عليٌّ أعلم الأصحاب و أكثر الاُمة علماً
روى الخوارزمي باسناده عن سلمان رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم انه قال: «أعلم أمتي من بعدي علي بن أبي طالب»(1).
وروى باسناده عن أبي البختري: «رأيت علياً عليه السّلام صعد المنبر بالكوفة، وعليه مدرعة كانت لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم متقلداً بسيف رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم متعمماً بعمامة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وفي اصبعه خاتم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فقعد على المنبر، وكشف عن بطنه، فقال: سلوني قبل أن تفقدوني، فانما بين الجوانح مني علم جم، هذا سفط العلم، هذا لعاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم هذا ما زقني رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم زقاً من غير وحي أوحي الي، فوالله لو ثنيت لي وسادة فجلست عليها لأفتيت لأهل التوراة بتوراتهم ولأهل الانجيل بانجيلهم حتى ينطق الله التوراة والانجيل، فيقول: صدق علي قد أفتاكم بما أنزل في وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون»(2).
وباسناده عن ابن عباس، قال: «العلم ستة اسداس، فلعلي بن أبي طالب عليه السّلام من ذلك خمسة أسداس، وللناس سدس واحد، ولقد شاركنا في السدس حتى لهو أعلم به منا»(3).
وروى أحمد باسناده عن أبي حازم، قال: «جاء رجل الى معاوية فسأله مسألة فقال: سل عنها علي بن أبي طالب فهو اعلم بها مني، فقال: يا أميرالمؤمنين جوابك فيها أحب الي من جواب علي، فقال: بئس ما قلت ولؤم ما جئت به، لقد كرهت رجلا كان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يغرّه بالعلم غراً، ولقد قال له رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي، وكان عمر إذا أشكل عليه شيء يأخذ منه، ولقد شهدت عمر وقد أشكل عليه شيء، فقال عمر: ها هنا علي، قم لا أقام الله رجليك»(4).
وروى الكنجي باسناده عن أبي امامة، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «أعلم أمتي بالسنّة والقضاء بعدي علي بن أبي طالب»(5).
وباسناده عن سلمان رضي الله تعالى عنه، قال: «اعلم أمتي بعدي علي بن أبي طالب»(6).
وروى ابن عساكر باسناده عن عائشة، قالت: «حدثتني فاطمة بنت محمّد ان النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: «زوجتك اعلم المؤمنين علماً واولهم سلماً وافضلهم حلماً».
وعن أسماء بنت عميس قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لفاطمة: «زوّجتك اقدمهم سلماً وأعظمهم حلماً وأكثرهم علماً»(7).
وبإسناده عن معاوية بن أبي سفيان، قال: «كان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يغر علياً بالعلم غراً»(8).
وبإسناده عن عبدالملك بن أبي سليمان، قال: «قلت لعطاء بن أبي رباح: أكان في اصحاب محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم أعلم من علي بن أبي طالب؟ قال: لا والله ما اعلمه»(9).
وبإسناده عن عائشة، قالت: «علي بن أبي طالب أعلمكم بالسنّة»(10).
وروى محمّد صدر العالم باسناده عن علي: «أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: علي بن أبي طالب أعلم الناس بالله، وأكثر الناس حباً وتعظيماً لأهل لا اله الاّ الله»(11).
وعن أبي الطفيل عامر بن واثلة قال: «شهدت علي بن أبي طالب يخطب، فقال في خطبته: سلوني، فوالله لا تسألوني عن شيء يكون الى يوم القيامة الا حدثتكم به»(12).
وقال: «اما علمه، فكان من العلوم بالمحل العالي قال ابن عباس: أعطي علي رضي الله عنه تسعة اعشار العلم ووالله لقد شاركهم في العشر الباقي، وسؤال كبار الصحابة ورجوعهم إلى فتاواه واقواله في المواطن الكثيرة والمسائل المعضلات مشهور»(13).
وروى ابن عساكر باسناده عن زكريا، قال: «سمعت عامراً يقول: سأل ابن الكوا علياً عليه السّلام: أي الخلائق أشد؟ فقال: اشد خلق ربك عشرة: الأول: الجبال الرواسي، والثاني: الحديد، تنحت به الجبال، والثالث: النار، تأكل الحديد، والرابع: الماء، يطفي النار، والخامس: السحاب المسخر بين السماء والأرض، يعني يحمل الماء، والسادس: الريح، تقل السحاب، والسابع: الانسان، يغلب الريح، يعصمها بيده ويذهب لحاجته، والثامن: السكر، يغلب الانسان، والتاسع: النوم، يغلب السكر والعاشر: الشم، يغلب النوم، فأشد خلق ربك لهذه»(14).
وروى محب الدين الطبري باسناده عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «والله لقد اعطي علي تسعة أعشار العلم، وأيم الله لقد شارككم في العشر العاشر»(15).
وعن علي رضي الله عنه، ان النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قال له: «ليهنك العلم أبا الحسن لقد شربت العلم شرباً ونهلته نهلا»(16).
وروى العاصمي باسناده عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: «لما قبض النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم اجتمعت النصارى إلى قيصر ملك الروم فقالوا له: أيها الملك، انا وجدنا في الانجيل رسولا يخرج من بعد عيسى اسمه أحمد، وقد رمقنا خروجه وجاءنا نعته، فأشر علينا فانا قد رضيناك لديننا ودنيانا، قال: فجمع قيصر من نصراء بلاده مائة رجل وأخذ عليهم المواثيق أن لا يغدروا ولا يخفوا عليه من امورهم شيئاً، وقال: انطلقوا إلى هذا الوصي الذي من بعد نبيهم فاسألوه عما سئل عنه الانبياء عليهم السّلام وعما أتاهم به من قبل والدلائل التي عرفت بها الأنبياء عليهم السّلام. فان أخبركم فآمنوا به وبوصيّه واكتبوا بذلك إلي وان لم يخبركم فاعلموا انه رجل مطاع في قومه، يأخذ الكلام بمعانيه ويرده على تواليه وتعرفوا خروج هذا النبي قال: فسار القوم حتى دخلوا بيت المقدس واجتمعت اليهود إلى رأس جالوت، فقالوا له مثل مقالة النصارى لقيصر، فجمع رأس جالوت من اليهود مائة رجل.
قال سلمان: فاغتنمت صحبة القوم، فسرنا حتى دخلنا المدينة وذلك يوم عروبة وأبو بكر قاعدٌ في المسجد يفتي الناس، فدخلت عليه فأخبرته بالذي قدم له النصارى واليهود، فاذن لهم بالدخول عليه فدخل عليه رأس جالوت، فقال: يا أبا بكر، انّا قوم من النصارى واليهود جئناكم لنسألكم عن فضل دينكم، فان كان دينكم أفضل من ديننا قبلناه والا فديننا أفضل الأديان، قال أبو بكر: سل عما تشاء أجيبك ان شاء الله، قال: ما أنا وأنت عند الله؟ قال أبو بكر: أما أنا فقد كنت عند الله مؤمناً وكذلك عند نفسي إلى الساعة ولا ادري ما يكون من بعد، فقال اليهودي: فصف لي صفة مكانك في الجنة وصفة مكاني في النار لأرغب في مكانك وأزهد عن مكاني، قال: فأقبل أبو بكر رضي الله عنه ينظر إلى معاذ مرة وإلى ابن مسعود مرة وأقبل رأس جالوت يقول لأصحابه: ما كان هذا نبياً قال سلمان: فلما نظر إلي القوم، قلت لهم: ايها القوم، ابعثوا إلى رجل لو ثنيتم له الوسادة لقضى لأهل التوراة بتوراتهم ولأهل الانجيل بانجيلهم ولأهل الزبور بزبورهم ولأهل القرآن بقرآنهم، ويعرف ظاهر الآية من باطنها، وباطنها من ظاهرها، قال معاذ: فقمت فدعوت علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وأخبرته بالذي قدمت له اليهود والنصارى فأقبل علي حتى جلس في مسجد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم.
قال ابن مسعود: وكان علينا ثوب ذل، فلما جاء علي بن أبي طالب كشفه الله عنا.
قال علي رضوان الله عليه: سلني عما تشاء أخبرك ان شاء الله.
قال اليهودي، ما أنا وأنت عند الله؟ قال: أما أنا فقد كنت عند الله وعند نفسي مؤمناً إلى الساعة، فلا أدري ما يكون بعد، وأما أنت فقد كنت عند الله وعند نفسي الساعة كافراً ولا ادري ما يكون بعد، قال رأس جالوت: فصف لي صفة مكانك في الجنة وصفة مكاني في النار فأرغب في مكانك وأزهد عن مكاني، قال علي: يا يهودي لم أر ثواب الجنة ولا عذاب النار فأعرف ذلك، ولكن كذلك أعد الله للمؤمنين الجنة وللكافرين النار، فإن شككت في شيء من ذلك فقد خالفت النبي عليه السّلام ولست في شيء من الإسلام. قال: صدقت رحمك الله، فان الأنبياء يوقنون على ما جاؤوا به فان صدقوا آمنوا وان خولفوا كفروا.
قال: فأخبرني أعرفت الله بمحمّد أم محمّداً بالله؟
فقال علي: يا يهودي ما عرفت الله بمحمّد، ولكن عرفت محمّداً بالله، لأن محمّداً محدود مخلوق، وعبد من عباد الله اصطفاه الله واختاره لخلقه، وألهم الله نبيه كما ألهم الملائكة الطاعة وعرفهم نفسه بلا كيف ولا شبه، قال: صدقت قال: فأخبرني الرب في الدنيا أم في الآخرة؟ فقال على: ان (في) وعاء، فمتى ما كان بفي كان محدوداً ولكنه يعلم ما في الدنيا والآخرة وعرشه في هواء الآخرة، وهو محيط بالدنيا والآخرة بمنزلة القنديل في وسطه ان خليته تكسر فان أخرجته لم يستقم مكانه هناك فكذلك الدنيا وسط الآخرة قال: صدقت، قال: فأخبرني الرب يحمل أو يحمل؟ قال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: يحمل، قال رأس جالوت: فكيف وإنا نجد في القرآن مكتوباً (وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذ ثَمَانِيَةٌ)(17) قال علي: يا يهودي، ان الملائكة تحمل العرش، والثّرى يحمل الهوى، والثّرى موضوع على القدرة وذلك قوله تعالى: (لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الاَْرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى)(18) قال اليهودي: صدقت رحمك الله»(19).
قال العاصمي: «قدم أسقف نجران على أميرالمؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في صدر خلافته، فقال: يا أميرالمؤمنين، ان ارضنا باردة شديدة المؤنة لا يحتمل الجيش، وأنا ضامن لخراج أرضي أحمله اليك في كل عام كملا، قال: فضمنه اياه، فكان يحمل المال ويقدم به في كل سنة ويكتب له عمر البراءة بذلك، فقدم الأسقف ذات مرة ومعه جماعة، وكان شيخاً جميلا مهيباً، فدعاه عمر إلى الله والى رسوله وكتابه وذكر له اشياء من فضل الاسلام وما يصير اليه المسلمون من النعيم والكرامة، فقال له الأسقف: يا عمر، أنتم تقرأون في كتابكم (وَجَنَّة عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالاَْرْضِ)(20) فأين تكون النار؟ فسكت عمر، وقال لعلي: أجبه أنت، فقال له علي: أنا أجيبك يا أسقف، أرأيت إذا جاء الليل أين يكون النهار؟ وإذا جاء النهار أين يكون الليل؟ فقال الأسقف: ما كنت أرى ان احداً يجيبني عن هذه المسألة، من هذا الفتى يا عمر؟ فقال: علي بن أبي طالب ختن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وابن عمه وهو أبو الحسن والحسين.
فقال الأسقف: فأخبرني يا عمر، عن بقعة من الأرض طلعت فيها الشمس مرة واحدة ثم لم تطلع قبلها ولا بعدها، فقال عمر: سل الفتى، فقال: أنا أجيبك، هو البحر حيث انفلق لبني اسرائيل ووقعت فيه الشمس مرة واحدة لم يقع قبلها ولا بعدها، فقال الأسقف: أخبرني عن شيء في أيدي الناس شبيه بثمار الجنة، قال عمر: سل الفتى، فسأله، فقال علي: اجيبك، هو القرآن يجتمع عليه أهل الدنيا فيأخذون منه حاجتهم فلا ينقص منه شيء فكذلك ثمار الجنة، فقال الأسقف: صدقت قال: أخبرني هل للسماوات من قفل؟ فقال علي: قفل السماوات الشرك بالله، فقال الأسقف: وما مفتاح ذلك القفل؟ قال: شهادة أن لا اله الا الله، لا يحجبها شيء دون العرش، فقال: صدقت، فقال: أخبرني عن أول دم وقع على وجه الأرض، فقال علي: أما نحن فلا نقول كما تقولون دم الخشاف، ولكن أول دم وقع على وجه الأرض مشيمة حواء حيث ولدت هابيل ابن آدم، قال: صدقت وبقيت مسألة واحدة، أخبرني أين الله؟ فغضب عمر، فقال علي: أجيبك وسل عما شئت، كنا عند رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم اذ أتاه ملك فسلّم فقال له رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم من أين أرسلت؟ فقال: من السماء السابعة من عند ربي، ثم أتاه آخر فسأله فقال: أرسلت من الأرض السابعة من عند ربي، فجاء ثالث من المشرق ورابع من المغرب فسألهما فأجابا كذلك، فالله عزّوجلّ ها هنا وها هنا، في السماء إله وفي الأرض إله»(21).
روى العاصمي باسناده عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، قال: «شهدت الصلاة على أبي بكر الصديق رضي الله عنه ثم اجتمعنا إلى عمر بن الخطاب فبايعناه وأقمنا أياماً نختلف الى المسجد اليه حتى سموه أمير المؤمنين، فبينما نحن عنده جلوس إذ أتاه يهودي من يهود المدينة وهم يزعمون انه من ولد هارون أخي موسى بن عمران عليهما السّلام حتى وقف على عمر فقال له: يا أميرالمؤمنين أيكم اعلم بنبيكم وبكتاب نبيكم حتى أسأله عما أريد، فأشار له عمر إلى علي بن أبي طالب رضوان الله عليهما، فقال: هذا اعلم بنبينا وبكتاب نبينا، قال اليهودي: اكذاك أنت يا علي؟ قال: سل عما تريد، قال: اني سائلك عن ثلاث وثلاث وواحدة، قال له علي: ولم لا تقول أنّي سائلك عن سبع؟ قال له اليهودي: اسألك عن ثلاث، فإن أصبت فيهن اسألت عن الواحدة، وان اخطأت في الثلاث الأول لم أسألك عن شيء قال له علي: وما يدريك إذا سألتني فاجبتك أخطأت أم أصبت؟ قال: فضرب بيده إلى كمّه فاستخرج كتاباً عتيقاً فقال: هذا كتاب ورثته عن آبائي وأجدادي بإملاء موسى وخط هارون، وفيه هذه الخصال التي أريد أن أسألك عنها، فقال علي: ولله عليك إن أجبتك فيهن بالصواب ان تسلم، قال له: والله لئن اجبتني فيهن بالصّواب لأسلمن الساعة على يديك، قال له علي: سل، قال: أخبرني عن أول حجر وضع على وجه الأرض، وأخبرني عن اول شجرة نبتت على وجه الأرض، وأخبرني عن أول عين نبعت على وجه الأرض، قال له علي: يا يهودي، ان أول حجر وضع على وجه الأرض فان اليهود يزعمون انها صخرة بيت المقدس وكذبوا، ولكنه الحجر الأسود نزل به آدم معه من الجنة فوضعه في ركن البيت، فالناس يمسحون به ويقبلونه ويجددون العهد والميثاق فيما بينهم وبين الله، قال اليهودي: أشهد بالله لقد صدقت.
وقال له علي: واما أول شجرة نبتت على وجه الأرض فان اليهود يزعمون انها الزيتونة وكذبوا، ولكنها نخلة العجوة نزل بها معه آدم من الجنة فأصل التمر كله من العجوة، قال له اليهودي: اشهد بالله لقد صدق.
قال: وامّا أول عين نبعت على وجه الأرض، فان اليهود يزعمون انها العين التي تحت صخرة بيت المقدس وكذبوا، ولكنها عين الحياة التي نسي عندها صاحب موسى السمكة المالحة، فلما أصابها ماء العين عاشت وسرت فاتبعها موسى وصاحبه فأتيا الخضر، فقال له اليهودي: أشهد بالله لقد صدقت.
قال له علي: سل، قال: أخبرني عن منزل محمّد أين هو في الجنة؟ قال علي: ومنزل محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم من الجنة (جنة عدن) في وسط الجنة اقرب من عرش الرحمان عزّوجلّ، قال له اليهودي: أشهد بالله لقد صدقت.
قال له علي: سل، قال: أخبرني عن وصيّ محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم في أهله كم يعيش بعده وهل يموت أو يقتل؟ قال علي: يا يهودي، يعيش بعده ثلاثين سنة ويخضب هذه من هذا، وأشار إلى رأسه قال: فوثب اليه اليهودي، وقال: اشهد ان لا إله الاّ الله وان محمّداً رسول الله»(22).
قال العاصمي: «سمعت الأستاذ أبا بكر محمّد بن اسحاق بن محمشاد رضي الله عنهم يرفعه، ان رجلا أتى عثمان بن عفان رضي الله عنه وهو أمير المؤمنين وبيده جمجمة انسان ميت، فقال: انكم تزعمون ان النار تعرض على هذا وانه يعذب في القبر، وأنا قد وضعت عليها يدي فلا أحسّ منها حرارة النار، فسكت عنه عثمان ابن عفان رضي الله عنه، وأرسل الى علي بن أبي طالب المرتضى رضوان الله عليه يستحضره فلما أتاه وهو في ملأ من أصحابه قال للرجل: أعد المسألة فأعادها ثم قال عثمان بن عفان رضي الله عنه: أجب الرجل عنها يا أبا الحسن، فقال علي كرم الله وجهه: ائتوني بزند وحجر، والرجل السائل والناس ينظرون اليه، فأتي بهما فأخذهما وقدح منهما النار ثم قال للرجل: ضع يدك على الحجر فوضعها عليه ثم قال: ضع يدك على الزند فوضعها عليه فقال: هل أحسست منهما حرارة النار؟ فبت الرجل، فقال عثمان رضي الله عنه: لو لا علي لهلك عثمان»(23).
روى العاصمي باسناده عن علي بن موسى، قال: «حدثني أبي موسى، قال: حدثني أبي جعفر، قال: حدثني أبي محمّد، قال: حدثنا أبي علي بن الحسين، قال: حدثنا أبي الحسين بن علي، إنّ يهودياً سأل أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه فقال: أخبرني عما ليس لله وعما ليس عند الله وعما لا يعلمه الله عزّوجلّ. فقال علي كرم الله وجهه: أما ما لا يعلمه الله عزّوجلّ فذلك قولكم يا معشر اليهود ان عزير ابن الله والله لا يعلم له ولداً. وأما قولك عما ليس عند الله، فليس عند الله ظلم للعباد، واما قولك عما ليس لله فليس لله شريك.
فقال اليهودي: وأنا أشهد ان لا إله إلآ الله وأن محمّداً عبده ورسوله»(24).
ذكر الزرندي: «ان رجلا أتي به الى عمر كان قال في جوابهم لما سألوه كيف اصبحت؟ قال: اصبحت أحبّ الفتنة، واكره الحق، وأصدق اليهود والنصارى، وآمن بما لم أره، واقر بما لم يخلق. فأرسل عمر الى علي عليه السّلام فلما جاء أخبره بما قال الرجل، فقال: صدق، قال الله تعالى: (أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ)(25) ويكره الحق يعني الموت، قال الله تعالى: (وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ)(26) وصدق اليهود والنصارى، قال الله تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْء وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْء)(27)ويؤمن بما لم يره يعني الله، ويقر بما لم يخلق يعني الساعة، فقال عمر: لو لا علي لهلك عمر»(28).
قال ابن أبي الحديد: «ومن العلوم علم الفقه وهو عليه السّلام أصله وأساسه، وكل فقيه في الاسلام فهو عيال عليه ومستفيد من فقهه، أما اصحاب أبي حنيفة كأبي يوسف ومحمّد وغيرهما فأخذوا عن أبي حنيفة، واما الشافعي فقرأ على محمّد بن الحسن فيرجع فقهه أيضاً إلى أبي حنيفة، واما أحمد بن حنبل فقرأ على الشافعي فيرجع فقهه ايضاً إلى أبي حنيفة، وأبو حنيفة قرأ على جعفر بن محمّد عليه السّلام وقرأ جعفر على أبيه عليه السّلام وينتهي الأمر إلى علي عليه السّلام، وأما مالك بن أنس فقرأ على ربيعة الرأي، وقرأ ربيعة على عكرمة، وقرأ عكرمة على عبدالله بن عباس، وقرأ عبد الله بن عبّاس على علي، وان شئت رددت اليه فقه الشافعي بقرائته على مالك كان لك ذلك. فهؤلاء الفقهاء الأربعة. وأما فقه الشيعة فرجوعه إليه ظاهر.
وايضاً فان فقهاء الصحابة كانوا عمر بن الخطاب وعبد الله بن عبّاس وكلاهما أخذا عن علي عليه السّلام، أما ابن عبّاس فظاهر، وأما عمر فقد عرف كل أحد رجوعه اليه في كثير من المسائل التي اشكلت عليه وعلى غيره من الصحابة، وقوله غير مرة: لو لا علي لهلك عمر، وقوله: لا بقيت لمعضلة ليس لها أبو الحسن، وقوله: لا يفتين أحد في المسجد وعلي حاضر، فقد عرفت بهذا الوجه ايضاً انتهاء الفقه اليه .
وقد روت العامة والخاصة قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: أقضاكم علي، والقضاء هو الفقه فهو اذاً أفقههم، وروى الكل أيضاً انه عليه السّلام قال له وقد بعثه إلى اليمن قاضياً: اللّهم اهد قلبه وثبت لسانه، قال: فما شككت بعدها في قضاء بين اثنين، وهو الذي أفتى في المرأة التي وضعت لستة أشهر، وهو الذي أفتى في الحامل الزانية، وهو الذي قال في المسألة المنبرية صار ثمنها تسعاً، وهذه المسألة لو فكر الفرضي فيها فكراً طويلا لاستحسن منه بعد طول النظر هذا الجواب، فما ظنك بمن قال بديهة واقتضبه ارتجالا»(29).
روى ابن عساكر باسناده عن رقبة بن مصقلة العبدي عن أبيه عن جده قال: «أتى رجلان عمر بن الخطاب في ولايته يسألانه عن طلاق الأمة، فقام معتمداً بشيء بينهما حتى أتى حلقة في المسجد وفيها رجل اصلع فوقف عليه، فقال: يا أصلع، ما قولك في طلاق الأمة؟ فرفع رأسه اليه ثم أومىء اليه باصبعيه، فقال عمر للرجلين: تطليقتان، فقال أحدهما: سبحان الله جئنا لنسألك وأنت أميرالمؤمنين فمشيت معنا حتى وقفت على هذا الرجل، فرضيت منه بأن أوميء اليك، فقال: أو تدريان من هذا؟ قالا: لا، قال: هذا علي بن أبي طالب، أشهد على رسول الله لسمعته وهو يقول: لو أن السماوات السبع وضعن في كفة ميزان، ووضع ايمان علي في كفة ميزان، لرجح بها ايمان علي»(30).
وروى المتقي باسناده عن ابن عمر قال: قال عمر بن الخطاب لعلي بن أبي طالب: «يا أبا الحسن، ربما شهدت وغبنا وربما شهدنا وغبت، ثلاث أسألك عنهن، هل عندك منهن علم؟ قال علي: وما هن؟ قال: الرجل يحب الرجل ولم ير منه خيراً، والرجل يبغض الرجل ولم ير منه شراً، قال علي: نعم، قال رسول الله: ان الأرواح في الهواء جنود مجندة تلتقي، فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف، فقال: واحدة. والرجل يتحدث الحديث نسيه أو ذكره، قال علي: سمعت رسول الله يقول: ما من القلوب قلب إلاّ وله سحابة كسحابة القمر، بينا القمر يضيء إذ علت سحابة فأظلم إذ تجلت قال عمر: اثنتان. والرجل يرى الرؤيا فمنها ما يصدق ومنها ما يكذب، قال: نعم، سمعت رسول الله يقول: ما من عبد ولا أمة ينام فيستثقل نوماً إلاّ يعرج بروحه في العرش، فالتي لا تستيقظ إلاّ عند العرش فتلك الرؤيا التي تصدق، والتي تستيقظ دون العرش هي الرؤيا التي تكذب. فقال عمر: ثلاث كنت في طلبهن، فالحمد لله الذي اصبتهن قبل الموت»(31).
(1) المناقب الفصل السابع ص40، ورواه المتقي في منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج5 ص33. ورواه البدخشي في مفتاح النجاء ص85 تحفة المحبين ص187، والمتقي في كنز العمال ج11 ص614 طبع جلب.
(2) المصدر ص47، ورواه الحمويني في فرائد السمطين ج1 ص341.
(3) المناقب ص48، ورواه الحمويني في فرائد السمطين ج1 ص369.
(4) الفضائل ج1، الحديث 263.
(5) كفاية الطالب الباب 194. ص332، ورواه محمّد صدر العالم في معارج العلى في مناقب المرتضى ص43 مع فرق.
(6) المصدر.
(7) ترجمة الامام علي بن أبي طالب عليه السّلام من تاريخ مدينة دمشق ج1 ص245 رقم 309ـ310.
(8) ترجمة علي من تاريخ دمشق ج2 ص483 رقم 1002.
(9) المصدر ج3 ص53 رقم 1059.
(10) المصدر ص48 رقم 1079.
(11) معارج العلى في مناقب المرتضى ص43 مخطوط، ورواه المتقي في كنز العمال ج11 ص614 طبعة حلب. وفي منتخب الكنز بهامش مسند أحمد ج5 ص33.
(12) المصدر ص47.
(13) معارج العلى ص196.
(14) ترجمة الامام علي بن أبي طالب من تاريخ مدينة دمشق ج3 ص26 رقم 1050.
(15) ذخائر العقبى ص78، ورواه الحضرمي في وسيلة المآل ص242 مع فرق يسير.
(16) المصدر.
(17) سورة الحاقة: 17.
(18) سورة طه: 6.
(19) زين الفتى في تفسير سورة هل أتى ص304 مخطوط.
(20) سورة الحديد: 21.
(21) زين الفتى في تفسير سورة هل أتى ص308.
(22) زين الفتى في تفسير سورة هل أتى ص302.
(23) زين الفتى في تفسير سورة هل أتى ص314.
(24) زين الفتى ص312.
(25) سورة التغابن: 15.
(26) سورة ق: 19.
(27) سورة البقرة: 113.
(28) نظم درر السمطين ص129.
(29) شرح نهج البلاغة طبع مصر ج1 ص6.
(30) ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ مدينة دمشق ج2 ص364 رقم 864، ورواه الكنجي في كفاية الطالب ص258 مع فرق، والخوارزمي في المناقب الفصل الثالث ص77.
(31) منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج5 ص54.