(سورة التوبة)
(بَرَاءةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ * فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُر وَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ وَأَنَّ اللّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ)(1).
روى الثعلبي: «بعث رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أبا بكر تلك السنة أميراً على الموسم ليقيم للناس الحج وبعث معه بأربعين آية من صدر براءة ليقرأها على أهل الموسم، فلما سار دعا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم علياً وقال: أخرج بهذا القصّة فاذن بذلك الناس إذا اجتمعوا. فخرج علي رضي الله عنه على ناقة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم العضباء حتى أدرك بذي الحليفة أبا بكر، فأخذها منه، فرجع أبو بكر إلى النبي فقال: يا رسول الله بأبي أنت وأمي، أنزل فيّ شيء؟ قال: لا، ولكن لا يبلغ عني غيري أو رجل مني»(2).
وروى بسنده عن جابر «كنت مع علي حين اتبعه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أبا بكر، فلما كان في الطريق ثوب لصلاة الصبح فلما استوى أبو بكر ليكبر سمع الرغاء فوقف، وقال: هذه رغاء ناقة رسول الله الجدعاء لقد بدا لرسول الله في الحج، فإذا عليها عليٌ، فقال أبو بكر: أمير أم مأمور؟ قال: بل أرسلني رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ببراءة أقرؤها على الناس»(3).
روى الحاكم النيسابوري باسناده عن جميع بن عمير الليثي، قال: «أتيت عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فسألته عن علي رضي الله عنه، فانتهرني، ثم قال: الاّ احدّثك عن علي، هذا بيت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في المسجد وهذا بيت علّي رضي الله عنه، ان رسول الله بعث أبا بكر وعمر رضي الله عنهما ببراءة إلى أهل مكة فانطلقا فإذا هما براكب، فقال: من هذا، قال: أنا علي يا أبا بكر، هات الكتاب الذي معك، قال: وما لي؟ قال: والله ما علمت الاّ خيراً، فأخذ علي الكتاب فذهب به، ورجع أبو بكر وعمر إلى المدينة فقالا: ما لنا يا رسول الله؟ قال: ما لكما الاّ خير، ولكن قيل لي انّه لا يبلغ عنك الاّ أنت أو رجل منك»(4).
وروى باسناده عن ابن عباس «ان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بعث أبا بكر رضي الله عنه وأمره ان ينادي بهؤلاء الكلمات فأتبعه علياً فبينا أبو بكر ببعض الطريق اذ سمع رغاء ناقة رسول الله فخرج أبو بكر فزعاً فظنّ انه رسول الله، فاذاً علي، فدفع إليه كتاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قد أمره على الموسم وأمر علياً ان ينادي بهؤلاء الكلمات، فقام عليٌ ايّام التشريق، فنادى: (أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ * فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُر)، لا يحجّن بعد العام مشرك ولا يطوفنّ بالبيت عريان. ولا يدخل الجنة الاّ مؤمن…»(5).
وروى باسناده عن زيد بن يثيع قال: «سألنا علياً رضي الله عنه: بايّ شيء بعثت في الحجة، قال: بعثت بأربع: لا يدخل الجنة الاّ نفس مؤمنة ولا يطوف بالبيت عريان ولا يجتمع مؤمن وكافر في المسجد الحرام بعد عامهم هذا، ومن كان بينه وبين النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم عهد فعهدته إلى مدّته ومن لم يكن له عهد فأجله أربعة اشهر»(6).
روى السيوطي باسناده عن علي، قال: «لما نزلت عشر آيات من براءة على النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، دعا أبا بكر رضي الله عنه ليقرأها على أهل مكة، ثم دعاني فقال لي: أدرك أبا بكر، فحيثما لقيته فخذ الكتاب منه، ورجع أبو بكر رضي الله عنه، فقال: يا رسول الله نزل فيّ شيء، قال: لا، ولكن جبرئيل جاءني، فقال: لن يؤدّي عنك الاّ أنت أو رجل منك»(7).
وروى باسناده عن أنس قال: «بعث النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ببراءة مع أبي بكر رضي الله عنه، ثم دعاه، فقال: لا ينبغي لأحد أن يبلغ الاّ رجل من أهلي، فدعا علياً فاعطاه ايّاه»(8).
وروى باسناده عن سعد بن أبي وقاص «انّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بعث أبا بكر رضي الله عنه ببراءة إلى أهل مكة، ثم بعث علياً رضي الله عنه على أثره فأخذها منه، فكأن أبا بكر، وجد في نفسه، فقال النبي: يا أبا بكر انّه لا يؤدي عني الاّ أنا أو رجل مني»(9).
وروى باسناده عن أبي هريرة قال: «كنت مع علي رضي الله عنه حين بعثه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى أهل مكّه ببراءة فكنّا ننادي: أنّه لا يدخل الجنة الاّ مؤمن ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان بينه وبين رسول عهد فانّ أمره أو أجله إلى أربعة اشهر، فإذا مضت الأربعة أشهر فانّ الله بريء من المشركين ورسوله ولا يحجّ هذا البيت بعد العام مشرك»(10).
وروى باسناده عن أبي رافع رضي الله عنه، قال: «بعث رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أبا بكر رضي الله عنه ببراءة إلى الموسم فاتى جبريل عليه السّلام فقال: انه لن يؤديها عنك الاّ أنت او رجل منك، فبعث علياً رضي الله عنه على أثره حتى لحقه بين مكة والمدينة. فأخذها فقرأها على الناس في الموسم»(11).
وروى باسناده عن ابن عباس «ان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بعث أبا بكر رضي الله عنه وأمره ان ينادي بهؤلاء الكلمات، ثم اتبعه علياً رضي الله عنه وأمره ان ينادي بها فانطلقا فحجا، فقام علي رضي الله عنه في ايام التشريق فنادى (أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ)(12) (فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُر)(13) ولا يحجّن بعد العام مشرك ولا يطوفنّ بالبيت عريان ولا يدخل الجنة الاّ مؤمن، فكان علي رضي الله عنه ينادي بها»(14).
وروى الطبري باسناده عن عامر قال: «بعث النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم علياً رضي الله عنه فنادى: الا لا يحجّن بعد العام مشرك، ولا يطف بالبيت عريان، ولا يدخل الجنة الاّ نفس مسلمة، ومن كان بينه وبين رسول الله عهد فاجله إلى مدّته (اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ)»(15).
وروى باسناده عن أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن علي قال: «لما نزلت براءة على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وقد كان بعث أبا بكر الصديق رضي الله عنه ليقيم الحج للناس، قيل له يا رسول الله لو بعثت إلى أبي بكر، فقال: لا يؤدي عني الاّ رجلٌ من أهل بيتي، ثم دعا علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقال: أخرج بهذه القصة من صدر براءة واذّن في الناس يوم النحر إذا اجتمعوا بمنى: انّه لا يدخل الجنة كافر ولا يحجّ بعد العام مشرك ولا يطف بالبيت عريان، ومن كان له عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عهدٌ فهو إلى مدته، فخرج علي بن أبي طالب رضي الله عنه على ناقة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم العضباء، حتى ادرك أبا بكر الصديق بالطريق، فلما رآه أبو بكر قال: أمير أو مأمور؟ قال: مأمور، ثم مضيا رضي الله عنهما، فاقام أبو بكر للناس الحج، والعرب إذ ذاك في تلك السنة على منازلهم من الحج الّتي كانوا عليها في الجاهلية، حتى إذا كان يوم النحر، قام علي بن أبي طالب رضي الله عنه فاذّن في الناس بالذي أمره رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال: يا ايّها الناس لا يدخل الجنة الاّ نفس مسلمة، ولا يحجّ بعد العام مشرك، ولا يطف بالبيت عريان، ومن كان له عهد عند رسول الله فهو له إلى مدّته، فلم يحج بعد ذلك العام مشرك ولم يطف بالبيت عريان، ثم قدما على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وكان هذا من براءة فيمن كان من أهل الشرك من أهل العهد العام، وأهل المدة إلى الاجل المسمى»(16).
وروى الكنجي باسناده عن أبي بكر «انّ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بعثه ببراءة إلى أهل مكة: لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ولا يدخل الجنة الاّ نفس مسلمة ومن كان بينه وبين رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم مدة فاجله إلى مدّته، والله عزّوجل بريء من المشركين ورسوله، قال: فسار بها ثلاثاً. ثم قال لعلي: الحقه فرد أبا بكر وبلّغها أنت قال: ففعل، فلمّا قدم أبو بكر على النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بكى، وقال: يا رسول الله حدث فيّ شيء قال: ما حدث فيك الاّ خير، ولكن امرت ان لا يبلغها الاّ أنا أو رجل منّي»(17).
وروى الطبري باسناده عن السدي، قال: لما نزلت هذه الآيات إلى رأس أربعين آية بعث بهن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مع أبي بكر، وامّره على الحج، فلما سار فبلغ الشجرة من ذي الحليفه، أتبعه بعلي، فأخذها منه، فرجع أبو بكر إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقال: يا رسول الله بأبي أنت وامي، أنزل في شأني شيء؟ قال: لا، ولكن لا يبلِّغ عني غيري، أو رجل مني. الحديث(18).
(وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَاب أَلِيم)(19).
روى الحاكم الحسكاني باسناده عن علي بن الحسين، قال: «ان لعلي أسماء في كتاب الله لا يعلمه الناس، قلت: وما هو؟ قال: (وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ)علي، والله الأذان يوم الحج الأكبر»(20).
وروى باسناده عن ابن عباس قال: «كان بين نبي الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وبين قبائل من العرب عهد فأمر الله نبيه أن ينبذ إلى كل ذي عهد عهده الاّ من اقام الصلاة المكتوبة والزكاة المفروضة، فبعث علي بن أبي طالب بتسع آيات متواليات من اوّل براءة، وأمر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ان ينادي بهنّ يوم النحر، وهو يوم الحج الأكبر، وان يبرىء ذمة رسول الله من أهل كل عهد، فقام علي بن أبي طالب يوم النحر عند الجمرة الكبرى فنادى بهؤلاء الآيات»(21).
وروى باسناده عن أنس بن مالك ان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بعث ببراءة مع أبي بكر إلى أهل مكة، فلمّا بلغ ذا الحليفة بعث اليه فردّه وقال: لا يذهب الاّ رجل من أهل بيتي، فبعث علياً(22).
وروى باسناده عن حنش عن علي بن أبي طالب، انّ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم حين بعثه ببراءة، قال: يا نبي الله انّي لست باللسن ولا بالخطيب، قال: ما بدّ من أن اذهب بها أنا أو تذهب بها أنت، قال: فان كان لابدّ فسأذهب أنا، فقال: انطلق، فانّ الله عزّوجل يثبت لسانك ويهدي قلبك، ثم وضع يده على فمي وقال: انطلق فاقرأها على الناس»(23).
وروى الحبري بسنده عن ابن عباس قوله (وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ) المؤذن يومئذ عن الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم علي بن أبي طالب عليه السّلام أذّن بأربع: لا يدخل الجنة الاّ مؤمن، ولا يطوفن بالبيت عريان، ومن كان بينه وبين رسول الله أجل فأجله إلى مدته. ولكم أن تسيحوا في الأرض أربعة أشهر(24).
وروى علي بن إبراهيم باسناده عن أبي عبدالله عليه السّلام قال: نزلت هذه الآية بعدما رجع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم من غزوة تبوك في سنة سبع من الهجرة، قال: وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله لما فتح مكة لم يمنع المشركين الحج في تلك السنة، وكان سنة في العرب في الحج انّه من دخل مكة وطاف بالبيت في ثيابه لم يحل له امساكها وكانوا يتصدقون بها ولا يلبسونها بعد الطواف، وكل من وافى مكة يستعير ثوباً ويطوف فيه ثم يرده، ومن لم يجد عارية اكترى ثياباً ومن لم يجد عارية ولا كراء ولم يكن له الاّ ثوب واحد طاف بالبيت عرياناً، فجائت امرأة من العرب وسيمة جميلة فطلبت ثوباً عاريةً أو كراء فلم تجده، فقالوا لها: ان طفت في ثيابك احتجت أن تتصدقي بها فقالت: وكيف اتصدق بها وليس لي غيرها؟ فطافت بالبيت عريانة، وأشرف عليها الناس فوضعت احدى يديها على قبلها والاخرى على دبرها فقالت مرتجزة:
اليوم يبدو بعضه أو كله *** فما بدا منه فلا احله
فلما فرغت من الطواف خطبها جماعة فقالت: انّ لي زوجاً، وكانت سيرة رسول الله صلّى الله عليه وآله قبل نزول سورة البراءة ان لا يقاتل إلا من قاتله ولا يحارب الاّ من حاربه واراده، وقد كان نزل عليه في ذلك من الله عزّوجل (فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلا)(25). فكان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لا يقاتل أحداً قد تنحى عنه واعتزله حتى نزلت عليه سورة البراءة وأمر الله بقتل المشركين من اعتزله، ومن لم يعتزله الاّ الذين قد كان عاهدهم رسول الله صلّى الله عليه وآله يوم فتح مكة إلى مدة، منهم صفوان بن أمية وسهيل بن عمرو فقال الله عزّوجل (بَرَاءةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ * فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُر) ثم يقتلون حيث ما وجدوا. فهذه أشهر السياحة، عشرون من ذي الحجة والمحرم وصفر وشهر ربيع الأول وعشرة من شهر ربيع الآخر، فلما نزلت الآيات من أول براءة دفعها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى أبي بكر وأمره ان يخرج إلى مكة ويقرأها الى الناس بمنى يوم النحر، فلما خرج أبو بكر نزل جبرئيل على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال: يا محمّد لا يؤدي عنك الاّ رجل منك، فبعث رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أميرالمؤمنين عليه السّلام في طلبه فلحقه بالروحا فأخذ منه الآيات فرجع أبو بكر إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال: يا رسول الله أنزل الله فيّ شيئاً؟ قال: لا، ان الله أمرني ان لا يؤدي عني الاّ أنا أو رجل منّي»(26).
قال العلامة الحلي: (وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ) في مسند أحمد: هو علي عليه السّلام حين أذن بالآيات من سورة برائة حين أنفذها النبي مع أبي بكر، واتبعه بعلي عليه السّلام فردّه ومضى بها علي، وقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قد امرت ان لا يبلغها الاّ أنا أو واحد مني(27).
روى البحراني في (غاية المرام) حول هذه الآية من طريق العامة ثلاثة احاديث ومن الخاصة أحد عشر حديثاً.
(إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ)(28).
وروى الحبري بسنده عن ابن عباس في قوله تعالى: (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ): «نزلت في علي بن أبي طالب عليه السّلام خاصة»(29).
قال علي بن إبراهيم: «وهي محكمة»(30).
(أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللّهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)(31).
روى الطبري باسناده عن أبي صخر قال: سمعت محمّد بن كعب القرظي يقول: إفتخر طلحة بن شيبة من بني عبد الدار وعباس بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب، فقال طلحة: أنا صاحب البيت معي مفتاحه لو أشاء بت فيه، وقال عباس: أنا صاحب السقاية والقائم عليها ولو أشاء بتّ في المسجد، وقال علي: ما أدري ما تقولان، لقد صليت إلى القبلة ستة أشهر قبل الناس، وأنا صاحب الجهاد فأنزل الله (أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ)(32).
وروى باسناده عن الشعبي قال: «نزلت في علي والعبّاس تكلّما في ذلك»(33).
وروى الحاكم الحسكاني باسناده عن ابن سير ين قال: «قدم علي بن أبي طالب من المدينة إلى مكة فقال للعبّاس: يا عم ألا تهاجر؟ ألا تلحق برسول الله؟ فقال: أعمّر المسجد الحرام وأحجب البيت، فأنزل الله: (أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللّهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)(34).
روى الحاكم باسناده عن أنس بن مالك قال: «قعد العبّاس بن عبد المطلب وشيبة صاحب البيت يفتخران حتى أشرف عليهما علي بن أبي طالب فقال له العباس: على رسلك يا ابن أخي، فوقف له علي فقال له العبّاس: ان شيبة فاخرني فزعم انه اشرف مني، قال: فماذا قلت له يا عماه؟ قال: قلت له: انا عمّ رسول الله ووصي أبيه وساقي الحجيج أنا اشرف منك، فقال علي لشيبة: فما قلت يا شيبة؟ قال: قلت له: أنا اشرف منك، أنا أمين الله على بيته وخازنه، أفلا ائتمنك عليه كما أئتمنني؟ فقال لهما علي: اجعلا لي معكما فخراً، قالا: نعم، قال: فأنا اشرف منكما،أنا اوّل من آمن بالوعيد من ذكور هذه الأمة، وهاجر وجاهد، فانطلقوا ثلاثتهم إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فجثوا بين يديه فأخبر كل واحد منهم فأرسل اليهم ثلاثتهم حتى أتوه فقرأ عليهم النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: (أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) إلى آخر العشر(35).
روى ابن المغازلي عن عامر قال: «نزلت هذه الآية (أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) في علي والعبّاس»(36).
وروى بسنده عن عبدالله بن عبيدة الربذي قال: «قال علي للعبّاس: يا عم لو هاجرت إلى المدينة قال: أولست في أفضل من الهجرة؟ ألست أسقي حاج بيت الله واعمر المسجد الحرام؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية (أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) الآية»(37).
أقول: روى البحراني في (غاية المرام) حول هذه الآية من طريق العامة تسعة أحاديث. ومن الخاصة سبعة أحاديث.
وقال العلامة الحلي في كشف الحق ونهج الصدق: روى الجمهور في الجمع بين الصحاح الستة انها نزلت في علي بن أبي طالب… لبيان فضيلته عليه السّلام(38).
(الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ * يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَة مِّنْهُ وَرِضْوَان وَجَنَّات لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ)(39).
روى الحبري عن ابن عباس قال: «نزلت في علي بن أبي طالب خاصة»(40).
وروى عن ابن عباس قال: «نزلت في علي بن أبي طالب خاصة»(41).
(ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ)(42).
روى الحاكم الحسكاني باسناده عن الحكم بن عتيبة قال: «أربعة لا شك فيهم أنهم ثبتوا يوم حنين، فيهم علي بن أبي طالب»(43).
وروى السيد البحراني عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «السكينة الايمان»(44).
(وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَان رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّات تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)(45).
روى الحاكم الحسكاني باسناده عن حميد بن القاسم بن حميد بن عبد الرحمان بن عوف في قوله تعالى: (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ) قال: «هم ستة من قريش اولهم اسلاماً علي بن أبي طالب»(46).
وروى باسناده عن ابن عباس في قوله تعالى: (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ) قال: «نزلت في علي، سبق الناس كلهم بالايمان بالله وبرسوله وصلّى القبلتين وبايع البيعتين وهاجر الهجرتين ففيه نزلت هذه الآية»(47).
روى السيد البحراني باسناده عنه قال (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ) نزلت في أميرالمؤمنين وهو اسبق الناس كلهم بالايمان وصلى إلى القبلتين وبايع البيعتين بيعة بدر وبيعة الرضوان وهاجر الهجرتين مع جعفر من مكة إلى الحبشة ومن الحبشة إلى المدينة وروى عن جماعة من المفسرين انّها في علي عليه السّلام(48).
اقول: روى البحراني في (غاية المرام) في تفسير هذه الآية من طريق العامة ثلاثة احاديث ومن الخاصة ثلاث احاديث.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ)(49).
روى الحاكم الحسكاني باسناده عن ابن عباس في هذه الآية: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ)قال: «مع علي واصحاب علي»(50).
وروى باسناده عن عبدالله بن عمر في قوله تعالى: (اتَّقُواْ اللّهَ) قال: «أمر الله اصحاب محمّد باجمعهم ان يخافوا الله، ثم قال لهم: (وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ)يعني محمّداً وأهل بيته»(51).
وروى الخوارزمي باسناده عن ابن عباس في قوله تعالى: (اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ) قال: هو علي بن أبي طالب عليه السّلام خاصة»(52).
وروى الثعلبي بسنده عن ابن عباس، قال: «مع علي بن أبي طالب واصحابه»(53).
وروى القندوزي باسناده عن ابن عباس قال: «الصادقون في هذه الآية محمّد صلّى الله عليه وسلّم وأهل بيته»(54).
وروى باسناده عن الباقر والرضا رضي الله عنهما: «الصادقون، هم الأئمة من أهل البيت»(55).
وروى ابن عساكر باسناده عن جابر عن أبي جعفر في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ) قال: «مع علي بن أبي طالب»(56).
وروى السيوطي باسناده عن ابن عباس، قال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ…) «مع علي بن أبي طالب»(57).
وروى عن جعفر بن محمّد، قال: «مع علي بن أبي طالب»(58).
وروى الحمويني باسناده عن أبي جعفر في قوله تعالى: (وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ)قال: يعني مع آل محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم(59).
قال شرف الدين: ان الله سبحانه أمر عباده المكلفين ان يكونوا مع الصادقين ويتبعونهم ويقتدون بهم، والصادق هو الذي يصدق في اقواله وافعاله ولا يكذب ابداً، وهذه من صفات المعصوم(60).
أقول: روى البحراني في (غاية المرام) حول هذه الآية من طريق العامة سبعة احاديث، ومن الخاصة عشرة أحاديث.
قال العلامة الحلي: اوجب الله علينا الكون مع المعلوم منهم الصدق وليس الاّ المعصوم، لتجويز الكذب في غيره فيكون هو علياً عليه السّلام اذ لا معصوم من الأربعة سواه، وفي حديث أبي نعيم عن ابن عباس أنها نزلت في علي»(61).
(1) سورة التوبة: 1ـ2.
(2 و 3) تفسير الثعلبي ص366 مخطوط.
(4) المستدرك ج3 ص51 وروى الاخير في الدر المنثور ج3 ص210 وابن كثير في تفسيره ج2 ص333.
(5) المستدرك ج3 ص52.
(6) المصدر السابق ص52.
(7) الدر المنثور ج3 ص209، ورواه أحمد في المسند ج1 ص151، وابن كثير في تفسير القرآن العظيم ج2 ص33.
(8 و 9) الدر المنثور ج3 ص209 ص210. ورواه البدخشي في مفتاح النجاء ص48.
(10 و 11) المصدر.
(12) سورة التوبة: 2.
(13) سورة التوبة: 3.
(14) الدر المنثور 3/209.
(15) جامع البيان ج10 (الطبري) ص64 ص65.
(16) تفسير الطبري ج10 ص64 ـ 65.
(17) كفاية الطالب ص254.
(18) جامع البيان ج10 ص65.
(19) سورة التوبة: 3.
(20) شواهد التنزيل ج1 ص231 رقم /307، ورواه السيوطي في الدرّ المنثور ج3 ص211.
(21 و 22) شواهد التنزيل ج1 ص232 رقم /308/309/318.
(23) شواهد التنزيل نفس المصدر السابق.
(24) ما نزل من القرآن في أهل البيت ص58.
(25) سورة النساء: 90.
(26) تفسير القمي ج1 ص281.
(27) كشف الحق ونهج الصدق الآية التاسعة والستون ص97.
(28) سورة التوبة: 18.
(29) ما نزل من القرآن في أهل البيت ص59.
(30) تفسير القمي ج1 ص283.
(31) سورة التوبة: 19.
(32) جامع البيان (الطبري) ج10 ص96.
(33) جامع البيان (الطبري) ج10 ص96.
(34) شواهد التنزيل ج1 ص246 رقم /332.
(35) شواهد التنزيل ص249 /رقم 337، ورواه الزرندي في نظم درر السمطين ص88، والسيد شهاب الدين أحمد في توضيح الدلائل في تصحيح الفضائل ص316، مخطوط والكنجي في كفاية الطالب ص238 مع فرق.
(36) المناقب ص321 رقم367.
(37) المناقب ص322 رقم 368، رواه السيوطي في الدر المنثور 3/218 مع فرق.
(38) كشف الحق ونهج الصدق الآية الرابعة عشر ص90.
(39) سورة التوبة: 20ـ21.
(40 و 41) ما نزل من القرآن في أهل البيت ص59.
(42) سورة التوبة: 26.
(43) شواهد التنزيل ج1 ص252 رقم /341.
(44) البرهان في تفسير القرآن ج2 ص114 رقم /8.
(45) سورة التوبة: 100.
(46 و 47) شواهد التنزيل ج1 ص255 رقم /342/346.
(48) البرهان في تفسير القرآن ج2 ص154 رقم /4.
(49) سورة التوبة: 119.
(50 و 51) شواهد التنزيل ج1 ص260 ص262 رقم /352/357.
(52) المناقب الفصل السابع عشر ص198.
(53) تفسير الثعلبي ص439 مخطوط، ورواه الزرندي في نظم درر السمطين ص91.
قال العلامة السيد علي البهبهاني: ويدّل على اختصاص الصادقين في الآية الكريمة بالأئمة المعصومين الطيبين من آل محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم، وعدم ارادة مطلق الصادقين منه كما دلت عليه الروايات المستفيضة من الطرفين: أنه لو كان المراد بالصدق مطلق الصدق الشامل لكل مرتبة منه المطلوب من كل مؤمن، وبالصادقين: المعنى العام، الشامل لكل من اتصف بالصدق في أي مرتبة كان، لو جب أن يعبر مكان مع بكلمة من، ضرورة أنّه يجب على كل مؤمن أن يتحرز عن الكذب، ويكون من الصادقين، فالعدول عن كلمة «من» إلى «مع» يكشف عن أن المراد بالصدق مرتبة مخصوصة، وبالصادقين طائفة معينة» مصباح الهداية ص74.
(54 و 55) ينابيع المودة الباب التاسع والثلثون ص119.
(56) ترجمة الامام علي بن أبي طالب من تاريخ مدينة دمشق ج2 ص422 رقم /923.
(57 و 58) الدّر المنثور ج3 ص290، وروى الأخير الكنجي في كفاية الطالب ص236.
(59) فرائد السمطين ج1 الباب الثامن والستون ص370 رقم /300.
(60) تأويل الآيات الظاهرة ص120 مخطوط.
(61) منهاج الكرامة: البرهان الخامس والثلاثون.