(سورة المجادلة)
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الاَْرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاَثَة إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَة إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلاَ أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْء عَلِيمٌ)(1).
روى المحدث البحراني باسناده إلى ابن عباس أن سادات قريش كتبت صحيفة تعاهدوا فيها على قتل علي ودفعوها إلى أبي عبيدة بن الجراح امين قريش فنزلت الآية، فطلبها النبي منه فدفعها إليه فقال: اكفرتم بعد اسلامكم؟ فحلفوا بالله انهم لم يهموا بشيء منه فأنزل الله (يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ وَمَا نَقَمُواْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْراً لَّهُمْ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ عَذَاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الأَرْضِ مِن وَلِيّ وَلاَ نَصِير)(2).
روى شرف الدين باسناده عن ابن عباس، قال: اضمرت قريش قتل علي عليه السّلام وكتبوا صحيفة ودفعوها إلى أبي عبيدة ابن الجراح فأنزل الله جبرئيل على رسول الله صلّى الله عليه وآله فخبره بخبرهم فقالوا له اني له علم ذلك ولم يشعر به أحد فأنزل الله سبحانه على رسوله صلّى الله عليه وآله هذه الآية(3).
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَات فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)(4).
روى ابن المغازلي باسناده عن مجاهد قال: قال علي بن أبي طالب: «آية في كتاب الله ما عمل بها أحد من الناس غيري: النجوى، كان لي دينار بعته بعشرة دراهم فكلما أردت أن أناجي النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم تصدقت بدرهم، ما عمل بها أحد قبلي ولا بعدي»(5).
قال الخوارزمي: «قيل سأل الناس رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فأكثروا فأمروا بتقديم الصدقة على المناجاة فلم يناجه الاّ علي بن أبي طالب عليه السّلام قدم ديناراً فتصدّق به، ثم نزلت رخصة»(6).
وروى الزرندي باسناده عن ابن عباس «ان المسلمين أكثروا المسائل على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم حتى شقوا عليه، فأنزل الله هذه الآية، فلما نزلت كف كثيرٌ من الناس عن المسائلة، قال المفسرون: نهوا عن المناجاة حتى يتصدقوا فلم يناجه أحد الاّ علي بن أبي طالب رضي الله عنه، تصدق بدينار»(7).
وروى باسناده عن علي قال: «لما نزلت آية النجوى دعاني رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال: ما تقول: دينار؟ قلت: لا يطيقونه، قال: فكم؟ قلت: حبة من شعير، فقال: انك لزهيد فنزلت (أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَات)الآية»(8).
وروى باسناده: «ان علياً قال: ان في القرآن لآية ما عمل بها غيري قبلي ولا بعدي، وهي آية النجوى قال: كان لي دينار فبعته بعشرة دراهم فكلما أردت أن أناجي النبي تصدقت بدرهم منه ثم نسخت»(9).
وروى باسناده عن علي بن علقمة عن علي بن أبي طالب قال: «لما نزلت (إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً) قال رسول الله: ما تقول، أيكفي دينار؟ قلت: لا يطيقونه، قال: فكم؟ قلت: شعيراً، قال: انك لزهيد فنزلت (أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَات)الآية. قال علي: فبي خفف عن هذه الأمة، فلم ينزل في أحد قبلي ولا ينزل في أحد بعدي»(10).
وروى باسناده عن أبي ايوب قال: «نزلت هذه الآية في علي: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً) ان علياً ناجى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم عشر نجوات، يتصدق في كل نجوة بدينار»(11).
وروى باسناده عن جابر قال: «ناجى رسول الله علياً في غزاة الطائف فأطال مناجاته، فقال له أبو بكر وعمر: لقد أطلت مناجاة علي، قال: ما أنا ناجيته بل الله ناجاه».
قال محمّد بن يوسف الزرندي: «روى ان الكلمات التي ناجى علي بها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وقد قبلها عشر صدقات هي أنه سأله أولا:
ما الوفاء؟ قال: التوحيد شهادة أن لا اله الاّ الله.
ثم قال: وما الفساد؟ قال: الكفر والشرك بالله عزّوجل.
ثم قال: وما الحق؟ قال: الاسلام والقرآن والولاية.
ثم قال: وما الحيلة؟ قال: ترك الحيلة.
ثم قال: وما علي؟ قال: طاعة الله ورسوله.
ثم قال: وكيف أدع الله؟ قال بالصدق واليقين.
ثم قال: وماذا اسأل الله؟ قال: العافية.
ثم قال: وماذا أصنع لنجاة نفسي؟ قال: كل حلالا، وقل صدقاً.
ثم قال: وما السرور؟ قال: الجنة.
ثم قال: وما الراحة؟ قال: لقاء الله.
فلما فرغ من نجواه نسخ حكم الصدقة»(12).
وقال العلامة الحلي: وهذا يدل على أفضليته عليه السّلام فيكون أحق بالامامة(13).
(لاَ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الاْخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الاِْيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوح مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّات تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الاَْنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(14).
روى الحاكم الحسكاني باسناده عن جعفر بن محمّد، عن أبيه «في قوله تعالى: (لاَ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الاْخِرِ) إلى آخر القصة، قال: نزلت في علي بن أبي طالب»(15).
وروى باسناده عن علي بن محمّد بن بشر، قال: «كنت عند محمّد بن علي جالساً إذ جاء راكب اناخ بعيره ثم أقبل حتى دفع اليه كتاباً، فلما قرأه قال: ما يريد منا المهلّب فو الله ما عندنا اليوم من دنيا ولا لنا من سلطان، فقال: جعلني الله فداك انه من أراد الدنيا والآخرة فهو عندكم أهل البيت، قال: ما شاء الله أما انه من أحبنا في الله نفعه الله بحبنا ومن احبنا لغير الله فان الله يقضي في الأمور ما يشاء انما حبنا أهل البيت شيء يكتبه الله في قلب العبد فمن كتبه الله في قلبه لم يستطع أحد أن يمحوه، أما سمعت الله يقول: (أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الاِْيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوح مِّنْهُ) إلى آخر الآية، فحبنا أهل البيت من اصل الايمان»(16).
قال علي بن إبراهيم قوله تعالى: (أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الاِْيمَانَ) وهم الأئمة عليهم السّلام (وَأَيَّدَهُم بِرُوح مِّنْهُ) قال: الروح ملك اعظم من جبرئيل وميكائيل وكان مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وهو مع الأئمة عليهم السّلام، وقوله: (أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ) يعني الأئمة عليهم السّلام اعوان الله (أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(17).
(1) سورة المجادلة: 7.
(2) غاية المرام الباب الخامس والعشرون ومأتان ص439، (التوبة 74).
(3) تأويل الآيات الظاهرة ص377.
(4) سورة المجادلة: 12ـ13.
(5) مناقب أميرالمؤمنين ص326 رقم /373، ورواه الجصّاص في احكام القرآن في تفسير السورة ج ص428، والطبري ج28 ص320، والحاكم في المستدرك ج2 ص428.
(6) المناقب الفصل السابع عشر ص195.
(7) نظم درر السمطين ص90، وانظر شواهد التنزيل ج2 ص231.
(8) نفس المصدر رقم /950.
(9) شواهد التنزيل ج2 ص232 رقم 951، نظم درر السمطين ص90.
(10) شواهد التنزيل ج2 ص234 رقم /954 وص240 ص242 رقم /964/966.
(11) نفس المصدر. والظاهر أن الصحيح «بدرهم» كما تقدم عنه ويأتي.
(12) نظم درر السمطين ص91.
(13) سورة المجادلة: 22.
(14) سورة المجادلة: 22.
(15) شواهد التنزيل ج2 ص245 رقم 968/969.
(16) نفس المصدر السابق.
(17) تفسير القمي ج2 ص358.