بها حلاوة منطقه، قال: فأخبرني عن الكلمة التي أولها كفر وآخرها ايمان، فقال: إذا قال العبد: لا اله فقد كفر، فإذا قال: الاّ الله فهو ايمان، ثم أقبل على أبي حنيفة فقال: يا نعمان حدثني أبي عن جدي أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: أول من قاس أمر الدين برأيه ابليس، قال الله تعالى له: اسجد لآدم فقال (أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّار وَخَلَقْتَهُ مِن طِين)(1) فمن قاس الدين رأيه قرنه الله تعالى يوم القيامة بإبليس لأنه اتبعه بالقياس».
زاد ابن شبرمة في حديثه: «ثم قال جعفر: أيهما اعظم؟ قتل النفس أو الزنا؟ قال: قتل النفس، قال: فان الله عزّوجل قبل في قتل النفس شاهدين ولم يقبل في الزنا الاّ أربعة، ثم قال: أيهما أعظم الصلاة أم الصوم؟ قال: الصلاة قال: فما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة! فكيف ويحك يقوم لك قياسك؟ اتق الله ولا تقس الدين برأيك»(2).
قال ابن خلكان: «ان جعفر سأل أبا حنيفة فقال: ما تقول في محرم كسر رباعية ظبي؟ فقال: يا ابن رسول الله ما أعلم فيه، فقال له: أنت تتداهى ولا تعلم أن الظبي لا يكون له رباعية وهو ثني أبداً»(3).
(1) سورة الاعراف: 12.
(2) حلية الأولياء ج3 ص196.
(3) وفيات الاعيان ج1 ص292.