(سورة الانسان)
(إِنَّ الاَْبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْس كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً * عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً * يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً * وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلاَ شُكُوراً * إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً * وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً)(1).
روى ابن المغازلي باسناده عن طاوس في هذه الآية (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً) الآية نزلت في علي بن أبي طالب، وذلك أنّهم صاموا وفاطمة وخادمتهم، فلمّا كان عند الافطار، وكانت عندهم ثلاثة أرغفة قال، فجلسوا ليأكلوا فأتاهم سائل فقال: أطعموني فإني مسكين فقام علي عليه السلام فأعطاه رغيفه، ثم جاء سائلٌ فقال: أطعموا اليتيم فأعطته فاطمة الرغيف ثم جاء سائل فقال: اطعموا الأسير فقامت الخادمة فاعطته الرغيف وباتوا ليلتهم طاوين فشكر الله لهم فأنزل فيهم هذه الآيات»(2).
روى الكنجي الشافعي باسناده عن الأصبغ بن نباتة قال: «مرض الحسن والحسين فعادهما النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وأبو بكر وعمر، فقال عمر لعلي عليه السّلام: يا أبا الحسن انذروا ان عافى الله تعالى ولديك أن تحدث لله شكراً فقال علي: ان عافى الله عزّوجل ولديَّ صمت لله ثلاثة أيام شكراً، فقالت فاطمة عليه السلام مثل ذلك، فقالت جارية لهم مثل ذلك فأصبحوا وقد مصح(3) الله ما بالغلامين، وهم صيام، وليس عندهم قليل ولا كثير، فانطلق علي عليه السّلام إلى رجل من اليهود يقال له جار بن الشمر اليهودي. فقال له علي عليه السّلام: أسلفني ثلاثة أصوع من شعير وأعطني جزةً من الصوف تغزلها لك بنت محمّد، قال: فأعطاه فاحتمله علي عليه السّلام تحت ثوبه، ودخل على فاطمة عليها السلام وقال: يا بنت محمّد دونك واغزلي هذا، وقامت الجارية إلى صاع من شعير فطحنته وعجنته، فخبزت منه خمسة أقراص، وصلى المغرب مع النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ورجع ليفطر فوضع الطعام بين يديه وقعدوا ليفطروا، فإذا مسكين بالباب يقول: يا أهل بيت محمّد مسكين من مساكين المسلمين على بابكم، أطعموني ممّا تأكلون أطعمكم الله على موائد الجنة، فرفع علي عليه السلام يده ورفعت فاطمة والحسن والحسين عليه السلام ايديهم وأنشأ يقول:
فاطم ذات الدين واليقين *** ألم ترين البائس المسكين
قد جاء للباب له حنين *** يشكو الى الله ويستكين
كل امرىء بكسبه رهين *** قد حرّم الخلد على الضنين
يهوى الى النار الى سجّين
فاجابته فاطمة عليها السلام:
أمرك يا بن العم سمعاً طاعة *** ما بي من لؤم ولا وضاعة
ارجو ان أطعمت من مجاعة *** ان ألحق الأخيار والجماعة
فحمل الطعام ودفع إلى المسكين وباتوا جياعاً، واصبحوا صياماً، فقامت الجارية إلى الصاع الثاني فطحنته وعجنته وخبزت منه خمسة أقراص، وصلى علي عليه السلام المغرب مع النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وجاء ليفطر ووضع الطعام بين يديه فإذا بيتيم بالباب يقول: يا أهل بيت محمّد يتيم على بابكم فاطعموني أطعمكم الله على موائد الجنة، فرفع علي عليه السّلام يده ورفع القوم أيديهم، وأنشأ علي عليه السّلام يقول:
فاطم بنت السيّد الكريم *** قد جاءنا الله بذا اليتيم
من يرحم اليوم فهو رحيم *** قد حرم الخلد على الئيم
ويدخل النار وهو مقيم *** وصاحب البخل يرى ذميم
فاجابته فاطمة عليها السلام:
اطعمه قوتي ولا أبالي *** وأوثر الله على عيالي
أرجو به الفوز وحسن الحال *** أن يرحم الله سينمى مالي
وكان لي عوناً على أطفالي *** أخصهم عندي في التغالي
بكربلا يقتل في اغتيال *** للقاتل الويل مع الوبال
فحمل الطعام ودفع إلى اليتيم وباتوا جياعاً، وأصبحوا صياماً فقامت الجارية إلى الصاع الثالث فطحنته وعجنته وخبزت منه خمسة اقراص، فلما صلى علي عليه السّلام المغرب مع النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم جاء ليفطر، ووضع الطعام بين يديه، فإذا أسير مشدود بالقيد وهو يقول: يا أهل بيت محمّد أسير على الباب فاطعموني أطعمكم الله على موائد الجنة، فرفع علي عليه السّلام يده، ورفع القوم أيديهم وانشأ علي عليه السّلام يقول:
فاطم بنت المصطفى محمّد *** نبيِّ صدق سيد مسود
من يطعم اليوم يجده في غد *** فاطعمي لا تجعليه انكد
فاجابته فاطمة عليها السلام تقول:
والله ما بقيت غير صاع *** قد ربوت كفي مع الذراع
قد يصنع الخير بلا ابتداع *** عبل الذراعين شديد الباع
فحمل الطعام ودفع الى الأسير وباتوا جياعاً، وأصبحوا وقد قضوا نذرهم ثم أخذ علي عليه السلام بيد الحسن والحسين عليهما السلام فانطلق بهما الى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فلمّا نظر إليهما يقومان ويقعان من شدة الجوع ضمهما الى صدره وقال: واغوثاه بالله ما لقي آل محمّد، فحمل واحداً إلى عنقه والآخر على صدره، ثم دخل على فاطمة عليها السلام ونظر إلى وجهها متغيّراً من الجوع فبكت وبكى لبكائها، ثم قال: ما يبكيك يا بنية؟ قالت: يا ابتاه ما طعمت أنا ولا ولداي ولا علي منذ ثلاثة أيام، قال: فرفع النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم يده ثم قال: اللهم أنزل على آل محمّد كما أنزلت على مريم بنت عمران، ثم قال: ادخلي مخدعك فانظري ماذاترين؟ قال: فدخلت ومعها علي وولداها، ثم تبعهم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فإذا جفنة تفور مملوة ثريداً وعراقاً مكلّلة بالجوهر يفوح منها رائحة المسك الأذفر فقال: كلوا بسم الله فاكلوا منها جماعتهم سبعة أيام ما انتقص منها لقمة ولا بضعة قال: فخرج الحسن وبيده عرق فلقيته امرأة من اليهود تدعى سامار، فقالت: يا أهل البيت، الجوع من اين لكم هذا فاطعمني، فمدّ الحسن يده ليناولها فاختلست الأكلة وارتفعت القصعة، فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: لو سكتوا لأكلوا منها إلى أن تقوم الساعة، وهبط الأمين جبرئيل على النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال: يا محمّد ان ربك يقرئك السلام ويقول لك: خذ هنأك الله في أهل بيتك، قال: وما آخذ؟ قال: فتلا جبرئيل (إِنَّ الاَْبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْس كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً * عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً * يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً * وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً) إلى قوله (سَعْيُكُم مَّشْكُوراً)(4).
روى الحضرمي باسناده عن ابن عباس قال: «نزلت (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً) في علي بن أبي طالب كرم الله وجهه»(5).
ورواه الحاكم الحسكاني باسناده عن الهيثم بن عبد الله الرماني، قال: حدثني علي بن موسى الرضا، اخبرني أبي موسى، عن أبيه جعفر بن محمّد عن أبيه محمّد عن أبيه علي عن أبيه الحسين عن أبيه علي بن أبي طالب قال: لما مرض الحسن والحسين عادهما رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال لي: يا أبا الحسن لو نذرت على ولديك لله نذراً أرجوا أن ينفعهما الله به، فقلت: عليّ لله نذر لئن برىء…»(6).
ورواه باسناده عن ابن عباس في قوله تعالى: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ) قال: «مرض الحسن والحسين مرضاً شديداً حتى عادهما جميع اصحاب رسول الله فكان فيهم أبو بكر وعمر فقال رسول الله: يا أبا الحسن لو نذرت لله نذراً…»(7).
ورواه الزمخشري باسناده عن ابن عباس رضي الله عنه «أن الحسن والحسين مرضا فعادهما رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في ناس معه، فقالوا: يا أبا الحسن لو نذرت على ولدك فنذر علي وفاطمة وفضة جارية لهما ان برءا ممّا بهما أن يصوموا…»(8).
قال العلامة الحلي: وهي تدل على فضائل جمّة لم يسبقه اليها أحد ولا يلحقه أحد فيكون افضل من غيره فيكون هو الإمام(9).
(1) سورة الانسان: 5ـ12.
(2) مناقب علي بن أبي طالب ص272 رقم 302.
(3) مصح بالشيء: ذهب به.
(4) كفاية الطالب ص345، ورواه الحضرمي في المناقب ص188 مع فرق يسير.
(5) وسيلة المآل ص235 مخطوط.
(6) شواهد التنزيل ج2 ص300.
(7) شواهد التنزيل ج2 ص305 رقم 1054 ورواه السيد ابن طاوس في الطرائف 1/107.
(8) الكشاف ج4 ص197.
(9) منهاج الكرامة البرهان الحادي والعشرون.