(سورة فاطر)
(وَمَا يَسْتَوِي الاَْعْمَى وَالْبَصِيرُ * وَلاَ الظُّلُمَاتُ وَلاَ النُّورُ * وَلاَ الظِّلُّ وَلاَ الْحَرُورُ * وَمَا يَسْتَوِي الاَْحْيَاء وَلاَ الاَْمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاء وَمَا أَنتَ بِمُسْمِع مَّن فِي الْقُبُورِ)(1).
روى الحاكم الحسكاني باسناده عن ابن عباس في قوله الله: (وَمَا يَسْتَوِي الاَْعْمَى)قال: أبو جهل ابن هشام (وَالْبَصِيرُ) قال: علي بن أبي طالب، ثم قال: (وَلاَ الظُّلُمَاتُ) يعني: أبو جهل المظلم قلبه بالشرك (وَلاَ النُّورُ) يعني قلب علي المملوء من النور، ثم قال: وَلاَ الظِّلُّ) يعني بذلك مستقر علي في الجنة (وَلاَ الْحَرُورُ) يعني به مستقر أبي جهل في جهنم، ثم جمعهم فقال: (وَمَا يَسْتَوِي الاَْحْيَاء وَلاَ الاَْمْوَاتُ)كفار مكة(2).
(وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالاَْنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ)(3).
روى الحاكم الحسكاني باسناده عن ابن عباس في قوله تعالى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ) قال يعني به علياً كان عالماً بالله ويخشى الله ويراقبه ويعمل بفرائضه ويجاهد في سبيله ويتبع في جميع أمره مرضاته ومرضات رسول الله»(4).
وأيضاً عنه قال كان علي يخشى الله ويراقبه ويعمل بفرائضه ويجاهد في سبيله وكان إذا صف في القتال كأنه بنيان مرصوص يقول الله (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ)(5) يتبع في جميع أمره مرضات الله ورسوله وما قتل المشركين قبله أحد(6).
(ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ)(7).
روى البحراني عن علي عليه السّلام قال: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا) نحن اولئك(8).
روى السيد شهاب الدين أحمد باسناده عن أميرالمؤمنين علي عليه السّلام في هذه الآية قال: نحن هم(9).
روى الحاكم الحسكاني باسناده عن أبي حمزة الثمالي عن علي بن الحسين، قال: «اني لجالس عنده اذ جاءه رجلان من أهل العراق فقالا: يا بن رسول الله جئناك كي تخبرنا عن آيات من القرآن، فقال: وما هي؟ قالا: قول الله تعالى: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا) فقال: يا أهل العراق وأيش يقولون؟ قالا: يقولون: إنها نزلت في امة محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال علي بن الحسين: أمة محمّد كلهم اذاً في الجنة. قال: فقلت من بين القوم: يا ابن رسول الله فيمن نزلت؟ فقال: نزلت والله فينا أهل البيت ثلاث مرات قلت: أخبرنا من فيكم الظالم لنفسه؟ قال: الذي استوت حسناته وسيئاته، وهو في الجنة، فقلت: والمقصد؟ قال: العابد لله في بيته حتى يأتيه اليقين، فقلت: السابق بالخيرات؟ قال: من شهر سيفه ودعا إلى سبيل ربه»(10).
وروى باسناده عن علي قال: «سألت رسول الله عن تفسير هذه الآية فقال: هم ذريتك وولدك، إذا كان يوم القيامة خرجوا من قبورهم على ثلاثة اصناف: ظالم لنفسه يعني الميت بغير توبة، ومنهم مقتصد استوت حسناته وسيئاته من ذريتك، ومنهم سابقٌ بالخيرات من زادت حسناته على سيئاته من ذريتك»(11).
روى السيد البحراني باسناده عن الريان بن الصلت قال حضر الرضا عليه السّلام مجلس المأمون بمرو، وقد اجتمع اليه في مجلسه جماعة من أهل العراق وخراسان، فقال المأمون أخبرني عن معنى هذه الآية: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا)فقال العلماء أراد الله عزّوجل الأمة فقال المأمون ما تقول يا أبا الحسن؟ فقال الرضا عليه السّلام لا أقول كما قالوا ولكن أقول أراد العترة الطاهرة فقال المأمون وكيف عنى العترة الطاهرة؟ فقال له الرضا عليه السّلام لو أراد الأمة لكانت باجمعها في الجنة لقول الله تبارك تعالى: (فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) ثم جمعهم كلهم في الجنة فقال: (جَنَّاتُ عَدْن يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَب)(12) فصارت الوراثة للعترة الطاهرة لا لغيرهم فقال المأمون من العترة الطاهرة؟ فقال الرضا عليه السلام الذين وصفهم في كتابه فقال عزّوجل: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)(13) وهم الذين قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم اني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض انظروا كيف تخلفوني فيهما، ايها الناس لا تعلّموهم فانهم اعلم منكم. قالت العلماء أخبرنا يا أبا الحسن عن العترة هم الآل ام غير الآل؟ فقال الرضا عليه السّلام: هم الآل، قالت العلماء وهذا رسول الله يؤثر عنه قال: امتي آلي وهؤلاء اصحابه يقولون بالخبر المستفاض الذي لا يمكن دفعه الآل امته، فقال أبو الحسن عليه السلام: اخبروني هل تحرم الصدقة على الآل؟ قالوا نعم، قال فتحرم على الأمة؟ قالوا لا، قال: هذا فرق ما بين الآل والأمة ويحكم اين يذهب بكم؟ (أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَن كُنتُمْ قَوْماً مُّسْرِفِينَ)(14)أما علمتم انه وقف الوراثة الظاهرة على المصطفين المهتدين دون سائرهم، قالوا من اين يا أبا الحسن؟ قال من قول الله عزّوجل: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُم مُّهْتَد وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ)(15)فصارت وراثة الكتاب للمهتدين دون الفاسقين، أما علمتم ان نوحاً عليه السّلام حين سأل ربه فقال (إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ) وذلك ان الله عزّوجل وعده ان ينجيه وأهله، فقال له (يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِح فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ)(16).
(1) سورة فاطر: 19ـ22.
(2) شواهد التنزيل ج2 ص101 رقم /781.
(3) سورة فاطر: 28.
(4) البرهان ج3 ص416 رقم /4/5.
(5) سورة الصف: 4.
(6) البرهان ج3 ص416 رقم /4/5.
(7) سورة فاطر: 32.
(8) غاية المرام الباب الحادي والخمسون ص351.
(9) توضيح الدلائل في تصحيح الفضائل ص327.
(10 و 11) شواهد التنزيل ج2 ص104 ص105 رقم 782/784.
(12) سورة فاطر: 33.
(13) سورة الاحزاب: 33.
(14) سورة الزخرف: 5.
(15) سورة الحديد: 26.
(16) البرهان ج3 ص363 رقم /10. سورة هود: 46.