(سورة محمّد «ص»)
(الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ * وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّد وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ)(1).
روى الحاكم الحسكاني باسناده عن عبدالله بن حزن، قال: «سمعت الحسين ابن علي عليه السّلام بمكة، وذكر (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ * وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّد وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ) ثم قال: نزلت فينا وفي بني امية»(2).
قال سليم بن قيس الكوفي: «فلما مات الحسن بن علي عليهما السلام لم تزل الفتنة والبلاء يعظمان ويشتدان فلم يبق ولي لله الاّ خائفاً على دمه (وفي رواية اخرى الاّ خائفاً على دمه انّه مقتول) والا طريداً والا شريداً، ولم يبق عدو لله الاّ مظهراً حجته غير مستتر ببدعته وضلالته، فلما كان قبل موت معاوية بسنة حج الحسين بن علي وعبدالله بن عباس وعبد الله بن جعفر معه فجمع الحسين بني هاشم رجالهم ونساءهم ومواليهم، ومن الانصار من يعرفه الحسين عليه السّلام وأهل بيته، ثم أرسل رسلا: لا تدعوا أحداً ممن حج العام ممن اصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم المعروفين بالصلاح والنسك الاّ اجمعهم لي، فاجتمع إليه بمنى أكثر من سبع مائة رجل وهم في سرادقه، عامتهم من التابعين ونحوٌ من مائتي رجل من اصحاب النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، فقام فيهم خطيباً فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، فان هذا الطاغية قد فعل بنا وبشيعتنا ما قد رأيتم وعلمتم وشهدتم، واني أريد ان اسألكم عن شيء فان صدقت فصدقوني، وان كذبت فكذبوني، واسألكم بحق الله عليكم وحق رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وقرابتي من نبيكم لما سيرتم مقامي هذا ووصفتم مقالتي ودعوتم اجمعين في امصاركم من قبائلكم من أمنتم من الناس، (وفي رواية اخرى بعد قوله فكذبوني: اسمعوا مقالتي واكتبوا قولي ثم ارجعوا إلى امصاركم وقبائلكم فمن أمنتم من الناس) ووثقتم به فادعوهم إلى ما تعلمون من حقنا، فاني اتخوف ان يدرس هذا الأمر ويذهب الحق ويغلب،(وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ). وما ترك شيئاً ممّا أنزل الله فيهم من القرآن الا تلاه وفسرّه ولا شيئاً ممّا قاله رسول الله صلّى الله عليه وآله في أبيه وأخيه وأمه وفي نفسه وأهل بيته إلا رواه، وكل ذلك يقول اصحابه: اللهم نعم، وقد سمعنا وشهدنا، ويقول التابعي: اللّهم قد حدثني به من أصدقه وأئتمنه من الصحابة، فقال: أنشدكم الله الاّ حدثتم به من تثقون به وبدينه»(3).
(ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لاَ مَوْلَى لَهُمْ)(4).
روى الحاكم الحسكاني باسناده عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا) يعني ولّي علي وحمزة وجعفر وفاطمة والحسن والحسين وولي محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم بنصرهم بالغلبة على عدوهم(وَأَنَّ الْكَافِرِينَ)يعني أبا سفيان بن حرب وأصحابه (لاَ مَوْلَى لَهُمْ): يقول: لا ولي لهم يمنعهم من العذاب»(5).
قال علي بن إبراهيم: ثم ذكر المؤمنين الذين ثبتوا على إمامة أميرالمؤمنين فقال تعالى (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لاَ مَوْلَى لَهُمْ)(6).
(أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَة مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ)(7).
روى الحاكم الحسكاني باسناده عن عبدالله بن عباس في قوله تعالى: (أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَة مِّن رَّبِّهِ) يقول: «على دين من ربه، نزلت في رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وعلي كانا على شهادة أن لا اله الاّ الله وحده لا شريك له (كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ)أبو جهل بن هشام وأبو سفيان بن حرب إذا هويا شيئاً عبداه، فذلك قوله: (وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ)(8).
(وَلَوْ نَشَاء لاََرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيَماهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ)(9).
روى الحاكم الحسكاني باسناده عن أبي سعيد الخدري «في قوله جل وعز (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ) قال: ببغضهم علي بن أبي طالب»(10).
روى السيوطي باسناده عن ابن مسعود، قال: «ما كنّا نعرف المنافقين على عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم الاّ ببغضهم علي بن أبي طالب»(11).
واستدل العلامة الحلي في (منهاج الكرامة) بهذه الآية لاثبات امامة أميرالمؤمنين علي بن أبى طالب عليه السّلام قائلا: «ولم يثبت لغيره من الصحابة ذلك فيكون افضل منهم، فيكون هو الإمام»(12).
(1) سورة محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم: 1ـ2.
(2) شواهد التنزيل ج2 ص172 رقم /887.
(3) سليم بن قيس الكوفي ص206.
(4) سورة محمّد : 11.
(5) شواهد التنزيل ج2 ص174 رقم /880.
(6) تفسير القمي ج2 ص302.
(7) سورة محمّد : 14.
(8) شواهد التنزيل ج2 ص175 رقم /881.
(9) سورة محمّد : 30.
(10) شواهد التنزيل ج2 ص178 رقم /883، ورواه ابن المغازلي في مناقب أميرالمؤمنين ص315، رقم /359، والحافظ الكنجي في كفاية الطالب ص235، والسيوطي في الدر المنثور ج6 ص66، وابن عساكر في ترجمة الامام علي بن أبي طالب من تاريخ مدينة دمشق ج2 ص421 رقم /922، وروى البحراني في غاية المرام من العامة حديثين ومن الخاصة أربعة احاديث.
(11) الدر المنثور ج6 ص66.
(12) البرهان الخامس عشر ص90 مخطوط.