الباب التَاسِع عَشَر: عليٌّ (عليه السلام) والقضَاء
1 ـ علي عليه السّلام، أقضى الصحابة.
2 ـ انّه عليه السّلام، وقضاؤه.
أ ـ قضاؤه في حياة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم.
ب ـ قضاؤه في زمن أبي بكر بن أبي قحافة.
ج ـ قضاؤه في زمن عمر بن الخطاب.
د ـ قضاؤه في زمن عثمان بن عفان.
هــ قضاؤه في أيام خلافته.
علي أقضى الصحابة
روى أحمد عن أبي البختري عن علي عليه السّلام قال: «بعثني رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى اليمن وأنا حديث السن قال: قلت: تبعثني إلى قوم يكون بينهم أحداث ولا علم لي بالقضاء قال: انّ الله سيهدي لسانك ويثبت قلبك، قال: فما شككت في قضاء بين اثنين بعد»(1).
وروى الحاكم باسناده عن أنس بن مالك: «ان النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قال لعلي: أنت تبين لأمتي ما اختلفوا فيه بعدي»(2).
وروى الشبلنجي عن ابن مسعود، قال: «أفرض أهل المدينة وأقضاها علي»(3).
وروى الخوارزمي بأسناده عن أبي سعيد الخدري: «قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: ان اقضى أمتي علي بن أبي طالب»(4).
وروى ابن عبد البر باسناده عن أبي فروة قال: سمعت عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: قال عمر: «علي أقضانا»(5).
وروى المتّقي عن عليّ: «انطلق فاقرأها على النّاس، فانّ الله يثبّت لسانك ويهدي قلبك، انّ الناس سيتقاضون اليك، فاذا أتاك الخصمان فلا تقض لواحد حتى تسمع كلام الآخر، فانّه أجدر أن تعلم لمن الحق»(6).
وروى ابن عساكر باسناده عن عبدالله، قال: «أقضى أهل المدينة علي بن أبي طالب»(7).
وروى ابن حجر باسناده قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: أقضاكم علي»(8).
وروى الشنقيطي باسناده عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «أنت اولهم ايماناً بالله وأوفاهم بعهد الله، وأقومهم بأمر الله، وأقسمهم بالسوية وأعدلهم في الرعية وابصرهم بالقضية واعظمهم عند الله»(9).
وروى ابن عساكر باسناده عن ابن عبّاس قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «علي أقضى أمتي بكتاب الله فمن أحبني فليحبه، فان العبد لا ينال ولايتي الاّ بحب علي»(10).
وباسناده عن ابن عبّاس قال: «بعث النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم علياً إلى اليمن، فقال: علّمهم الشرائع واقض بينهم قال: لا علم لي بالقضاء، قال: فدفع في صدره وقال: اللّهم اهده الى القضاء، فنهاهم عن الدّباء والحنتم والمزفّت»(11).
روى المتّقي باسناده عن علي، قال: «أتى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ناس من اليمن، فقالوا ابعث فينا من يفقهنا في الدين، ويعلمنا السنن، ويحكم فينا بكتاب الله، فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: انطلق يا علي الى أهل اليمن، ففقههم في الدين وعلّمهم السنن واحكم فيهم بكتاب الله، فقلت: ان أهل اليمن قوم طغاة يأتوني من القضاء بما لا علم لي به. فضرب النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم على صدري، ثم قال: اذهب فان الله سيهدي قلبك ويثبت لسانك. فما شككت في قضاء بين اثنين حتى الساعة»(12).
قال الزبيدي: «الديان: القاضي، ومنه الحديث: كان علي ديان هذه الامة بعد نبيها، أي قاضيها»(13).
قال محمّد بن طلحة: «نقل القاضي الإمام أبو محمّد الحسين بن مسعود البغوي في كتابه المسمى بالمصابيح مروياً عن أنس بن مالك: ان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لما خَصّ جماعة من الصحابة كل واحد بفضيلة، خَصَصَ علياً عليه السّلام بعلم القضاء فقال: وأقضاهم علي. فقد صدع هذا بمنطوقه وصرح بمفهومه ان انواع العلم واقسامه قد جمعها رسول صلّى الله عليه وآله وسلّم لعلي دون غيره فان كل واحد ممن خصصه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بفضيلة خاصة لم يتوقف حصول تلك الفضيلة على غيرها من الفضائل والعلوم، فانه صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: أفرضهم زيد، وأقرؤهم أبيّ، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ، ولا يخفى أن علم الفرائض لا يفتقر إلى علم آخر، ومعرفة القراءة لا يتوقف على سواها، وكذلك العلم بالحلال والحرام. بخلاف علم القضاء فالنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قد أخبر بثبوت هذه الصفة العالية لعلي عليه السّلام مع زيادة فيها فان صيغة أفعل يقتضي وجود أصل ذلك الوصف والزيادة فيه على غيره، وإذا كانت هذه الصفة العالية قد أثبتها له فتكون حاصلة، ومن ضرورة حصولها له ان يكون متصفاً بها ولا يتصف بها الا بعد أن يكون كامل العقل صحيح التميز، جيّد الفطنة، بعيداً عن السهو والغفلة، يتوصل بتفضيله إلى وضوح ما استكمل، وفصل ما اعضل، ذا عدالة تحجزه عن أن يحوم حول حمى المحارم ومروة تحمله على محاسن الشيم، ومجانبة الدّنايا، صادق اللهجة، ظاهر الامانة، عفيفاً عن المحظورات مـأموناً في السخـط والرضا، عارفاً بالكتاب والسنة والاتفاق والاختلاف والقياس ولغة العرب، بحيث يقدم المحكم على المتشابه، والخاص على العام، والمبين على المجمل، والناسخ على المنسوخ ويبني المطلق على المقيد ويقضي بالتواتر دون الآحاد وبالمسند دون المرسل، وبالمتصل دون المنقطع وبالاتفاق دون الاختلاف… ليتوصلّ بها إلى الاحكام فليس كل حكم منصوصاً عليه، ويعرف اقسام الاحكام من الواجب والمحظور والمندوب والمكروه، فهذه امور لا يصحّ اتصاف الانسان بعلم القضاء ما لم يحط بمعرفتها ومتى فقد علمه بها لا يصلح للقضاء ولا يصلح اتصافه به فظهر لك ـ أيدك الله تعالى ـ ان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم حيث وصف علياً بهذه الصفة العالية بمنطوق لفظه المثبت له فضلا، فقد وصفه بمفهومه بهذه العلوم المشروحة المتنوعة الأقسام فرعاً واصلا، وكفى بذلك دلالة لمن خص بهدية الهداية قولا وفعلا على ارتقاء علي عليه السّلام في مناهج معارج العلوم الى المقام الاعلى، وضربه في اعتناء الفضائل المجزاة بالتساهم بالقدح المعـلى حصول هـذه المناقب والآلاء وشمول هذه المطالب السنية، الحاصلة لعلي عليه السّلام من مواد علم القضاء كان مناط افاضة انوارها عليه، ان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قبل ذلك لما انتدبه وانتضاه، وآثره وارتضاه، وفوض اليه قضاء اليمن وولاه أحجم إحجاماً، فلما أحس رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ذلك منه أخبره بان الله عزوعلا سيرزق قلبه الهدى والتثبيت له من الله تعالى فلن يضل ابداً. فمن ذلك ما نقله الإمام أبو داود سليمان بن الاشعث في مسنده يرفعه بسنده إلى علي عليه السّلام قال: أرسلني رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى اليمن قاضياً، فقلت: يا رسول الله، ترسلني وأنا حديث السن ولا علم لي بالقضاء، فقال لي رسول الله: ان الله سيهدي قلبك ويثبت لسانك، فإذا جلس بين يديك الخصمان، فلا تقضين حتى تسمع من الآخر كما سمعت من الأول فانه أحرى أن يبين لك القضاء، قال: فما زلت قاضياً وما شككت في قضاء بعد، فهبت عليه النسمات الآلهية من العناية النبوية بألطاف التأييد ونزل عليه الملكان الموكلان بالمحقين، فألبساه رداء التوفيق والتسديد فوفرت حقائق علم القضاء في صدره حتى ما على احاطته بهما من مزيد، وأثمرت حدائق فضائله، فنخلها بالمعرفة باسقات ذوات طلع نضيد، فلما رسخ علمه عليه السّلام بمواد القضاء رسوخاً لا تحركه الهواب ورسا قدم فهمه في قواعد معرفته بحيث لا يعترضه الاضطراب، وصفه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بقوله: أقضاكم علي، اذ وضحت لديه الاسباب وتفتحت بين يديه الابواب، وشرحت له السنن والآداب، حتى قال قال له رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: ليهنك العلم أبا الحسن لقد شربه العلم شرباً ونهلته نهلا»(14).
(1) مسند أحمد ج1 ص83، ورواه في الفضائل الحديث 106، ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق ج2 ص492 رقم 1012، والحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين ج3 ص135، وابن حجر في الصواعق ص73 والنسائي في الخصائص ص11 وغيرهم.
(2) المستدرك على الصحيحين ج3 ص122.
(3) نور الأبصار ص94.
(4) المناقب الفصل السابع ص39.
(5) الاستيعاب القسم الثالث ص1102 رقم 1855، ورواه ابن عساكر في ج3 ص32 رقم 1061. عن أبي هريرة.
(6) كنز العمال ج11 ص623 طبع حلب.
(7) ترجمة الامام علي بن أبي طالب من تاريخ مدينة دمشق ج3 ص35 رقم 1065.
(8) الصواعق المحرقة ص73.
(9) كفاية الطالب ص53.
(10) ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ مدينة دمشق ج2 ص97.
(11) ترجمة علي من تاريخ دمشق ج2 ص497 رقم 1018.
(12 و 13) منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج5 ص36.
(14) مطالب السؤل في مناقب آل الرسول ص56 مخطوط.