فاطمة و وصيّتها
قال الخوارزمي: «وكشف علي عليه السّلام عن وجه فاطمة فإذا برقعة عند رأسها فنظر فيها فإذا فيها بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أوصت به فاطمة بنت محمّد، أوصت وهي تشهد أن لا اله الاّ الله وأن محمّداً عبده ورسوله وان الجنّة حق وأن النار حق وان الساعة آتية لا ريب فيها وان الله يبعث من في القبور. يا علي، أنا فاطمة بنت محمّد زوجني الله منك لا كون لك في الدّنيا والآخرة فأنت أولى بي من غيرك، فحنّطني وكفّني وغسلني بالليل وصل علي وادفني بالليل ولا تعلم احداً واستودعك الله. واقرأ على ولدي السلام الى يوم القيامة، فلما جن الليل غسلها علي ووضعها على السرير وقال للحسن: ادع لي أبا ذر فدعاه فحملاها إلى المصلى فصلى عليها ثم صلى ركعتين ورفع يديه إلى السماء ونادى: هذه بنت نبيّك فاطمة أخرجتها من الظلمات إلى النور فاضاءت الأرض ميلا في ميل، فلما أراد أن يدفنها نودي من بقعة من البقيع اليّ اليّ فقد رفع تربتها فنظر فإذا بقبر محفور فحمل السرير إليه فدفنها. فلما رجع عليّ والحسن والحسين جلس علي وقال: يا أرض استودعك وديعتى هذه بنت رسول الله فنودي منها يا علي أنا أرفق بها منك فارجع ولا تهتم فرجع وانسد القبر واستوى في الأرض فلم يعلم أين كان الى يوم القيامة»(1).
وروى ابن عبد البر باسناده عن أم جعفر بنت محمّد بن جعفر وعن عمّار بن المهاجر عن أم جعفر: «ان فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قالت لأسماء بنت عميس: يا أسماء، انّي قد استقبحت ما يصنع بالنساء أنه يطرح على المرأة الثوب فيصفها، فقالت أسماء: يا بنت رسول الله، ألا أريك شيئاً رأيته بأرض الحبشة، فدعت بجرائد رطبة فحنتها ثم طرحت عليها ثوباً، فقالت فاطمة: ما أحسن هذا وأجمله لا تعرف به المرأة من الرجال، فإذا أنامتُّ فاغسليني أنت وعلي، ولا تدخلي علي احداً، فلما توفيت جاءت عائشة تدخل فقالت أسماء: لا تدخلي. فشكت الى أبي بكر فقالت ان هذه الخثعمية تحول بيننا وبين بنت رسول الله وقد جعلت لها مثل هودج العروس، فجاء أبو بكر فوقف على الباب قال: يا أسماء ما حملك على أن منعت ازواج النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم أن يدخلن على بنت رسول الله وجعلت لها مثل هودج العروس؟ فقالت: أمرتني ألا يدخل عليها أحد، وأريتها هذا الذي صنعت، وهي حية، فأمرتني أن أصنع ذلك لها، قال أبو بكر: فاصنعي ما أمرتك، ثم انصرف فغسلها علي وأسماء»(2).
قال ابن حجر: «ونقل أبو عمر في قصّة وفاتها أنّ فاطمة أوصت علياً أن يغسلها هو وأسماء بنت عميس»(3).
روى محب الدين الطبري بأسناده عن أم سلمة، قالت: «اشتكت فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في مرضها فاصبحت يوماً كأمثل ما رأيناها في شكواها فخرج علي بن أبي طالب لبعض حاجته قالت فاطمة: اسكبوا لي يا أمّه غسلا فسكبت لها غسلا فاغتسلت كأحسن ما كنت أراها تغتسل قالت: ثم قالت: يا أمّه ناوليني ثيابي الجدد، قالت: فناولتها ثم جاءت إلى البيت الذي كانت فيه فقالت: قدمي فراشي وسط البيت واضطجعت ووضعت يدها اليمنى تحت خدها ثم استقبلت القبلة ثم قالت: يا أمّه اني مقبوضة الآن فلا يكشفني أحد ولا يغسلني أحد، قالت: فقبضت مكانها، قالت: ودخل علي فأخبرته بالذي قالته وبالذي أمرتني فقال علي: والله لا يكشفها أحد فاحتملها فدفنها بغسلها ذلك ولم يكشفها ولا غسلها أحد»(4).
روى البيهقي باسناده عن أم جعفر: «ان فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قالت: يا أسماء، إذا أنا مت فاغسليني أنت وعليّ بن أبي طالب، فغسّلها علي وأسماء رضي الله عنهما».
وروى باسناده عن أسماء بنت عميس: «ان فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أوصت أن يغسلها زوجها علي بن أبي طالب رضي الله عنه فغسلها هو وأسماء بنت عميس»(5).
قال البدخشي: وانما استدل جماعة من الفقهاء على انه يجوز للرجل ان يغسل زوجة بانّ عليّاً كرم الله وجهه غسل فاطمة رضي الله عنها كما هو المشهور»(6).
قال النووي: «وأوصت أن تدفن ليلا ففعل [علي] ذلك بها ونزل في قبرها علي والعباس والفضل بن العباس رضي الله عنه»(7).
(1) مقتل الحسين ص85 ج1 الفصل الخامس.
(2) الاستيعاب ج4 ص1897 رقم 4057، ورواه الحضرمي في وسيلة المآل ص177.
(3) الإصابة ج4 ص378.
(4) ذخائر العقبى ص53 وهو في مقتل الحسين ج1 ص81 وفي أسد الغابة ج5 ص590.
(5) السنن الكبرى ج3 ص396 باب الرجل يغسل امرأته ورواه الخوارزمي في مقتل الحسين ج1 ص82.
(6) مفتاح النجاء ص157.
(7) تهذيب الأسماء واللغات ج2 ص353.