(سورة طه)
(وَاجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً * وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً * إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيراً)(1).
روى السيوطي عن أبي جعفر محمّد بن علي، قال: «لما نزلت: (وَاجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي) كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على جبل ثم دعا ربه وقال: اللهم اشدد أزري بأخي علي، فاجابه إلى ذلك»(2).
وروى ابن عساكر باسناده عن اسماء بنت عميس، قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم «أقول كما قال أخي موسى (رب اشرح لي صدري، ويسر لي أمري، واجعل لي وزيراً من أهلي (علياً) أخي اشدد به ازري)(3).
وروى الحاكم الحسكاني باسناده عن أبي الطفيل عن حذيفة بن اسيد قال: أخذ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بيد علي بن أبي طالب فقال: أبشر وأبشر، إن موسى دعا ربه ان يجعل له وزيراً من أهله هارون، واني أدعو ربي أن يجعل لي وزيراً من أهلي علياً أخي اشدد به ظهري وأشركه في امري»(4).
قال السيد البحراني: روى أبو نعيم الحافظ باسناده عن رجاله عن ابن عباس قال: أخذ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بيد علي بن أبي طالب عليه السّلام وبيدي، ونحن بمكة وصلى أربع ركعات، ثم رفع يديه إلى السماء، وقال: اللهم ان نبيك موسى بن عمران سألك فقال: رب اشرح لي صدري ويسر لي امري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي واجعل لي وزيراً من أهلي علياً أخي اشدد به ازري واشركه في أمري، قال ابن عباس: فسمعت منادياً ينادي قد اوتيت ما سألت(5).
قال العلامة الحلي: وهذا نص في الباب(6).
(وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى)(7).
روى الزرندي باسناده عن ثابت البناني في قوله عزّوجل (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى): «الى ولاية أهل بيته صلّى الله عليه وآله وسلّم وكذا جاء عن أبي جعفر انه قال: ثم اهتدى الى ولا يتنا أهل البيت»(8).
روى الحاكم الحسكاني باسناده عن أبي جعفر محمّد بن علي الباقر، عن أبيه عن جده قال: «خرج رسول الله ذات يوم، فقال: انه الله تعالى يقول: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى) ثم قال لعلي بن أبي طالب: إلى ولايتك»(9).
قال القندوزي: «أخرج أبو نعيم الحافظ عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه عن علي كرم الله وجهه قال في هذه الآية (اهْتَدَى) الى ولايتنا.
أيضاً اخرجه الحاكم بثلاثة طرق:
أولها: عن داود بن كثير، قال: قلت لجعفر الصادق: جعلت فداك، ما هذا الاهتداء في هذا الآية؟ قال: اهتدى إلى ولايتنا بمعرفة الائمة امام بعد امام منا.
ثانيها: عن ثابت البناني عن انس بن مالك، قال: في هذه الآية: اهتدى إلى ولاية أهل بيت النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم.
ثالثها: عن محمّد الباقر نحوه.
أيضاً أخرجه صاحب (المناقب) من أربعة طرق:
أولها: عن أبي سعيد الهمداني عن الباقر عن أبيه عن جده عن علي رضي الله عنهم قال: والله لو تاب رجل وآمن وعمل صالحاً ولم يهتد إلى ولايتنا ومودتنا ومعرفة فضلنا ما اغنى عنه ذلك شيئاً.
ثانيها: عن محمّد بن الفيض بن المختار عن أبيه عن محمّد الباقر عن أبيه عن جده عن علي رضي الله عنهم، قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «يا علي ما خلقت الاّ لتعبد ربك وليشرف بك معالم الدين ويصلح بك دارس السبيل، ولقد ضل من ضل عنك، ولن يهتدي إلى الله من لم يهتد إلى ولايتك، وهو قول ربي جل شأنه (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى)يعني اهتدى إلى ولايتك.
ثالثها: عن الحارث بن يحيى عن الباقر رضي الله عنه، قال: «يا حارث الاّترى كيف اشترط الله ولم تنفع انساناً التوبة ولا الايمان ولا العمل الصالح حتى يهتدي إلى ولايتنا.
رابعها: عن عيسى بن داود النجار عن موسى الكاظم عن أبيه جعفر الصادق رضي الله عنهما، قال في هذه الآية اهتدى إلى ولايتنا(10).
(وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى)(11).
روى الحاكم الحسكاني باسناده عن علي قال: قال رسول الله للمهاجرين والأنصار: احبوا علياً لحبي واكرموه لكرامتي، والله ما قلت لكم هذا من قبلي ولكن الله تعالى أمرني بذلك، ويا معشر العرب من أبغض علياً من بعدي حشره الله يوم القيامة اعمى ليس له حجة»(12).
وروى باسناده عن ابن عباس في (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى): ان من ترك ولاية علي اعماه وأصمّه»(13).
وروى الهيثمي عن جابر قال «خطبنا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فسمعته: وهو يقول: أيها الناس من ابغضنا أهل البيت حشره الله يوم القيامة يهودياً فقلت يا رسول الله، وان صام وصلى؟ قال، وان صام وصلى وزعم انه مسلم احتجز بذلك من سفك دمه، وان يؤدي ـ الجزية عن يد وهم صاغرون ـ مثل لي امتي في الطين فمر بي اصحاب الرايات فاستغفرت لعلي وشيعته»(14).
وروى السيد البحراني باسناده عن أبي عبدالله عليه السّلام في قول الله عزّوجل: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً) قال يعني ولاية أميرالمؤمنين عليه السّلام قلت: (وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) يعني: اعمى البصر في القيمة، اعمى القلب في الدنيا عن ولاية أميرالمؤمنين قال: وهو يتحير في القيامة يقول: (رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى)(15) يعني تركتها وكذلك اليوم تترك في النار كما تركت الأئمة عليهم السّلام ولم تطع أمرهم ولم تسمع قولهم (وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الاْخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى)(16) قال يعني من اشرك بولاية أمير المؤمنين عليه السّلام غيره لم يؤمن بآيات ربه ترك الأئمة معاندة فلم يتبع آثارهم ولم يتولهم(17).
(وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى)(18).
روى السيوطي عن انس «ان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم كان يمر بباب فاطمة رضي الله عنها إذا خرج إلى صلاة الفجر ويقول: الصلاة يا أهل البيت الصلاة(19). (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)(20).
وروى ابن عساكر باسناده عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: «حين نزلت: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا) كان يجيء نبي الله إلى باب علي صلاة الغداة ثمانية اشهر، ويقول: الصلاة رحمكم الله، (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)(21).
روى الحاكم الحسكاني باسناده عن عبدالله بن الحسن، عن أبيه عن جده قال: قال أبو الحمراء خادم النبي صلّى الله عليه وآله: «لما نزلت هذه الآية: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا) كان النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم يأتي باب علي وفاطمة عند كل صلاة فيقول: الصلاة رحمكم الله، انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت»(22).
وروى السيد البحراني باسناده عن ريان بن الصلت، قال حضر الرضا عليه السّلام مجلس المأمون، وقد اجتمع في مجلسه جماعة من علماء أهل العراق وخراسان ـ وساق الحديث إلى ان قال ـ فقال المأمون: هل فضل الله العترة على سائر الناس؟ فقال له أبو الحسن عليه السّلام ان الله تعالى فضل العترة على سائر الناس في محكم كتابه، فقال له المأمون اين ذلك من كتاب الله؟ فقال الرضا عليه السّلام في قوله تعالى: (إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْض)(23) ثم رد المخاطبة في أثر هذا الى سائر المؤمنين فقال: (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكاً عَظِيماً)(24) ثم رد المخاطبة في أثر هذا إلى سائر المؤمنين فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ)(25) يعني الذين قرنهم بالكتاب والحكمة وحسدوا عليهم فقوله تعالى: (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكاً عَظِيماً) يعني الطاعة للمصطفين الطاهرين، فالملك هيهنا هو الطاعة لهم، قالت العلماء فأخبرنا هل فسر الله تعالى الاصطفاء في الكتاب؟ فقال الرضا عليه السّلام فسر الاصطفاء في الظاهر سوى الباطن في اثني عشر موطناً وموضعاً، وساق الحديث بذكر المواضع الى ان قال: واما الثانية عشر فقوله عزّوجل: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا) فخصنا الله تعالى بهذه الخصوصية إذ أمرنا مع الأمة باقامة الصلوات، ثم خصصنا من دون الأمة فكان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يجيء إلى باب علي وفاطمة صلوات الله عليهما بعد نزول هذه الآية نسعة اشهر كل يوم عند حضور كل صلاة خمس مرات فيقول: الصلاة رحمكم الله وما اكرم الله احداً من ذراري الأنبياء عليه السّلام بمثل هذه الكرامة التي اكرمنا بها وخصصنا من دون جميع أهل بيتهم، فقال المأمون والعلماء جزاكم الله أهل بيت نبيكم عن الأمة خيراً فما نجد الشرح والبيان فيما اشتبه علينا الاّ عندكم»(26).
(قُلْ كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى)(27).
روى الحاكم الحسكاني باسناده عن ابن عباس قال: «أصحاب الصراط السوي هو والله محمّد وأهل بيته، والصراط: الطريق الواضح الذي لا عوج فيه (وَمَنِ اهْتَدَى) فهم اصحاب محمّد»(28).
وروى علي بن إبراهيم باسناده عن علي بن رئاب، قال: قال لي أبو عبد الله عليه السّلام نحن والله سبيل الله الذي أمر الله باتباعه ونحن والله الصراط المستقيم، ونحن والله الذين أمر الله العباد بطاعتهم فمن شاء فليأخذ هناك، ومن شاء فليأخذ هنا لا يجدون والله عنا محيصاً(29).
(1) سورة طه: 29ـ35.
(2) الدر المنثور ج4 ص295.
(3) ترجمة الامام علي بن أبي طالب من تاريخ مدينة دمشق ج1 ص107 رقم /147، ورواه الحسكاني أيضاً عنها.
(4) شواهد التنزيل ج1 ص368 ص369 رقم /510/511.
(5) البرهان ج3 ص36 رقم /2.
(6) منهاج الكرامة البرهان السابع والثلاثون.
(7) سورة طه: 82.
(8) نظم درر السمطين ص86. ورواه الحاكم الحسكاني وابن حجر في الصواعق المحرقة ص91.
(9) شواهد التنزيل ج1 ص376 رقم /521.
قال العلامة السيد علي البهبهاني: ان تغيير السياق في المتعاطفات وعطف اهتدى بـ «ثم» دون «آمن وعمل» يدل على أن الايمان والعمل الصالح لا يوجب الإهتداء والخروج عن الضلالة بل الخروج عنها والأهتداء إلى الحق يحتاج إلى أمر آخر، لانّ كلمة «ثم» تدل على أن ما بعده مترتب على ما قبله بتراخ، فلو كان الايمان والعمل الصالح كافياً في الاهتداء والخروج عن الضلالة لم يكن مجال للعطف بكلمة ثم، ولا ضلالة بعد الايمان والعمل الصالح على طريقة أهل السنة، لأن الخلافة عن الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم عندهم من فروع الدين، ولذا تتحقق عندهم بالبيعة فعدم الخروج عن الضلالة بالايمان والعمل الصالح انّما يتم على طريقة الشيعة الامامية: من أن معرفة الامام والخليفة من أصول الدين، ولا تثبت الخلافة والامامة إلا بالنّص من الله تعالى ومن رسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم فقد ورد من الطريقين: «أن من مات ولم يعرف إمام زمانه فقد مات ميتة الجاهلية، مصباح الهداية ص79.
(10) ينابيع المودة الباب السادس والثلاثون ص110.
(11) سورة طه: 124.
(12 و 13) شواهد التنزيل ج1 ص378 ص380 رقم /523/525.
(14) مجمع الزوائد ج9 ص172 .
(15) سورة طه: 125ـ126.
(16) سورة طه: 127.
(17) البرهان ج3 ص47 رقم 2.
(18) سورة طه: 132.
(19) الدر المنثور ج5 ص199.
(20) سورة الاحزاب: 33.
(21) ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ مدينة دمشق ج1 ص250 رقم /320.
(22) شواهد التنزيل ج1 ص381 رقم /526.
(23) سورة آل عمران: 33ـ34.
(24) سورة النساء: 54.
(25) سورة النساء: 59.
(26) البرهان ج3 ص49 رقم 1.
(27) سورة طه: 135.
(28) شواهد التنزيل ج1 ص383 رقم /527.
(29) تفسير القمي ج2 ص66.