إحتجاج الإمام الهادي
روى الطبرسي بإسناده عن الحسن العسكري: «أنه اتصل بأبي الحسن علي بن محمّد العسكري أن رجلا ممن فقهاء شيعته كلم بعض النصاب فأفحمه بحجته حتى أبان عن فضيحته، فدخل الى علي بن محمّد وفي صدر مجلسه دست عظيم منصوب، وهو قاعد خارج الدست، وبحضرته خلق من العلويين وبني هاشم، فما زال يرفعه حتى أجلسه في ذلك الدست وأقبل عليه فاشتدّ ذلك على أولئك الأشراف، فأما العلوية فأجلوه عن العتاب وأما الهاشميون فقال لهم شيخهم: يا ابن رسول الله هكذا تؤثر عامياً على سادات بني هاشم من الطالبيين والعباسيين؟
فقال عليه السّلام: اياكم وأن تكونوا من الذين قال الله تعالى فيهم: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوْتُواْ نَصِيباً مِّنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُونَ)(1) أترضون بكتاب الله حكماً؟ قالوا: بلى.
قال: أليس الله يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الَْمجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ) إلى قوله: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَات)(2) فلم يرض للعالم المؤمن الاّ أن يرفع على المؤمن غير العالم، كما لم يرض للمؤمن الاّ أن يرفع على من ليس بمؤمن، أخبروني عنه قال: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَات)، أو قال: «يرفع الذين اُوتوا شرف النسب درجات»؟ أو ليس قال الله (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ)(3). فكيف تنكرون رفعي لهذا لما رفعه الله؟! ان كسر هذا لفلان الناصب بحجج الله التي علّمه اياها لأفضل له من كل شرف في النسب.
فقال العبّاسي: يا ابن رسول الله قد أشرفت علينا هو ذا تقصير بنا عمن ليس له نسب كنسبنا، وما زال منذ أول الاسلام يقدم الأفضل في الشرف على من دونه فيه.
فقال عليه السّلام: سبحان الله أليس عباس بايع أبا بكر وهو تيمي والعبّاس هاشمي؟ أو ليس عبد الله بن عباس كان يخدم عمر بن الخطاب وهو هاشمي أبو الخلفاء وعمر عدوي، وما بال عمر أدخل البعداء من قريش في الشورى ولم يدخل العبّاس؟ فان كان رفعنا لمن ليس بهاشمي على هاشمي منكراً فانكروا على عباس بيعته لأبي بكر، وعلى عبد الله بن عباس خدمته لعمر بعد بيعته، فان كان ذلك جائزاً فهذا جائز، فكأنما ألقم الهاشمي حجراً»(4).
(1) سورة آل عمران: 23.
(2) سورة المجادلة: 11.
(3) سورة الزمر: 9.
(4) الاحتجاج ج2 ص454.