مآتم الحسين
ألف: في دار رسول الله:
روى محب الدين الطبري عن علي عليه السّلام قال: «دخلت على النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وعيناه تفيضان، قلت: يا نبي الله أغضبك أحد؟ ما شأن عينيك تفيضان؟ قال: قام من عندي جبريل قبل، وحدثني أن الحسين يقتل بشط الفرات قال: فقال: هل لك الى أن أشمك من تربته؟ قلت: نعم فمد يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها فلم أملك عيني أن فاضتا. خرّجه أحمد وخرّجه ابن الضحّاك»(1).
وعن عبدالله بن يحيى عن أبيه «أنه سافر مع علي، وكان على مطهرته، فلمّا حاذى نينوى، وهو منطلق الى صفين، فنادى علي: صبراً أبا عبدالله، صبراً أبا عبد الله بشاطىء الفرات، فقلت له: ماذا أبا عبدالله؟ فقال: دخلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعيناه تفيضان، ثم ذكر الحديث الى آخره»(2).
روى ابن قولويه بإسناده عن أبي عبد الله عليه السّلام قال: «ان جبرئيل أتى رسول الله والحسين يلعب بين يديه فأخبره أن أمته ستقتله قال: فجزع رسول الله صلّى الله عليه وآله، فقال: ألا أريك التربة التي يقتل فيها؟ قال: فخسف ما بين مجلس رسول الله صلّى الله عليه وآله إلى المكان الذي قتل فيه الحسين حتّى التقت القطعتان فأخذ منها، ودحيت في أسرع من طرفه عين، فخرج وهو يقول: طوبى لك من تربة، وطوبى لمن يقتل حولك، قال: وكذلك صنع صاحب سليمان، تكلم باسم الله الأعظم فخسف ما بين سرير سليمان وبين العرش من سهولة الأرض وحزونتها حتى التقت القطعتان فاجترّ العرش، قال سليمان: يخيّل إلي أنه خرج من تحت سريري قال: ودحيت في أسرع من طرفة العين»(3).
ب: في دار علي وفاطمة:
روى الخوارزمي باسناده عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال: «زارنا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فعملنا له خزيرة، وأهدت لنا أم أيمن قعباً من لبن وزبداً وصفحة من تمر، فأكل النبي وأكلنا معه، ثم وضأت رسول الله فقام واستقبل القبلة فدعا الله ما شاء، ثم أكب على الأرض بدموع غزيرة مثل المطر، فهبنا رسول الله أن نسأله، فوثب الحسين فقال: يا أبتي رأيتك تصنع ما لم أرك تصنع مثله؟ فقال: يا بني إني سررت بكم اليوم سروراً لم أسرّ بكم مثله، وان حبيبي جبرئيل أتاني فأخبرني أنكم قتلى، وأن مصارعكم شتى، فدعوت الله لكم وأحزنني ذلك. فقال الحسين: يا رسول الله فمن يزورنا على تشتتنا ويتعاهد قبورنا؟ قال: طائفة من أمّتي يريدون برّي وصلتي، فإذا كان يوم القيامة شهدتها بالموقف وأخذت بأعضادها فأنجيتها والله من أهواله وشدائده»(4).
روى ابن قولويه بإسناده عن أبي عبد الله عليه السّلام قال: لما حملت فاطمة بالحسين جاء جبرئيل إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله، فقال: انّ فاطمة ستلد ولداً تقتله أمتك من بعدك، فلما حملت فاطمة بالحسين كرهت حمله وحين وضعته كرهت وضعه، ثم قال أبو عبدالله عليه السّلام: هل رأيتم في الدنيا أمّاً تلد غلاماً فتكرهه ولكنها كرهته لأنها علمت أنه سيقتل، قال: وفيه نزلت هذه الآية:(5)(وَوَصَّيْنَا الاِْنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً)(6).
ج: في بيت أم سلمة:
روى ابن عساكر بإسناده عن أم سلمة قالت: «كان الحسن والحسين يلعبان بين يدي النبي صلّى الله عليه وسلم في بيتي فنزل جبرئيل، فقال: يا محمّد ان اُمتك تقتل ابنك هذا من بعدك وأومأ بيده الى الحسين، فبكى رسول الله وضمّه الى صدره، ثم قال: يا أم سلمة وديعة عندك هذه التربه، قالت: فشمّها رسول الله وقال ريح كرب وبلاء. قالت: وقال رسول الله: يا أم سلمة إذا تحوّلت هذه التربة دماً فاعلمي أن ابني قد قتل. قال: فجعلتها أم سلمة في قارورة، ثم جعلت تنظر اليها كل يوم وتقول ان يوماً تحوّلين دماً ليوم عظيم»(7).
وروى بإسناده عن داود، قال: قالت أم سلمة: «دخل الحسين على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ففزع رسول الله، فقالت أم سلمة: ما لك يا رسول الله؟ قال: انّ جبرئيل أخبرني أن ابني هذا يقتل وأنه اشتد غضب الله على من يقتله»(8).
وروى بإسناده عن عبدالله بن سعيد بن أبي هند، عن أبيه، قال: «قالت أم سلمة: كان النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم نائماً في بيتي فجاء الحسين، قالت: فقصد الباب فسبقته على الباب مخافة أن يدخل فيوقظه، قالت: ثم غفلت في شيء فدبّ فدخل فقعد على بطنه، قالت: فسمعت نحيب رسول الله فجئت فقلت: يا رسول الله والله ما علمت به، فقال: انما جاءني جبرئيل وهو على بطني قاعد فقال لي: أتحبّه؟ فقلت: نعم، قال: ان أمتك ستقتله، ألا أريك التربة التي يقتل بها؟ قال: فقلت: بلى، قال: فضرب بجناحه فأتى بهذه التربة، قالت: فإذا في يده تربة حمراء وهو يبكي ويقول: يا ليت شعري من يقتلك بعدي(9).
وروى الحاكم عن أم سلمة «أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم اضطجع ذات ليلة للنوم فاستيقظ وهو حائر ثم اضطجع فرقد ثم استيقظ وهو حائر دون ما رأيت به المرة الأولى، ثم اضطجع فاستيقظ وفي يده تربة حمراء يقبّلها، فقلت ما هذه التربة يا رسول الله؟ قال: أخبرني جبرئيل أن هذا يقتل بأرض العراق ـ للحسين ـ فقلت لجبريل: أرني تربة الأرض التي يقتل بها فهذه تربتها»(10).
وروى ابن حجر بإسناده عن أنس «أن النبي قال: استأذن ملك القطر ربه أن يزورني فأذن له وكان في يوم أم سلمة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: يا أم سلمة احفظي علينا الباب لا يدخل أحد، فبينما هي على الباب اذ دخل الحسين فاقتحم فوثب على رسول الله، فجعل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يلثمه ويقبله فقال له الملك: أتحبه؟ قال: نعم قال: ان أمتك ستقتله وان شئت أريك المكان الذي يقتل به فأراه، فجاء بسهلة أو تراب أحمر فأخذته أم سلمة فجعلته في ثوبها، قال ثابت: كنا نقول انها كربلا.
قالت: ثم ناولني كفاً من تراب أحمر، وقال: ان هذا من تربة الأرض التي يقتل بها فمتى صار دماً فاعلمي أنه قد قتل، قالت أم سلمة: فوضعته في قارورة عندي و كنت أقول أن يوماً يتحول فيه دماً ليوم عظيم، وفي رواية عنها: فأصبته يوم قتل الحسين وقد صار دماً، وفي أخرى: ثم قال يعني جبريل ألا أريك تربة مقتله، فجاء بحصيات فجعلهن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في قارورة، قالت أم سلمة فلما كانت ليلة قتل الحسين سمعت قائلا يقول:
أيها القاتلون جهلا حسيناً *** أبشروا بالعذاب والتذليل
قد لعنتم على لسان ابن داود *** وموسى وحامل الإنجيل
قالت: فبكيت وفتحت القارورة فإذا الحصيات قد جرت دماً»(11).
قال الخوارزمي: «قال شرحبيل بن أبي عون: ان الملك الذي جاء الى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم انما كان ملك البحار، وذلك أن ملكاً من ملائكة الفراديس نزل الى البحر، ثم نشر أجنحته عليه، وصاح صيحة، قال فيها: يا أهل البحار، البسوا ثياب الحزن فان فرخ محمّد مقتول مذبوح، ثم جاء الى النبي فقال: يا حبيب الله تقتتل على هذه الأرض فرقتان من أمتك احداهما ظالمة متعدية فاسقة، تقتل فرخك الحسين ابن ابنتك بأرض كرب وبلاء وهذه التربة عندك، وناوله قبضة من أرض كربلاء وقال له تكون هذه التربة عندك حتى ترى علامة ذلك، ثم حمل ذلك الملك من تربة الحسين في بعض أجنحته، فلم يبق ملك في سماء الدنيا الاّ شمّ تلك التربة وصار لها عندك أثر وخبر. قال: ثم أخذ النبي تلك القبضة التي أتاه بها الملك فجعل يشمها ويبكي ويقول في بكائه: اللهم لا تبارك في قاتل ولدي، وأصله نار جهنم، ثم دفع تلك القبضة الى أم سلمة وأخبرها بقتل الحسين بشاطىء الفرات، وقال: يا أم سلمة خذي هذه التربة إليك، فانها إذا تغيرت وتحولت دماً عبيطاً فعند ذلك يقتل ولدي الحسين»(12).
د: في بيت عائشة:
روى الخوارزمي بإسناده عن عائشة: «أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم اجلس حسيناً على فخذه فجاء جبرئيل اليه، فقال: هذا ابنك؟ قال: نعم، قال: أما ان أمتك ستقتله بعدك، فدمعت عينا رسول الله فقال جبرئيل ان شئت أريتك الأرض التي يقتل فيها، قال: نعم، فأراه جبرئيل تراباً من تراب الطف»(13).
وروى أحمد بإسناده عن وكيع قال: «حدثني عبد الله بن سعيد عن أبيه عن عائشة أو أم سلمة قال وكيع: شك هو ـ يعني عبدالله بن سعيد ـ أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال لأحدهما: لقد دخل على البيت ملك لم يدخل عليّ قبلها، فقال لي: ان ابنك هذا حسين مقتول وان شئت أريتك من تربة الأرض التي يقتل بها قال: فأخرج تربة حمراء»(14).
وروى ابن قولويه باسناده عن أبي عبدالله عليه السّلام قال: «كان الحسين ابن علي عليه السّلام ذات يوم في حجر النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم يلاعبه ويضاحكه، فقالت عائشة: يا رسول الله ما أشد اعجابك بهذا الصبي فقال لها: ويلك وكيف لا أحبه ولا اعجب به، وهو ثمرة فؤادي وقرّة عيني، أما ان أمتي ستقتله فمن زاره بعد وفاته كتب الله له حجة من حججي، قالت: يا رسول الله حجةٌ من حججك؟ قال: نعم حجتين من حججي، قالت: يا رسول الله حجتين من حججك؟ قال: نعم وأربعة، قال: فلم تزل تزداده ويزيد ويضعّف حتى بلغ تسعين حجة من حجج رسول الله صلّى الله عليه وآله بأعمارها»(15).
هـ: في بيت زينب بنت جحش:
روى ابن عساكر بإسناده عن جرير بن الحسن العبسي عن مولى لزينب أو عن بعض أهله عن زينب قالت: «بينا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في بيتي وحسين عندي حين درج فغفلت عنه فدخل على رسول الله فجلس على بطنه قالت: فبال عليه فانطلقت لآخذه فاستيقظ رسول الله فقال: دعيه فتركته حتى فرغ، ثم دعا رسول الله بماء فقال: انه يصبّ من الغلام ويغسل من الجارية، فصبوا صبّاً، ثم توضأ رسول الله، ثم قام يصلي فلما قام احتضنه اليه، فإذا ركع أو جلس وضعه، ثم جلس فبكى، ثم مد يده فدعا الله تعالى، فقلت حين قضى الصلاة: يا رسول الله اني رأيتك اليوم صنعت شيئاً ما رأيتك تصنعه قبل اليوم؟ قال: ان جبرئيل أتاني فأخبرني أن هذا تقتله امتي، فقلت: يا جبرئيل أرني تربة مصرعه فأراني تربة حمراء»(16).
و: عند الصحابة:
روى الحاكم النيسابوري بإسناده عن عبدالله بن مسعود قال «أتينا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فخرج الينا مستبشراً يعرف السرور في وجهه فما سألناه عن شيء الاّ أخبرنا به ولا سكتنا الاّ ابتدأنا، حتى مرت فتية من بني هاشم فيهم الحسن والحسين، فلما رآهم التزمهم وانهملت عيناه فقلنا: يا رسول الله ما نزال نرى في وجهك شيئاً نكرهه؟ فقال: انّا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وانه سيلقى أهل بيتي من بعدي تطريداً وتشريداً في البلاد…»(17).
روى الهيثمي باسناده عن ابن عباس، قال: «كان الحسين جالساً في حجر النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال جبريل: أتحبه، فقال: وكيف لا أحبه وهو ثمرة فؤادي؟ فقال: أما أن امتك ستقتله ألا اُريك من موضع قبره؟ فقبض قبضة فإذا تربة حمراء»(18).
وروى الحاكم النيسابوري بإسناده عن ابن عباس قال: «رأيت النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فيما يرى النائم نصف النهار أشعث أغبر معه قارورة فيها دم فقلت: يا نبي الله ما هذا؟ قال هذادم الحسين وأصحابه لم أزل ألتقطه منذ اليوم، قال: فأحصي ذلك اليوم فوجدوه قتل قبل ذلك بيوم»(19).
وروى باسناده عن سلمان، قال: «دخلت على أم سلمة وهي تبكي فقلت: ما يبكيك؟ قالت: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في المنام يبكي وعلى رأسه ولحيته التراب، فقلت: مالك يا رسول الله؟ قال: شهدت قتل الحسين آنفاً»(20).
وروى ابن عساكر بإسناده عن علي بن زيد بن جدعان، قال: «استيقظ ابن عباس من نومه فاسترجع وقال: قتل الحسين والله فقال له اصحابه: كلاّ يا ابن عباس كلاّ، قال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ومعه زجاجة من دم، فقال: ألا تعلم ما صنعت اُمتي من بعدي؟ قتلوا ابني الحسين وهذا دمه ودم أصحابه ارفعها الى الله عزّوجل. قال: فكتب ذلك اليوم الذي قال فيه وتلك الساعة ـ قال ـ فما لبثوا الاّ أربعة وعشرين يوماً حتى جاءهم الخبر بالمدينة أنه قتل ذلك اليوم وتلك الساعة»(21).
(1) ذخائر العقبى ص148 ورواه الحضرمي في وسيلة المآل ص365، والسيد شهاب الدين أحمد في توضيح الدلائل في تصحيح الفضائل ص740.
(2) ذخائر العقبى ص148.
(3) كامل الزيارات ص59.
(4) مقتل الحسين ج2 ص166.
(5) كامل الزيارات ص55 .
(6) سورة الاحقاف: 15.
(7) ترجمة الإمام الحسين من تاريخ مدينة دمشق ص175 رواه الهيثمي في مجمع الزوائد ج9 ص189، والسيوطي في الخصائص الكبرى ج2 ص450 مع فرق يسير، والكنجي في كفاية الطالب ص426.
(8) ترجمة الإمام الحسين من تاريخ دمشق ص176 رقم 224 وص178 رقم 227.
(9) ترجمة الإمام الحسين من تاريخ مدينة دمشق ص176 رقم 224 وص178 رقم 227، ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد ج9 ص188.
(10) المستدرك على الصحيحين ج4 ص398، ورواه ابن عساكر ص173، رقم 221.
(11) الصواعق المحرقة ص115، وانظر ابن عساكر ص168 رقم 216 والخصائص الكبرى للسيوطي ج2 ص 450.
(12) مقتل الحسين ج1 ص162.
(13) مقتل الحسين ج1 ص159، ورواه ابن عساكر ص179 رقم 228 و229، والسيوطي في الخصائص ج2 ص451 والبدخشي في مفتاح النجا ص201.
(14) المسند ج6 ص294، ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد ج9 ص187.
(15) كامل الزيارات ص68.
(16) ترجمة الإمام الحسين عليه السّلام من تاريخ مدينة دمشق ص181 رقم 230.
(17) المستدرك على الصحيحين ج4 ص464.
(18) مجمع الزوائد ج9 ص191.
(19) المستدرك على الصحيحين ج4 ص398. ورواه أحمد الاّ أنه قال في آخره «قتل في ذلك اليوم» المسند ج1 ص283، والخطيب في تاريخ بغداد ج1 ص142، والهيثمي في مجمع الزوائد ج9 ص193.
(20) المستدرك على الصحيحين ج4 ص19 ورواه ابن كثير في البداية والنهاية عن سلمى ج8 ص200 والسيوطي في الخصائص ج2 ص452، والطبري في ذخائر العقبى ص148.
(21) ترجمة الإمام الحسين عليه السّلام من تاريخ مدينة دمشق ص262 رقم 326 ورواه ابن كثير في البداية والنهاية ج8 ص200، والكنجي في كفاية الطالب ص428.