وصية أمير المؤمنين
قال محمّد بن يوسف الزرندي: «لما حضره الموت دعا بدواة وصحيفة وقال للكاتب اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصى به علي بن أبي طالب إنه يشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وان محمّداً عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، ثم ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين، أوصيك يا حسن وولدي وجميع أهل بيتي ومن بلغه كتابي هذا من المؤمنين بتقوى الله ولا تموتن إلاّ وأنتم مسلمون، واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، فإني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول: صلاح ذات البين خيرٌ من عامة الصلاة والصوم، انظروا إلى ذوي أرحامكم فصلوهم يهون الله عليكم الحساب، الله، الله في الأيتام لا تغبوا افواههم ولا يضيعوا بحضرتكم، والله والله في جيرانكم فانهم وصية نبيكم ما زال يوصي بهم حتى ظننا أنه سيورثهم، والله الله في القرآن فلا يسبقنكم إلى العمل به غيركم، والله الله في الصلاة فانها عماد دينكم، والله الله في بيت ربكم فلا يخلو منكم ما بقيتم فانه ان ترك لم تناظروا، والله الله في صيام شهر رمضان فان صيامه جنة من النار، والله الله في الجهاد في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم، والله الله في الزكاة فانها تكف غضب الرب، والله الله في ذرية نبيكم لا تظلمن بين ظهرانيكم، والله الله في أصحاب نبيكم فان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أوصانا بهم، والله الله في الفقراء والمساكين فشاركوهم في معاشكم، والله الله فيما ملكت أيمانكم فان آخر ما أوصانا به رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أن قال: أوصيكم بالضعيفين نسائكم وما ملكت ايمانكم.
الصلاة الصلاة، لا تخافوا في الله لومة لائم يكفكم من أرادكم وبغى عليكم وقولوا للناس حسناً كما امركم الله، ولا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيولى الأمر شراركم ثم تدعون فلا يستجاب لكم، وعليكم بالتواصل والتباذل والثبات، واياكم والتدابر والتقاطع والتفرق والحسد، (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)(1) حفظكم الله من أهل بيت وحفظ فيكم نبيكم صلّى الله عليه وآله وسلّم، استودعكم الله واقرأ عليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ثم لم يتكلم بشيء بعد ذلك إلاّ بلا إله إلاّ الله، محمدٌ رسول الله حتى قُبض، رحمة الله ورضوانه عليه»(2).
قال عوانة بن الحكم: «لما ضرب عبد الرحمن بن ملجم علياً وحمل إلى منزله اتاه العوّاد، فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم،ثم قال: كل امرىء ملاق ما يفرّ منه في فراره، والأجل مساق النفس والهرب منه موافاته، كم اطردت الأيام ابحثها عن مكنون هذا الأمر، فأبى الله إلاّ اخفائه، هيهات علم مخزون.
اما وصيتي اياكم، فالله عزّوجل لا تشركوا به شيئاً ومحمّداً صلّى الله عليه وآله وسلّم لا تضيعوا سنته، اقيموا هذين العمودين وخلاكم ذم ما لم تشردوا. حمل كل امري مجهوده وخفف عن الجهلة برب رحيم ودين قويم وامام عليم. كنا في مهب رياح وذرى اغصان وتحت ظل غمامة اضمحل مركدها فمحطها عاف، جاوركم بدني ايّاماً تباعاً هم هوى، فستعقبون من بعده جثة حواءً ساكنة بعد حركة، كاظمة بعد نطوق، ليعظكم هدوئي وخفوت اطراقي وسكون اطرافي انه أوعظ للمعتبرين من نطق البليغ وداعيكم وداع امرىء مرصد للتلاق، غداً ترون أيامي ويكشف لكم عن سرائري، لن يحاشي الله إلاّ أن اتزلفه بتقوى فيغفر عن فرط موعود عليكم السلام إلى يوم اللزام، إن ابق فأنا ولي دمي وان أفن فالفناء ميعادي، العفو لي قربة ولكم حسنة، فاعفوا عفا الله عنا وعنكم، ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم ثم قال عليه السّلام:
عش ما بدا لك قصرك الموت *** لا مرحل عنه ولا فوت
بينا غنى يبت ببهجته *** زال الغنى وتقوض البيت
يا ليت شعري ما يراد بنا *** ولقلّما يجدي لنا ليت»(3)
روى ابن عساكر عن عقبة بن أبي الصهباء قال: «لما ضرب ابن ملجم علياً دخل عليه الحسن وهو باك، فقال له: ما يبكيك يا بني؟ قال: ومالي لا أبكي وأنت في أول يوم من الآخرة وآخر يوم من الدنيا، فقال يا بني احفظ أربعاً واربعاً لا يضرك ما عملت معهن قال: وما هن يا أبه؟ قال: انّ اغنى الغنى العقل، وأكبر الفقر الحمق، وأوحش الوحشة العجب، واكرم الحسب الكرم وحسن الخلق.
قال الحسن: قلت: يا ابة هذه الأربع، فاعطني الأربع الأخر، قال: إياك ومصادقة الأحمق، فانه يريد أن ينفعك فيضرك، وإياك ومصادقة الكذاب، فانه يقرب إليك البعيد، ويبعد عليك القريب، وإيّاك ومصادقة البخيل، فانه يقعد عنك احوج ما تكون إليه، وإياك ومصادقة الفاجر فانه يبيعك بالتافه»(4).
قال الأصبغ بن نباتة: «حضرت أمير المؤمنين علياً عند وفاته، فدعا بالحسن والحسين ومحمّد بن الحنفية عنهما في ناحية فقال لهما إذا رأيتماني قد شخصت وخرج روحي من جسدي فاسدلا علي ثوباً، ثم خذا في جهازي وعند أختكما أم كلثوم حنوط هبط به جبرئيل عليه السّلام على النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال لي: حنطني بثلث وفاطمة ابنتي بعدي بثلث وادخر الثلث الباقي لنفسك فحنّطاني به ولا تزيدان عليه شيئاً، فإذا وضعتماني على سرير المنايا فخذ أنت وأخوك بمؤخر السرير ولا تقلان المؤخر حتى يستقل المقدم، فان معكما غيركم واتبعا المقدم حتى تصيران إلى أرض حصبة كثبة فاحتفرا لي ثم فانكما تقعان على ساحة منقورة مطبقة فأدخلاني فيها وسوّيا علي التراب ليخفى موضع قبري فانه مما ادخره لي جبرئيل عليه السّلام»(5).
قال عبد الله بن سبع «خطبنا علي فقال: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لتخضبن هذه من هذه قال الناس فاعلمنا من هو لنبيرنه. قال: أنشدكم بالله أن يقتل بي غير قاتلي، الحديث»(6).
قال الشعبي: «لما ضرب ابن ملجم علياً تلك الضربة أوصى به علي فقال قد ضربني فأحسنوا اليه، والينوا له فراشه، فان اعش فهضم أو قصاص، وان أمت فعاجلوه فاني مخاصمه عند ربي عزّوجل»(7).
قال الزمخشري قال عليه السّلام: إذا أنا مت من ضربته هذه فاضربوه ضربةً بضربته ولا يمثل بالرجل فاني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول اياكم والمثلة ولو بالكلب العقور(8).
قال وائل بن سعد كان عند علي مسك فأوصى ان يحنط به، وقال علي هو فضلة حنوط رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم(9).
(1) سورة المائدة: 2.
(2) نظم درر السمطين ص145، ورواه ابن كثير في البداية والنهاية ج7 ص327.
(3) ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ مدينة دمشق ج3 ص305 رقم 1405.
(4) ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ مدينة دمشق ج3 ص304 رقم 1404.
(5) أخبار اصبهان ج2 ص60.
(6) منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج5 ص59.
(7) المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري ج3 ص144.
(8) ربيع الأبرار باب الجنايات والذنوب ص217 مخطوط.
(9) منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج5 ص61.