وفاتها و دفنها
قال الحضرمي: «وتوفيت وسنها ثماني عشرة سنة وخمسة وسبعون يوماً»(1).
واختلفت الأقوال في مدّة حياتها بعد النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم على النحو الآتي:
ألف ـ أربعين يوماً: فقد روى الزرندي انها «توفيت ولها ثماني عشر سنة وخمسة وأربعون يوماً… وقيل: انها عاشت بعد النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم أربعين يوماً ودفنت ليلا بالبقيع»(2).
ب ـ شهرين: فقد روى الحاكم النيسابوري باسناده عن عائشة، قالت: «كان بين النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وبين فاطمة شهرين» وروى باسناده عن جابر رضي الله عنه: «ان فاطمة لم تمكث بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم الا شهرين»(3).
ونقل ابن عساكر عن أبي الزبير: «ان النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قال لفاطمة: أنت أول أهلي تلحقين بي، فلم تمكث بعده الاّ شهرين»(4).
ج ـ ثلاثة اشهر: فقد روى ابن سعد كاتب الواقدي باسناده عن أبي جعفر، قال «توفيت فاطمة بعد النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بثلاثة أشهر»(5).
وروى الحاكم النيسابوري باسناده عن جعفر بن محمّد بن علي، انه قال: «توفيت فاطمة بعد النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بثلاثة أشهر».
د ـ ستة أشهر: فقد روى الحاكم النيسابوري باسناده عن عائشة: «ان فاطمة توفيت بعد النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بستة أشهر»(6).
روى البخاري باسناده عن عروة بن الزبير: ان عائشة أخبرته: «أنّ فاطمة عليها السلام ابنة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم سألت أبا بكر الصديق بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أن يقسم لها ميراثها ما ترك رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم مما أفاء الله عليه، فقال لها أبو بكر: انّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: «لا نورث ما تركناه صدقة» فغضبت فاطمة بنت رسول الله فهجرت أبا بكر، فلم تزل مهاجرته حتى توفيت وعاشت بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ستة أشهر»(7).
روى الخوارزمي باسناده عن عائشة، قالت: «عاشت فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بعده ستة أشهر، فلما توفيت دفنها علي بن أبي طالب عليه السّلام ليلا(8) ولم يؤذن بها أبو بكر وصلى عليها علي عليه السّلام»(9).
أقول: كما أنّ موضع قبرها مكتوم. كذلك يوم وفاتها نسأل الله تبارك وتعالى أن يعجل فرج ولدها الحجّة ابن الحسن العسكري أرواحنا له الفداء حتى يعرفنا محل قبرها ويوم وفاتها.
قال ابن الصباغ المالكي: «ان فاطمة لم تضحك بعد موت النبي حتى قبضت»(10).
وقال الشبلنجي: «لم تضحك فاطمة رضي الله عنها بعد وفاة أبيها قطُّ»(11).
وقال محب الدين الطبري: «وذكر انها لما أرتها (أسماء) النعش تبسّمت وما رؤيت متبسمة، يعني بعد النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم الى يومئذ»(12).
وقال الخوارزمي: «ذكر ان اعرابيّاً جاء من الشام، وابن عباس كان في المسجد الحرام يفتي الناس، فسأله عن أبناء رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وبناته فأخبره ـ إلى أن قال ـ ولما جاء فاطمة الأجل لم تحم ولم تصدع ولكن أخذت بيدي الحسن والحسين فذهبت بهما إلى قبر النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فأجلستهما عنده ثم وقفت فصلت بين المنبر والقبر ركعتين ثم ضمتهما إلى صدرها والتزمتهما وقالت: يا ولدي اجلسا عند أبيكما ساعة وعلي عليه السّلام يصلي في المسجد، ثم رجعت نحو المنزل فحملت ما فضل من حنوط النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فاغتسلت به ولبست فضل كفنه ثم نادت: يا أسماء وهي امرأة جعفر الطيار ـ، فقالت لها: لبيك يا بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فقالت: تعاهديني فاني أدخل هذا البيت فأضع جنبي ساعة، فإذا مضت ساعة ولم أخرج فناديني ثلاثاً، فان أجبتك والا فاعلمي أني لحقت برسول الله، ثم قامت مقام رسول الله في بيتها فصلت ركعتين ثم جللت وجهها بطرف ردائها وقضت نحبها، وقيل: بل ماتت في سجدتها فلما مضت ساعة أقبلت أسماء فنادت: يا فاطمة الزهراء، يا أمّ الحسن والحسين، يا بنت رسول الله، يا سيّدة نساء العالمين، فلم تجب، فدخلت فإذا هي ميتة، فقال الاعرابي: كيف علمت وقت وفاتها يا ابن عباس؟ قال: أعلمها أبوها، ثم شقت أسماء جيبها وقالت: كيف أجترىء فأخبر ابني رسول الله بوفاتك ثم خرجت فتلقاها الحسن والحسين، فقالا: أين أمّنا فسكتت، فدخلا البيت فإذا هي ممتدة فحركها الحسين فإذا هي ميتة فقال: يا أخاه آجرك الله في أمّنا وخرجا يناديان: يا محمّداه اليوم جدد لنا موتك اذ ماتت أمّنا، ثم أخبرا علياً وهو في المسجد فغشي عليه حتى رش عليه الماء ثم أفاق فحملهما حتى ادخلهما بيت فاطمة الزهراء، فرآها وعند رأسها أسماء تبكي وتقول: وايتامى محمداه، كنا نتعزى بفاطمة بعد موت جدّكما فبمن نتعزّى بعدها؟»(13).
وروى ابن سعد باسناده عن ابن عباس قال: «فاطمة أول من جعل لها النعش، عملته لها اسماء بنت عميس وكانت قد رأته يصنع بأرض الحبشة»(14).
وروى أبو نعيم باسناده عن عبدالله بن محمّد بن عقيل: «ان فاطمة رضي الله عنها لما حضرتها الوفاة أمرت علياً فوضع لها غسلا فاغتسلت وتطهرت ودعت بثياب أكفانها فأتيت بثياب غلاظ خشن فلبستها، ومست من الحنوط، ثم أمرت علياً أن لا تكشف إذا قبضت وان تدرج كما هي في ثيابها»(15).
وروى البدخشي باسناده عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن جده علي بن الحسين رضي الله عنهم قال: «ماتت فاطمة رضي الله عنها بين المغرب والعشاء»(16).
روى الحاكم النيسابوري باسناده عن أسماء بنت عميس، قالت: «غسلت أنا وعليّ فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم»(17).
روى الخوارزمي بأسناده عن أسماء بنت عميس: «ان فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أوصت أن يغسلها زوجها عليّ، فغسلها هو وأسماء بنت عميس. قال أحمد بن الحسين: وهذا أشبه لأن غسل الميت في مذاهب أهل العلم انّما يجب بالوفاة فلا يقوم الغسل قبلها مقامه»(18).
دفنها عليها السّلام:
قال ابن سعد كاتب الواقدي: «دفنت بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ليلا ودفنها علي».
روى ابن سعد باسناده عن علي بن الحسين عليه السّلام قال: «سألت ابن عباس، متى دفنتم فاطمة؟ فقال: دفناها بليل بعد هداة، قال: قلت: فمن صلى عليها؟ قال: علي»(19).
روى الحاكم النيسابوري باسناده عن عائشة، قالت: «دفنت فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ليلا، دفنها علي، ولم يشعر بها أبو بكر رضي الله عنه، حتى دفنت، وصلى عليها علي بن أبي طالب رضي الله عنه»(20).
قال المقدسي: «ولم يبايع علي أبو بكر ما لم يدفن فاطمة، وذكر ابن دأب: أنها ماتت عاتبة على أبي بكر وعمر، والله أعلم، وكانت أحبّ البنات إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم والطفهن به ولم يتزوّج علي عليها حتى ماتت»(21).
روى الحافظ البيهقي باسناده عن عائشة: «ان فاطمة والعباس رضي الله عنهما أتيا أبا بكر يلتسمان ميراثهما من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم… فقال لهما أبو بكر: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول: «لا نورث ما تركناه صدقة…» فغضبت فاطمة رضي الله عنها وهجرته، فلم تكلمه، حتى ماتت، فدفنها علي ليلا ولم يؤذن بها أبو بكر، قالت عائشة: فكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة، فلما توفيت فاطمة انصرف وجوه الناس عنه عند ذلك»(22).
(1) وسيلة المآل ص179.
(2) نظم درر السمطين ص181.
(3) المستدرك على الصحيحين ج3 ص163.
(4) تهذيب تاريخ دمشق ج1 ص299.
(5) الطبقات الكبرى ج8 ص18.
(6) المستدرك على الصحيحين ج3 ص163.
(7) صحيح البخاري ج4 كتاب الخمس ص96.
(8) رواه الهيثمي في مجمع الزوائد ج9 ص211.
(9) مقتل الحسين ج1 ص83.
(10) الفصول المهمة ص148.
(11) نور الأبصار ص53.
(12) ذخائر العقبى ص53.
(13) مقتل الحسين ص85.
(14) الطبقات الكبرى ج8 ص18.
(15) حلية الأولياء ج2 ص43.
(16) مفتاح النجاء ص157.
(17) المستدرك على الصحيحين ج3 ص163.
(18) مقتل الحسين ج1 ص82.
(19) الطبقات الكبرى ج8 ص19.
(20) المستدرك على الصحيحين ج3 ص162.
(21) البدء والتاريخ ج5 ص20.
(22) سنن البيهقي ج6 ص300 باب بيان مصرف أربعة أخماس الفيء بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم.