احتجاجات الإمام الباقر
سأل نافع بن الأزرق أبا جعفر قال: «أخبرني عن الله عزّوجل متى كان؟ قال عليه السّلام: متى لم يكن حتى أخبرك متى كان؟ سبحان من لم يزل ولا يزال فرداً صمداً لم يتخذ صاحبة ولا ولداً»(1).
روى عبد الله بن سنان عن أبيه قال: «حضرت أبا جعفر عليه السّلام، وقد دخل عليه رجل من الخوارج فقال له: يا أبا جعفر أي شيء تعبد؟ قال: الله، قال: رأيته؟ قال: بلى، لم تره العيون بمشاهدة الأبصار، ولكن رأته القلوب بحقائق الايمان، لا يعرف بالقياس، ولا يدرك بالحواس، موصوف بالآيات، معروف بالدلالات، لا يجور في حكمه، ذلك الله لا اله الاّ هو، قال: فخرج الرجل وهو يقول: الله أعلم حيث يجعل رسالته»(2).
روى محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال في صفة القديم: «أنه واحد صمد، أحديّ المعنى، ليس بمعان كثيرة مختلفة قال: قلت: جعلت فداك انه يزعم قوم من أهل العراق انه يسمع بغير الذي يبصر، ويبصر بغير الذي يسمع، قال: فقال: كذبوا وألحدوا، وشبهوا الله تعالى. انه سميع بصير، يسمع بما به يبصر، ويبصر بما به يسمع، قال: فقلت: يزعمون أنه بصير على ما يعقله، قال: فقال: تعالى الله، انما يعقل من كان بصفة المخلوق وليس الله كذلك»(3).
وروي أن عمرو بن عبيد دخل على الباقر عليه السّلام فقال له: «جعلت فداك! قول الله (وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى)(4) ما ذلك الغضب؟ قال: العذاب يا عمرو، وانما يغضب المخلوق الذي يأتيه الشيء فيستفزه ويغيره عن الحال التي هو بها الى غيرها، فمن زعم أن الله يغيره الغضب والرضا، ويزول عن هذا، فقد وصفه بصفة المخلوق»(5).
قال حمران بن أعين: «سألت أبا جعفر عليه السّلام عن قول الله عزّوجل (وَرُوحٌ مِّنْهُ)(6) قال: هي مخلوقة خلقها الله بحكمته في آدم وفي عيسى»(7).
قال محمّد بن مسلم: «سألت أبا جعفر عليه السّلام عما روي: «ان الله خلق آدم على صورته» فقال: هي صورة محدثة مخلوقة، اصطفاها الله واختارها على أساس الصور المختلفه، فأضافها الى نفسه، كما أضاف الكعبة الى نفسه والروح، فقال (بَيْتِيَ) وقال(8). (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي)(9).
هذه نبذة من احتجاجه عليه السّلام في التوحيد، وله سلام الله عليه كلمات في النبوة والإمامة اللتين همامن أصول الدين وأركان الإسلام.
قال جابر بن يزيد الجعفي: «قلت لأبي جعفر محمّد بن علي الباقر عليهما السلام: لأي شيء يحتاج إلى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم والإمام؟ فقال: لبقاء العالم على صلاحه، وذلك ان الله عزّوجل يرفع العذاب عن أهل الأرض إذا كان فيها نبي أو إمام، قال الله عزّوجل (وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ)(10) وقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: النجوم أمان لأهل السماء وأهل بيتي أمان لأهل الأرض، فإذا ذهبت النجوم أتى أهل السماء ما يكرهون، وإذا ذهب أهل بيتي أتى أهل الأرض ما يكرهون، يعني بأهل بيته الأئمة الذين قرن الله عزّوجل طاعتهم بطاعته فقال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ)(11) وهم المعصومون المطهرون الذين لا يذنبون ولا يعصون، وهم المؤيدون الموفقون المسدّدون، بهم يرزق الله عباده، وبهم يمهل أهل المعاصي، ولا يعجل عليهم بالعقوبة والعذاب، لا يفارقهم روح القدس ولا يفارقونه، ولا يفارقون القرآن ولا يفارقهم صلوات الله عليهم أجمعين»(12).
روى علي بن أسباط وغيره مرفوعاً عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «قلت ان الناس يزعمون أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لم يكتب ولا يقرأ، فقال: كذبوا لعنهم الله أنى يكون ذلك وقد قال الله عزّوجل (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الاُْمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلاَل مُّبِين)(13) فكيف يعلمهم الكتاب والحكمة، وليس يحسن أن يقرأ ويكتب؟ قال: قلت: فلم سمي النبي الأمي؟ قال: لأنه نسب الى مكة، وذلك قول الله عزّوجل (وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا)(14) فأمّ القرى مكة فقيل أمي لذلك»(15).
روى الكليني بإسناده عن الحسن بن محبوب عن الأحول قال: «سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الرسول والنبي والمحدث، قال: الرسول الذي يأتيه جبرئيل قبلا فيراه ويكلمه فهذا الرسول، وأما النبي فهو الذي يرى في منامه نحو رؤيا إبراهيم عليه السّلام ونحو ما كان رأى رسول الله صلّى الله عليه وآله من أسباب النبوة قبل الوحي حتى أتاه جبرئيل عليه السّلام من عند الله بالرسالة، وكان محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم حين جمع له النبوة وجاءته الرسالة من عند الله يجيئه بها جبرئيل ويكلمه بها قبلا، ومن الأنبياء من جمع له النبوة ويرى في منامه ويأتيه الروح ويكلمه ويحدثه من غير أن يكون يرى في اليقظة، وأما المحدث فهو الذي يحدث فيسمع ولا يعاين ولا يرى في منامه»(16).
وروى عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «والله ما ترك الله أرضاً منذ قبض آدم عليه السّلام الاّ وفيها امام يهتدى به الى الله وهو حجتهُ على عباده، ولا تبقى الأرض بغير امام حجة لله على عباده»(17).
وروى عن أبي عبدالله عليه السّلام قال: قال أبو جعفر عليه السّلام: «دخل أبو عبد الله الجدلي على أميرالمؤمنين عليه السّلام، فقال: يا أبا عبد الله ألا أخبرك بقول الله عزّوجل (مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُم مِّن فَزَع يَوْمَئِذ آمِنُونَ * وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)(18)؟ قال: بلى يا أمير المؤمنين جعلت فداك، فقال: الحسنة معرفة الولاية وحبنا أهل البيت والسيئة انكار الولاية وبغضنا أهل البيت ثم قرأ عليه هذه الآية»(19).
وروى باسنادة عن بريد قال: «سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول في قول الله تبارك وتعالى: (أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ)فقال ميتٌ لا يعرف شيئاً و(نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ): اماماً يأتم به (كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِج مِّنْهَا)(20) قال: الذي لا يعرف الإمام»(21).
وروى عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «ذروة الأمر وسنامه ومفتاحه وباب الأشياء ورضا الرحمن تبارك وتعالى: الطاعة للإمام بعد معرفته، ثم قال: ان الله تبارك وتعالى يقول(22): (مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً)(23).
وروى عن أبي حمزة قال: قال لي أبو جعفر عليه السّلام: «انّما يعبد الله من يعرف الله، فأما من لا يعرف الله فانما يعبده هكذا ضلالا. قلت: جعلت فداك فما معرفة الله؟ قال: تصديق الله عزّوجل وتصديق رسوله وموالاة علي والإئتمام به وبأئمة الهدى والبراءة الى الله عزّوجل من عدوهم. هكذا يعرف الله عزّوجل»(24).
وروى عن اسماعيل بن جابر، قال: «قلت لأبي جعفر عليه السّلام أعرض عليك ديني الذي أدين الله عزّوجل به؟ قال: فقال: هات قال: فقلت: أشهد أن لا اله الاّ الله وحده لا شريك له وان محمّداً عبده ورسوله والإقرار بما جاء به من عندالله وان علياً كان إماماً فرض الله طاعتهُ، ثم كان بعده الحسن اماماً فرض الله طاعته، ثم كان بعده الحسين اماماً فرض الله طاعته، ثم كان بعده علي بن الحسين اماماً فرض الله طاعته، حتى انتهى الأمر اليه، ثم قلت: أنت يرحمك الله، قال: فقال: هذا دين الله ودين ملائكته»(25).
وروى عن حنان عن أبيه عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: لا تصلح الإمامة الاّ لرجل فيه ثلاث خصال: ورعٌ يحجزه عن معاصي الله، وحلمٌ يملك به غضبه، وحسن الولاية على من يلي حتى يكون لهم كالوالد الرحيم، وفي رواية اخرى: حتى يكون للرعية كالأب الرحيم»(26).
(1 و 2) الإحتجاج للطبرسي ج2 ص321 وص322.
(3) الاحتجاج للطبرسي ج2 ص322.
(4) سورة طه: 81.
(5) المصدر .
(6) سورة النساء: 171.
(7 و 8) المصدر ص323.
(9) سورة ص: 72.
(10) سورة الانفال: 33.
(11) سورة النساء: 59.
(12) علل الشرايع ج1 باب 103 رقم 1 ص133.
(13) سورة الجمعة: 2.
(14) سورة الانعام: 92.
(15) علل الشرايع ج1 ص125 رقم 2.
(16) أصول الكافي ج1 باب الفرق بين الرسول والنبي والمحدث ص135 رقم 3.
(17) المصدر، باب أن الأرض لا تخلو من حجة ص137 رقم 8.
(18) سورة النمل: 89ـ90.
(19) اصول الكافي باب معرفة الإمام والرد اليه ص142 رقم 14.
(20) سورة الانعام: 122.
(21) المصدر، رقم 13.
(22) المصدر، باب فرض طاعة الأئمة ص142 رقم 1.
(23) سورة النساء: 80.
(24) المصدر، ص138 رقم 3.
(25) الكافي ج1 باب فرض طاعة الأئمة ص144 رقم 13.
(26) المصدر، باب ما يجب من حق الإمام على الرعية وحق الرعية على الإمام ص336 رقم 8.