علي وقضاؤه
الف ـ قضاؤه في حياة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم
روى الحاكم النيشابوري باسناده عن زيد بن أرقم، قال: «بينما نحن عند رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إذ أتاه رجل من أهل اليمن وعلي بها، فجعل يحدث النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ويخبره قال: يا رسول الله أتى علياً ثلاثة نفر فاختصموا في ولد، كلهم زعم أنه ابنه، وقعوا على امرأة في طهر واحد، فقال علي: انكم شركاء متشاكسون واني مقرع بينكم، فمن قرع فله الولد، وعليه ثلثاً الدية لصاحبيه، فاقرع بينهم فقرع أحدهم، فدفع اليه الولد وجعل عليه ثلثي الدية، فضحك النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم حتى بدت نواجذه أو اضراسه»(1).
لما هاجر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وترك الودائع عند علي بن أبي طالب، أمره ان يردّها إلى أهلها.
روى المجلسي عن ابن شهر آشوب عن الواقدي واسحاق الطبري أن عمير ابن وائل الثقفي أمره حنظلة بن أبي سفيان أن يدّعي على علي عليه السّلام ثمانين مثقالا من الذهب وديعة عند محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم وانه هرب من مكة وأنت وكيله، فان طلب بينة الشهود فنحن معشر قريش نشهد عليه، وأعطوه على ذلك مائة مثقال من الذهب، منها قلادة عشرة مثاقيل لهند. فجاء وادعى على علي عليه السّلام فاعتبر الودائع كلها، ورأى عليها اسامي اصحابها، ولم يكن لما ذكره عمير خبر، فنصح له نصحاً كثيراً، فقال: ان لي من يشهد بذلك، وهو أبو جهل وعكرمة وعقبة بن أبي معيط وأبو سفيان وحنظلة، فقال عليه السّلام: مكيدة تعود إلى من دبرها ثم أمر الشهود أن يقعدوا في الكعبة، ثم قال لعمير: يا أخا ثقيف أخبرني الآن حين دفعت وديعتك هذه الى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم اي الاوقات كان؟ قال: ضحوة نهار، فأخذها بيده ودفعها إلى عبده ثم استدعى بأبي جهل وسأله عن ذلك قال: ما يلزمني ذلك ثم استدعى بأبي سفيان وسأله، فقال: دفعها عند غروب الشمس واخذها من يده وتركها في كمه، ثم استدعى حنظلة وسأله عن ذلك، فقال: كان عند وقت وقوف الشمس في كبد السماء وتركها بين يديه الى وقت انصرافه، ثم استدعى بعقبة وسأله عن ذلك، فقال: تسلمها بيده وأنفذها في الحال إلى داره، وكان وقت العصر، ثم استدعى بعكرمة وسأله عن ذلك، فقال: كان بزوغ الشمس أخذها، فأنفذها من ساعته إلى بيت فاطمة، ثم أقبل على عمير، وقال له: اراك قد اصفر لونك وتغيرت احوالك، قال: أقول الحق، ولا يفلح غادر وبيت الله، ما كان لي عند محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم وديعة وانهما حملاني على ذلك، وهذه دنانيرهم وعقد هند عليه اسمها مكتوب، ثم قال علي: ائتوني بالسيف الذي في زاوية الدار فاخذه وقال: أتعرفون هذا السيف؟ فقالوا: هذا لحنظلة، فقال أبو سفيان: هذا مسروق، فقال عليه السّلام: ان كنت صادقاً في قولك فما فعل عبدك مهلع الأسود؟ قال: مضى إلى الطائف في حاجة لنا، فقال: هيهات أن يعود وتراه، ابعث اليه احضره ان كنت صادقاً، فسكت أبو سفيان، ثم قام في عشرة عبيد لسادات قريش فنبشوا بقعة عرفها، فإذا فيها العبد مهلع الأسود، فأمرهم باخراجه فأخرجوه وحملوه الى الكعبة، فسأله الناس عن سبب قتله، فقال: إن أبا سفيان وولده ضمنوا له رشوة عتقه وحثاه على قتلي، فكمن لي في الطريق، وثب علي ليقتلني فضربت رأسه وأخذت سيفه، فلما بطلت حيلتهم أرادوا الحيلة الثانية بعمير، فقال عمير: أشهد أن لا اله الاّ الله، وأن محمّداً رسول الله»(2).
وروى الشنقيطي عن علي عليه السّلام: «ان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بعثه إلى اليمن، فوجد أربعة وقعوا في حفرة حفرت ليصطاد فيها الأسد، سقط أولا رجل، فتعلق بآخر، وتعلق آخر بآخر حتى تساقط الأربعة فجرحهم الأسد وماتوا من جراحته، فتنازع أولياؤهم حتى كادوا يقتتلون، فقال علي: أنا أقضي بينكم فان رضيتم فهو القضاء، والا حجزت بعضكم عن بعض حتى تأتوا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ليقضي بينكم، إجمعوا من القبائل الذين حفروا البئر: ربع الدية، وثلثها، ونصفها، ودية كاملة، فللأول ربع الدية لأنه اهلك من فوقه، وللذي يليه ثلثها، لأنه أهلك من فوقه، وللثالث النصف لأنه أهلك من فوقه والرابع الدية كاملة. فأبوا أن يرضوا فأتوا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فلقوه عند مقام إبراهيم، فقصوا عليه القصة فقال: انا أقضي بينكم واحتبى ببردة، فقال رجل من القوم: ان علياً قضى بيننا، فلما قصوا عليه القصة أجازه»(3).
وروي عن جميل بن عبدالله بن يزيد المدني قال: «ذكر عند النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قضاء قضى به علي فأعجب النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال: الحمد لله الذي جعل فينا الحكمة أهل البيت»(4).
قال ابن حجر الهيتمي: «وسبب قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: أقضاكم علي، السابق في أحاديث أبي بكر، أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم كان جالساً مع جماعة من أصحابه فجاء خصمان فقال أحدهما: يا رسول الله ان لي حماراً وان لهذا بقرة وان بقرته قتلت حماري فبدأ رجل من الحاضرين فقال: لا ضمان على البهائم، فقال صلّى الله عليه وسلّم: اقض بينهما يا علي، فقال علي لهما: أكانا مرسلين أم مشدودين؟ أم أحدهما مشدود والآخر مرسلا؟ فقالا: كان الحمار مشدوداً والبقرة مرسلة، وصاحبها معها، فقال: على صاحب البقرة ضمان الحمار، فأقر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حكمه وامضى قضاءه»(5).
وروى أسعد بن إبراهيم الاربلي باسناده عن الإمام علي بن موسى الرضا عن أبيه عن جده عن آبائه عن الحسين بن علي عليهما السّلام قال: «من قضايا أميرالمؤمنين عليه السّلام ان ثوراً قتل حماراً في عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وطالب صاحب الحمار بقيمته، وتحاكما إلى جميع الصحابة، فلم يفصل بينهم أحد، وجاء إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم والصحابة حوله فجعل يقول لواحد واحد: ما تقول؟ فمنهم من قال: يؤخذ الثور ومنهم من قال غير ذلك فقال: قولوا لعلي، فلما حضر شرحوا له القضية، فقال: ان كان الثور هجم على الحمار وهو عاقل، لزم اصحاب الثور قيمة الحمار ،وان كان الحمار دخل على الثور فلا ضمان عليه، فرفع النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم يده إلى السماء وقال: الحمد لله الذي منّ علي بمن يقضي بقضاء النبيين»(6).
قال السيد الشهيد نور الله التستري: «ان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم اختصم اليه رجلان في بقرة قتلت حماراً فقال احدهما: يا رسول الله بقرة هذا قتال حماري، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: اذهبا إلى أبي بكر واسألاه عن ذلك، فجاءا إلى أبي بكر وقصّا عليه قصتهما، فقال: كيف تركتما رسول الله وجئتموني؟ قالا: هو أمرنا بذلك فقال لهما؛ بهيمة قتلت بهيمة لا شيء على ربّها، فعادا إلى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فأخبراه بذلك فقال لهما: امضيا إلى عمر واسألاه القضاء في ذلك، فذهبا إليه وقصّا عليه قصتهما فقال لهما: كيف تركتما رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وجئتموني؟ فقالا هو أمرنا بذلك، قال: فكيف لم يأمركما بالمصير إلى أبي بكر؟ فقالا: قد أمرنا بذلك فصرنا اليه، فقال: ما الذي قال لكما في هذه القصة؟ قالا له: قال: كيت وكيت قال: ما ارى فيها الا ما رآه أبو بكر، فعادا إلى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فأخبراه بالخبر، فقال: اذهبا إلى علي بن أبي طالب ليقضي بينكما فذهبا اليه فقصّا عليه قصتهَما قال عليه السّلام: ان كانت البقرة دخلت على الحمار في منامه، فعلى ربها قيمة الحمار لصاحبه، وان كان الحمار دخل على البقرة في منامها فقتلته فلا غرم على صاحبها، فعادا إلى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فأخبراه بقضيته بينهما فقال: لقد قضى بينكما بقضاء الله عزّوجلّ.
ثم قال: الحمد لله الذي جعل فينا آل البيت من يقضي على سنن داود في القضاء»(7).
(1) المستدرك على الصحيحين ج3 ص135، ورواه المتقي في كنز العمال ج5 ص503 طبع حيدر آباد.
(2) بحار الأنوار ج9 ص476 الطبعة القديمة وج40 ص218، الطبعة الحديثة.
(3) كفاية الطالب ص55، ورواه محب الدين الطبري في ذخائر العقبى ص84، وسبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص ص44، والحضرمي في وسيلة المآل ص249 والوصابي في أسنى المطالب الباب التاسع ص59.
(4) كفاية الطالب ص56.
(5) الصواعق المحرقة ص73، ورواه محمّد بن طلحة فى مطالب السؤل ص77.
(6) الأربعين ص40.
(7) إحقاق الحق ص320 مخطوط.