مناقب الحسن بن علي
روى ابن عساكر باسناده عن عبيدالله بن عباس عن شيخ من بني جمح عن رجل من أهل الشام، قال: «قدمت المدينه فرأيت رجلا جهريّاً كحّاله، فقلت من هذا؟ قالوا: الحسن بن علي، قال: فحسدت والله علياً أن يكون له إبن مثله، قال: فأتيته فقلت: أنت ابن أبي طالب؟ قال: اني ابنه، فقلت: بك وبأبيك وبك وبأبيك، قال: وأزم لا يرد إلي شيئاً، ثم قال: أراك غريباً فلو استحملتنا حملناك وان استرفدتنا رفدناك وان استعنت بنا أعناك قال: فانصرفت ـ والله ـ عنه وما في الأرض أحد أحب إلي منه»(1).
وروى بإسناده عن علي بن الحسين قال: «خرج الحسن يطوف بالكعبة فقام إليه رجل فقال: يا أبا محمّد، إذهب معي في حاجتي إلى فلان، فترك الطواف وذهب معه، فلما ذهب خرج إليه رجل حاسد للرجل الذي ذهب معه فقال: يا أبا محمّد تركت الطواف وذهبت مع فلان إلى حاجة؟ قال: فقال له الحسن: وكيف لا أذهب معه ورسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: من ذهب في حاجة أخيه المسلم فقضيت حاجته كتبت له حجة وعمرة وان لم تقض له كتبت له عمرة فقد اكتسبت حجةً وعمرة ورجعت إلى طوافي»(2).
قال ابن الصباغ: «وحكى عنه أنه اغتسل وخرج من داره في بعض الأيام وعليه حلة فاخرة ووقرة طاهرة ومحاسن سافرة بنفحات طيبات عاطرة، ووجهه يشرق حسناً وشكله قد كمل صورةً ومعنىً والسعد يلوح على أعطافه ونضرة النعيم تعرف من أطرافه، وقد ركب بغلة فارهة غير عسوف وسار وقد اكتنفه من حاشيته صفوف، فعرض له في طريقه شخص من محاويج اليهود وعليه مسح من جلود وقد أنهكته العلة والذلة، وشمس الظهيرة قد شوت شواه وهو حامل جرة ماء على قفاه فاستوقف الحسن، فقال: يا ابن رسول الله، سؤال، فقال له: ما هو؟ قال: جدك يقول: الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر، وأنت المؤمن وأنا الكافر، فما أرى الدنيا إلاّ جنة لك تنعم فيها وأنت مؤمن وتستلذ بها وما أراها إلاّ سجناً قد أهلكني حرّها وأجهدني فقرها، فلما سمع الحسن كلامه أشرق عليه نور التأييد واستخرج الجواب من خزانة علمه وأوضح لليهودي خطأ ظنه وخطل زعمه، وقال: يا شيخ لو نظرت إلى ما اعد الله لي وللمؤمنين في دار الآخرة مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، لعلمت قبل انتقالي إليه في هذه الحالة في سجن، ولو نظرت إلى ما أعد الله لك ولكل كافر في الدار الآخرة من سعير نار جهنم ونكال العذاب الأليم المقيم لرأيت قبل مصيرك إليه في جنة واسعة ونعمة جامعة»(3).
قال ابن كثير: «قال أبو جعفر الباقر: جاء رجل إلى الحسين بن علي فاستعان به في حاجة فوجده معتكفاً، فاعتذر إليه، فذهب إلى الحسن فاستعان به فقضى حاجته، وقال: لقضاء حاجة أخ لي في الله أحب إلي من اعتكاف شهر»(4).
قال الشبلنجي: «كان ذات يوم جالساً فأتاه رجل وسأله أن يعطيه شيئاً من الصدقة ولم يكن عنده ما يسد به رمقه فاستحيى أن يرده، فقال: ألا أدّلك على شيء يحصل لك منه البر؟ فقال: ماذا تدلني عليه؟ فقال: إذهب إلى الخليفة فان ابنته توفيت وانقطع عليها وما سمع من أحد تعزية فعزه بهذه التعزية يحصل لك بها الخير، فقال: حفظني اياها، قال: قل له: الحمد لله الذي سترها بجلوسك على قبرها ولا هتكها بجلوسها على قبرك، فذهب إلى الخليفة وعزاه بهذه التعزية فسمعها فذهب عنه الحزن، فأمر له بجائزة وقال: بالله عليك أكلامك هذا؟ قال: لا بل كلام فلان، فقال: صدقت فانه معدن الكلام الفصيح وأمر له بجائزة أخرى»(5).
قال ابن عبد ربه: «وخطب الحسن في دم، فأجابه صاحب الدم؛ فقال: قد وضعت ذلك الدم لله ولوجوهكم، قال له الحسن: ألا قلت: قد وضعت ذلك لله خالصاً؟»(6).
قال ابن شهر آشوب: «ومن حلمه عليه السّلام ما روى المبرد وابن عائشة أن شامياً رآه راكباً فجعل يلعنه والحسن لا يرد، فلما فرغ أقبل الحسن عليه السّلام عليه فسلم عليه وضحك وقال: أيها الشيخ أظنك غريباً ولعلك شبهت، فلو استعتبتنا أعتبناك، ولو سألتنا أعطيناك، ولو استرشدتنا أرشدناك، ولو استحملتنا حملناك، وإن كنت جائعاً أشبعناك، وان كنت عرياناً كسوناك، وان كنت محتاجاً أغنيناك، وان كنت طريداً آويناك، وان كان لك حاجة قضيناها لك، فلو حركت رحلك الينا وكنت ضيفنا إلى وقت ارتحالك كان أعود عليك، لأن لنا موضعاً رحباً وجاهاً عريضاً ومالا كبيراً، فلما سمع الرجل كلامه بكى ثم قال: أشهد أنك خليفة الله في أرضه، الله أعلم حيث يجعل رسالته، وكنت أنت وأبوك أبغض خلق الله إلي، والآن أنت أحب خلق الله إلي، وحول رحله إليه وكان ضيفه إلى أن ارتحل وصار معتقداً لمحبتهم»(7).
وروى عن كتاب الفنون عن أحمد بن المؤدب، ونزهة الأبصار عن ابن مهدي «أنه مر الحسن بن علي عليه السّلام على فقراء، وقد وضعوا كسيرات على الأرض، وهم قعود يلتقطونها ويأكلونها فقالوا له: هلم يا ابن بنت رسول الله إلى الغداء قال: فنزل وقال: ان الله لا يحب المستكبرين، وجعل يأكل معهم حتى إكتفوا والزاد على حاله ببركته ثم دعاهم إلى ضيافته، وأطعمهم وكساهم»(8).
(1) ترجمة الإمام الحسن عليه السّلام من تاريخ مدينة دمشق ص149 رقم 250، ورواه الخوارزمي في الفصل السادس من مقتل الحسين ج1 ص131 مع فرق.
(2) ترجمة الحسن من تاريخ دمشق ص151 رقم 253.
(3) الفصول المهمة ص155.
(4) البداية والنهاية ج8 ص38.
(5) نور الأبصار ص143.
(6) العقد الفريد ج3 ص6.
(7) المناقب ج4 ص19.
(8) المصدر ص23.