ب ـ قضاؤه في زمن أبي بكر بن أبي قحافة
روى المفيد عن رجال من العامة والخاصة: «ان رجلا رفع إلى أبي بكر وقد شرب الخمر فأراد أن يقيم عليه الحد، فقال له: اني شربتها ولا علم لى بتحريمها، لأني نشأت بين قوم يستحلونها ولم أعلم بتحريمها حتى الآن، فارتج على أبي بكر الأمر بالحكم عليه، ولم يعلم وجه القضاء فيه فأشار عليه بعض من حضر أن يستخبر أميرالمؤمنين عليه السّلام عن الحكم في ذلك، فأرسل اليه من سأله عنه، فقال أميرالمؤمنين عليه السّلام: مر رجلين ثقتين من المسلمين يطوفان به على مجالس المهاجرين والانصار ويناشدانهم هل فيهم أحد تلا عليه آية التحريم أو أخبره بذلك عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فان شهد بذلك رجلان منهم فأقم الحد عليه، وان لم يشهد أحد بذلك فاستتبه وخل سبيله ففعل ذلك أبو بكر فلم يشهد أحد من المهاجرين والأنصار أنه تلا عليه آية التحريم، ولا أخبره عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بذلك، فاستتابه أبو بكر وخلى سبيله وسلّم لعلي عليه السّلام في القضاء به»(1).
وقال ابن شهر آشوب: «جاء رجل بآخر في عهد أبي بكر، فقال: ان هذا ذكر انه احتلم بأمي، فدهش أبو بكر، فقال علي عليه السّلام: اذهب به فأقمه في الشمس، وحدّ ظلّه، فان الحلم مثل الظل، ولكنا سنضربه حتى لا يعود يؤذي المسلمين»(2).
وروى عن أبي عبدالله عليه السّلام قال: «أراد قوم على عهد أبي بكر أن يبنوا مسجداً بساحل عدن فكان كلما فرغوا من بنائه سقط، فعادوا اليه فسألوه فخطب وسأل الناس وناشدهم، ان كان عند أحد منكم علم هذا فليقل، فقال أميرالمؤمنين عليه السّلام: احتفروا في ميمنته وميسرته في القبلة فانه يظهر لكم قبران مكتوب عليهما: أنا رضوى وأختي حباء متنا لا نشرك بالله العزيز الجبار، وهما مجردتان فاغسلوهما وكفنوهما وصلوا عليهما، وادفنوهما ثم ابنوا مسجدكم فانه يقوم بناؤه، ففعلوا ذلك فكان كما قال عليه السّلام»(3).
وقال: «سأل أبا بكر نصرانيان، ما الفرق بين الحب والبغض ومعدنهما واحد؟ وما الفرق بين الرؤيا الصادقة والرؤيا الكاذبة ومعدنهما واحد؟ فأشار إلى عمر، فلما سألاه أشار إلى علي، فلما سألاه عن الحب والبغض، قال: ان الله تعالى خلق الأرواح قبل الاجساد بألفي عام فأسكنها الهواء فمهما تعارف هناك اعترف ها هنا، ومهما تناكر هناك اختلف ها هنا، ثم سألاه عن الحفظ والنسيان، فقال: ان الله تعالى خلق ابن آدم وجعل لقلبه غاشية، فمهما أمر بالقلب والغاشية منفتحة حفظ وحصا، ومهما مر بالقلب والغاشية منطبقة لم يحفظ ولم يحص، ثم سألاه عن الرؤيا الصادقة والرؤيا الكاذبة، فقال: عليه السّلام ان الله تعالى خلق الروح وجعل لها سلطاناً فسلطانها النفس فإذا نام العبد خرج الروح وبقي سلطانه فيمر به جيل من الملائكة وجيل من الجنّ، فمهما كان من الرؤيا الصادقة فمن الملائكة، ومهما كان من الرؤيا الكاذبة فمن الجن، فأسلما على يديه وقتلا معه يوم صفين»(4).
وقال: «سأل رسول ملك الروم أبا بكر عن رجل لا يرجو الجنة ولا يخاف النار ولا يخاف الله، ولا يركع ولا يسجد، ويأكل الميتة والدم، ويشهد بما لا يرى، ويحب الفتنة ويبغض الحق، فلم يجبه فقال عمر: ازددت كفراً إلى كفرك، فأخبر بذلك علي عليه السّلام فقال: هذا رجل من أولياء الله لا يرجو الجنة ولا يخاف النار ولكن يخاف الله، ولا يخاف الله من ظلمه وانما يخاف من عدله، ولا يركع ولا يسجد في صلاة الجنازة، ويأكل الجراد والسمك، ويأكل الكبد، ويحب المال والولد (أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ)(5) ويشهد بالجنة والنار وهو لم يرهما، ويكره الموت وهو حق»(6).
وروى العاصمي باسناده عن أنس قال: «اقبل يهودي بعد وفاة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم حتى دخل المسجد، فقال: أين وصي محمّد؟ فأشار القوم إلى أبي بكر، فوقف عليه، وقال: أني أريد أن اسألك عن أشياء لا يعلمها الا نبي أو وصي بي، قال أبو بكر: سل عما بدا لك، قال اليهودي: أخبرني عما ليس لله وعما ليس عند الله وعما لا يعلم الله، فقال أبو بكر: هذه مسائل الزنادقة، وهمّ أبو بكر والمسلمون باليهودي، فقال ابن عبّاس: ما أنصفتم الرجل، فقال أبو بكر أما سمعت ما تكلم به؟ فقال ابن عبّاس: ان كان عندكم جوابه، والا فاذهبوا به إلى من يجيبه، فاني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول لعلي بن أبي طالب: اللهم اهد قلبه وثبت لسانه، قال: فقام أبو بكر ومن حضره حتى أتوا أميرالمؤمنين فاستأذنوا عليه، وقال أبوبكر: يا أبا الحسن، ان هذا اليهودي سألني عن مسائل الزنادقة، فقال علي: وما تقول يا يهودي؟ فقال: اسألك عن اشياء لا يعلمها الا نبي أوصي نبي، فقال له: قل يا يهودي فرّد اليهودي المسائل، فقال علي: اما ما لا يعلمه الله عزّوجلّ فذلك قولكم ـ يا معشر اليهود ـ ان عزيراً ابن الله، والله لا يعلم لنفسه ولداً، واما قولك: أخبرني عما ليس لله، فليس لله شريك، وفي غير هذه الرواية: وامّا قولك عما ليس عند الله، فليس عند الله فقر ولا جور، فقال اليهودي: اشهد ان لا اله الاّ الله، وان محمّداً رسول الله، وأشهد انك وصي رسول الله، وقال المسلمون لعلي بن أبي طالب: يا مفرج الكرب»(7).
(1) الارشاد ص95.
(2) مناقب ابن شهر آشوب ج2 ص356.
(3) المناقب ج2 ص356.
(4) المصدر ج2 ص357.
(5) سورة الانفال: 28.
(6) المصدر ص358.
(7) زين الفتى في تفسير سورة هل أتى ص182 مخطوط.