ما قاله الأعلام في فضائل الحسنين
روى الفخر الرازي عن الشعبي: «كنت عند الحجاج، فأتي بيحيي بن يعمر فقيه خراسان من بلخ مكبلا بالحديد، فقال له الحجاج: أنت زعمت أن الحسن والحسين من ذرية رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم؟ فقال: بلى فقال الحجاج: لتأتيني بها واضحة بينة من كتاب الله أو لأقطعنك عضواً عضواً، فقال: آتيك بها واضحة بينة من كتاب الله، يا حجاج، قال: فتعجبت من جرأته بقوله: يا حجاج، فقال له: ولا تأتني بهذه الآية (نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ)(1) فقال: آتيك بها واضحة من كتاب الله وهو قوله (وَنُوحاً هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيَْمانَ)(2) إلى قوله (وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى)(3) فمن كان أبو عيسى وقد ألحق بذرية نوح؟ قال:فأطرق ملياً ثم رفع رأسه، فقال: كأني لم أقرأ هذه الآية من كتاب الله، حلّوا وثاقه وأعطوه من المال»(4).
قال الحاكم النيسابوري: «قال الحجاج: فما حملك على تكذيبي في مجلسي؟ قال: ما أخذ الله على الأنبياء ليبيننه للناس ولا يكتمونه، قال الله عزّوجل: (فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلا)(5) قال فنفاه إلى خراسان»(6).
روى العاصمي: «ان مولى لبني أمية قال لمولى لبني هاشم: موالي أجود من مواليك، قال الهاشمي: بل موالي، فهلم فلتسأل عشرة من مواليك وأنتم السلطان، وأسأل أنا عشرة من موالي، فتحالفا وتعاقدا على ذلك، فانطلق الأموي، فسأل عشرة من مواليه فأعطاه كل واحد منهم عشرة آلاف، وانطلق الهاشمي إلى عبيد الله بن العباس فسأله فأعطاه مائة ألف، وإلى الحسن بن علي رضي الله عنه فسأله فقال: هل سألت أحداً قبلي؟ قال: نعم، عبيد الله بن العباس، فقال: لو بدأت بي لكفيتك أن تسأل غيري، فأعطاه ثلاثين ومائة ألف درهم، ثم أتى الحسين بن علي، فقال: هل سألت أحداً قبلي قال: نعم، الحسن بن علي فأعطاني ثلاثين ومائة ألف درهم، فقال: لا أتجاوز ما فعل سيدي، فأعطاه مثلها، فانطلق الهاشمي بثلاثمأة وستين ألفاً، وانطلق الأموي من عشر نفر بمائة ألف درهم، وانطلق [الأموي] مغلوباً فردها على من أعطاه فقبلوها، ورجع الهاشمي ليرد ما أخذ فكلهم قال ـ بعد أن أبى قبولها ـ إذهب فألقها حيث شئت»(7).
وذكر: «أن الحسن والحسين ومحمّد بن الحنفية خرجوا ذات يوم متنزهين فنزلوا على خيمة عجوز وسألوها العنز، فلم يكن عندها إلاّ عنز واحد فذبحته وطبخته لهم، فلما خرجوا، قالوا لها: إذا أتيتنا بالمدينة كافيناك، ورجع زوجها فطلب العنز، فذكرت له حديث الفتيان ولم يكن يعرفهم، فغضب الرجل وطلقها وضربها حتى كسر يدها وأخرجها من بيته، فكانت تلتقط البعر وتبيعه وتتقوت به، فجمعت ذات يوم وقر بعر وحملته إلى المدينة لتبيعه، فرآها الحسن في السوق فعرفها وقال لها: أنت التي أضفتينا يوم كذا؟ قالت: نعم، فسألها عن حالها، فأخبرته بما أصابها من زوجها، فذهب الحسن بها إلى بيته، فأعطاها ألف دينار وألف عنز، وبعث بها إلى الحسين فأعطاها الحسين ألفي دينار وألفي عنز، وبعث بها الحسين إلى محمّد بن الحنفية، فأعطاها محمّد ثلاثة آلاف دينار وثلاثة آلاف عنز، فرجعت المرأة بالدنانير والعنز إلى الحي وهي من أعزهم وأكثرهم مالا، فاستغنى أهل الحي بها ويسمون حي العنزة. قلت: وهذه خليقة لهم غير تخلق، وسجية طبيعة غير تكلف»(8).
(1) سورة آل عمران: 61.
(2 و 3) سورة الانعام: 84 و85.
(4) تفسير الفخر الرازي ج2 ص194.
(5) سورة آل عمران: 187.
(6) المستدرك على الصحيحين ج3 ص164.
(7) زين الفتى في تفسير سورة هل أتى ص346 مخطوط.
(8) زين الفتى ص348.