ما قاله الصحابة في فضل علي بن أبي طالب
أبو سعيد الخدري:
روى الطبري باسناده عن أبي سعيد قال: «شكا الناس علي بن أبي طالب، فقام رسول الله فينا خطيباً فسمعته يقول: يا أيها الناس لا تشكوا علياً فوالله إنه لأخشى في ذات الله ـ أو في سبيل الله ـ من أن يشكى»(1).
زيد بن أرقم:
قال زيد بن أرقم: «أول من صلى مع النبي علي»(2).
سلمان الفارسي:
قال سلمان الفارسي: «أول هذه الأمة وروداً على نبيها عليه الصلاة والسلام الحوض أولها اسلاماً علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ»(3).
وقال سليم بن قيس: «سمعت سلمان الفارسي يقول: إن علياً باب فتحه الله من دخله كان مؤمناً ومن خرج منه كان كافراً»(4).
وقال: «سمعت سلمان وأبا ذر والمقداد وسألت علي بن أبي طالب صلوات الله عليه وآله عن ذلك فقال: صدقوا، قالوا: دخل علي عليه السّلام على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وعائشة قاعدة خلفه والبيت غاص بأهله فيهم الخمسة أصحاب الكتاب، والخمسة أصحاب الشورى، فلم يجد مكاناً فأشار إليه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ها هنا يعني خلفه وعائشة قاعدة خلفه وعليها كساء فجاء علي عليه السّلام فقعد بين رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وبين عائشة فغضبت، وقالت: ما وجدت لأستك موضعاً غير حجري؟
فغضب رسول الله وقال: يا حميراء لا تؤذيني في أخي علي فإنه أمير المؤمنين وسيد المسلمين وصاحب الغر المحجلين يوم القيامة يجعله الله على الصراط (وفي رواية أخرى يقعده الله يوم القيامة على الصراط) فيقاسم النار فيدخل أولياءه الجنة ويدخل اعداءه النار»(5).
روى المفيد بأسناده عن زر بن حبيش قال: «مر علي بن أبي طالب عليه السّلام على بغلة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وسلمان في ملأ فقال سلمان رحمه الله: ألا تقومون تأخذون بحجزته تسألونه، فوالله الذي فلق الحبّة وبرأ النسمة لا يخبركم سر نبيكم أحد غيره، وانه لعالم الأرض وزرّها وإليه تسكن، ولو فقدتموه لفقدتم العلم»(6).
جابر بن عبدالله الأنصاري:
قال جابر بن عبدالله ـ رضي الله عنه ـ: «لقد سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول في علي خصالا لو كانت واحدة منها في رجل اكتفى بها فضلا وشرفاً، قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: من كنت مولاه فعلي مولاه، وقوله: علي مني كهارون من موسى، وقوله: علي منّي وأنا منه، وقوله: علي مني كنفسي طاعته طاعتي، ومعصيته معصيتي، وقوله: حربُ علي حرب الله، وسلم علي سلم الله، وقوله: ولي علي ولي الله، وعدو علي عدو الله، وقوله: علي حجة الله على عباده، وقوله: حب علي ايمان وبغضه كفر، وقوله: حزب علي حزب الله، وحزب أعدائه حزب الشيطان، وقوله: علي مع الحق والحق معه لا يفترقان، وقوله: علي قسيم الجنة والنار، وقوله: من فارق علياً فقد فارقني، ومن فارقني فقد فارق الله، وقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: شيعة علي هم الفائزون يوم القيامة»(7).
وقال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: أنا سيد النبيين وعلي سيد الوصيين، وان أوصيائي بعدي اثنا عشر، أولهم علي وآخرهم القائم المهدي»(8).
وقال: «سمعت علياً يتمثل ورسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يسمع:
أنا أخو المصطفى لا شكّ في نسبي *** معه رُبيت وسبطاه هما ولدي
جدّي وجدّ رسول الله منفرد *** وفاطم زوجتي لا قول ذي فند
صدّقته وجميع الناس في نهض *** من الضلالة والإشراك والنكد
والحمد لله شكراً لا شريك له *** البرّ بالعبد والباقي بلا أمد
فتبسم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وقال: صدقت يا علي»(9).
قال جابر: «كنت عند النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وعنده أبو بكر وعمر، فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم لعلي: اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله، فقال أبو بكر لعمر: هذه والله الفضيلة»(10).
سأل محمّد بن علي الباقر جابر بن عبدالله الأنصاري لما دخل عليه عن عايشة وما جرى بينها وبين علي عليه السّلام فقال له جابر: «دخلت عليها يوماً وقلت لها: ما تقولين في علي بن أبي طالب؟ فأطرقت رأسها، ثم رفعته وقالت:
إذا ما التبر حك على المحك *** تبين غشه من غير شك
وفينا الغش والذهب المصفى *** عليٌّ بيننا شبه المحك»(11)
قال عبيد الله بن أبي الجعد «سئل جابر بن عبدالله عن قتال علي فقال: ما يشك في قتال علي إلاّ كافر»(12).
وقال جابر بن عبدالله: «إن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم نزل بخم فتنحى الناس عنه وأمر علياً عليه السّلام فجمعهم، فلما اجتمعوا قام فيهم وهو متوسد يد علي بن أبي طالب فحمد الله واثنى عليه، ثم قال: أيها الناس إنّه قد كرهت تخلفكم عني حتى خيل إليه أنه ليس شجرة أبغض اليكم من شجرة تليني، ثم قال: لكن علي بن أبي طالب أنزله الله منّي بمنزلتي منه، فرضي الله عنه كما أنا عنه راض، فإنه لا يختار على قربي ومحبتي شيئاً ثم رفع يديه، فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه قال: فابتدر الناس إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يبكون ويتضرعون ويقولون: يا رسول الله ما تنحينا عنك إلاّ كراهة أن نثقل عليك فنعوذ بالله سبحانه من سخط رسوله. فرضي رسول الله عنهم عند ذلك»(13).
أبو بكر:
قال محب الدين الطبري: «ذكر ما رواه أبو بكر في فضل علي»: منه حديث النظر إليه عبادة، وحديث استواء كفه وكف النبي، وحديث أنه خيم عليه وعلى بنيه خيمة، وحديث انه من النبي بمنزلة النبي من ربه، وحديث لا يجوز أحد الصراط إلاّ بجواز يكتبه عليّ، وقوله: من سره أن ينظر إلى أقرب الناس قرابةً، وإحالته على عليّ لما سئل عن وصف رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم(14).
قال معقل بن يسار: «سمعت أبا بكر ـ رضي الله عنه ـ يقول: علي بن أبي طالب عترة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، اي الذين حث النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم على التمسك بهم، والأخذ بهديهم، فانهم نجوم الهدى، ومن اقتدى بهم اهتدى، وخصه أبو بكر بذلك لأنه الإمام في هذا الشأن وباب مدينة العلم والعرفان. فهو إمام الأئمة، وعالم الأمة، وكأنه أخذ ذلك من تخصيصه صلّى الله عليه وآله وسلّم له من بينهم يوم غدير خم كما سبق. وهذا حديث صحيح لا مرية فيه ولا شك لنافيه»(15).
قال الشعبي: «رأى أبو بكر علياً فقال: من سره أن ينظر إلى أعظم الناس منزلةً من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم واقربه قرابةً، وأفضله دالةً، وأعظمه عناء عن نبيه، فلينظر إلى هذا»(16).
قال الشعبي: «بينا أبو بكر جالس، إذ طلع علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ من بعيد، فلما رآه، قال أبو بكر: من سره أن ينظر إلى أعظم الناس منزلةً وأقربهم قرابةً وأفضلهم حالا وأعظمهم عناءً عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فلينظر إلى هذا الطالع»(17).
قال حبشي بن جنادة: «كنت جالساً عند أبي بكر الصديق، فقال: من كانت له عند رسول الله عدة فليقم، فقام رجلٌ فقال: يا خليفة رسول الله، انه وعدني ثلاث حثيات من تمر فاحثها لي، فقال: ارسلوا إلى علي فجاء، فقال له: يا أبا الحسن إن هذا يزعم ان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وعده ان يحثي له ثلاث حثيات من تمر فاحثها له فلما حثاها له، فقال له أبو بكر: عدّوها فعدوها فوجدوها في كل حثية ستين تمرة لا تزيد واحدة على الأخرى، فقال أبو بكر الصديق: صدق الله ورسوله، قال لي رسول الله ليلة الهجرة، ونحن خارجون من الغار يريد المدينة: يا أبا بكر كفّي وكفّ علي في العدد سواء»(18).
عائشة:
قالت عائشة: «رأيت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم التزم علياً وقبله، وهو يقول: بأبي الوحيد الشهيد، بأبي الوحيد الشهيد»(19).
وسئلت أي الناس أحب إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم؟ قالت: «فاطمة، قيل: من الرجال؟ قالت: زوجها إنه كان ما علمت صوّاماً قوّاماً»(20).
قال جميع بن عمير: «قالت عمتي لعايشة وأنا أسمع: أرأيت مسيرك إلى علي ما كان؟ قالت: دعينا منك، إنه ما كان من الرجال أحب إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم من علي، ولا من النساء أحب إليه من فاطمة»(21).
عمر بن الخطاب:
قال عمر بن الخطاب: «لقد أعطي علي بن أبي طالب ثلاث خصال لأن تكون لي خصلة منها أحب إلي من أن اعطى حمر النعم، قيل: وما هي يا أمير المؤمنين؟ قال: تزويجه فاطمة بنت رسول الله وسكناه المسجد مع رسول الله يحل له فيه ما يحل له والراية يوم الخيبر. هذا حديث صحيح الاسناد»(22).
وقال: «ان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لعلي: يا علي، لك سبع خصال لا يحاجك فيه أحد يوماً: أنت أول المؤمنين بالله ايماناً واوفاهم بعهد الله واقومهم بأمر الله وارأفهم بالرعية واقسمهم بالسوية وأعلمهم بالقضية واعظمهم مزّيةً يوم القيامة»(23).
وقال عمر: «كانت لأصحاب محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم ثمانية عشر سابقة. فخص عنها علي بثلاثة عشر وشركنا في الخمس»(24).
«جاء رجلان إلى عمر، فقالا له: ماترى في طلاق الأمة؟ فقام إلى حلقة فيها رجل أصلع، فقال له: ماترى في طلاق الأمة؟ فقال: اثنتان. بيده، فالتفت عمر إليهما فقال: اثنتان، فقال له أحدهما: جئناك وأنت الخليفة، فسألناك عن طلاق الأمة فجئت إلى رجل فسألته فوالله ما كلّمك، فقال له عمر: ويلك أتدري من هذا؟ هذا علي بن أبي طالب، إني سمعت رسول الله يقول: لو أن السماوات والأرض وضعت في كفة ميزان، ووزن ايمان علي لرجح ايمان علي على السماوات والأرض»(25).
وقال: «كفوا عن علي فإني سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فيه خصالا لو أنّ خصلة منها في جميع آل الخطاب كان أحب اليّ مما طلعت عليه الشمس، إني كنت ذات يوم وأبو بكر وعبد الرحمان وعثمان بن عفان وأبو عبيدة ابن الجراح في نفر من أصحاب رسول الله فانتهينا إلى باب أم سلمة إذا نحن بعلي متكىء على نجف الباب فقلنا: أردنا رسول الله فقال: هو في البيت يخرج عليكم الآن، قال: فخرج علينا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فثرنا حوله فاتكى على علي ثم ضرب يده على منكبه، وقال: يا ابن أبي طالب فانك تخاصم بسبع خصال ليس لأحد بعدهن إلاّ فضلك: انك أول المؤمنين معي ايماناً وأعلمهم بأيام الله وأوفاهم بعهده وأرأفهم بالرعية وأقسمهم بالسوية وأعظمهم عند الله مزية» قال ابن عساكر: وسقطت منهم واحدة(26).
قال سويد بن غفلة: «رأى عمر رجلا يخاصم علياً، فقال له عمر: إني لأظنك من المنافقين، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول: علي مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ انه لا نبي بعدي»(27).
قال عمر بن الخطاب: «قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: ما اكتسب مكتسب مثل فضل علي، يهدي صاحبه إلى الهدى ويرد عن الردى»(28).
قال عمر لعلي: «عظني يا أبا الحسن قال: لا تجعل يقينك شكاً ولا علمك جهلا ولا ظنك حقاً، واعلم انه ليس لك من الدنيا إلاّ ما أعطيت فامضيت وقسمت فسويت ولبست فأبليت، قال: صدقت يا أبا الحسن»(29).
قال محبّ الدين الطبري (في ذكر ما رواه عمر في علي): «منه حديث الراية يوم خيبر، وحديث ثلاث خصال لأن يكون لي واحدة منهن، وحديث أنه صلّى الله عليه وآله وسلّم قال في علي ثلاث خصال لوددت أن لي واحدةً منهن، وحديث أنت مني بمنزلة هارون من موسى وحديث رجحان ايمانه بالسماوات السبع والأرضين، وحديث من كنت مولاه فعلي مولاه، وقوله: ما أحببت الإمارة إلا يومئذ لما قال لعلي لأبعثنه إلى كذا وكذا، وقوله: أصبحت مولى كل مؤمن ومؤمنة، وقوله: علي مولى من النبي مولاه، وقوله في علي أنه مولاي وإحالته في المسألة عليه غير مرة في القضاء، وقوله: أقضانا علي ورجوعه إلى قوله في مسائل كثيرة»(30).
قال عمر: «تحببوا إلى الأشراف، وتوددوا، واتقوا على أعراضكم من السفلة، واعلموا أنه لا يتم شرف إلاّ بولاية علي رضي الله عنه»(31).
وقال ابن عباس: «مشيت أنا وعمر بن الخطاب في بعض أزقة المدينة، فقال لي: يا ابن عباس أظن القوم استصغروا صاحبكم إذ لم يولوه أموركم، فقلت: والله ما استصغره رسول الله إذ اختاره لسورة براءة يقرؤها على أهل مكة، فقال لي: الصواب تقول، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول لعلي بن أبي طالب: من أحبك أحبني، ومن أحبني أحب الله، ومن أحب الله أدخله الجنة»(32).
قال سالم بن أبي جعدة: «قيل لعمر بن الخطاب انك تصنع بعلي ما لا تصنعه بأحد من اصحاب النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال: إنه مولاي»(33).
أم سلمة:
«بلغ أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ أن مولى لها ينتقص علياً ـ كرم الله وجهه ـ، فأرسلت إليه، فأتى اليها، وقالت له: يا بني أحدثك بحديث سمعت من رسول الله. قال صلّى الله عليه وآله وسلّم: يا أم سلمة اسمعي واشهدي: هذا علي أخي في الدنيا والآخرة، وحامل لوائي في الدنيا، وحامل لواء الحمد غداً في القيامة، وهذا علي وصيي، وقاضي عداتي، والذائد عن حوضي المنافقين. يا أم سلمة هذا علي سيد المسلمين، وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين، وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين، قلت: يا رسول الله من الناكثون؟ قال: الذين يبايعونه بالمدينة، وينكثون بالبصرة، قلت: من القاسطون؟ قال: ابن أبي سفيان وأصحابه من أهل الشام، قلت: من المارقون؟ قال: أصحاب النهروان. فقال مولاها: فجزاك الله عني. لا أسبه أبداً»(34).
وقالت: «أخذ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بيد علي بغدير خم فرفعها حتى رأينا بياض ابطه، فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، ثم قال: أيها الناس إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض»(35).
معاوية بن أبي سفيان:
قال قيس بن أبي حازم: «سأل رجل معاوية عن مسألة، فقال: سل عنها علي بن أبي طالب فهو أعلم مني. قال: قولك يا أميرالمؤمنين أحب إليّ من قول علي قال: بئس ما قلت ولؤم ما جئت به، لقد كرهت رجلا كان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يغره بالعلم غراً، ولقد قال له: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، وكان عمر بن الخطّاب يسأله ويأخذ عنه، ولقد شهدت عمر إذا أشكل عليه أمر قال: أها هنا علي بن أبي طالب؟ ثم قال معاوية للرجل: قم لا اقام الله رجليك، ومحا اسمه من الديوان»(36).
قال أبو اسحاق: «جاء ابن أحور التميمي إلى معاوية، فقال: يا أمير المؤمنين جئتك من عند الأم الناس وأبخل الناس وأعيا الناس وأجبن الناس. فقال له معاوية: ويلك وأنى أتاه اللؤم، ولكنا نتحدث أن لو كان لعلي بيت من تبن وآخر من تبر لأبعد التبر قبل التبن، وأنى أتاه العي وإن كنا لنتحدث أنه ما جرت المواسي على رأس رجل من قريش أفصح من علي، ويلك وأنى أتاه الجبن وما برز له رجل قط إلاّ صرعه، والله يا ابن أحور لو لا أن الحرب خدعة لضربت عنقك، أخرج فلا تقيمن في بلدي، قال عطاء: وإن كان معاوية يقاتله فانه كان يعرف فضله»(37).
قال جابر: «كنا عند معاوية، فذكر علياً فأحسن ذكره وذكر أبيه وأمه، ثم قال: وكيف لا اقول هذا لهم، وهم خيار خلق الله»(38).
عن مغيرة قال: «جاء نعي علي بن أبي طالب إلى معاوية وهو نائم مع امرأته فاختة بنت قرظة، فقعد باكياً مسترجعاً، فقالت له فاختة: أنت بالأمس تطعن عليه واليوم تبكي عليه؟ فقال: ويحك أنا أبكي لما فقد الناس من حلمه وعلمه»(39).
وقال: «لما جاء معاوية وفاة علي، قال: إنا لله وإنا إليه راجعون وهو قائل مع امرأته ابنة قرظة في يوم صائف، وقال: ماذا فقدوا من العلم والفضل والخير!!! فقالت امرأته، تسترجع عليه اليوم؟ قال: ويلك لا تدرين ماذا ذهب من علمه وفضله وسوابقه»(40).
أبو هريرة:
روى أنس عن عمر بن الخطاب قال: «حدثني أبو بكر قال: سمعت أبا هريرة يقول: جئت إلى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وبين يديه تمر، فسلمت عليه فرد علي وناولني من التمر ملء كفه فعددته ثلاثاً وسبعين تمرة، ثم مضيت من عنده إلى عند علي بن أبي طالب وبين يديه تمر، فسلمت عليه فرد علي وضحك إلي، وناولني من التمر ملء كفه فعددته، فإذا هو ثلاث وسبعون تمرة، فكثر تعجبي من ذلك، فرجعت إلى النبي فقلت: يا رسول الله، جئتك وبين يديك تمر، فناولتني ملء كفك، فعددته ثلاثاً وسبعين تمرة، ثم مضيت إلى علي بن أبي طالب وبين يديه تمر، فناولني ملء كفه فعددته ثلاثاً وسبعين، فتعجبت من ذلك، فتبسم النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وقال: يا أبا هريرة أما علمت أن يدي ويد علي في العدل سواء»(41).
عبد الله بن عمر بن الخطاب:
روى عطاء عن ابن عمر «أنه بلغه أن رجلا يذكر علي بن أبي طالب فقال له ابن عمر: لم تفعل؟ فورب هذه البنية، لقد سبقت له الحسنى من الله ما لها من مردود».
قال سعد بن عبيدة: «قال رجل لابن عمر: ما تقول في علي فإني أبغضه؟ قال: أبغضك الله فاني ابغضك»(42).
وقال: «جاء رجل إلى ابن عمر، فسأله عن علي، فذكر محاسن عمله، وقال: هو ذاك بيته أوسط بيوت النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، ثم قال: لعل ذاك ليسوءك قال: أجل، قال: فأرغم الله بأنفك، انطلق فاجهد على جهدك»(43).
وقال: «جاء رجلٌ إلى عبد الله بن عمر، فقال: حدثني عن علي، فقال ابن عمر: إن سرك أن تعلم ما كانت منزلته من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فانظر إلى بيته من بيوت رسول الله. قال الرجل: فاني أبغضه، قال: أبغضك الله»(44).
قال عبد الله بن عمر: «كنا نتحدث أن أفضل هذه الأمة علي بن أبي طالب»(45).
قال ابن عمر: «لقد أعطي علي بن أبي طالب ثلاثاً لأن أكون أعطيتهن أحب إلي من حمر النعم، زوّجه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فاطمة فولدت له، وأعطي الراية يوم خيبر، وسدت أبواب المسجد الاّ باب علي»(46).
قال عبدالله بن عمر: «سألت النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم عن علي بن أبي طالب فغضب وقال: ما بال أقوام يذكرون منزلة من له منزلة كمنزلتي؟ ألا ومن أحب علياً فقد أحبني ومن أحبني رضي الله عنه، ومن رضي الله عنه كافاه بالجنة، ألا ومن أحب علياً يقبل الله صلاته وصيامه وقيامه واستجاب الله له دعاءه، ألا ومن أحب علياً فقد استغفرت له الملائكة وفتحت له أبواب الجنة فيدخل من أي باب شاء بغير حساب، ألا ومن أحب علياً لا يخرج من الدنيا حتى يشرب من الكوثر ويأكل من شجرة طوبى ويرى مكانه من الجنة، ألا ومن أحب علياً هون الله تبارك وتعالى عليه سكرات الموت وجعل قبره روضة من رياض الجنة، ألا ومن أحب علياً أعطاه الله بعدد كل عرق في بدنه حوراء ويشفع في ثمانين من أهل بيته، وله بكل شعرة في بدنه مدينة في الجنة، ألا ومن أحب علياً بعث الله إليه ملك الموت يرفق به ودفع الله عزّوجل عنه هول منكر ونكير ونور قلبه وبيض وجهه، ألا ومن أحب علياً أظله الله في ظل عرشه مع الشهداء والصديقين، ألا ومن أحب علياً نجاه الله من النار، ألا ومن أحب علياً تقبل الله منه حسناته وتجاوز عن سيئاته وكان في الجنة رفيق حمزة سيد الشهداء، ألا ومن أحب علياً ثبتت الحكمة في قلبه وجرى على لسانه الصواب وفتح الله له أبواب الرحمة، ألا ومن أحب علياً سمي في السماوات أسير الله في الأرض، ألا ومن أحب علياً ناداه ملك من تحت العرش يا عبدالله استأنف العمل فقد غفر الله لك الذنوب كلها، ومن أحب علياً جاء يوم القيامة ووجهه كالقمر ليلة البدر، ألا ومن أحب علياً وضع الله على رأسه تاج الكرامة وألبسه حلة الكرامة، ألا ومن أحب علياً مرّ على الصراط كالبرق الخاطف، ألا ومن أحب علياً وتولاه كتب الله له براءة من النار وجوازاً على الصراط وأماناً من العذاب، ألا ومن أحب علياً لا ينشر له ديوان ولا ينصب له ميزان ويقال له أو قيل له: أدخل الجنة بغير حساب، ألا ومن أحب آل محمّد صافحته الملائكة وزاره الأنبياء، وقضى الله له كل حاجة كانت له عند الله عزّوجل، ألا ومن مات على حب آل محمّد فأنا كفيله بالجنة. قالها ثلاثاً.
قال قتيبة بن سعيد أبو رجاء: كان حماد بن زيد يفتخر بهذا الحديث ويقول: هو الأصل لمن يُقرّبه»(47).
أبو ذر الغفاري:
أسند أبو ذر ظهره إلى الكعبة فقال: «أيها الناس هلموا أحدّثكم عن نبيكم، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، يقول لعلي ثلاثاً لأن يكون لي واحدة منهن أحب إلي من الدنيا وما فيها، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول لعلي: اللهم أعنه واستعن به، اللهم انصره وانتصر به، فانه عبدك وأخو رسولك»(48).
قال داود بن أبي عوف: «حدثني معاوية بن ثعلبة الليثي قال: ألا أحدثك بحديث لم يختلط؟ قلت: بلى، قال: مرض أبو ذر ـ رضوان الله عليه ـ فأوصى إلى علي فقال بعض من يعوده: لو أوصيت إلى أمير المؤمنين عمر كان أجمل لوصيتك من علي قال: والله لقد أوصيت إلى أمير المؤمنين حق أمير المؤمنين، والله إنه للربيع الذي يسكن إليه، ولو قد فارقكم لقد انكركم الناس وأنكرتكم الأرض، قالت: قلت يا أبا ذر، إنا لنعلم أن أحبهم إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أحبهم إليك، قال: أجل: قلنا: فأيهم أحب إليك؟ قال: هذا الشيخ المظلوم المضطهد حقه يعني أمير المؤمنين علي بن أبي طالب»(49).
قال أبو ذر ـ رضي الله عنه ـ: «بعثني رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لأدعو علياً فأتيت بيته فناديته فلم يجبني، فعدت فأخبرت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال لي: عُد إليه، أدعه فإنه في البيت، قال: فعدت أناديته فسمعت صوت رحى تطحن، فشارفت فإذا الرحى تطحن، وليس معها أحد، فناديته فخرج إلي منشرحاً، فقلت له: إن رسول الله يدعوك، فجاء، ثم لم أزل أنظر إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وينظر إلي، ثم قال: يا أبا ذر، ما شأنك؟ فقلت: يا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عجيب من العجب، رأيت رحى تطحن في بيت علي عليه السّلام وليس معها أحد يرحى، فقال: يا أبا ذر، إن لله ملائكة سياحين في الأرض وقد وكلوا بمؤنة آل محمّد»(50).
قال أبو سخيلة: «مررت أنا وسلمان بالربذة على أبي ذر فقال: انه ستكون فتنة، فان أدركتموها فعليكم بكتاب الله وعلي بن أبي طالب، فإني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول: علي أول من آمن بي وأول من يصافحني يوم القيامة وهو يعسوب المؤمنين»(51).
ابن عبّاس:
قال ابن عباس: «لعلي أربع خصال ليست لأحد: هو أول عربي وأعجمي صلى مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وهو الذي كان لوائه معه في كل زحف، والذي صبر معه يوم المهراس(52)، وهو الذي غسّله وأدخله قبره»(53).
وقال رجل لابن عباس: «سبحان الله ما أكثر مناقب علي وفضائله؟ إني لأحسبها ثلاثة آلاف، فقال ابن عباس رضي الله عنها: أولا تقول: انها إلى ثلاثين ألفاً أقرب، قلت: ويدل على ذلك ما رويناه عن إمام أهل الحديث أحمد بن حنبل وهو أعرف اصحاب أهل الحديث في علم الحديث: ما جاء لأحد من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ما جاء لعلي بن أبي طالب. وقال الحافظ البيهقي: وهو أهل كل فضيلة ومنقبة، ومستحق لكل سابقة ومرتبة، ولم يكن أحد في وقته أحق بالخلافة منه»(54).
وقال ابن عباس: «ما انتفعت بكلام بعد النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم شيء كتب به إلي علي به أبي طالب عليه السّلام فانه كتب: بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد، يا أخي فإنك تسر بما يصل إليك مما لم يكن يفوتك، ويسوؤك ما لم تدركه، فما نلت يا أخي من الدنيا فلا تكن به فرحاً وما فاتك فلا تكن عليه حزناً، وليكن عملك لما بعد الموت والسلام»(55).
قال عمرو بن ميمون: «إني لجالس إلى ابن عباس إذ أتاه تسعة رهط، فقالوا: يا ابن عباس، إما أن تقوم معنا، وإما أن يخلونا هؤلاء، قال: فقال ابن عباس: بل أقوم معكم، قال: وهو يومئذ صحيح قبل أن يعمى، قال: فابتدأوا فتحدثوا فلا ندري ما قالوا قال: فجاء ينفض ثوبه ويقول: أف وتف، وقعوا في رجل له عشر، وقعوا في رجل قال له النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: لأبعثن رجلا لا يخزيه الله أبداً يحب الله ورسوله، قال: فاستشرف لها من استشرف، قال: أين علي؟ قالوا: هو في الرحل يطحن، قال: وما كان أحدكم ليطحن، قال: فجاء وهو أرمد لا يكاد يبصر قال: فنفث في عينيه، ثم هز الراية ثلاثاً فأعطاها إياه فجاء بصفية بنت حيى، قال: ثم بعث فلاناً بسورة التوبة فبعث علياً خلفه فأخذها منه، قال: لا يذهب بها إلاّ رجلٌ مني وأنا منه، قال: وقال لبني عمه: ايكم يواليني في الدنيا والآخرة؟ قال: وعلي معه جالس فأبوا فقال علي: أنا أواليك في الدنيا والآخرة، قال: أنت وليي في الدنيا والآخرة، قال: فتركه، ثم أقبل على رجل منهم فقال: أيكم يواليني في الدنيا والآخرة، فأبوا، قال: فقال علي أنا أواليك في الدنيا والآخرة، فقال: أنت وليي في الدنيا والآخرة، قال: وكان أول من أسلم من الناس بعد خديجة قال: وأخذ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ثوبه فوضعه على علي وفاطمة وحسن وحسين فقال: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)(56) قال: وشرى علي نفسه لبس ثوب النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ثم نام مكانه، قال: وكان المشركون يرمون رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فجاء أبو بكر وعلي نائم قال: وأبو بكر يحسب أنه نبي الله، قال: فقال: يا نبي الله، قال: فقال له علي: إن نبي الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قد انطلق نحو بئر ميمون فأدركه، قال: فانطلق أبو بكر فدخل معه الغار قال: وجعل علي يرمى بالحجارة كما كان يرمى نبي الله وهو يتضور قد لف رأسه في الثوب لا يخرجه حتى أصبح، ثم كشف عن رأسه، فقالوا: إنك للئيم كان صاحبك نراميه فلا يتضور وأنت تتضور وقد استنكرنا ذلك، قال: وخرج بالناس في غزوة تبوك، قال: فقال له علي: أخرج معك، قال: فقال له نبي الله: لا، فبكى علي، فقال له: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنك لست بنبي، انه لا ينبغي أن اذهب إلاّ وأنت خليفتي، قال: وقال له رسول الله: أنت وليي في كل مؤمن من بعدي، وقال: سدّوا أبواب المسجد غير باب علي، فكان يدخل المسجد جنباً وهو طريقه ليس له طريق غيره، قال: وقال: من كنت مولاه فان مولاه علي»(57).
قال ابن عباس ـ وقد سئل عن علي عليه السّلام ـ «رحمة الله على أبي الحسن، كان والله علم الهدى، وكهف التقى، وطود النهى، ومحل الحجى، وغيث الندى، ومنتهى العلم للورى، ونوراً أسفر في الدجى، وداعياً إلى المحجة العظمى، مستمسكاً بالعروة الوثقى، انقى من تقمص وارتدى، وأكرم من شهد النجوى بعد محمّد المصطفى، وصاحب القبلتين، وأبو السبطين، وزوجته خير النساء فما يفوقه أحد، لم تر عيناي مثله، ولم أسمع بمثله. فعلى من بغضه لعنة الله ولعنة العباد إلى يوم التناد. أخرجه أبو الفتح القواس. قوله: طود هو الجبل العظيم، استعير منه التعظيم، والنهى العقول، والحجى العقل ايضاً، والنجوى المشاورة والمسارة»(58).
قال مجاهد: «قيل لابن عباس: ما تقول في علي بن أبي طالب؟ فقال: ذكرت والله أحد الثقلين، سبق بالشهادتين، وصلى القبلتين، وبايع البيعتين، وأعطي السبطين الحسن والحسين، وردت عليه الشمس مرتين بعد ما غابت عن المقلتين، وجرد السيف تارتين، وهو صاحب الكرتين، فمثله في الأمة مثل ذي القرنين، ذلك مولاي علي بن أبي طالب»(59).
وقال ابن عباس: «العلم ستة أسداس، فلعلي بن أبي طالب من ذلك خمسة أسداس وللناس سدس، ولقد شاركنا في سدسنا حتى هو أعلم به منا»(60).
وقال: «كنا نتحدث أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عهد إلى علي سبعين عهداً لم يعهدها إلى غيره»(61).
قال ميمون بن مهران: «كنت مع عبدالله بن عباس في الطواف، فإذا هو بشاب متعلق بأستار الكعبة وهو يقول: اللهم اني ابرأ اليك من علي بن أبي طالب ومما أحدث في الإسلام، فقال لي ابن عباس: ادع لي ذلك الشاب، قال: فدعوته إليه، فجاء وجلس عن يمين ابن عباس، فقال له ابن عباس: من أنت وما اسمك؟ قال: أنا زمعة بن خارجة الخارجي، قال: فقال له ابن عباس: يا زمعة، وما أحدث علي في الإسلام؟ قال: انه قتل المسلمين يوم الجمل وصفين، فقال له ابن عباس: إنك بغي الرأي مخذول الرأس، ان علي بن أبي طالب شهر سيفه على من خرج على الأمة، وقابل الأئمة، لو لم يكن لعلي إلاّ أربع خصال كانت له أربع سوابق لو قسمت على جميع الخلائق لوسعتهم، قال: وما هي يا ابن عباس؟ قال: انه كان أول الناس إسلاماً لم يعبد صنماً ولم يشرب خمراً، والثانية كان يسمع حسَّ جبرئيل عليه السّلام حين ينزل على محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم بالوحي دوننا، والثالثة: لما أراد الله أن يزوج كريمته فاطمة من علي فأمر الحور العين أن برزن فأمر طوبى أن تنثر فنثرت الدر مثل القلال فكن يلتقطن وهنّ يتهادين إلى يوم القيامة ويقلن: هذه هدايا فاطمة بنت محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم، والرابعة: لما كان فتح مكة وسكن الناس وسقطت الشمس للمغيب، قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم لعلي: يا علي انطلق بنا حتى نكسر صنم بني خزاعة، وكان لبني خزاعة صنم عند الميزاب، فانطلقا فلما انتهيا إليه انحنى علي وقال: ارق يا رسول الله، فقال له النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: انك لا تقدر على حملي ولا أهل الدنيا كلهم يقدرون على أن يحملوا عضواً من أعضاء نبي، فوضع النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم رجله على كتف علي، فكاد علي ينكسر فاستغاث بالنبي وقال: الأمان يا رسول الله فقد كادت اعضائي تختلف بعضها في بعض، فرفع النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم رجله عن كتف علي وقال: يا علي ذلك ثقل النبوة، ثم قال: أرق وانحنى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، فارتقى علي وكان طول الكعبة أربعين ذراعاً، فقال له النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: يا علي هل وصلت؟ قال: يا رسول الله والله لو أردت أن أمس السماء لمسستها، فأخذ الصنم وطرحه على الأرض وألقى نفسه على الأرض فسقط سقطة، ثم وثب وهو يضحك، فقال له النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: ما لك تضحك يا علي؟! قال: انما أضحك إذ لم يصبني نكبة، فقال له النبي: كيف يصيبك الألم وانما حملك محمّد ونزل بك جبرئيل. قال: فتاب زمعة بن خارجة الخارجي على يديه، وصار محباً لعلي»(62).
وقال ابن عباس: «كانت لعلي ثماني عشرة منقبة ما كانت لأحد من هذه الأمة»(63).
وقال: «والله لقد أعطي علي تسعة أعشار العلم، وأيم الله لقد شارككم في العشر العاشر»(64).
وقال: « وقد سأله الناس ـ: أي رجل كان علياً؟ قال: «كان ممتليء جوفه حكماً وعلماً وبأساً ونجدة مع قرابته من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم».
قال ابن عباس: «علم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم من علم الله، وعلم علي من علم رسول الله، وعلمي من علم علي، وما علمي وعلم أصحاب محمّد في علم علي إلاّ كقطرة في سبعة أبحر، فانظر كيف تفاوت الخلق في العلوم والفهوم»(65).
«وقد سئل عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فقال: كان أشدنا برسول الله لزوماً وأولنا إسلاماً»(66).
وعنه: «أن علياً دخل على النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فقام إليه وعانقه وقبل بين عينيه، فقال العباس: أتحب هذا يا رسول الله؟ قال: يا عم، والله أشد حباً له مني»(67).
قال سعيد بن جبير: «ذكر عند ابن عباس علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال: انكم تذكرون رجلا كان يسمع وطء جبرئيل فوق بيته».
سعد بن أبي وقاص:
روى عبدالله بن أبي نجيح عن أبيه، قال: «لما حج معاوية أخذ بيد سعد بن أبي وقاص، فقال: يا أبا إسحاق انّا قومٌ قد أجفانا هذا الغزو عن الحج حتى كدنا ننسى بعض سننه، فطف نطف بطوافك قال: فلما فرغ أدخله في دار الندوة فأجلسه معه على سريره، ثم ذكر علي بن أبي طالب فوقع فيه، قال: أدخلتني دارك وأقعدتني على سريرك ثم وقعت فيه تشتمه، والله لأن تكون فيّ أحد خلاله الثلاث أحب إلي من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس، ولأن يكون قال لي ما قال له حين رآه غزا تبوكاً، ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي، أحبّ إلي من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس، ولأن أكون صهره على ابنته ولي منها من الولد، أحب إلي من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس، ثم قال لمعاوية: لا أدخل عليك داراً بعد اليوم، ثم نفض رداءه وخرج»(68).
قال سعد بن أبي وقاص: «ان أبا بكر وعمر قالا: أمسيت يا ابن أبي طالب مولى كل مؤمن ومؤمنة»(69).
وقال: «لو وضع المنشار على مفرقي على أن أسب علياً ما سببته أبداً بعد ما سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ما سمعت»(70).
«أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً، فقال: ما منعك أن تسب أبا تراب؟ فقال: أما ما ذكرت ثلاثاً قالهن له رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فلن أسبه، لأنْ تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول له وقد خلّفه في بعض مغازيه، فقال له علي: يا رسول الله خلّفتني مع النساء والصبيان، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبوة بعدي، وسمعته يقول يوم خيبر: لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، قال: فتطاولنا لها، فقال: أدعوا لي علياً، فأوتي به أرمد، فبصق في عينيه ودفع الراية إليه، ففتح الله عليه، ولمّا نزلت هذه الآية: (فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ)(71) دعا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً، فقال: «اللّهم هؤلاء أهلي»(72).
قال الشيخ منصور علي ناصف: «فهذه الأحاديث الثلاثة في علي لم يقلها النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم لأحد غيره. ففيها دلالة على رفع مكانة علي ـ رضي الله عنه ـ وفي الحديث اثنتان من علامات النبوة فعلية وقولية.
أما الفعلية، فبصقه في عين علي وبرؤها في الحال.
وأما القولية، فهي قوله: خذ الراية وسر إليهم فسيفتح الله عليك. وكان كذلك»(73).
قال الحرث بن مالك: «أتيت مكة فلقيت سعد بن أبي وقاص، فقلت: هل سمعت لعلي منقبة؟ قال: قد شهدت له خمساً لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من الدنيا أعمر فيها مثل عمر نوح، ان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بعث أبا بكر ببراءة إلى مشركي قريش فساربها يوماً وليلةً، ثم قال لعلي: إتبع أبا بكر، فخذها وبلغها ورد علي أبا بكر فرجع أبو بكر، فقال: يا رسول الله أنزل فيّ شيء؟ قال: لا إلاّ خيراً، إلاّ أنه ليس يبلغ عني إلاّ أنا أو رجل مني، أو قال من أهل بيتي، وقال: وكنا مع النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم في المسجد، فنودي فينا ليلا: ليخرج من في المسجد إلاّ آل الرسول وآل علي قال: فخرجنا نجرّ نعالنا، فلما أصبحنا أتى العباس النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال: يا رسول الله أخرجت أعمامك وأصحابك، وأسكنت هذا الغلام؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: ما أنا أمرت بإخراجكم، ولا إسكان هذا الغلام، انّ الله هو أمر به، وقال: والثالثة، أن نبي الله بعث عمرو سعداً إلى خيبر، فخرج سعد ورجع عمر، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله في ثناء كثير أخشى أن أحصي، فدعا علياً فقالوا: إنه أرمد فجيء به يقاد، فقال له: افتح عينيك، فقال: لا أستطيع، قال: فتفل في عينه من ريقه ودلكها بابهامه وأعطاه الراية، والرابعة: يوم غدير خم، قام رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فابلغ، ثم قال: أيها الناس ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ثلاث مراّت، قالوا: بلى، قال: أدن يا علي فرفع يده، ورفع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يده حتى نظرت إلى بياض إبطيه، فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه ـ حتى قالها ـ ثلاث مرات: والخامسة من مناقبه، أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم غزا على ناقته الحمراء وخلف علياً، فنفست ذلك عليه قريش، وقالوا أنه انما خلفه أنّه إستثقله وكره صحبته، فبلغ ذلك علياً، قال: فجاء حتى أخذ بغرز الناقة، فقال زعمت قريش أنك إنما خلفتني أنك استثقلتني وكرهت صحبتني، قال: وبكى علي قال: فنادى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في الناس فاجتمعوا ثم قال: أيها الناس ما منكم أحدٌ إلاّ وله حامةٌ، أما ترضى يا ابن أبي طالب أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبي بعدي. فقال علي: رضيت عن الله ورسوله. قال الكنجي: هذا حديث حسن وأطرافه صحيحة»(74).
قال خيثمة بن عبد الرحمان «قلت لسعد بن أبى وقاص: ما خلفك عن علي، أشيء رأيته أو سمعته من رسول الله قال: لا بل شيء رأيته، أما إني قد سمعت له من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ثلاثة لو تكون واحدة لي منها أحبّ اليّ مما طلعت عليه الشمس ومن الدنيا وما فيها.
الأولى منها: لما كانت غزوة تبوك خلّف رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم علياً في أهله، قال فوجد علي في نفسه. فقال: أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه ليس بعدي نبوة.
والثانية، قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يوم خيبر: لأعطين الراية غداً رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، ليس بفرار لا يرجع حتى يفتح الله عليه، فلما أصبح صلى الفجر، ثم نظر في وجوه القوم فرأى علياً منكسراً في ناحية القوم يشتكي عينيه، قال: فدعاه فقال: يا رسول الله اني ارمد، قال فأخذه إليه فمسح عينيه ودعا له، قال علي: فو الذي بعثه بالحق ما شكيتهما بعد، قال: ثم أعطاه الراية، قال: فمضى بها واتبعه الناس من خلفه، قال: فما تكامل الناس من خلفه حتى لقى مرحب فاتقاه بالرمح فقتله، ثم مضى إلى الباب حتى أخذ بحلقة الباب، ثم قال: أنزلوا يا أعداء الله على حكم الله وحكم رسوله وعلى كل بيضاء وصفراء، قال: فجاء رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فجلس على الباب فجعل علي يخرجهم على حكم الله وحكم رسوله، فبايعهم وهو آخذ بيد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: فخرج حيي بن أخطب، قال: فقال له رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم برئت منك ذمة الله إذا كتمتني شيئاً، قال: نعم. وكانت له سقاية في الجاهلية فقال له رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ما فعلت سقايتكم التي كانت لكم في الجاهلية، قال: فقال يا رسول الله أجلينا يوم النضير فاستهلكناها لما نزل بنا من الحاجة، قال: فبرئت منك ذمة الله وذمة رسوله إن كذبتني، قال: نعم، قال فأتاه الملك فأخبره فدعاه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال: إذهب إلى جذوع نخلة كذا وكذا فانه قد نقرها وجعل السقاية في جوفها، قال: فاستخرجها فجاء بها، قال: فلما جاء بها، قال لعلي: قم فاضرب عنقه، قال: فقام إليه فضرب عنقه وضرب عنق إبن أبي الحقيق، وكان زوج صفية بنت حيي، وكان عروساً بها، قال: فأصابها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم.
والثالثة، قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يوم غدير خم ورفع بيد علي، فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه»(75).
«قدم معاوية في بعض حجاته فدخل عليه سعد، فذكروا علياً، فنال منه، فغضب سعد، وقال: تقول هذا لرجل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول «من كنت مولاه فعلي مولاه وسمعته يقول «أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبي بعدي» وسمعته يقول «لأعطين الراية اليوم رجلا يحب الله ورسوله»(76).
وقال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في علي بن أبي طالب ثلاث خصال، لأعطين الراية غداً رجلا يحب الله ورسوله، وحديث الطير وحديث غدير خم»(77).
الصحابة:
قال عبدالله بن عياش المخزومي ـ لمّا سئل عن صغو الناس مع علي، وانما هو غلام، ولأبي بكر من السابقة والشرف ما قد علمنا ـ قال: ان علياً كان له ما شئت من ضرس قاطع: البسطة في العشيرة والقدم في الإسلام والصهر لرسول الله والعلم بالقرآن والفقه في السنة والنجدة في الحرب والجودة في الماعون، إنّه كان له ما شئت»(78).
حكى محمّد صدر العالم عن الحافظ ابن عبد البر: «روي عن سلمان، وأبي ذر، والمقداد، وخباب، وجابر، وأبي سعيد الخدري، وزيد بن أرقم: أن علياً أول من أسلم، وفضّله هؤلاء على غيره، ولما دخل علي رضي الله عنه الكوفة دخل عليه حكيم من العرب، فقال: والله يا أمير المؤمنين لقد زينت الخلافة وما زينّتك، ورفعتها وما رفعتك، وهي كانت أحوج إليك منك إليها»(79).
قال ابن مسعود: «قسمت الحكمة عشر أجزاء، فاعطي علي تسعة أجزاء والناس جزء واحد، وعلي أعلم بالواحد منهم»(80).
قال البدخشي: «أخرج أحمد عن البراء بن عازب وزيد بن أرقم أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لما نزل بغدير خم، أخذ بيد علي فقال: ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا بلى قال: ألستم تعلمون إني أولى بكل مؤمن من نفسه؟ قالوا بلى فقال: اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. فلقيه عمر بعد ذلك فقال له هنيئاً يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة»(81).
قال نبيط بن شريط: «خرجت مع علي بن أبي طالب عليه السّلام ومعنا عبدالله بن عباس، فلما صرنا إلى بعض حيطان الأنصار وجدنا عمر جالساً ينكت في الأرض فقال له علي بن أبي طالب: يا أمير المؤمنين ما الذي أجلسك وحدك ها هنا؟ قال: لأمر همني قال علي: أفتريد أحدنا؟ قال عمر: إن كان عبد الله قال: فتخلّف معه عبدالله بن عباس، ومضيت مع علي وأبطأ علينا إبن عباس، ثم لحق بنا، فقال له علي عليه السّلام ما وراءك؟ قال: يا أبا الحسن أعجوبة من عجائب أمير المؤمنين أخبرك بها واكتم علي. قال: فهلم. قال له: لما أن ولّيت قال عمر وهو ينظر إلى أثرك: آه آه آه، فقلت: مم تأوّه يا أميرالمؤمنين؟ قال: من أجل صاحبك يا ابن عباس وقد أعطي ما لم يعطه أحد من آل النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، ولولا ثلاث هنّ فيه ما كان لهذا الأمر من أحد سواه! قلت: ما هن يا أمير المؤمنين؟ قال: كثرة دعابته وبغض قريش له وصغر سنه! قال: فما رددت عليه؟ قال: داخلني ما يدخل ابن العم لابن عمه فقلت: يا أمير المومنين، أما كثرة دعابته فقد كان النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم يداعب فلا يقول إلاّ حقاً، وأين أنت حيث كان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول ونحن حوله صبيان وكهول وشيوخ وشبان ويقول للصبي: «سناقاً سناقاً» ولكل ما يعلمه الله يشتمل على قلبه، وأما بغض قريش له، فوالله ما يبالي ببغضهم له بعد أن جاهدهم في الله حين أظهر الله دينه فقصم أقرانها وكسر آلهتها وأثكل نساءها لامه من لامه، وأما صغر سنه، فقد علمت أن الله تعالى حيث أنزل عليه (بَرَاءةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ) فوجّه النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم صاحبه ليبلغ عنه، فأمره الله أن لا يبلّغ عنه إلاّ رجل من أهله فوجهه به، فهل استصغر الله سنه؟ فقال عمر لابن عباس: أمسك عليّ واكتم، فان سمعتها من غيرك لم أنم بين لابتيها»(82).
قال إبن عباس: «إني لأماشي عمر في سكة من سكك المدينة، يده في يدي فقال: يا ابن عباس، ما أظن صاحبك إلاّ مظلوماً، فقلت في نفسي: والله لا يسبقني بها، فقلت: يا أمير المؤمنين، فاردد إليه ظلامته، فانتزع يده من يدي، ثم مريهمهم ساعة، ثم وقف، فلحقته فقال لي: يا ابن عباس ما أظن القوم منعهم من صاحبك إلاّ أنهم استصغروه، فقلت في نفسي: هذه شرٌ من الأولى فقلت: والله ما استصغره الله حين أمره أن يأخذ سورة براءة من أبي بكر فيقرأها على الناس، فسكت»(83).
وقال: «مرّ عمر بعلي وأنا معه بفناء داره فسلّم عليه فقال له علي: أين تريد؟ قال: البقيع قال: أفلا تصل صاحبك، ويقوم معك؟ قال: بلى فقال لي علي: قم معه، فقمت فمشيت إلى جانبه، فشبك أصابعه في أصابعي، ومشينا قليلا، حتى إذا خلّفنا البقيع قال لي: يا ابن عباس، أما والله ان صاحبك هذا لأولى الناس بالأمر بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، إلاّ أنا خفناه على اثنين، قال ابن عباس: فجاء بكلام لم أجد بداً من مساءلته عنه، فقلت: ما هما يا أمير المؤمنين قال: خفناه على حداثة سنّه وحبّه بني عبد المطلب»(84).
وقال ابن عباس: «طرقني عمر بن الخطاب بعد هدأة من الليل فقال: أخرج بنا نحرس نواحي المدينة، فخرج وعلى عنقه درته حافياً حتى أتى بقيع الغرقد فاستلقى على ظهره وجعل يضرب أخمص قدميه بيده وتأوه الصعداء فقلت له: يا أمير المؤمنين ما أخرجك إلى هذا الأمر؟ قال: أمر الله يابن عباس، قال قلت إن شئت أخبرتك بما في نفسك قال: غصّ يا غواص إن كنت لتقول فتحسن قال قلت ذكرت هذا الأمر بعينه وإلى من تصيره قال: صدقت قال فقلت له: أين أنت عن عبد الرحمن بن عوف؟ فقال: ذلك رجل ممسك وهذا الأمر لا يصلح إلاّ لمعط في غير سرف ومانع في غير إقتار، قال: قلت سعد بن أبي وقاص، قال: مؤمن ضعيف، قال فقلت: طلحة بن عبيد الله، قال: ذاك رجل يناول للشرف والمديح يعطي ماله حتى يصل إلى مال غيره وفيه بأو وكبر، قال فقلت: فالزبير بن العوام فهو فارس الإسلام قال: ذاك يوماً إنسان ويوماً شيطان وعقة لقس، ان كان ليكادح على المكيلة من بكرة إلى الظهر حتى تفوته الصلاة، قال فقلت: عثمان بن عفان قال: إن ولي حمل بني أبي معيط وبني أمية على رقاب الناس وأعطاهم مال الله، ولئن ولي ليفعلن والله لئن فعل لتسيرن العرب إليه حتى تقتله في بيته، ثم سكت قال، فقال: امضها يابن عباس، أترى صاحبكم لها موضعاً؟ قال فقلت: وأين يتبعد من ذلك مع فضله وسابقته وقرابته وعلمه، قال: هو والله كما ذكرت، ولو وليهم لحملهم على منهج الطريق فأخذ المحجة الواضحة، إلاّ أن فيه خصالا: الدعابة في المجلس واستبداد الرأي والتبكيت للناس مع حداثة السّن، قال: قلت: يا أمير المؤمنين هلاّ استحدثتم سنّه يوم الخندق، إذ خرج عمرو بن عبدود وقد نكص عنه الأبطال وتأخرت عنه الأشياخ، ويوم بدر إذ كان يقط الأقران قطاً، وهلا سبقتموه بالإسلام إذ كان جعلته(85) الشعب وقريش تستوفيكم فقال: اليك يا ابن عباس، أتريد أن تفعل بي كما فعل أبوك وعلي بأبي بكر يوم دخلا عليه. قال: فكرهت أن أغضبه فسكتّ.
فقال: والله يابن عباس، ان علياً ابن عمك لأحق الناس بها ولكن قريشاً لا تحتمله، ولئن وليهم ليأخذهم بمرّ الحق لا يجدون عنده رخصة، ولئن فعل لينكثن بيعته ثم ليحاربن»(86).
أبو الطفيل الكناني(87)
قال أبو الطفيل: «سمعت علياً عليه السلام وهو يقول: لو ضربت خياشيم المؤمن بالسيف ما أبغضني ولو نثرت على المنافق ذهباً وفضة ما أحبني، إن الله أخذ ميثاق المؤمنين بحبّي وميثاق المنافقين ببغضي فلا يبغضني مؤمن ولا يحبني منافق أبداً»(88).
نعم كان محبوه هكذا قال عمرو بن المقدام عن أبيه شهدت عند المغيرة رجلاً أقطع فلقيته، فقلت له من قطعك قال: من رحمه الله وغفر له علي بن أبي طالب فقلت أظلمك؟ قال لا والله ما ظلمني(89).
قال حريث بن عمرو: حضر عند معاوية الحسن بن علي وعبدالله بن جعفر وعقيل بن أبي طالب وعمرو بن العاص وسعيد ومروان ومن حضر من الناس وفيهم أبو الطفيل الكناني والشاميون يشيرون إليه، ويقولون هذا صاحب علي إذ قال معاوية يا أخا كنانة من أحب الناس إليك؟ فبكى أبو الطفيل، ثم قال: أحب الناس إلي والله إمام الأئمة والأمة وقائدها وأشجعها قلباً وأشرفها أباً وجداً وأطولها باعاً وأرحبها ذراعاً وأكرمها طباعاً وأشمخها إرتفاعاً، فقال معاوية يا أبا الطفيل ما أردنا هذا كله، قال: ولا أنا قلت العشر من افعاله ثم أنشا أبو الطفيل يقول:
صهر النبيّ بذاك الله أكرمه *** إذ اصطفاه وذاك الصهر مدّخر
فقام بالأمر والتقوى أبو حسن *** بخ بخ هنالك فضل ما له خطر
لا يسلم القرن منه إن ألمّ به *** ولا يهاب وإن أعداؤه كثروا
من رام صولته وافى منيّته *** لا يدفع الثكل عن أعدائه الحذر
وقال فيه أبياتاً أخر، ثم نظر إلى معاوية والحسن عليه السلام إلى جنبه، وقال: كيف يزكى من جده رسول الله وأمه فاطمة بنت رسول الله وخاله القاسم إبن رسول الله وخالته زينب بنت رسول الله ومن أحبه أحب رسول الله ومن أبغضه أبغض رسول الله ومن أبغض رسول الله فقد أبغض الله ومن أبغض الله كفر(90).
وقال أبو الطفيل: قال بعض أصحاب النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم لقد كان لعلي بن أبي طالب من السوابق ما لو أن سابقة منها قسمت بين الملأ لوسعتهم خيراً(91).
(1) تاريخ الطبري ج3 ص149.
(2) أخبار اصبهان ج2 ص150.
(3) الاستيعاب القسم الثالث ص1090 رقم 1855، والهيثمي في مجمع الزوائد ج9 ص102.
(4) كتاب سليم بن قيس الكوفي ص248.
(5) المصدر ص179.
(6) أمالي الشيخ المفيد ص89.
(7) ينابيع المودة للقندوزي الباب السابع ص55.
(8) المصدر، الباب السابع والسبعون ص445.
(9) أخبار اصبهان ج2 ص99.
(10) المصدر: ص358.
(11) نظم درر السمطين ص133.
(12) ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ مدينة دمشق ج3 ص112 رقم 1147.
(13) العمدة لابن البطريق ص53.
(14) الرياض النضرة ج3 ص295.
(15) وسيلة المآل ص230 مخطوط.
(16) معارج العلى ص186 مخطوط، ورواه السمهودي في جواهر العقدين الذكر الثالث عشر ص294.
(17) جواهر العقدين الذكر الثالث عشر ص294.
(18) المناقب للخوارزمي الفصل التاسع عشر 210.
(19) ترجمة الأمام علي بن أبي طالب عليه السّلام من تاريخ مدينة دمشق ج3 ص285 رقم 1376 ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد ج9 ص137.
(20) أسنى المطالب للوصابي الباب السابع ص38 رقم 42 مخطوط.
(21) بشارة المصطفى لشيعة المرتضى لمحمّد بن محمّد الطبري ص240.
(22) المستدرك ج3 ص125، ورواه الجزري في أسنى المطالب ص11، والخوارزمي في المناقب ص238.
(23) مفتاح النجاء ص37.
(24) المناقب للخوارزمي الفصل السابع ص52، ورواه السيد شهاب الدين أحمد في توضيح الدلائل في تصحيح الفضائل ص481 مخطوط.
(25) المناقب للخوارزمي الفصل الثالث عشر ص77، وابن المغازلي في مناقب علي بن أبي طالب عليه السّلام ص289 رقم 330 وروى القطعة الأخيرة محب الدين الطبري في الرياض النضرة ج3 ص263، والسيد شهاب الدين أحمد في توضيح الدلائل في تصحيح الفضائل ص347 مع فرق يسير، والحضرمي في وسيلة المآل ص267، والوصابي في اسنى المطالب الباب الرابع عشر ص89 رقم 2.
(26) ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ مدينة دمشق ج1 ص118/161.
(27) المصدر ص330 رقم 398.
(28) الرياض النضرة ج3 ص240.
(29) ترجمة الإمام علي بن أبي طالب عليه السّلام من تاريخ مدينة دمشق ج3 ص209 رقم 1265.
(30) الرياض النضرة ج3 ص295.
(31) جواهر العقدين للسمهودي الذكر الثالث عشر ص294.
(32) المصدر السابق ص97 مخطوط.
(33) وسيلة المآل للحضرمي ص230 مخطوط.
(34) ينابيع المودة الباب الخامس عشر ص81.
(35) المصدر، الباب الرابع ص40.
(36) ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ مدينة دمشق ج1 ص339 رقم 410 والزرندي في نظم درر السمطين ص134، والحضرمي في وسيلة المآل ص243.
(37 و 38) ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ مدينة دمشق ج3 ص58 رقم 1100 و 1101.
(39) ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ مدينة دمشق ج3 ص337 رقم 1483.
(40) ترجمة علي من تاريخ دمشق ج3 ص340 رقم 1485.
(41) كفاية الطالب للكنجي ص256.
(42) ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ مدينة دمشق ج3 ص57 رقم 1097 و1098.
(43) نزل الأبرار ص9.
(44) انساب الأشراف ج2 ص180 رقم 211.
(45) أسنى المطالب للوصابي الباب الخامس عشر ص95 رقم 2 مخطوط.
(46) أخبار اصبهان ج2 ص210.
(47) بشارة المصطفى لشيعة المرتضى لمحمّد بن محمّد الطبري ص37.
(48) المناقب للخوارزمي، الفصل الرابع عشر ص92.
(49) كتاب اليقين للسيد ابن طاووس ص14 مخطوط.
(50) الرياض النضرة ج3 ص257. كذا، ولعلّ (بمعونة) هو الصواب.
(51) أنساب الأشراف ج2 ص118 رقم 74.
(52) يوم المهراس: يوم أحد، جاء علي فيه بماء من المهراس.
(53) المستدرك على الصحيحين ج3 ص111، ورواه ابن عبد البر في الاستيعاب القسم الثالث ص1090 رقم1855 والهيثمي في مجمع الزوائد ج9 ص120، وابن عساكر في ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ مدينة دمشق ج1 ص220 رقم 283.
(54) كفاية الطالب للكنجي ص252 وروي في توضيح الدلائل ص481.
(55) الرياض النضرة ج3 ص256.
(56) سورة الاحزاب: 33.
(57) مسند أحمد ج1 ص331، ورواه الحاكم النيسابوري في المستدرك ج3 ص132 والهيثمي في مجمع الزوائد ج9 ص119 مع فرق يسير، وابن عساكر في ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ مدينة دمشق ج1 ص183 رقم 249 وص185 رقم 250 وص187 رقم 251.
(58) ذخائر العقبى ص78.
(59) مقتل الحسين عليه السّلام للخوارزمي ج1 ص47.
(60) مقتل الحسين للخوارزمي ج1 ص44.
(61) مجمع الزوائد للهيثمي ج9 ص113، ورواه الكنجي في كفاية الطالب ص291 مع فرق.
(62) زين الفتى للعاصمي ص170 مخطوط.
(63) مجمع الزوائد للهيثمي ج9 ص120.
(64) توضيح الدلائل للسيد شهاب الدين أحمد ص424، والشنقيطي في كفاية الطالب ص51.
(65) كفاية الطالب للشنقيطي ص51ـ52.
(66) أسنى المطالب للوصابي الباب الرابع ص39 رقم 48 وص16 رقم2.
(67) كفاية الطالب للشنقيطي ص51ـ52.
(68) ترجمة الإمام علي بن أبي طالب، من تاريخ مدينة دمشق ج1 ص218 رقم 280.
(69) وسيلة المآل للحضرمي ص230.
(70) معارج العلى في مناقب المرتضى لمحمّد صدر العالم ص191 مخطوط.
(71) سورة آل عمران: 61.
(72) صحيح مسلم ج4 ص1871 باب فضائل علي بن أبي طالب عليه السّلام وابن عساكر في ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ مدينة دمشق ج1 ص207 رقم 271، والنسائي في الخصائص ص4، والترمذي في سننه ج5 باب مناقب علي بن أبي طالب ص301 مع فرق، والكنجي في كفاية الطالب ص85.
(73) التاج ج3 ص296.
(74) ترجمة الإمام علي بن أبي طالب ج1 ص214 رقم 278، والكنجي في كفاية الطالب ص285.
(75) ترجمة الإمام علي بن أبي طالب عليه السّلام من تاريخ مدينة دمشق ج1 ص216 رقم 279.
(76) سنن إبن ماجة باب فضل علي بن أبي طالب ج1 ص45 رقم 121.
(77) حلية الأولياء ج4 ص356.
(78) ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ مدينة دمشق ج3 ص60 رقم 1104 وانظر ما بعده.
(79) معارج العلى في مناقب المرتضى ص191.
(80) تحفة المحبين بمناقب الخلفاء الراشدين ص187.
(81) نزل الأبرار ص19.
(82) فرائد السمطين ج1 الباب الثاني والستون ص334.
(83) شرح نهج البلاغة ج6 ص45 وج12 ص46 بتحقيق أبو الفضل إبراهيم، ورواه ابن عساكر في ترجمة الإمام علي ابن أبي طالب من تاريخ مدينة دمشق ج2 ص387.
(84) شرح نهج البلاغة ج6 ص50 بتحقيق أبو الفضل إبراهيم.
(85) كذا في المصدر والعبارة مشوّشة.
(86) تاريخ اليعقوبي ج2 ص148.
(87) عامر بن واثلة الكناني من أصحاب أمير المؤمنين ومن ثقاته بشهادته عليه السلام تنقيح المقال ج2 ص117 رقم 6064 وهو من الذين قالوا بالتفضيل، قال إبن أبي الحديد: قال به كثير من الصحابة والتابعين، فمن الصحابة عمار، والمقداد، وأبو ذر وسلمان، وجابر بن عبد الله، وأبيّ بن كعب، وحذيفة، وبريدة، وأبو أيوب، وسهل بن حنيف، وعثمان بن حنيف وأبو الهيثم بن التيهان، وخزيمة بن ثابت، وأبو الطفيل عامر بن واثلة والعباس بن عبد المطلب وبنوه، وبنو هاشم كافة وبنو المطلب كافة، وكان الزبير من القائلين به في بدء الأمر، ثم رجع، وكان من بني أمية قومٌ يقولون بذلك، منهم خالد بن سعد بن العاص، ومنهم عمر بن عبد العزيز، شرح نهج البلاغة ج20 ص221.
(88) شرح نهج البلاغة ج6 ص83 بتحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم.
(89) أنساب الأشراف ج2 ص156.
(90) المناقب للخوارزمي الفصل التاسع عشر ص239.
(91) ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ مدينة دمشق ج3 ص63 رقم 1107 والقندوزي في ينابيع المودة الباب الأربعون ص122.