دلالة الواقعة
قال العلامة الحلي في (منهاج الكرامة): «نقل الجمهور كافة، ان (أَبْنَاءنَا)اشارة إلى الحسن والحسين عليهما السلام (وَنِسَاءنَا) اشارة إلى فاطمة عليها السّلام (وَأَنفُسَنَا) اشارة إلى أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام، وهذه الآية أدل دليل على ثبوت الامامة لعلي عليه السّلام، لأنه قد جعله نفس رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، والاتحاد محال. فيبقي المراد المساوي، وله صلّى الله عليه وآله الولاية العامة فكذا لمساويه. وايضاً لو كان غير هؤلاء مساوياً لهم أو أفضل منهم في استجابة الدعاء لأمره تعالى بأخذهم معه لأنه في موضع الحاجة، وإذا كانوا هم الافضل تعينت الامامة فيهم عليهم السّلام، وهل تخفى دلالة هذه الآية على المطلوب الاّ على من استحوذ الشيطان عليه، واخذ بمجامع قلبه، وخيل له حب الدنيا التي لا ينالها الاّ بمنع أهل الحق عن حقهم»(1).
وقال رضوان الله عليه: المراد: المساواة، ومساوي الأكمل الأولى بالتصرف أكمل وأولى، وهذه الآية من أدل دليل على علو مرتبة مولانا أميرالمؤمنين عليه السّلام، لأنه تعالى حكم بالمساواة لنفس الرسول صلّى الله عليه وآله، وانه تعالى عينه في استعانة النبي صلّى الله عليه وآله في الدعاء، واي فضيلة أعظم من أن يأمر الله تعالى نبيه بأن يستعين به على الدعاء اليه والتوسل به، ولمن حصلت هذه المرتبة(2)؟
وخلاصة الكلام في هذا المقام، إنك تجد قضيّة خروج النبي صلّى الله عليه وآله بعلي وفاطمة وحسن وحسين للمباهلة مع النصارى، بتفسير الآية من سورة آل عمران في أغلب تفاسير أهل السنّة، وتجدها في الكتب الحديثيّة، وكتب السيرة النبويّة، وكتب الفضائل والمناقب… ممّا لا يُبقي مجالا للتأمّل في هذه القضيّة الفريدة في تاريخ الاسلام .
وقد دلّت هذه القضية على امامة أمير المؤمنين، لأنه الذي جاء مصداقاً لقوله تعالى (وَأَنْفُسَنَا)، ومن الواضح أنّ من يكون نفس النبي يكون مساوياً له في منازله ومقاماته ـ إلاّ النبوّة ـ فالآية دليلٌ على عصمة أمير المؤمنين، وعلى كونه أولى بالمؤمنين، وعلى أفضليّته من غير رسول الله من الخلائق أجمعين .
على أنّ في أخبار القضيّة خصوصيات غير حاصلة لغير أمير المؤمنين وأهل البيت عليهم السلام، كقوله صلّى الله عليه وآله لهم: «اذا أنا دعوت فأمّنوا» ممّا يدلّ على أنّ لهؤلاء منزلةً ووجاهةً عند الله بحيث يحتاج النبي في المباهلة على تأمينهم على دعائه… وهكذا غير هذه الخصيصة…
ومن شاء الوقوف على تفصيل أكثر فليرجع إلى كتاب (تشييد المراجعات) تأليف السيد علي الحسيني الميلاني(3) .
(وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَة مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)(4).
قال الحضرمي: «أخرج الثعلبي في تفسيره عن جعفر بن محمّد رضي الله عنهما قال: نحن حبل الله الذي قال: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ)»(5).
وروى الحاكم الحسكاني باسناده عن الحسين بن خالد: «عن علي بن موسى الرضا عن آبائه عن علي عليهم السّلام قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: من أحب ان يركب سفينة النجاة ويستمسك بالعروة الوثقى ويعتصم بحبل الله المتين، فليوال علياً وليأتم بالهداة من ولده»(6).
وروى باسناده عن ابن عمر قال: «قال رسول الله قال لي جبرئيل: قال الله تعالى: ولاية علي بن أبي طالب حصني فمن دخل حصني أمن من عذابي»(7).
قال شرف الدين: «واعتصموا اي تمسكوا والتزموا، بحبل الله وهو كتابه العزيز وعترة أهل بيت نبيه صلّى الله عليه وآله وسلّم، وقوله جميعاً اي بهما جميعاً، ولا تفرقوا اي بينهما»(8).
قال ابن حجر: «أخرج الثعلبي في تفسيره عن جعفر الصادق رضي الله عنه انه قال: نحن حبل الله الذي قال الله: واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا… أبناء ائمة الهدى ومصابيح الدجى، الذين احتج الله بهم على عباده، ولم يدع الخلق سدى من غير حجة، هل تعرفونهم او تجدونهم الاّ من فروع الشجرة المباركة، وبقايا الصفوة الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، وبرأهم من الآفات وافترض مودتهم في الكتاب»(9).
وروى القندوزي باسناده عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: «كنا عند النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم اذ جاء اعرابي، فقال: يا رسول الله، سمعتك تقول (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ) فما حبل الله الذي نعتصم به؟ فضرب النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم يده في يد علي وقال: تمسكوا بهذا هو حبل الله المتين»(10).
اقول: روى البحراني في غاية المرام في تفسير هذه الآية، من طريق العامة أربعة احاديث ومن طريق الخاصة ستة احاديث.
(وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ)(11).
روى النسائي باسناده عن ابن عباس «ان علياً كان يقول في حياة رسول الله ان الله تعالى يقول: (أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ) والله لا ننقلب على أعقابنا بعد اذ هدانا الله، والله لئن مات أو قتل لأقاتلن على ما قاتل عليه حتى أموت، والله اني لأخوه ووليه ووارثه وابن عمه فمن أحق به مني»(12).
وروى الحاكم الحسكاني باسناده عن ابن عباس: «ولقد شكر الله تعالى علياً في موضعين من القرآن(13): (وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ)(14) و (وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ)(15).
وروى باسناده عن حذيفة بن اليمان قال: «لما التقوا مع رسول الله بأحد وانهزم اصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وأقبل علي يضرب بسيفه بين يدي رسول الله مع أبي دجانة الانصاري حتى كشف المشركين عن رسول الله، فأنزل الله: (وَلَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ ـ إلى قوله ـ وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ)(16) والكثير عشرة آلاف الى قوله: (وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ)علياً وأبا دجانة».
قال القمي: ان رسول الله خرج يوم أحد، وعهد العاهد به على تلك الحال فجعل الرجل يقول لمن لقيه ان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قد قتل، النجاء(17)، فلما رجعوا إلى المدينة أنزل الله (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ) يقول إلى الكفر وقوله: (وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ) يقول كأيّ من نبي قبل محمّد قاتل معه ربيون كثير، والربيون الجموع الكثيرة، والربوة الواحدة عشرة آلاف(18).
اقول: روى البحراني (في غاية المرام) في تفسير هذه الآية من طريق العامة حديثين ومن الخاصة عشرة احاديث فيما قاله أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام.
(الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَآ أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتَّقَواْ أَجْرٌ عَظِيمٌ)(19) (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)(20).
روى الحاكم الحسكاني باسناده عن أبي رافع: ان رسول الله بعث علياً في أناس من الخزرج حين انصرف المشركون من أحد، فجعل لا ينزل المشركون منزلا الاّ نزله علي عليه السّلام، فأنزل الله في ذلك (الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَآ أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ) يعني الجراحات (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ)هو نعيم بن مسعود الأشجعي (إِنَّ النَّاسَ) هو أبو سفيان بن حرب (قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَة مِّنَ اللّهِ وَفَضْل لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْل عَظِيم)(21).
قال شرف الدين: «لما فرغ النبي صلّى الله عليه وآله من غزوة أحد، وقصتها مشهورة، وكان أبو سفيان والمشركون قد كسروا وانصرفوا، فلما بلغوا الروحاء ندموا على انصرافهم ونزلوا بها وعزموا على الرجوع، فأخبر النبي صلّى الله عليه وآله بذلك فقال لأصحابه: هل من رجل يأتينا بخبر القوم فلم يجبه أحد منهم، فقام أميرالمؤمنين عليه السّلام وقال: أنا، قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم له: إذهب فان كانوا قد ركبوا الخيل وجنبوا الابل فانهم يريدون المدينة، وان كانوا ركبوا الابل وجنبوا الخيل فانهم يريدون مكة، فمضى أميرالمؤمنين عليه السّلام على ما به من الالم والجراح حتى كان قريباً من القوم فرآهم قد ركبوا الابل وجنبوا الخيل فرجع وأخبر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بذلك فقال: أرادوا مكة. فأمير المؤمنين عليه السّلام هو المشار إليه بقوله (الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلّهِ) وبقوله (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ).
ونقل ابن مردويه من الجمهور عن أبي رافع، ان النبي صلّى الله عليه وآله وجه علياً عليه السّلام في نفر في طلب أبي سفيان فلقيه اعرابي من خزاعة فقال له (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ) يعني أبا سفيان واصحابه (وَقَالُواْ)يعني علياً واصحابه (حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) فنزلت هذه الآيات إلى قوله (وَاللّهُ ذُو فَضْل عَظِيم).
(فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِل مِّنكُم مِّن ذَكَر أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْض فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّات تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَاباً مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ)(22).
(لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلا مِّنْ عِندِ اللّهِ وَمَا عِندَ اللّهِ خَيْرٌ لِّلأَبْرَارِ)(23).
روى الحاكم الحسكاني باسناده عن الأصبغ بن نباته قال: «سمعت علياً يقول: أخذ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بيدي ثم قال: يا أخي قول الله تعالى: (ثَوَاباً مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ) (وَمَا عِندَ اللّهِ خَيْرٌ لِّلأَبْرَارِ)أنت الثواب وشيعتك الأبرار»(24).
وروى باسناده عنه عن علي في قول الله: (ثَوَاباً مِّن عِندِ اللّهِ) قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : «أنت الثواب وأصحابك الأبرار»(25).
اقول: روى البحراني في تفسير هذه الآية حديثين بهذا المضمون(26).
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)(27)روى الحاكم الحسكاني باسناده عن ابن عباس «في قوله (اصْبِرُواْ) يعني في انفسكم (وَصَابِرُواْ) يعني مع عدوكم (وَرَابِطُواْ) في سبيل الله (وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) نزلت في رسول الله وعلي وحمزة بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنهم»(28).
اقول: روى البحراني (في غاية المرام) في تفسير هذه الآية من طريق العامة حديثاً واحداً ومن الخاصة اثني عشر حديثاً بهذا المضمون.
(1) البرهان التاسع.
(2) كشف الحق ونهج الصدق البحث الرابع في تعيين الإمام من القرآن الآية السادسة ص89.
(3) تشييد المراجعات وتفنيد المكابرات .
(4) سورة آل عمران: 103.
(5) وسيلة المآل ص123 مخطوط، ورواه القندوزي في ينابيع المودة الباب التاسع والثلاثون ص119.
(6) شواهد التنزيل ج1 ص130 ص131 رقم /117 /181.
(7) شواهد التنزيل ج1 ص130 ص131 رقم /177/181.
(8) تأويل الآيات الظاهرة ص64.
(9) الصواعق المحرقة ص90.
(10) ينابيع المودة الباب التاسع والثلاثون ص119.
(11) سورة آل عمران: 144.
(12) الخصائص ص18، ورواه الزرندي في نظم درر السمطين ص96.
(13) شواهد التنزيل ج1 ص136 رقم /187 و188.
(14) سورة آل عمران: 144.
(15) سورة آل عمران: 145.
(16) سورة آل عمران : 146 .
(17) النجاء: كعلاء: الخلاص.
(18) تفسير القمي ج1 ص119.
(19) سورة آل عمران: 172.
(20) سورة آل عمران: 173.
(21) شواهد التنزيل ج1 ص132 رقم /182، وص 134 رقم 186، وانظر تأويل الآيات الظاهرة ص68 مخطوط، والبرهان في تفسير القرآن ج1 ص326.
(22 و 23) سورة آل عمران: 195ـ198.
(24 و 25) شواهد التنزيل ج1 ص138 رقم /185/190.
(26) البرهان في تفسير القرآن ج1 ص333 رقم /10/11.
(27) سورة آل عمران: 200.
(28) شواهد التنزيل ج1 ص140 رقم /192.