(سورة الشورى)
(ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ)(1).
روى السيوطي باسناده عن أبي الديلم، قال: «لما جيء بعلي بن الحسين رضي الله عنه اسيراً، فأقيم على درج دمشق قام رجل من أهل الشام، فقال: الحمد لله الذي قتلكم واستأصلكم، فقال له علي بن الحسين رضي الله عنه: أقرأت القرآن؟ قال: نعم، قال: أقرأت آل حم؟ قال: نعم، قال: اما قرأت (قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) قال: فإنّكم لأنتم هم؟ قال نعم»(2).
روى الحضرمي بسنده عن سيّدنا علي: «لا يحفظ مودّتنا الاّ كل مؤمن… قال الحافظ جمال الدين الزرندي عقب حديث (من كنت مولاه فعلي مولاه): قال الامام الواحدي: هذه الولاية التي اثبتها النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم مسؤول عنها يوم القيامة اي عن ولاية علي وأهل البيت، لان الله تعالى أمر نبيّه ان يعرف الخلق انه لم يسألهم عن تبليغ الرسالة أجراً الاّ المودّة في القربى، والمعنى أنّهم يسألون هل والوهم حقّ الموالاة كما اوصاهم النّبي، أم أضاعوها واهملوها. فتكون عليهم المطالبة والتبعة»(3).
وروى بسنده عن ابن عباس: «لما نزلت: (قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً) الآية. قال قوم في تقوّلهم ما يزيد إلاّ يحثّنا على اقاربه من بعده، فأخبر جبريل عليه السّلام النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم انّهم اتّهموه، فأنزل الله تعالى: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً) الآية، فقال القوم: يا رسول الله، نشهد انك صادق. فنزل (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ…)(4).
قال الخوارزمي: «لما نزلت هذه الآية (قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)، فقال ناس من المنافقين. هل رأيتم اعجب من هذا يسفه احلامنا ويشتم آلهتنا ويروم قتلنا ويطمع ان نحبه أو نحبّ قرباه فنزل (قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْر فَهُوَ لَكُمْ)(5) أي ليس لي في ذلك اجر، لأن منفعة المودّة تعود اليكم وهو ثواب الله تعالى ومرضاته»(6).
روى ابن حجر باسناده عن ابن عباس «انّ هذه الآية لما نزلت، قالوا: يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودّتهم؟ قال: علي وفاطمة وابناهما… قال: «وللشيخ الجليل شمس الدين ابن العربي رحمه الله:
رأيت ولائي آل طه فريضة *** على رغم أهل البعد يورثني القربى
فما طلب المبعوث اجراً على الهدى *** بتبليغه الاّ المودّة في القربى»(7)
قال القندوزي: «وفي المناقب بسنده عن جابر الجعفي عن الباقر عليه السّلام في قوله عزّوجل (وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً) قال: من تولى الاوصياء من آل محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم واتبّع آثارهم فذاك يزيده ولاية من مضى من النبيين والمؤمنين الاولين حتى تصل ولايتهم إلى آدم عليه السّلام وهو قوله عزّوجل (مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا) وهو دخول الجنة وهو قول الله عزّوجل: (قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْر فَهُوَ لَكُمْ) يقول: اجر المودة التي لم اسألكم غيرها فهو لكم تهتدون بها، وتسعدون بها وتنجون من عذاب يوم القيامة»(8).
وروى باسناده عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: اقتراف الحسنة المودّة لآل محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم(9).
روى الكنجي باسناده عن جابر بن عبد الله، قال: «جاء أعرابي إلى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال: يا محمّد: اعرض علي الاسلام، فقال: تشهد أن لا إله الاّ الله وحده لا شريك له وان محمّداً عبده ورسوله، قال: تسألني عليه اجراً؟ قال لا (إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) قال: قرابتي او قرابتك؟ قال: قرابتي، قال: هات ابايعك، فعلى من لا يحبّك ولا يحب قرابتك لعنة الله»(10).
روى الهيثمي باسناده عن ابن عباس، قال: «ولما نزلت (قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) قالوا: يا رسول الله ومن قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودّتهم؟ قال: علي وفاطمة وابناهما»(11).
وروى الحسكاني باسناده عن ابن عباس قال: قالت الانصار فيما بينهم: لو جمعنا لرسول الله مالا يبسط فيه يده ولا يحول بينه وبين أحد فقالوا: يا رسول الله أنا أردنا ان نجمع لك من أموالنا شيئاً يبسط فيه يدك لا يحول بينك وبينه أحد. فأنزل الله (قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)(12).
قال السيد شهاب الدين أحمد: «روى انه صلّى الله عليه وآله وبارك وسلّم، قال: ان الله جعل اجري عليكم المودة في أهل بيتي. واني اسألكم غداً عنهم»(13).
روى الحاكم الحسكاني باسناده عن علي قال: فينا في (آل حم) آية انه لا يحفظ مودتنا الا كل مؤمن، ثم قرأ: (لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)(14).
روى أحمد باسناده عن سعيد بن جبير عن عامر قال: لما نزلت (قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) قالوا يا رسول الله: من قرابتنا هؤلاء الذين وجبت علينا مودّتهم قال: علي وفاطمة وابناهما عليهم السّلام(15).
روى الحاكم الحسكاني باسناده عن السدي في قوله تعالى: (وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً)قال: «المودة لآل محمّد»(16).
روى الزرندي باسناده عن ابن عباس، قال: «المودة لآل محمّد»(17).
قال العلامة الحلي: «روى الجمهور في الصحيحين، وأحمد بن حنبل في مسنده، والثعلبي في تفسيره عن ابن عباس قال: لما نزل (قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)قالوا: يا رسول الله من قرابتك الذين وجبت علينا مودّتهم؟ قال صلّى الله عليه وآله: علي وفاطمة وابناؤهما عليهم السّلام، ووجوب المودّة يستلزم وجوب الطاعة»(18).
وقال في (منهاج الكرامة): «وغير علي عليه السّلام من الصحابة الثلاثة لا تجب مودته فيكون علي أفضل فيكون هو الإمام، ولانّ مخالفته تنافي المودة وامتثال اوامره يكون مودة، فيكون واجب الطاعة، وهو معنى الإمام»(19).
قال ابن البطريق: فقد ثبت مودّتهم عليهم السّلام إذ هي بأمر الله تعالى ولكونها أجر التبليغ، وإذا أمر الله تعالى رسوله صلّى الله عليه وآله ان يطلب من الأمة عوض بذله لنفسه ومهجته اجر السفارة بينه تعالى وبين امته المودّة في اولي القربى وفسّر اولى القربى من هم بقوله: علي وفاطمة والحسن والحسين، فوجبت مودّتهم كوجوب مودة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وقامت مقام مودة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وإذا وجبت كوجوب مودّته وجب لهم من فرض الطاعة ما يجب له صلّى الله عليه وآله وجب الاقتداء بهم، ولم يجب ذلك لهم الاَّ من حيث كانت النفس واحدة بدليل قوله تعالى: (فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ)(20) ونفسه علي صلى الله عليهما وآلهما ونساؤه فاطمة وابناه الحسن والحسين صلى الله عليهما، وسيجيء فيما بعد ذكر ذلك بطرقه ان شاء الله تعالى.
ويدلّ ايضاً على وجوب الطاعة لهم قوله تعالى: (مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ)وإذا كانت مودّتهم كمودّة رسول الله صلّى الله عليه وآله وجب ان يكون طاعتهم كطاعة الرسول صلّى الله عليه وآله، صارت كطاعة الله تعالى لموضع قوله تعالى: (مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ)(21) وهذا أدّل دليل على وجوب الاقتداء بهم عليهم السلام ومعنى (الاّ) في هذه الآية بمعنى غير، ومعناها التفخيم لأمرهم، والتعظيم لهم، وذلك مثل قول الشاعر:
ولا عيب فيهم غير انّ سيوفهم *** بهنّ فلول من مراع الكتائب
أراد بغير، المبالغة في المدح، واليه ذهب عمرو بن بحر الجاحظ في كتابه الذي صنّفه للمأمون في امامة أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام:
إذا أوجب الرحمن في الوحي ودّهم *** فأين عن الوحي العزيز ذهاب
وأين عن الذكر العزيز مذاهب *** وأين الى غير الإله اياب(22)
أقول: ذكر كثير من الحفّاظ نزول الآية في آل محمّد عليهم السّلام، منهم الطبري في ذخائر العقبى ص25 والزمخشري في الكشاف، وابن طلحة في مطالب السؤل، والهيثمي في مجمع الزوائد ج9 ص168، وابن حجر في الصواعق ص101 و135 والشبلنجي في نور الابصار ص112 والبدخشي في مفتاح النجاء ص9، وغيرهم.
(أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَإِن يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)(23).
روى الحاكم الحسكاني باسناده عن ابن عباس «ان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قدم المدينة وليس بيده شيء، وكانت تنوبه نوائب وحقوق، فكان يتكلفها وليس بيده سعة، فقالت الأنصار فيما بينها: هذا رجل قد هداكم الله على يديه وهو ابن اختكم تنوبه نوائب وحقوق وليس في يده سعة، فاجمعوا له طائفة من اموالكم، ثم ائتوه بها يستعين بها على ما ينوبه، ففعلوا ثم اتوه بها فنزل: (قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً) يعني على الإيمان والقرآن ثمناً. يقول: رزقاً ولا جعلا إلا أن توادوا قرابتي من بعدي، فوقع في قلوب القوم شيء منها، فقالوا: استغنى عما في ايدينا أراد أن يحثنا على ذوي قرابته من بعده. ثم خرجوا فنزل جبرئيل فأخبره ان القوم قد اتهموك فيما قلت لهم، فأرسل اليهم فأتوه فقال لهم: أنشدكم بالله وما هداكم لدينه، اتتهمونني فيما حدثتكم به على ذوي قرابتي؟ قالوا: لا يا رسول الله انك عندنا صادق بار، ونزل (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً) الآية، فقام القوم كلهم فقالوا: يا رسول الله فانا نشهد انك صادق ولكن وقع ذلك في قلوبنا وتكلمّنا به وانا نستغفر الله ونتوب إليه فنزل: (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ)(24).
(1) سورة الشورى: 23.
(2) الدر المنثور ج6 ص7. ورواه البدخشي في مفتاح النجاء ص9.
(3) وسيلة المآل ص124 مخطوط.
(4) سورة الشورى: 25.
(5) سورة سبأ: 47.
(6) المناقب الفصل السابع عشر ص194.
(7) الصواعق المحرقة ص101.
(8) ينابيع المودّة الباب الخامس والعشرون ص98.
(9) المصدر الباب التاسع والثلاثون ص118. ورواه البدخشي في مفتاح النجاء ص10ـ20.
(10) كفاية الطالب ص90.
(11) الصواعق المحرقة ص101، ورواه الطبري في ذخائر العقبى ص25، والزمخشري في ـ الكشّاف ج3 ص467، والكنجي في كفاية الطالب ص91، والحسكاني فى شواهد التنزيل ج2 ص130 و133 و135 رقم 822 و824 و828 ابن كثير في تفسير القرآن العظيم ج4 ص112. وابن المغازلي في مناقب أميرالمؤمنين ص307 حديث /352، والسمهودي في جواهر العقدين العقد الثاني الذكر التاسع ص120.
(12) شواهد التنزيل ج2 ص135 رقم /829 ورواه السيوطي في الدر المنثور ج6 ص7 مع زيادة.
(13) توضيح الدلائل في تصحيح الفضائل ص328 مخطوط.
(14) شواهد التنزيل ج2 ص142 رقم /838، ورواه السمهودي في جواهر العقدين العقد الثاني الذكر التاسع ص120.
(15) الفضائل ج1 حديث /251 مخطوط، ورواه السيوطي في الدر المنثور ج6 ص8.
(16) شواهد التنزيل ج2 ص147 رقم /845، ورواه الحضرمي عن ابن عباس في وسيلة المآل ص126 مخطوط.
(17) نظم درر السمطين ص86.
(18) كشف الحق ونهج الصدق البحث الرابع الآية الرابعة ص89.
(19) البرهان السابع ص86 مخطوط.
(20) سورة آل عمران: 61.
(21) سورة النساء: 80.
(22) خصائص الوحي المبين ص56.
(23) سورة الشورى: 24ـ25.
(24) شواهد التنزيل ج2 ص138 رقم /835.