(سورة النساء)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاض مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً)(1).
روى الحاكم الحسكاني باسناده عن ابن عباس «في قوله: (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ)قال: لا تقتلوا أهل بيت نبيكم ان الله يقول: (تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ) وكان ابناؤنا الحسن والحسين، وكان نساؤنا فاطمة، وانفسنا النبي وعلي عليهما السّلام»(2).
قال السيد هاشم البحراني: رواه ابن المغازلي يرفعه إلى ابن عباس مثله(3).
(أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكاً عَظِيماً)(4).
روى ابن المغازلي باسناده عن جابر عن أبي جعفر يعني محمّد بن علي الباقر عليه السّلام في قوله تعالى: (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ) قال: «نحن الناس»(5).
وروى الحاكم الحسكاني باسناده عن العباس بن هشام عن أبيه قال: «حدثني أبي قال: نظر خزيمة إلى علي بن أبي طالب فقال له علي عليه السّلام: أما ترى كيف أحسد على فضل الله بموضعي من رسول الله وما رزقنيه الله من العلم؟ فقال خزيمة:
رأوا نعمة لله ليست عليهم *** عليك وفضلا بارعاً لا تنازعه
من الدين والدنيا جميعاً لك المنى *** وفوق المنى أخلاقه وطبايعه
فعضّوا من الغيظ الطويل أكفهم *** عليك ومن لم يرض فالله خادعه»(6)
وروى باسناده عن جعفر بن محمّد عليهما السّلام في قوله: (وَآتَيْنَاهُم مُّلْكاً عَظِيماً)قال: «جعل فيهم أئمة صلوات الله وسلامه عليهم من أطاعهم فقد اطاع الله، ومن عصاهم فقد عصى الله(7).
روى الحاكم الحسكاني باسناده عن أبي خالد الكابلي عن أبي جعفر في قول الله: (وَآتَيْنَاهُم مُّلْكاً عَظِيماً) قلت: ما هذا الملك؟ فقال: ان جعل فيهم أئمة من أطاعهم أطاع الله، ومن عصاهم فقد عصى الله، فهذا ملك عظيم(8).
وروى القندوزي باسناده عن ابن عباس قال: «هذه الآية نزلت في النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وفي علي رضي الله عنه»(9).
أقول: روى البحراني في غاية المرام في تفسير هذه الآية من طريق العامة حديثين ومن الخاصة خمسة احاديث.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْء فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا)(10).
روى الحاكم الحسكاني باسناده عن سليم بن قيس الهلالي عن علي قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: شركائي الذين قرنهم الله بنفسه وبي وأنزل فيهم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ)، الآية، فان خفتم تنازعاً في أمر فارجعوه إلى الله والرسول واولي الأمر، قلت: يا نبي الله، من هم؟ قال: أنت أولهم»(11).
وباسناده عن مجاهد في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ) يعني الذين صدقوا بالتوحيد (أَطِيعُواْ اللّهَ) يعني في فرائضه (وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ) يعني في سنة (وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ) قال: «نزلت في أميرالمؤمنين حين خلفه رسول الله بالمدينة فقال: اتخلفني على النساء والصبيان؟ فقال: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى حين قال له: أخلفني في قومي واصلح؟ فقال الله: (وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ)قال علي بن أبي طالب ولاّه الله الأمر بعد محمّد في حياته حين خلفه رسول الله بالمدينة، فأمر الله العباد بطاعته وترك خلافه»(12).
وباسناده عن أبي بصير عن أبي جعفر أنه سأله عن قول الله: (أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ) قال: «نزلت في علي بن أبي طالب. قلت: ان الناس يقولون: فما منعه ان يسمي علياً وأهل بيته في كتابه؟ فقال أبو جعفر: قولوا لهم: ان الله أنزل على رسوله الصلاة ولم يسم ثلاثاً ولا أربعاً حتى كان رسول الله هو الذي يفسر ذلك، وأنزل الحج فلم ينزل طوفوا سبعاً حتى فسر ذلك لهم رسول الله، وأنزل: (أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ)فنزلت في علي والحسن والحسين، وقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: أوصيكم بكتاب الله وأهل بيتي، اني سألت الله ان لا يفرق بينهما حتى يوردهما عليّ الحوض، فأعطاني ذلك»(13).
روى البحراني في غاية المرام في تفسير هذه الآية من طريق العامة أربعة احاديث ومن الخاصة أربعة عشر حديثاً بهذا المضمون.
(وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً)(14).
روى الحاكم الحسكاني باسناده عن عبدالله بن عباس «في قوله تعالى: (وَمَن يُطِعِ اللّهَ) يعني في فرائضه، (وَالرَّسُولَ)في سنته (فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ) يعني علي بن أبي طالب، وكان أول من صدق برسول الله، (وَالشُّهَدَاء) يعني علي بن أبي طالب وجعفر الطيار وحمزة بن عبد المطلب والحسن والحسين، هؤلاء سادات الشهداء (وَالصَّالِحِينَ)يعني سلمان وأبو ذر وصهيب وخباب وعمّار (وَحَسُنَ أُولَئِكَ) اي الأئمة الأحد عشر (رَفِيقاً)يعني في الجنة (ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ عَلِيماً)منزل علي وفاطمة والحسن والحسين ومنزل رسول الله وهم في الجنة واحد»(15).
وروى باسناده عن سعد بن حذيفة عن أبيه قال: «دخلت على النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ذات يوم وقد نزلت عليه هذه الآية: (فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً)فأقرأنيها فقلت: يا نبي الله فداك أبي وأمي من هؤلاء، اني اجد الله بهم حفياً؟ قال: يا حذيفة أنا من النبيين الذين أنعم الله عليهم أنا أولهم في النبوة وآخرهم في البعث، ومن الصديقين علي بن أبي طالب، ولما بعثني الله عزّوجلّ برسالة كان أول من صدق بي، ثم من الشهداء حمزة وجعفر، ومن الصالحين الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وحسن أولئك رفيقاً المهدي في زمانه»(16).
وروى فرات بن إبراهيم عن سليمان الديلمي، قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السّلام إذ دخل عليه أبو بصير وقد اخذه النفس، فلما أن أخذ مجلسه قال أبو عبد الله عليه السّلام: يا أبا محمّد ما هذا النفس العالي؟ قال: جعلت فداك يا ابن رسول الله، كبرت سني ودقّ عظمي واقترب اجلي ولست ادري ما أرد عليه من أمر آخرتي، فقال أبو عبدالله عليه السّلام: يا أبا محمّد، وانك لتقول هذا؟ فقال: وكيف لا اقول هذا فذكر كلاماً، ثم قال: يا أبا محمّد لقد ذكر كم الله في كتابه المبين بقوله: (فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً) فرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في الآية النبيين، ونحن في هذا الموضع الصديقين والشهداء، وانتم الصالحون، فسموا بالصلاح كما سماكم الله يا أبا محمّد(17).
روى البحراني في غاية المرام في تفسير هذه الآية من طريق العامة حديثاً واحداً ومن الشيعة ثمانية احاديث.
(وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلا)(18).
روى الشعبي باسناده عن ابن عباس «ان الآية نزلت في علي حين استخلفه في مدينة النبي»(19).
وروى العياشي عن عبدالله بن جندب قال: «كتب اليّ أبو الحسن الرضا عليه السّلام: ذكرت رحمك الله هؤلاء القوم الذين وصفت انهم كانوا بالأمس لكم اخواناً والذي صاروا إليه من الخلاف لكم والعداوة لكم والبراءة منكم. والذي تأفكوا به من حياة أبي صلوات الله عليه ورحمته، وذكر في آخر الكتاب ان هؤلاء القوم سنح لهم شيطان، اغترهم بالشبهة ولبس عليهم أمر دينهم، وذلك لما ظهرت فريتهم واتفقت كلمتهم وكذبوا على عالمهم وارادوا الهدى من تلقاء انفسهم، فقالوا: لم ومن وكيف؟. فأتاهم الهلك من مأمن احتياطهم، وذلك بما كسبت ايديهم وما ربك بظلام للعبيد. ولم يكن ذلك لهم ولا عليهم، بل كان الفرض عليهم والواجب لهم من ذلك الوقوف عند التحير، وردّ ما جهلوه من ذلك إلى عالمه ومستنبطه، لأن الله يقول في محكم كتابه: (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ) يعني آل محمّد، وهم الذين يستنبطون من القرآن ويعرفون الحلال والحرام. وهم الحجة لله على خلقه»(20).
قال شرف الدين: ان المنافقين كانوا إذا سمعوا شيئاً من اخبار النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم اما من جهة الأمن او من جهة الخوف أذاعوا به وارجفوا في المدينة وهم لا يعلمون الصدق منه والكذب، فنهاهم الله من ذلك وأمرهم ان يردوا أمره إلى الرسول والى اولي الأمر، وهو أميرالمؤمنين صلوات الله عليهما(21).
(وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلا).
روى العياشي بأسناده عن أبي جعفر وعن أبي عبدالله عليهما السّلام قالا (فَضْلُ اللّهِ) رسوله (وَرَحْمَتُهُ) ولاية الأئمة عليهم السّلام(22).
وروى باسناده عن أبي الحسن عليه السّلام قال: (الْفَضْلُ) رسول الله عليه وآله السلام (وَرَحْمَتُهُ)أميرالمؤمنين عليه السّلام(23).
وروى باسناده عن العبد الصالح [موسى بن جعفر] عليه السّلام قال: الرحمة رسول الله عليه وآله السّلام والفضل علي بن أبي طالب عليه السّلام(24).
(1) سورة النساء: 29.
(2) شواهد التنزيل ج1 ص140 رقم /192.
(3) البرهان في تفسير القرآن ج1 ص364 رقم /14.
(4) سورة النساء: 54.
(5) مناقب علي بن أبي طالب ص267 رقم /314، ورواه ابن حجر في الصواعق المحرقة ص91 مع فرق. والبدخشي في مفتاح النجاء ص6، والحضرمي في وسيلة المآل ص123 وينابيع المودة، الباب 39 ص121.
(6 و 7) شواهد التنزيل ج1 ص144 ص146 ص147 رقم /198/199/200.
(8) شواهد التنزيل 1/147.
(9) ينابيع المودة الباب التاسع والثلاثون ص121.
(10) سورة النساء: 59.
(11) شواهد التنزيل ج1 ص148 ص149 رقم /202/203.
(12) شواهد التنزيل 1/149، ورواه فرات الكوفي ص28.
(13) شواهد التنزيل 1/149، ورواه فرات الكوفي ص28.
(14) سورة النساء: 69ـ70.
(15) شواهد التنزيل ج1/153 رقم 206.
(16) شواهد التنزيل ج1 ص155 رقم /209.
(17) تفسير فرات الكوفي ص36.
(18) سورة النساء: 83.
(19) غاية المرام الباب الخامس ومأتان ص433.
(20) كتاب التفسير ج1 ص260 رقم /206.
(21) تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة ص78.
(22 ـ 24) تفسير العياشي ج1 ص260ـ261 رقم /207 208/209.